الأسير المحرر بعد 41 عامًا اللواء علاء بازيان أبوانتصار: تعذيبى بعد فقد بصرى بالمستشفى عام 1979كشف القناع الإسرائيلى مبكرًا "الحلقة 9"

محمد الجزار
اللواء علاء بازيان، ولد فى حارة السعدية فى البلدة القديمة فى القدس عام 1958، متزوج وله ابنتان. وقد انخرط فى صفوف المقاومة الفلسطينية فى سبعينيات القرن العشرين، وانضم لحركة فتح 1977، وأصبح جزءًا من خلية فدائية ثم أحد كوادر المقاومة، وخلال 41 عامًا قضاها بالسجن تحمل كل ألوان العذاب خاصة عندما فقد بصره فى 1979.
اعتقل خلال نضاله أربع مرات آخرها كانت 2014 كما فقد والديه ولم يسمح له بوداعهما وما زال يملك مفاتيح العودة لبيته بالقدس القديمة، وتفاصيل أخرى فى حواره مع روزاليوسف.
اللواء علاء بازيان أبوانتصار، واحد من المناضلين الفلسطينيين، ابن مدينة القدس الذى تزوج بعد بلوغ الخمسين عقب رحلة كفاح وبطولة سجلها تاريخ نضال الشعب الفلسطينى وحيرت الإسرائيليين فى أعماله النضالية وإصراره على التضحية من أجل الوطن.. فقد الأم والأب فى محبسه ولم يفقد الأمل، وفقد بصره أثناء الإعداد لعملية فدائية، لكنه أبصر بكل عيون الأحرار.
منذ كان عمره ثمانى سنوات وقت الاحتلال، وهو طالب فى مدرسته الابتدائية، لاحظ وجود الجيش الذى يحمل السلاح ويثير الرعب ويضرب من يواجهه رجالاً ونساء وأطفالاً وسط عمليات كر وفر واعتداء على المواطنين أهل البلد الأصليين، أجواء احتلال بمعنى الكلمة عاشها أبوانتصار.. شبح الاحتلال كان موجودًا منذ اللحظة الأولى وتدرب على المقاومة وتدرب على كره الاحتلال لما شاهده من عذابات مختلفة. عندما وصل لسن الشباب انضم فورا لخدمة وطنه من خلال حركة فتح 1977 إحساسًا بالمسئولية وبقدرته على العمل من أجل الوطن، شارك فى نشاطات متنوعة عسكرية ومدنية خلال أعماله الفدائية ضد العدو الإسرائيلى.
ويقول اللواء علاء بازيان.. إنه لا ينسى لحظة فقدان البصر عندما كان يعد لعملية فدائية انفجر اللغم فى أبريل 1979 وفقد بصره وأصيب بإصابات بالغة فى جسده ويده ورجله وعندما دخل مستشفى.. هداسا عين كارم.. كان الصمت الرهيب يسيطر على المكان لم يعرف أين هو ومن يقف أمامه. لم يصدق ما حدث وكان يحاول فتح عينيه، لكنها لا تستجيب يحاول رؤية ما حوله دون جدوى، وعندما عرف أنه بأحد المستشفيات كان يسأل نفسه كيف أتى هنا ومن الذى يقف أمامه، وهو لا يرى شيئًا ماذا حدث وماذا فعلت وما سبب كل هذه الآلام الخطيرة التى كان يشعر بها، حتى كسر صوت طبيب إسرائيلى الصمت عندما قال له: لقد فقدت بصرك بإحدى عينيك وسوف تقطع قدمك ومع إصابات مختلفة أنت هنا فى مستشفى، وتحدث معه أيضًا ضابط مخابرات إسرائيلى قائلاً: إحدى عينيك ضاعت والثانية ستضيع وسنقطع قدميك إن لم تتحدث ماذا كنت تفعل وماذا حدث ولم يكن أبوانتصار قادرًا على الكلام، وطلب من ضابط المخابرات أن يمهله حتى يرتاح من آلام جروحه وفقد بصره ولم يفعل وربما فى اليوم الثانى سأله الضابط نفس الأسئلة قائلاً له: فقدت عينك وسنقطع قدمك وعينك الثانية ممكن أن نعالجها إن لم تتحدث سنترك عينك الأخرى تضيع وسنقطع قدميك، وأصر على ألا يتحدث وأصر أبوانتصار على الانتصار على العدو حتى فى أحلك الصعاب والمشاكل لم ينطق بكلمة، وقال: كنت أنا ورجل ما نبحث عن طريق العودة ولم نجد ما نصل به حاولنا سرقة سيارة، لكنها انفجرت وهذا ما أتذكره مما جعلهم يضربونه على عينه المصابة ورأسه المشقوق وذراعه ورجله، كان الجلاد قاسيًا ومرعبًا وضربه بكل قسوة وعندما اشتكى أبوانتصار للتمريض والأطباء طلبوا منهم عدم ضربه ورحمته لأنه لم يقدر على الكلام لم يقدر على الحركة لإصاباته الصعبة، لكن السجان كان جبانًا والحقد أعمى فى كل شىء، نقلوه من المستشفى إلى حجز نقلوه وضربوه وأخذوه إلى غرفة التحقيقات ومارسوا عليه التحطيم والكسر المعنوى كان يسير سجانه أمامه ويقول له: اتبعنى فيصطدم بالأبواب وبالحوائط والسجان يضحك، لكنه لم يفقد الأمل ولم يفقد طموحه ومعنوياته وظل يضرب على الرأس المجروحه والأقدام، لكنه يتحمل، حاولوا نقله إلى محكمة الرملة وسجن الرملة والسجن رفض أولاً لأن جروحه ما زالت بحاجة إلى علاج، لكنهم عادوا وأقنعوا السجن بالدخول وبعد ثمانية شهور حكم عليه بخمس سنوات وحاول الصليب الأحمر تخفيف الحكم لأنه لم يثبت أنه فعل شيئًا أو تشارك فى أى شىء وتم تخفيف الحكم إلى سنتين.
ويقول اللواء علاء بازيان أبوانتصار إنه تعرض لموقف لا يحسد عليه عندما خرج من السجن فى إبريل 1981وعاد فى ديسمبر من نفس العام إلى السجن وحكم عليه بـ30 عامًا، لكنه خرج فى الاتفاقية التى تمت بين حماس وإسرائيل فى عام 1986 وأعيد اعتقاله على أثر اكتشاف خلية مسلحة من القدس وحكم عليه بالمؤبد وقضى داخل السجن 26 عامًا من 86 حتى 2011 وأطلق سراحه مرة أخرى وأفرج عنه، فى 18 أكتوبر 2011 .. تزوج بعد مرور السنين وضياع الحب الأول وضياع الحياة الأسرية فى ظل تحمل المسئولية ومقاومة الوطن، كان يعد للزواج من حبه الأول، أحب مدينة المدائن كان يعد للزواج بها قبل أن يسجن عام 1985 قبل الزواج بأسبوعين أعيد اعتقالى 30 عامًا، لم يتزوج ونسى كل شىء من أجل الوطن والحرية، ضحى بحبه وعمره وعينه من أجل الوطن، لكنه فى استراحة محارب قرر أن يتزوج من شقيقة زوج شقيقته السيدة نسرين وكان عمرها 32 عامًا وأنجب منها طفلته الأولى انتصار والثانية منار وأخذ على نفسه عهدًا أن يتحول إلى النشاط المدنى الاجتماعى بعد أن فقد بصره وتطوع فى العمل التنظيمى ومساعدة الناس فى النشاط الاجتماعى، لأن فلسطين شعب كتب عليه الكفاح، سيدة تكافح وطفلة وزوجة تكافح وزوج وأب وطفل وشاب يكافح الجميع للاستمرار فى هذا الوطن ومقاومة المحتل الغاصب الجبان، وقد كتب على هذا الشعب الكفاح فى كل مكان، إنها قوة الحياة وشعب يبحث عن الحياة ويجدها فى الكفاح والنضال ضد المحتل، وقد أفرج عنه فى 2014 وأثناء العودة تم إعادته للسجن مرة أخرى بسبب قتل بعض الإسرائيليين.
وعن تفاصيل يوم الاعتقال الأخير ومن داخل القدس مدينة المدائن يقول اللواء علاء بازيان أبوانتصار: جاءت الشرطة ليلاً وكانت ابنتى تعانى من ارتفاع فى درجة الحرارة وقالت لى زوجتى إن ضباط الجيش جاءوا قلت إننى أنهيت عملى العسكرى وأصبحت مقتنعًا بأهمية وضرورة العمل السياسى لتحرير القدس وحل الدولتين ولم يصبح لدينا أحد إلا مصابا أو معاقا أو شهيدا، لكنهم اعتقلونى فى 2014 من داخل المنزل فى القدس المحتلة لإكمال باقى سنوات الاعتقال مرة خلف الأخرى وكله من أجل الوطن.
وحول ذكريات رمضان والأعياد داخل السجون يضيف أبوانتصار: رمضان مثل باقى كل الأيام والمناسبات والأعياد.. رمضان مع سجان جبان يصر على الإذلال والتنكيل وتقليل الطعام وتعذيب الأسرى برش الغاز والقنابل وإهدار الكرامة الإنسانية والضرب والاستيلاء على متعلقاتنا الشخصية البسيطة وترك الأسرى فى الظلام طويلاً وتركنا فى الشمس الحارقة وممارسات إسرائيلية عجيبة تعودنا عليها، ولكننا باتفاقيات وبتنظيم العمل والحلول مع السجان والأسرى، وأجيال خلف أجيال أسست ورسخت للعلاقة بين السجان وبين الأسير كل ذلك جعل الأيام تمر وكلها متشابهة.. لا رمضان ولا أعياد إلا وسط العائلة والأهل والأحباب وكل أيامنا كانت متشابهة داخل السجون الإسرائيلية حرمان وعذاب وتضحيات وآلام لا تنتهى ونضال مستمر لشعبنا من أجل الحرية من أجل أن نؤكد للعدو أننا لن ننسى ولن تموت القضية بموت الكبار ولن ينسى الصغار لأن الوطن يجرى فى عروقنا جميعًا.
وأتذكر أمى وأبى عندما كانا معى وعانيا كثيرًا من أجلى وكانت صدمتهما الكبرى عندما عرفا أننى كفّ بصرى فى 1979، كنت أشعر بالمرارة فى صوتهما الحزين بعد أن كنت أملأ عليهما الحياة أنا وإخوتى الثلاثة الآخرون لم يتخيلوا يومًا أن يكف بصرى وأصبح هكذا بعد كل ما كنت أفعله معهم، لكنها إرادة الله ومن روعة أمى وحبها لى لم تترك يومًا زيارتى وكانوا يعانون فى الزيارات كثيرًا ولم أكن أريد أن تتعذب كل هذا العذاب لكنها كانت إرادة الله، حيث ماتت أمى فى 2010 وسبقها أبى فى 2009 وكنت فى غاية الحزن عندما ماتا ولم أودعهما، وعندما خرجت ذهبت ووقفت أمام المقبرة لأخطب ودهما وأطلب الرحمة لهما ولى وأننا سنلتقى بإذن الله فى الجنة، لأننا نكافح ضد محتل غاشم، ولا بد أن ينتهى هذا الاحتلال ويعود الوطن للفلسطينيين.