السبت 31 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

حكاية اسير العميد هانى إبراهيم خمايسة: زرعنا أشجار الصبر فى الزنازين مثل أغصان الزيتون بفلسطين "الحلقة 13"

ولد العميد المحرر هانى إبراهيم خمايسة فى الأرض الطيبة جنين وتعلم منذ الطفولة والشباب بالجزائر على العروبة والقوة والفداء، ثم تخرج فى المدرسة العليا للدفاع الجوى بالجزائر 1998 والتحق بالعمل فى جهاز الاستخبارات العسكرية فى فلسطين 1998، وحلم بالعودة إلى وطنه فلسطين والمشاركة فى المقاومة واعتقل عام 2003، وبين جدران السجن وبين طيات الذاكرة جاءت قصته تختزل وجع الوطن وصموده، وتكشف وجهاً آخر للبطولة ولم تكن سنوات أسره مجرد أرقام، بل محطات نضال متصلة بخيوط الصبر والعزيمة والإيمان بعدالة القضية وظل ثابتًا على عهده لفلسطين وإلى تفاصيل الحوار.



 

 ما  ذكريات الطفولة فى بلدة اليامون فى ظل محتل غاشم؟

- ولدت فى بلدة اليامون قضاء جنين، ثم انتقلت رضيعًا إلى الجزائر، حيث ترعرعت فى أجواء مشبعة بروح الثورة والنضال. كنت أزور فلسطين فى الإجازات، وكل زيارة كانت تُشعل داخلى نار الانتماء، وتكشف لى حجم الحب العميق الذى يربطنى بهذه الأرض. كنت فى كل مرة أزداد يقينًا أن مكانى الحقيقى هنا، على تراب بلدى. والحمد لله، استجاب الله لأمنياتى، وعدت لأعيش فيها، وأحمل همها وأدافع عنها.

 ماذا تمثل المرأة بالنسبة لك؟ وهل عشت قصة حب؟

- المرأة الفلسطينية بالنسبة لى هى تجسيد للصمود والإصرار. هى الأم التى تُربّى أبناءها على الكرامة، وهى الزوجة التى تصبر، والأخت التى تُساند، والابنة التى تحلم وتُقاوم. المرأة هنا تُقاتل فى كل ساحة فى البيت، فى المدرسة، فى العيادة، وفى الميدان. لم أعش قصة حب شخصية، ربما لأن القلب كان مشغولًا بوطنٍ جريح، لكننى رأيت الحب الحقيقى فى دموع الأمهات، وفى صبر الأسيرات، وفى وفاء النساء اللواتى حملن راية النضال بصمت وكرامة.

 كيف التحقت بالمقاومة؟ وما الدوافع التى قادتك لذلك؟

- الاحتلال لا يترك لنا خيارًا، فإما أن نقبل الذل أو نقاوم. وأنا اخترت المقاومة. التحقت بجهاز الاستخبارات الفلسطينى، وكنت أرى أن النضال لا يقتصر فقط على البندقية، بل يشمل الكلمة والمعلومة والموقف.

 

المقاومة الفلسطينية هى مزيج من الأفعال والنضالات السياسية والعسكرية والشعبية والثقافية، من أجل إنهاء الاحتلال واستعادة حقوقنا الوطنية. أؤمن بأن النضال هو السبيل الوحيد للحرية، وأن من لا يدفع ثمنًا للكرامة لن يُدرك قيمتها.

متى وكيف تم اعتقالك؟ وما التهم التى وُجهت إليك؟

- تم اعتقالى بطريقة وحشية ليلة 23 مارس 2003. اقتحم الجنود المنزل ليلاً، حطموا الأبواب، كلبشونى بعنف، عصبوا عينى، وجرّونى إلى الجيب العسكرى كأنى مجرم. نسبوا إليّ تهمًا ملفّقة، بعضها لم أسمع به من قبل. هكذا هو الاحتلال: لا يحتاج لأدلة، فقط يُقرر، وينفذ، ويحكم بما يشاء.

كيف كان اليوم الأول فى الأسر؟ وهل توقعت أن تطول المدة؟

- اليوم الأول كان كابوسًا. الضرب، الشتم، التجويع، والتعذيب النفسى. لا تعرف إلى أين تُؤخذ، لا يُسمح لك بالنوم أو حتى الجلوس، تُجبر على الوقوف ساعات طويلة مكبلًا ومعصوب العينين. تسمع صراخ معتقلين آخرين ليزرعوا الرعب فى قلبك. شعرت أن كل شيء فى جسدى يصرخ، لكننى تمسكت بإيمانى، وقلت فى نفسى: «لن أنكسر». لم أكن أتخيل أننى سأقضى أكثر من 22 عامًا خلف القضبان، لكننى آمنت أن هذه التضحية ليست عبثًا.

 ما أبرز المحطات التى مررت بها خلال سنوات الأسر فى سجن نفحة؟

- كل محطة كانت نارًا تصهرنا، لكنها أيضًا كانت مدرسة تصنعنا. فى التحقيق، ضغط متواصل، وعود كاذبة، وتهديدات. ثم جاء العزل، وكان العزلة الحقيقية عن الحياة. لا إنسان، لا ضوء، فقط جدران وصدى أنفاسى.

أمام المحكمة العسكرية، شعرت أن العدالة غائبة، وأن الحكم جاهز، لكننى علمت أن قضيتى أكبر من القاضى والملف. فى السجن، تعلمنا أن الحرية تسكن القلب، لا الجسد. قرأنا، كتبنا، حفظنا القصائد، وزرعنا الصبر فى الزنازين حتى أصبح أشجارا كالزيتون بحقول فلسطين.

 هل شاركت فى الإضرابات عن الطعام؟ كيف كانت هذه التجارب؟

- نعم، شاركت فى عدة إضرابات جماعية، وأحيانًا فردية. الإضراب عن الطعام هو صرخة من جسدك فى وجه الظلم، وهو وسيلة الأسرى لانتزاع حقوقهم. الألم كبير، الجوع قاسٍ، لكن الإرادة تنتصر. نواجه الموت أحيانًا ببطون خاوية، لكن بقلوب مملوءة بالكرامة.

هل التقيت بقيادات فلسطينية فى الأسر؟

- نعم، السجون كانت ملتقى لكل أطياف النضال الفلسطينى. التقيت بقيادات من فتح، وحماس، والجبهة الشعبية، وكلهم كانوا رجالًا يؤمنون بأن الخلاف لا يفسد للحرية قضية. داخل السجن كنا عائلة واحدة، نختلف أحيانًا، لكن يجمعنا همّ الوطن.

 كيف حافظت على معنوياتك داخل السجن؟

- كنت أقول لنفسى: «أن تبقى واقفًا هنا، هو بحد ذاته مقاومة».

الإيمان كان درعى، والعائلة كانت سندى، والرفاق كانوا ضوء الزنزانة. تخيلت أمى تدعو لى، ووالدى يفتخر بى، وأطفالى الذين لم أنجبهم بعد يحلمون بى. كنت أكتب خواطر على قطع مناديل، أسترجع الذكريات، وأزرع الأمل فى كل لحظة. من سرق حريتى لم يستطع سرقة حلمى، ومن قيّد يدى لم يستطع تقييد قلبى.

 ما الرسائل التى كنت تحرص على إيصالها لعائلتك؟

- كنت أقول لهم دائمًا:

«أنا بخير، لا تقلقوا عليّ».

«أنتم قوتى، ودموعكم نار فى قلبى».

«حدثونى عن البيت، عن كل شيء صغير، لأبقى حيًا معكم.»

«علّموا أطفالنا أن يحبوا فلسطين، واحكوا لهم عنى.»

«دعواتكم نورى، ورضاكم قوتى».

كيف أثّرت سنوات السجن على علاقاتك العائلية؟

السجن يمزق الحضور الجسدى، لكن لا يستطيع تمزيق الحب. غبت عن أعياد ومناسبات، لم أودّع من رحلوا، ولم أحتضن من وُلدوا، لكننى كنت معهم بالقلب. كنا نربط بيننا خيوطًا من الدعاء والذكريات.

كيف تلقيت خبر الإفراج عنك؟ وما أول مشهد رأيته بعد الخروج؟

- سمعت اسمى، لم أصدق. شعرت أن قلبى يسبقنى إلى البوابة. عندما فُك القيد، أحسست أن التراب أحنّ، وأن الشمس أدفأ. رأيت وجه أمى فى وجه الوطن، وشعرت أننى وُلدت من جديد.

ما التغيرات الكبرى التى لاحظتها فى المجتمع بعد كل هذه السنوات؟

- التكنولوجيا، الوجوه، التفاصيل اليومية… تغيّرت كثيرًا. لكن ما آلمنى أكثر هو جراح غزة، ودم الشهداء، وطفل يُدفن بدلًا من أن يلعب. ومع ذلك، وجدت فى شعبنا بذورًا جديدة للكرامة والصمود.

كيف تخطط لتوظيف تجربتك فى خدمة شعبك؟

- سأحمل رسالة الأسرى، سأكون صوتهم. سأكتب، وأتحدث، وأزرع الوعى، لأن معركتنا لم تنتهِ، وما زال فى القلب ساحة للنضال.

ما رسالتك للأسرى وللعالم؟

- للأسرى: «أنتم نبضنا، صبركم يصنع فجرًا».

وللعالم: «لا تكونوا شهود زور. فلسطين تنزف، وأنتم تملكون الكلمة والقرار.»

 كيف ترى دور الحركة الوطنية الأسيرة؟

- الحركة الأسيرة هى ضمير الشعب الحيّ. هى التى وحّدت الفصائل خلف القضبان، وهى من حافظت على الهوية فى أحلك الظروف. يجب أن تُصان تجربتها، ويُستفاد منها فى صناعة الوحدة الوطنية.

 ما الذى يحتاجه الشعب الفلسطينى اليوم؟

- الوحدة، ثم الوحدة، ثم الوحدة. لا انتصار بدون جبهة واحدة، وراية واحدة، وصوت واحد.

 كيف تُقيّم دور المجتمع الدولي؟

- المجتمع الدولى يعانى من نفاق سياسى. يعرف الحقيقة، لكنه يساوى بين الضحية والجلاد. نحن لا نطلب المستحيل، فقط العدالة. ويجب عليه تحمل مسئولياته الأخلاقية للتكفير عن جرائم ابنه غير الشرعى إسرائيل.

 ما  رأيك فى الدور المصرى؟

- مصر هى القلب النابض لفلسطين، وسندها التاريخى. حين ترفض مصر التهجير القسرى، فإنها تدافع عن كرامتنا جميعًا. مصر كانت ولا تزال بوابة الأمل، وضمانة لقضيتنا. نُقدر شعبها، وقيادتها، وجيشها الذي يحمل همّ الأمة.