أسير الشباب.. شادى غوادرة.. أبوغضب.. استشهاد محمد الدرة أشعل غضبى ضد الاحتلال وتعذيب أبى أمام عينى أصعب لحظات حياتى "الحلقة 8"

محمد الجزار
أسير الشباب شادى غوادرة الذى اعتقل وسنه 15 عامًا وقضى 23 عامًا بجحيم سجون الاحتلال، أشعل مشهد قتل محمد الدرة حماسه ضد المحتل الذى أدخل والده وإخوته الأربعة معه فى السجون، وذكريات مؤلمة لم يتخيلها بشر، خاصة رؤيته لتعذيب والده الأسير ورفض السجان الجبان علاجه وقيده 60 يومًا بسرير المستشفى وضربه على جروحه التى تنزف دمًا وعدم رؤية إخوته الصغار أو حضور زواجهم. وتفاصيل أخرى فى حواره مع روزاليوسف.
«أبوغضب» لقب أطلقه عليه رفاق دربه، وهو ابن الثالثة عشرة من عمره عندما لم يتوقف بمقاومة الاحتلال بالحجارة والزجاج الحارق فقد قام بإقناع أحد رفاق الدرب باستخدام سلاحه الآلى لضرب معسكر للجيش الصهيونى المتمركز بمحاذاة قرية بير الباشا فى عام 2001.
ويضيف شادى غوادرة:
أنا من عائلة مناضلة هُجِّرت إبّان النكبة أو التطهير العرقى الذى حصل سنة 1948، عائلتى هُجِّرت قسراً بفعل ممارسات الاحتلال الصهيونى ونزحت إلى مدينة جنين، فنشأت فى بيئة تؤمن بالحق الكامل بالمقاومة وتتحدث بشكل مستمر عن جرائم الاحتلال والحنين لأرض الآباء والأجداد، الأمر الذى أثر على طفولتى وحفر فى عقلى صورة عن الاحتلال وجرائمه.
وذكريات جدى لها طعم خاص وعبق مختلف، فعندما كنت أجالسه، كانت تسكنه فلسطين فهو من المحاربين للاحتلال وعائلته فقد شكل مجموعات فدائية هو وأبناء عمومته وأبناء أخواله خاصة ابن عمه أبوصاطى وأبوتيسير وأبوعلى الشيخ.
يقول: اقتحام المسجد الأقصى المبارك رسم لى الطريق وغير مسار حياتى نحو الحرية، كنت فى بداية انتفاضة الأقصى أدرس وأعمل مع عائلتى بالزراعة، فأنا عشقت الأرض من طفولتى، فعائلتى كانت تقول: الأرض عرض الذى يبيع أرضه يبيع عرضه.
عندما اشتعلت انتفاضة الأقصى عشت جحيم الاحتلال الذى بدأ بسياسة قتل أطفال الحجارة الذين كانوا يرفضون وجوده ويعبرون عن ذلك بإلقاء الحجارة على مركبات العدو الصهيونى وجنوده فإن قتل الأطفال خاصة محمد الدرة وفارس عودة والطفلة إيمان حجو أشعل بداخلى لهيبًا دفعنى لتنفيذ عملية إطلاق النار على المعسكر، وطفولتى كباقى أطفال فلسطين الذين يحلمون بزوال الاحتلال ليعيشوا بحرية وسلام.
وعن تفاصيل أسرته قال: أبى رجل يعمل بالزراعة، سائق داخل مدن الضفة الغربية، وينتمى إلى حركة التحرير الوطنى الفلسطينى فتح، ومن رجالات الإصلاح فى المجتمع الفلسطينى وهو أسير يقبع الآن فى زنازين العدو الصهيونى رغم كبر سنه ومرضه ويعيش ظروف القمع والتنكيل، أما أمى، أم شادى، فهى ربة بيت ومسئولة جمعية لعوائل الأسرى والشهداء وتشارك بالفعاليات الوطنية والدينية إضافة إلى تعليم إخوتى فى الوظائف الجامعية واليوم تعلم أحفادها. أما إخوتى فهم 11 أخًا 8 شباب و3 بنات، وهم بالترتيب من بعدى 1 نايف 2 سامى 3 ياسر 4 عدنان 5 مروان 6 توفيق 7 بدر. الأسرى منهم الآن أربعة، والدى وسامى وبدر وتوفيق. نايف أمضى سنتين وسامى 10 سنوات وأعيد اعتقاله بأحداث مدينة جنين الأخيرة، وبدر الذى ما زال فى الأسر منذ سنتين ونصف، وهو لا يعرفنى فأنا أخوهم الأكبر فمن يتذكر وجودى فى المنزل ثلاثة منهم، أما الباقى فلا يتذكروننى.
فقد كانوا صغارا، فمثلًا عندما تركت أخى بدر وعمره ستة أشهر والتقيته فى الأسر بعد 21 سنة وكان لقاءً مؤلمًا عبرنا عنه بالدموع وهذا قبل طوفان الأقصى بـ3 شهور تقريباً، وافترقنا كسياسة عقاب من الجلاد الصهيونى بعد الحرب على غزة بـ20 يوما تقريباً ولم ألتقه منذ ذلك الحين. وأما نايف فالتقيته بالأسر لفترة بسيطة قبل الإفراج عنه. وأما أخى سامى فالتقيته فى سجن شطة المركزى بعد 8 سنوات، ومن ثَمّ التقيته بسجن نفحة قبل تحرره سنة 2015، ومن بعدها لم ألتقه وعلمت أنه اعتقل مرة أخرى قبل 5 شهور وأخى سامى ضابط بجهاز الأمن الوقائى برتبة مقدم ورجل إصلاح فى المجتمع الفلسطينى وشاعر، أخى عدنان حاصل على شهادة البكالوريوس فى العلوم وتوفيق حاصل على شهادة الدكتوراه فى الشريعة الإسلامية وأما بدر فهو طالب جامعة فى كلية الآداب، وأما لقائى بوالدى فى الأسر فكان فى سجن نفحة قبل 10 شهور فى ظل القمع والقتل والإذلال والجوع وكانت لحظة لقائى به أصعب لحظة فى حياتى فقد كنا نتعرض للضرب والإهانة والإذلال والبرد والجوع فعشت مشاعر القهر والعجز وأنا معه فلم أستطع أن أنقذه من بين أيدى الجلادين الصهاينة الذين أتوا به على ذات القسم الذى أتواجد به لأرى معاناته وأنينه فقد كسروا عظام صدره وجرحوا جبهته ورأسه وحرمته من الطعام علماً أنه من فئة الأسرى المرضى الذين يأخذون 3 حقن أنسولين للسكر يوميًّا فقد كنت تواقًا لرؤيته ولكن ليس فى هذه الظروف كان فى زنزانه مجاورة لزنزانتى وكنت أسمع أنينه وإخوته المرضى بالسكر.
أما أخواتى شذى وسمية ورحمة فلا يعرفنني.
وعن تجربة التعليم بالسجن، يرى أسير الشباب شادى غوادرة بأن السجن الصهيونى إحدى أدوات القمع والتنكيل وصهر الوعى. فنحن الأسرى نعتبر الأسر ساحة نضالية ومعركة من معارك شعبنا الفلسطينى ضد ظلم وجبروت الجلاد الصهيونى وفرصة لاستكمال المسيرة النضالية والتعليمية وأنا من هؤلاء الأسرى الأشاوس الذين قرروا خوض غمار معركة النضال الشاق والمرير ومن ضمنها المسيرة التعليمية فقد تقدمت لامتحان مستوى للصف السادس ومن ثم امتحانات التوجيهى ونجحت والتحقت بجامعة القدس وحصلت على شهادة البكالوريوس.
ثم التحقت بجامعة القدس وحصلت على شهادة الماجستير فى العلوم السياسية دراسات إسرائيلية وإقليمية وبدأت التحضير للدكتوراه قبل بدء الحرب وسأكمل فى دولة مصر الحبيبة وكان تعليمى رسالة تحدٍّ للاحتلال ودليلاً على فشله الذريع أمام إرادة الأسير الفلسطينى العاشق للحياة.
وحول قصة اعتقاله قال: عندما قررت أن أنخرط بالعمل المسلح فى كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكرى لحركة فتح تم رفضى وبشكل قاطع، وذلك بسبب صغر سنى فبعد عدة محاولات لحصولى على السلاح، كلما كانت تفشل، قررت أن أقوم بتزوير عمرى لأصل إلى مبتغاى وفعلاً نجحت الخطة وحصلت على السلاح وذهبت إلى فلسطين المحتلة وبالتحديد مدينة يافا الغربية والتقيت بضابط صهيونى برفقته مجموعة من الجنود فوضعت فوهة سلاحى برأسه من نقطة صفر وأطلقت عليه عدة طلقات واشتبكت مع حرسه الخاص فأصبت منهم أربعة جنود وأصابونى بعدة طلقات فى الكلية والمعدة والأمعاء واليد وكانت إصابتى خطيرة جدا ورغم ظرفى الذى لا أُحسد عليه استطعت الانسحاب واللجوء إلى بيت قريب من مكان العملية فحاصر الجيش الصهيونى المنزل واعتقلنى ومكثت فى مستشفى الخضيرة لمدة 60 يوما رأيت بها الجحيم حتى من الأطباء والممرضين والممرضات الصهاينة، كان الموت أرحم، فقد تم تكبيلى بالقيود 60 يوما لأول مرة فى حياتى عدا عن الشتائم وسياسة الإذلال اليومية وتم التحقيق معى على سرير المشفى بطرق حقيرة مثل الخنق وحرمانى من الأكسجين إلا إذا خضعت لما يريدونه، كانت لحظة اعتقالى جحيمية فتعرضت للضرب بالأقدام والدعس على جسدى النازف، كان التحقيق معى صعبا لأننى لا أقوى على الحركة ولم أعترف لطوال شهر فالقضية مثبتة على، لكنهم يريدون أن يعرفوا من معى فى الخلية، فنسجت حكاية من وحى الخيال ورتبتها فى رأسى وقررت أن أخدعهم بها وفعلت ونجحت لمدة 10 شهور وحكم علىّ بالسجن لمدة 24 سنة، وهذا الحكم الأول قبل الحكم الثانى وهو المؤبد فقد استمرت الخلية العسكرية بالعمل المسلح ونفذت أربع عمليات قتل فيها مجموعة من الصهاينة 4 جنود وإصابة العشرات من قوات الاحتلال وتفجر آلية عسكرية تم إلقاء القبض عليهم ومن ضمنهم أولاد عمى اكتشفوا خطة خداعى لهم وأننى السبب بقتل الصهاينة وحكموا على بالسجن المؤبد وعشت فى مستشفى الرملة الذى يتواجد به الأسرى الجرحى وهو عبارة عن مسلخ بشرى وحقل تجارب على الأسرى فلم أتلقَّ العلاج المناسب حتى لحظة الإفراج عنى رغم أنى طلبت أن أتعالج على نفقتى الخاصة إلا أن الرفض كان دوما سيد الموقف.
وحول قضاء رمضان والأعياد، يقول شادى: كنا نخلق اللحظات الجميلة ونصنع الفرح ونحضر الحلويات ونتزاور فيما بيننا ونصلى معا صلاة العيد ونحاول أن نشارك شعبنا مناسباته الدينية والوطنية ونتبادل التهانى والتبريكات رغم أن للعيد فى الأسر غصة مختلفة، حيث نفتقد الأهل والشهداء والمكان الطبيعى الذى يجب أن نكون فيه إلا أننا كنا ننتصر على هذا الألم الفظيع بتلاحمنا ووحدتنا وخلق أجوائنا المناسبة.
ويصف شادى غوادرة لحظة تحرره بأنها كانت لحظة سعادة وفخر، سعادة لأننى أتنفس نسيم الحرية بعد 23 سنة، وفخر لأن المقاومة هى التى فجرت جدران الأسر وكسرت قيوده، وبدد ت ظلماته وأخرجتنا رغما عن أنف الكيان الصهيونى فهى أجمل لحظة فى حياتى، وأما الدور المصرى بقضية التهجير فليس غريبا على مصر فمصر كانت دائماً داعماً ومؤيداً لنضال وحقوق الشعب الشعب الفلسطينى، فهى لم تتآمر يوما على فلسطين وشعبها ولم تلطخ يديها بدم الفلسطينيين كما فعل البعض والموقف المصرى الرسمى والشعبى موقف مشرف يعبر عن رجولة وشهامة المصريين وانتمائهم لقضايا الأمة ووعيها العميق لسياسات الاحتلال الصهيوأمريكى ولهذا هى دائما بدائرة الاستهداف لأنها خارج بيت الطاعة الصهيو أمريكي.
ويوجه أسير الشباب شادى غوادرة رسالة للمقاومة الفلسطينية بقوله إن من يحمل المقاومة الفلسطينية الباسلة مسئولية ما يحصل فى غزة ويفتح عليها النار دون أن ينبس ببنت شفة على الاحتلال وداعميه وأعوانه وأن المقاومة السبب بمآسى الشعب الفلسطينى أسألهم: ماذا كانت ذريعة الاحتلال الصهيونى عام 1948 حينما قتل الآلاف ودمر أكثر من 600 قرية فلسطينية؟ ما كانت ذريعته فى دير ياسين والطنطورة والدوايمة وكفر قاسم وغيرها الكثير من المجازر التى بقر بها بطون النساء الحوامل وذبح الأجنة فى أرحام النساء وهجر ما يقارب المليون من قراهم ومدنهم؟ فمن لم يقرأ الصهيونية سيبقى ضريرا لا يبصر النور، فالهدف الاستراتيجى لهذا المشروع قتل الشعب الفلسطينى وتهجيره وأن تصبح فلسطين بلا فلسطينيين وخالصة للصهاينة، ومن ثم إقامة إسرائيل الكبرى من نيل مصر إلى فرات العراق، فكيان إسرائيل مرهون بتدمير الوطن العربى وتقسيمه إلى دويلات طائفية متناحرة. وأقول للذين يهاجمون المقاومة: ليس مهمة الثائر أن يظهر بصورة يقبلها أعداؤه ولا أن يرقص على جراح وآلام الناس وأن يستغل الأزمات للنيل من خصومه، فنحن أمة واحدة، الثائر هو الذى يتعالى على الجراح ويتسلح بشرف الخصومة. فكل التحية للمقاومة الفلسطينية الباسلة فأنتم أشرف الناس، والله لن يخذلكم ونحن على يقين أن النصر آت وكل آتٍ قريب.