بين قوارب العشاق الفاخرة واحتجاجات السكان الغاضبة
«بيزوس» يحتفل.. و«فينيسيا» تعترض

آلاء شوقى
فى مدينة الحب «فينيسيا» الإيطالية، ووسط قنواتها الحالمة، كاد صوت الكمانات أن يعلو على كل شيء، لولا أن قُبلات الحب اصطدمت بلافتات الغضب.. فتحول زفاف الملياردير الأمريكى «جيف بيزوس» إلى أوبرا فاخرة يعارضها الفقراء فى المدينة.
«جيف بيزوس»، مؤسس شركة «أمازون»، وأحد أغنى رجال العالم، قرر أن يكتب فصلًا جديدًا من قصة حبه مع الإعلامية «لورين سانشيز» بطريقة لا تقل خيالًا عن أفلام «هوليوود»، أو ربما أغلى منها قليلًا.
ثلاثة أيام ساحرة حولت مدينة «فينيسيا» إلى مسرح كبير، يحتضن حفل زفاف أسطورى، يُقدر بملايين الدولارات، يجمع بين الثراء الفاحش، والرومانسية المترفة، مع قليل من الجدل. فبينما كان رجل الأعمال الأمريكى يحتفل بزفافه الأسطورى، كانت جدران المدينة العتيقة تتصدع تحت وقع صيحات الاحتجاج.
عرس بحجم ميزانية مدينة صغيرة
أقيم الزفاف الأسطورى فى الفترة من 26 إلى 28 يونيو الماضى، وتضمن حفلًا على جزيرة «San Giorgio Maggiore»، بتكلفة بلغت نحو 50 مليون دولار.
وشملت تلك الميزانية استئجار قصور أثرية بالكامل لضمان الخصوصية، تنسيق زهور مستوردة خصيصًا من كل من «هولندا»، «لبنان»، و«إيطاليا»؛ فضلًا عن تأمين مشدّد من فرق خاصة لتجنّب تسريبات إعلامية.
هذا بالإضافة إلى رحلات طيران خاص ونقل بحرى فخم لنحو 250 ضيفًا من نخبة العالم، شملت القادة السياسيين، والفنانين، والعديد من المشاهير والإعلاميين، ورجال الأعمال.
وكان من بين أبرز الأسماء التى حضرت الزفاف الأسطورى، كل من: «ليوناردو دى كابريو»، «كيم كراديشيان»، «توم برادى»،«أشر»، «أورلاندو بلوم»، إلى جانب الإعلامية «أوبرا وينفرى»، رجل الأعمال «إيلون ماسك»،«بيل جيتس»، و«إيفانكا ترامب»، وغيرهم الكثير.
ميزانية الزفاف الضخمة شملت –أيضًا- حفلات غنائية، وثلاث فعاليات متتابعة بطابع سينمائى، دفعت أحد الحاضرين للتعليق ساخرًا على الحفل، بأنه: «لم تكن حفلة.. كانت سلسلة (نتفليكس) بثلاثة مواسم، كلها خلال عطلة نهاية الأسبوع».
3×3
شمل الزفاف الأسطورى ثلاث حفلات بثلاثة أزياء مبهرة.. حيث أقيم فى (الليلة الأولى)، التى عرفت باسم «العهد الرسمى» مراسم تبادل العهود فى أجواء مستوحاة من الحقبة الرومانية، وتألقت «لورين» بفستان مخصص من تصميم «Dolce & Gabbana»، مزخرف بدانتيل ناعم، وإشارات فضائية رمزية، تكريمًا لمشروعات شركة «بيزوس» الفضائية «بلو أوريجن»؛ بينما ارتدى «جيف» بدلة كلاسيكية سوداء بربطة عنق بيضاء مرصعة بالألماس!!
(الليلة الثانية)، عرفت باسم حفل «جاتسبى العظيم»، وأقيمت فى قصر تاريخى بإطلالة على القناة الكبرى، حيث دخل الضيوف فى أجواء العشرينيات الفخمة، وارتدى الجميع ملابس مستوحاة من رواية «The Great Gatsby»، واستمر الرقص حتى الفجر مع عرض نارى مذهل على سطح القصر.
أما (الليلة الثالثة)، التى عرفت باسم ليلة «بيجاما بارتى» الختامية، فاختار العروسان أن يختتما الحفل بصورة عائلية، مع حفل راقص غير رسمى بالبيجاما، أحياها المغنى «أشر»؛ كما وزعت هدايا من الكشمير الفاخر، مطبوعة باسم «Mrs. Bezos». هذا إلى جانب ارتداء العروس لـ27 زيًا مختلفًا خلال الأيام الثلاث فى أوقات مختلفة.
«فينيسيا» مدينة وليست قاعة زفاف
رغم وصفه بزفاف الأحلام وزفاف القرن الذى تجاوز أفكار عالم (ديزنى) للأميرات، إلا أنه انطلاقًا من المثل الشعبى الشهير «الحلو.. ما يكملش»، واجه هذا الزفاف العديد من الأحداث الدراماتيكية، والتحديات، من أبرزها، تحول الزفاف من مهرجان فخم إلى مشهد احتجاجى ضد الأغنياء، وتجارة السياحة؛ فبعض المحتجين استخدموا اللافتات، وحتى التماثيل، للتعبير عن أن المدينة ليست للعرض بل للعيش الكريم.
ورفع بعض المحتجين لافتات ضخمة فى قلب «فينيسيا» فى ساحة «سان ماركو»، و«كامبو سان جورجيو»، كتب عليها: «إذا كان بإمكانك استئجار «فينيسيا» لحفل زفافك، فيمكنك دفع المزيد من الضرائب».
أما فى يوم الزفاف، فقد استخدم المتظاهرون مكبرات صوت بهتافات قوية، مثل: «لا لاحتفالات الأغنياء فى وقت الفقر».
كما نشر الناشطون عبارة «No Space for Bezos» أى «لامكان لبيزوس» مكتوبة بأشعة ليزر على برج الجرس.
جديرًا بالذكر، أن «الحملة نشطت قبل الزفاف بعدة أسابيع، وجابت الشوارع، واستخدم المحتجون لافتات مختلفة تحمل عبارات مثل: «Kisses yes, Bezos no»أى «نعم للقبلات..لا لبيزوس»، ورددوا شعارات، مثل: «Eat the Rich» أى «فلتأكلوا الأغنياء»، و«Bezos, Out of the Lagoon» أى «بيزوس اخرج من البحيرة».
الاحتجاجات واسعة النطاق دفعت «بيزوس» - رابع أغنى رجل فى العالم- للتبرع بمبلغ مليون يورو (أى ما يقدر بنحو 1.17 مليون دولار) لثلاث منظمات بحثية فى مجال البيئة تعمل فى «فينيسيا»، وفقًا لما صرحت به جمعية الأبحاث البيئية فى فينيسيا «كوريلا». لكن، العديد من المتظاهرين انتقدوا هذه الخطوة؛ معتبرين أنها مجرد محاولة لتهدئة السكان الغاضبين.
وعليه، أطلق النشطاء عوامة وسط القنوات على طول القناة الكبرى تحمل دمية لـ«جيف بيزوس»، وهى تمسك بصندوق لشركة «أمازون»، ويده مليئة بأوراق دولارات مزيفة رمزًا للاحتجاج على الثراء والسلطة المبالغ فيهما، وتجمهروا لسد طرق المياه أمام الوصول إلى موقع الزفاف الأصلى، ما دفع منظمو الحفل - بالتنسيق مع «بيزوس» وفريقه الأمنى - لتغيير مكان الزفاف إلى موقع أكثر خصوصية وصعوبة فى الوصول إليه.
ويجدر الإشارة هنا إلى أن سكان «فينيسيا» يعانون من كثرة أعداد السائحين بشكل مبالغ فيه على حد وصفهم مما أدى إلى ارتفاع أسعار إيجارات العقارات وغيرها. وجاء الزفاف الفاخر ليكشف الستار عن أزمة اعتماد «فينيسيا» اقتصاديًا على السياح الأغنياء أو «السياحة الفاخرة» كما يطلق عليها، بينما يرفض السكان هؤلاء الزائرين ويشعرون أن وجودهم لا يتوافق مع جودة حياة سكان المدينة.
مواقف وطرائف
فى الوقت الذى سيطرت الدراما على مشهد الزفاف، إلا أنه على الوجه الآخر، حدث العديد من المواقف الطريفة والمحرجة فى الحفل، من بينها مفاجأة العروس التى فشلت، حيث حاولت «سانشيز» أن تفاجئ «بيزوس» من خلال جلب ببغاء صغير مدرّب ليشارك فى الحفل، لكن الببغاء قرر أن يهرب فجأة، مما دفع الجميع للركض خلفه وسط القاعة، وصارت القصة مزحة متداولة بين الحضور فى اليوم التالى.
على صعيد آخر، حاول رجل الأعمال الشهير «إيلون ماسك» فى حفل «جاتسبى» أن يتعلم رقص «تشارلستون» الكلاسيكى من أحد راقصى الباليه المحترفين. لكن رغم محاولاته المتتالية، كانت قدماه ترفضان مساعدته.. وفى تلك الأثناء، اقتربت منه المغنية الشهيرة «ليدى جاجا» بابتسامة ماكرة، وقالت له: «لا تقلق، أنا ـ أيضًا - أحاول الرقص دون أن أطير»!!
فى النهاية، بعيدًا عن أسطورية الزفاف أو أحداثه الدرامية، يظل حدثًا فارقًا، ومادة واسعة لوسائل الإعلام والحركات الاجتماعية التى تتجادل فيما بينها، هل الزفاف هو «رمز جميل لقصة حب»، أم «وجه قبيح للرأسمالية»؟.