السبت 29 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولاً.. العالم يحترق.. تحالف وتطبيع وتسويات جزئية.. دون فلسطين.. فى قلب الفوضى.. نحو خريطة جديدة للشرق الأوسط!

مصر أولاً.. العالم يحترق.. تحالف وتطبيع وتسويات جزئية.. دون فلسطين.. فى قلب الفوضى.. نحو خريطة جديدة للشرق الأوسط!

لم يشهد العالم من قبل ما يحدث هذه الأيام.. حالة من الفوضى الخلاقة الموجهة، والتى تتسارع فيها الأحداث بشكل متشابك ما بين حروب وصراعات داخلية وتحالفات جديدة غير متوقعة ولا مثيل لها تاريخيًا حسب المعتاد. المنطقة العربية ليست بمعزل عن هذه التحولات؛ بل أصبحت بعض الدول.. مسرحًا مفتوحًا لصراعات دول وأجهزة لها مصالح وتوجهات محددة. ليس خفيًا أن ما يحدث الآن هو عملية تفكيك وإعادة تشكيل واسعة النطاق لدول المنطقة بما يتناسب مع مصالح الدول الكبرى التى تتسق مع أهداف الحكومة الإسرائيلية الحالية، تتغير موازين القوى الدولية من خلال سياسات خارجية جديدة.. تزيد فيها مساحة تدخلات الدول الكبرى.



 

حاليًا، يتم تغيير التحالفات التقليدية واستبدالها بتحالفات أخرى جديدة.. تتواكب مع المصالح الاستراتيجية لدول العالم الكبرى، وفى ظل صراعات دولية مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من جهة، وبينها وبين الصين والهند من جهة أخرى. فضلًا عما تقوم به إسرائيل بدور اللاعب الرئيسى فى التمهيد لخريطة جديدة للمنطقة.. لا مكان لفلسطين فيها.

تحولات ونزاعات

أولًا: التحول من حالة الفوضى إلى إعادة البناء من خلال اعتماد دول العالم الكبرى على تكتيك سياسة «الأرض المحروقة»، والذى يرتكز على تدمير البنية التحتية للدول المستهدفة سواء بإضعاف أنظمتها الداخلية، أو بإعادة تشكيل هويتها الوطنية وفق توازنات دولية كبرى.. تمهيدًا لتحقيق مصالحها. وهو ما يتجسد فى الصراعات الداخلية المستمرة فى سوريا واليمن وليبيا.. حيث تم إسقاط مؤسسات الدولة وتدميرها، وإغراقها فى فوضى لا نهاية لها.

ثانيًا: تأجيج النزعات العرقية والسجالات الطائفية فى دفع مجتمعات دول الإقليم.. إلى المزيد من الانقسام والحروب الأهلية. سوريا والعراق.. أمثلة واضحة ودالة على ما سبق. تم تقسيم التيارات السياسية والقوى الفاعلة بين طوائف وعرقيات وأديان متصارعة، وفى الوقت نفسه، يتزامن مع ما سبق.. خلق كيانات موازية ودعم جماعات وحركات.. كوكلاء محليين لأجندات خارجية لخلق واقع سياسى جديد للأقليات.. تمهيدًا للانفصال فى دويلات صغيرة. ثالثًا: تستهدف التحولات والمتغيرات فى الإقليم إعادة رسم المشهد عبر محور سنى جديد.. بديلًا عن المحور الشيعى الإيرانى بعد 50 سنة من التمدد والتغلغل والانتشار وخلق ولاءات جديدة. وهو بهذا الشكل.. يتسق مع أجندة إسرائيل فى مواجهة النفوذ الإيرانى. وهو تغيير.. يعكس فعليًا تحولًا واضحًا فى السياسة الخارجية الأمريكية من احتواء نظام الملالى إلى مواجهة مباشرة اقتصاديًا من خلال الحصار والعقوبات، وعسكريًا من خلال الضربات الموجهة لوكلائها التقليديين فى المنطقة.

الفوضى شبه الخلاقة

تواجه السياسة الخارجية على مستوى العالم.. حالة من الفوضى الموجهة، والتى تم فيها تصعيد النزاعات فى مناطق متعددة ومتفرقة بالتوازى مع بعضها، من أوكرانيا شمالًا إلى الشرق الأوسط جنوبًا، وهو ما يعنى أن العالم بصدد.. إعادة ترتيب مراكز القوى فيه. ويمكن تحديد أهم سمات هذه الفوضى على النحو الآتي:

- الضغط المستمر على روسيا.. عبر استنزافها اقتصاديًا وعسكريًا فى أوكرانيا، مما سيكون له تأثير وانعكاس على علاقتها بالصين وإيران.

- خلق بؤر صراع جديدة فى الشرق الأوسط.. لتظل المنطقة فى حالة عدم استقرار دائم. - توظيف الأزمات الأمنية والاقتصادية فى إعادة صياغة تشكيل التحالفات الدولية.. كما هو المتوقع فى ملفات الطاقة وأزمة التضخم العالمى.

رسم خريطة جديدة

ترتكز ملامحها على نهاية التحالفات التقليدية بسقوط الحركات القومية وتيارات الإسلام السياسى حيث يشهد الإقليم.. تراجعًا فى دور تلك الحركات والتيارات لصالح تحالفات جديدة مرتكزة على المصالح الاقتصادية والأمنية. وعلى الرغم من أن الحركات القومية والتيارات الإسلامية ظلت تشكل الركيزة الرئيسية فى المشهد السياسى العربى لأكثر من 100 سنة منذ سقوط الخلافة العثمانية، فإنه قد تم دفع الأنظمة الحاكمة لتصبح أكثر انخراطًا فى تحالفات براغماتية وليست أيديولوجية فى علاقات.. تشمل شراكات واتفاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

وتزامنًا مع كل ما سبق، تحتل إسرائيل.. قلب المعادلة الجديدة من خلال ما تقوم به من دور محورى فى إعادة رسم الخريطة الإقليمية، باستغلال الأوضاع الراهنة فى بسط نفوذها الأمنى والاقتصادى.. عبر اتفاقات التطبيع والتحالفات العسكرية مع دول الإقليم، وهو ما يسهم فى تعزيز مكانتها باعتبارها قوة إقليمية كبرى.

تصعيد متعدد الجبهات

منذ 7 أكتوبر 2023، تشهد دول المنطقة.. موجات تصعيد عسكرى متزامنة ومتعددة الجبهات.

فى غزة.. يواصل بنيامين نتنياهو حربه العنيفة والدموية ضد حركة حماس شكلًا وضد الشعب الفلسطينى مضمونًا فى ظل دعم أمريكى غير مشروط.

فى لبنان.. ركزت إسرائيل فى توسيع مساحة رقعة الصراع مع حزب الله.. الإيرانى الهوى.. فى ظل استهداف حزب الله.. وامتلاكه مسيَّرات وترسانة صاروخية متطورة.

فى سوريا.. تشن إسرائيل غارات مستمرة، وهى تستهدف المواقع الإيرانية لإضعاف النفوذ الشيعى على الأراضى السورية.

فى اليمن.. دخلت الولايات المتحدة الأمريكية فى قصف الحوثيين بشكل مباشر.. تأكيدًا لتصعيد المواجهة فى الإقليم.. لفك الارتباط بين العمليات التى يقوم بها الحوثيون وبين الملف الفلسطينى. 

مواجهات نووية

على مدار السنوات الماضية.. كانت هناك قاعدة غير معلنة بتجنب الصدام المباشر مع إيران بغض النظر عن التصعيد الإعلامى ضدها، وفرض العقوبات الاقتصادية عليها. ومؤخرًا تم استهداف الوكلاء المحليين لنظام الملالى فى المنطقة. وأصبح الملف النووى الإيرانى بمثابة أداة ضغط.. يستخدمها البيت الأبيض وتل أبيب لمنع إيران من استمرارها فى السباق النووى، ومنعها من امتلاك أسلحته. والحرص الدائم على الاستنزاف السياسى والاقتصادى المستمر لطهران.

إبادة غزة وضرب الحوثيين

يشير التدخل الأمريكى فى اليمن لضرب الحوثيين.. تحولًا استراتيجيًا فى مواقف الإدارة الأمريكية حيث تم استهدافهم مباشرة.. بعد أن كان تصنيفهم.. يندرج تحت التهديد الإقليمى محدودًا. وهو ما جعل نتنياهو يستغل ذلك الظرف التاريخى المتأزم.. لتصعيد الحرب على غزة، باعتبارها جزءًا من معركته السياسية لتجاوز أزماته الداخلية وضمان استمراره وبقائه فى السلطة.

تصفية القضية الفلسطينية

يبدو أن هناك توجهات دولية وإقليمية لتصفية القضية الفلسطينية وإنهائها.. عبر مسارين: الأول: المسار السياسى من خلال دعم مبادرات ومسارات التطبيع العربى مع إسرائيل، وتقليص الدعم للقضية الفلسطينية على المستوى الدولى.. كنوع من التمهيد لفرض تسوية بشروط إسرائيلية سابقة التحديد.

ثانيًا: المسار العسكرى من خلال تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية بهدف إضعاف المقاومة الفلسطينية، وتدميرها، وتجريدها من أى قوة مؤثرة حقيقية على الأرض.

تسويات ومقايضات

فى ظل كل هذه التحديات والمتغيرات، توجد عدة سيناريوهات، هى:

السيناريو الأول: تسوية إقليمية تشمل القضية الفلسطينية.. مقابل تحالفات جديدة حيث يتم فيها تقديم بعض التنازلات للفلسطينيين فى مقابل انخراط دول عربية كبرى فى تحالف وتطبيع مع إسرائيل لمواجهة إيران.

السيناريو الثانى: استمرار الفوضى وإطالة أمد الصراع بالإبقاء على النزاعات فى صورة قابلة للانفجار دون حلول جذرية فى أى وقت.. لضمان استمرار السيطرة الأمريكية والإسرائيلية.

السيناريو الثالث: مواجهة شاملة مع إيران.. قد تدفع التطورات الحالية إلى تصعيد أكبر ضد إيران، سواء عبر استهداف منشآتها النووية أو عبر ضرب وكلائها المحليين فى المنطقة.

ويظل السيناريو الأكثر ترجيحًا والأقرب للتحقيق والتنفيذ هو استمرار التصعيد المتدرج، مع الإبقاء على حالة «اللا سلم واللا حرب». وهو ما يتيح للقوى الدولية الكبرى.. التحكم فى المسارات السياسية والعسكرية، دون الانجرار والتورط فى مواجهة شاملة غير محسوبة.

نقطة ومن أول السطر

نحن الآن أمام مرحلة جديدة من إعادة تشكيل ملامح وخريطة الشرق الأوسط الجديد، والذى تتلاشى فيه التحالفات التقليدية، وتبرز معادلات جديدة قائمة على المصالح البراجماتية.. فى عالم مجنون فقد بوصلته السياسية والإنسانية.. ليندفع نحو الفوضى الخلاقة والصفقات السياسية.

وفى تقديرى، فإن القضية الفلسطينية تبدو فى طريقها لمزيد من التهميش والإقصاء من أولويات عمل السياسة الدولية، وهو ما سيرسخ.. فتح المجال أمام تسويات جزئية.. تتناسب مع المصالح والأهداف الإسرائيلية والدولية.. دون تحقيق أى مكاسب جوهرية للشعب الفلسطينى.