المتحدث الإقليمى باسم وزارة الخارجية الأمريكية فى لـ«روز اليوسف» ويربيرج: أمن الخليج أولوية أمريكية قصوى

محمد الجزار
مثلت جولة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بمنطقة الخليج العربى علامة فارقة فى العلاقات الأمريكية مع دول المنطقة، وسوف تترك تأثيرًا عميقًا وممتدًا لسنوات مقبلة.
وعن أسباب ونتائج وتداعيات هذه الجولة وعلاقتها بالمتغيرات الجيوسياسية المتلاحقة، نحاور فى السطور التالية المتحدث الإقليمى باسم وزارة الخارجية الأمريكية صامويل ويربيرج.
ما دلالة أن تكون أول زيارة للرئيس الأمريكى إلى منطقة الخليج؟
إن اختيار دول الخليج كمحطة أولى للرئيس ترامب يعكس رسالة سياسية واضحة مفادها أن أمن الخليج واستقراره أولوية قصوى للولايات المتحدة. منذ زيارته للرياض عام 2017، ظل الرئيس ترامب يعتبر هذه العلاقة حجر الزاوية فى السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط. العودة الآن إلى المنطقة تؤكد استمرارية هذا التوجّه، لكن فى سياق أكثر تعقيدًا يتطلب بناء شراكات أعمق، لا سيما على مستوى الاستثمار المشترك، والدفاع، والطاقة.
هل تندرج هذه الزيارة ضمن استراتيجية أمريكية جديدة فى الشرق الأوسط؟
الزيارة تعكس معالم استراتيجية متجددة ترتكز على الشراكة، وعلى الاستثمار، وعلى التعاون المتكافئ فى مواجهة التحديات العالمية، والسياسة الأمريكية الحالية تُركّز على: تمكين الشركاء الإقليميين أمنيًا واقتصاديًا، وتقليص النفوذ المعادى فى المنطقة، خصوصًا الإيرانى، وتوسيع دائرة التطبيع والتكامل الإقليمى عبر دعم مسارات مثل اتفاقات إبراهام، بالإضافة إلى الدفع نحو نموذج دبلوماسى تجارى جديد يضع الاستثمار فى صميم العلاقة الأمريكية- العربية.
كيف تصف العلاقات الأمريكية الخليجية فى ظل هذه الزيارة؟
العلاقات بين الولايات المتحدة وكل من المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، تُعد من أكثر الشراكات الاستراتيجية عمقًا وتنوعًا فى المنطقة. هذه الزيارة الرئاسية لم تأتِ فقط لتأكيد الالتزام الأمريكى بأمن الخليج، بل لتعكس واقعًا قائمًا من التعاون الفعلى فى ملفات الأمن والدفاع والطاقة والاستثمار والتكنولوجيا المتقدمة وتُظهر نتائج الزيارة- من توقيع الاتفاقيات الدفاعية والاقتصادية الكبرى إلى التنسيق السياسى بشأن الملفات الإقليمية- أن الشراكة تتجه إلى مستوى أكثر شمولًا. والولايات المتحدة ترى أن الدول الثلاث تلعب دورًا مميزًا فى استقرار المنطقة، وتُقدّر مساهماتها فى مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، سواء فى دعم الجهود السياسية لحل النزاعات، أو فى الاستثمارات العابرة للحدود التى تخدم مصالح متبادلة.
ما الاتفاقيات التى تمت خلال الزيارة؟
الاتفاقيات التى أُبرمت خلال الجولة الرئاسية، تعكس تحوّلًا نوعيًا فى الشراكة الأمريكية الخليجية فى الجانب الدفاعى، شهدنا توقيع أكبر صفقة فى تاريخ التعاون الدفاعى الأمريكى- السعودى بقيمة 142 مليار دولار على سبيل المثال، تشمل قدرات جوية وصاروخية وبحرية وتقنية، وتُعزّز قدرة المملكة على حماية أمنها ومواجهة التهديدات المشتركة. اقتصاديًا، وهناك التزامات غير مسبوقة للاستثمار فى الاقتصاد الأمريكى، منها التزام سعودى بقيمة 600 مليار دولار فى مشاريع حيوية تشمل الطاقة والبنية التحتية والتقنيات المتقدمة، وصفقات مع قطر بقيمة 1.2 تريليون دولار تشمل صناعات الطيران، والذكاء الاصطناعى، والطاقة، والدفاع. هذه الاتفاقيات لا تقتصر على المعاملات التجارية.
كيف تسعى واشنطن لتعزيز شراكتها فى المنطقة فى ظل التغيرات الجيوسياسية؟
الولايات المتحدة تُدرك أن المنطقة تمر بتحوّلات عميقة، سواء نتيجة تصاعد المنافسة الدولية أو التحديات المرتبطة بالطاقة والأمن. وفى هذا السياق، تعتمد واشنطن على نموذج شراكة جديد يركّز على الدبلوماسية الاقتصادية والتمكين الدفاعى وتطوير سلاسل الإمداد الإقليمية. نحن نتحرك من منطق «الوجود الأحادى» إلى منطق «الشراكة التكاملية»، حيث تكون الاستثمارات والتكنولوجيا والدفاع أدوات مشتركة لمواجهة التحديات. فى ظل تزايد الانخراط الصينى والروسى فى المنطقة، تُقدّم الولايات المتحدة شراكة قائمة على الشفافية، ونقل المعرفة، والابتكار، وليس على الارتباط المشروط. دعمنا لمبادرات مثل رؤية السعودية 2030، والاتفاقيات الدفاعية مع الإمارات، والشراكة التقنية مع قطر، كلها تعكس هذا التوجه الجديد فى سياسة الولايات المتحدة تجاه الخليج والمنطقة ككل.
محادثات الرئيس ترامب مع قادة دول مجلس التعاون الخليجى تناولت بشكل مباشر التهديدات المرتبطة بسلوك إيران الإقليمى وبرامجها الصاروخية والعسكرية. هناك اتفاق واضح على أن سياسات إيران العدائية لا تهدد فقط الأمن القومى لدول المنطقة، بل تؤثر أيضًا على استقرار الطاقة والممرات الملاحية العالمية.
الولايات المتحدة ملتزمة بمواصلة الضغط على النظام الإيرانى من خلال العقوبات، كما تم مؤخرًا بفرض إجراءات جديدة على كيانات تدعم البرنامج الصاروخى الإيرانى. وفى الوقت نفسه، الرئيس ترامب أوضح أن باب التفاوض لا يزال مفتوحًا، لكن بشروط صارمة تشمل وقف دعم الميليشيات، ووقف تهريب السلاح، وضمانات حقيقية لعدم تطوير برنامج نووى عسكرى. الشركاء الخليجيون يدركون أن مواجهة هذا التحدى تتطلب تنسيقًا عسكريًا واستخباراتيًا واقتصاديًا، والولايات المتحدة تواصل دعم قدراتهم الدفاعية والتقنية ضمن هذا الإطار.
ما موقف الإدارة الأمريكية من جهود الوساطة الخليجية فى القضايا الإقليمية؟
الولايات المتحدة تُقدّر بشكل كبير دور دول الخليج فى الوساطة الإقليمية. فى كل من هذه الملفات، لعبت السعودية وقطر والإمارات دورًا مهمًا فى تسهيل الحوار، وتخفيف التصعيد، ومحاولة إيجاد حلول دبلوماسية للصراعات الممتدة. نحن على تواصل مستمر مع شركائنا الخليجيين لدعم هذه المبادرات، بما فى ذلك تنسيق الجهود فى اليمن من خلال الضغط على الحوثيين لوقف سلوكهم العدائى، كما نُنسق مع قطر بشأن إطلاق سراح الرهائن فى غزة، ومع الإمارات والسعودية بشأن دعم الاستقرار فى السودان عبر المسارات الإنسانية والسياسية. النهج الأمريكى فى هذه المرحلة يقوم على تمكين شركائنا من لعب أدوار قيادية، مع الحفاظ على التنسيق الوثيق وضمان أن تظل هذه الجهود ضمن إطار يحفظ وحدة الدول وسلامتها الإقليمية.
كيف تقيِّم الولايات المتحدة جهود دول الخليج فى مكافحة الإرهاب والتطرف؟
دول الخليج شريكة رئيسية للولايات المتحدة فى الحرب على الإرهاب، والتنسيق الأمنى والاستخباراتى بيننا اليوم فى أفضل حالاته. سواء فى محاربة تنظيم داعش، أو مواجهة شبكات تمويل الإرهاب، أو مراقبة تحركات الجماعات المتطرفة العابرة للحدود، دول الخليج تقوم بدور مهم وفعّال. نُثمّن أيضًا المبادرات الفكرية والتعليمية التى أطلقتها هذه الدول لمحاربة التطرف من جذوره، وتفكيك الروايات الأيديولوجية التى تستغل الدين لتبرير العنف. هذه المقاربة الشاملة- التى تجمع بين الأمن والفكر- تُعد نموذجًا يُحتذى به إقليميًا. الولايات المتحدة ملتزمة بمواصلة هذا التعاون، من خلال التدريب، وتبادل المعلومات، ودعم القدرات الفنية والتقنية لشركائنا، بما يُسهم فى منع التهديدات قبل وقوعها، وتعزيز أمن المنطقة والعالم.
هل ناقش الرئيس ترامب ملفات حقوق الإنسان خلال الجولة؟
الولايات المتحدة تطرح دائمًا قضايا حقوق الإنسان ضمن حواراتها الثنائية مع الشركاء حول العالم، بما فى ذلك شركاؤها فى الخليج. هذه القضايا تُناقش بشكل مباشر وضمن سياق يحترم السيادة ويُركّز على البناء التدريجى وتعزيز الفرص. نحن نُقدّر الخطوات التى اتخذتها دول الخليج على صعيد التمكين الاقتصادى، وتحسين أوضاع المرأة، والانفتاح الثقافى، ونشجّع على مواصلة هذا المسار، ضمن رؤية محلية وإقليمية تراعى خصوصيات كل دولة.
كيف تنظر الإدارة الأمريكية إلى دور دول الخليج فى استقرار سوق الطاقة العالمية؟
تقوم دول الخليج بدور أساسى فى استقرار سوق الطاقة العالمية، من خلال ضبط الإنتاج، وتوفير الإمدادات، والاستثمار فى مشاريع التكرير والنقل، وكل ذلك بالتنسيق مع الشركاء الدوليين. الولايات المتحدة تُقدّر هذا الدور، وتُواصل التنسيق مع شركائها الخليجيين لضمان استقرار السوق العالمية وتفادى أى اختلالات تؤثر على الاقتصاد الدولى، كما نعمل مع شركائنا على دعم مسارات الطاقة المتجددة والانتقال نحو تقنيات أكثر استدامة، بما يوازن بين متطلبات النمو الاقتصادى ومرحلة ما بعد النفط.
هل هناك حديث عن شراكات أمريكية خليجية فى مجالات الذكاء الاصطناعى أو التحول الرقمى؟
الذكاء الاصطناعى والتحول الرقمى أصبحا من المحاور الرئيسية فى الشراكة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وقد تم الإعلان خلال زيارة الرئيس ترامب عن مشاريع واستثمارات غير مسبوقة فى هذا المجال. فى قطر مثلًا، تم توقيع اتفاقيات مع شركات أمريكية رائدة مثل Google
وOracle وSalesforce وAMD لتوسيع البنية التحتية الرقمية وتعزيز استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى قطاعات استراتيجية. شركة DataVolt القطرية أعلنت عن استثمار بقيمة 20 مليار دولار فى مراكز بيانات أمريكية تُعزز أمن المعلومات وقدرات المعالجة السحابية، ما يجعلها من أضخم استثمارات الذكاء الاصطناعى الثنائية حتى الآن. كما تم الإعلان عن شراكة مع شركة Quantinuum الأمريكية فى مجالات الحوسبة الكمومية والتطبيقات الذكية. وفى السعودية كمثال آخر، تأتى هذه الشراكات ضمن رؤية 2030، حيث يتم العمل على تطوير المدن الذكية، وربط قطاعى الطاقة والخدمات بالبنية التحتية الرقمية، مع مساهمة فاعلة من شركات أمريكية فى بناء هذه المنظومات التقنية المتقدمة. أما بالنسبة للإمارات، فهناك تعاون قائم ومتقدم فى هذا المجال، يشمل مشاريع مرتبطة بالبنية التحتية الرقمية.
ما رسالة ترامب إلى شعوب المنطقة؟
الرسالة واضحة: الولايات المتحدة ملتزمة بشراكاتها التاريخية مع دول المنطقة، ومستعدة للعمل مع قادة وشعوب الخليج من أجل مستقبل قائم على الأمن، والازدهار، والاستقرار. الرئيس ترامب يُدرك أهمية هذه اللحظة، ويريد من خلال زيارته أن يُظهر أن الولايات المتحدة لا تزال شريكًا موثوقًا، ليس فقط فى الدفاع، بل فى الاقتصاد، والتعليم، والتكنولوجيا، وكل ما يخدم تطلعات شعوب المنطقة.
كيف ترد وزارة الخارجية على الانتقادات التى تقول إن واشنطن تنحاز لطرف على حساب طرف آخر فى الشرق الأوسط؟
الولايات المتحدة لديها وجهة نظر أخرى، نحن نرى أنه لدينا علاقات قوية ومتوازنة مع العديد من الشركاء فى المنطقة، ونحرص على تنمية هذه العلاقات بشكل متوازٍ. ما يحدد تعاوننا هو المصالح المشتركة والاستعداد المتبادل للعمل فى ملفات الأمن، والاقتصاد، والدبلوماسية. تعزيز شراكاتنا الخليجية لا يعنى تراجع اهتمامنا بقضايا أخرى، أو بعلاقاتنا مع دول أخرى، بل نسعى إلى تفعيل دور جميع شركائنا فى إيجاد حلول إقليمية مستدامة، بالإضافة إلى بناء علاقات ثنائية مميزة مع كل دول المنطقة.
هل هناك قمم أخرى وزيارات أخرى قادمة؟
هذه الزيارة تمثل بداية لمرحلة جديدة من التعاون الأمريكى الخليجى، خصوصًا فى ظل التغيرات المتسارعة على المستويين الإقليمى والدولى. ما نتوقعه فى المرحلة المقبلة هو تكثيف المتابعة على مستوى الفرق الوزارية والفنية، واستكمال ما تم التوصل إليه خلال الزيارة من تفاهمات اقتصادية وأمنية وتقنية. فيما يتعلق بالقمة الأمريكية الخليجية، لا يوجد إعلان رسمى حتى الآن عن قمة موسعة جديدة، لكن الأبواب مفتوحة دائمًا للبناء على مخرجات هذه الجولة، سواء من خلال اجتماعات ثنائية أو تنسيق جماعى فى الملفات ذات الأولوية مثل الطاقة، والأمن البحرى، والابتكار، والدفاع. الرسالة الأهم أن هذه الجولة وضعت الأساس لمسار مستدام من التنسيق، تُتابعه فرق العمل المختصة فى كل قطاع، بما يضمن تحويل هذه الزيارة إلى نتائج ملموسة طويلة الأمد.