الإثنين 17 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
إمام المصريين وفقهه الضائع

إمام المصريين وفقهه الضائع

حسنا فعل الكاتب الكبير أحمد المسلمانى رئيس الهيئة الوطنية للإعلام بإطلاق اسم الفقيه المصرى الليث بن سعد على مسجد التليفزيون، ليذكرنا جميعا به ولعلها فرصة لكى ندعو الجهات المعنية بالفن لإنتاج مسلسل عن هذا الفقيه المظلوم، الليث لا يقل فى علمه فتاويه عن الأئمة الأربعة أبوحنيفة ومالك والشافعى وأحمد بن حنبل أصحاب المذاهب المشهورة، بل إن البعض يراه يفوقهم جميعا، فقد اعترف بفضله كبار الأئمة كمالك والشافعى وأحمد بن حنبل، وهناك قول مشهور للإمام الشافعى منشور فى كتب الفقه «الليث بن سعد أفقه من مالك ولكن ضيعه أصحابه»، وهو يقصد أن تلاميذه لم يجمعوا فقهه وعلمه رغم أهميته فضاع، على عكس تلاميذ الأئمة الأربعة الذين حرص أتباعهم على تدوين اجتهاداتهم وعلمهم فبقى حتى يومنا، وما زال الاعتماد على فقهم فى الفتاوى المتعلقة بالعبادات والمعاملات، والاستناد إليهم فى الكثير من التشريعات، ولعل ما يميز الليث بن سعد أنه ولد بمصر وقضى حياته بها وهو ما جعل فتاويه أقرب إلى الروح المصرية عن غيره من الفقهاء، وعلى سبيل المثال هناك فتوى له مشهورة متداولة فى العديد من الكتب بان «بناء الكنائس من عمارة البلاد»، لذلك الشكر واجب للباحث والكاتب الكبير حسام الحداد الذى بذل مجهودا كبيرا فى جمع ما تناثر فى كتب الفقه والسير والتاريخ من فتاوى الليث ونشرها فى كتاب بعنوان «فقه الليث بن سعد إمام المصريين» والذى صدر مؤخرا عن «مركز إنسان للنشر والتوزيع»، وهو أمر ليس سهلا إذ إنه كما يقول حسام فى مقدمة الكتاب «لقلة ما كتب عنه آثرنا النبش فى كتب الفقه والسير والتاريخ لتقديم دراسة دقيقة عنه واستقراء ما أثر عنه وجمع شتات فقهه من هنا وهناك كى لا نضيعه كما ضيعه تلاميذه»، ويضيف «عاش الليث فى عصر لم يكن التدوين فيه قد أخذ دوره كاملا بالإضافة إلى أنه لم يترك لنا مؤلفات مستقلة، اللهم إلا المرويات المتناثرة فى بطون الكتب والمراجع المختلفة، فلم نجد أمامنا إلا تتبع آثاره ومروياته فى ثنايا الكتب والمراجع»، ويقدم حسام فى بداية الكتاب تعريفات للمفاهيم والمصطلحات المستخدمة فى الفقه للتسهيل على القارئ فى معرفة ما يتم الحديث عنه والدراية بما تستند إليه الفتاوى قبل إصدارها مثل مصطلحات السنة والحديث والفقه والإجماع والقياس وسد الذرائع والاستصحاب، وكلها قوام كتب الفقه فى كل العصور، ويتتبع حسام نشأة الليث فيقول «أسلافه من أصفهان ولكنه ولد بقرية قلقشندة قرب طوخ التابعة الآن لمحافظة القليوبية، ولا يوجد شىء يدل على أثر أبويه فى تكوين سلوكه أو شخصيته وما يوجد هو محض إشارات متفرقة تدل على أن الليث انحدر من أسرة توثقت صلتها بالخلافة وكان موضع ثقتها، وما يدل على ذلك أنه رفض ولاية مصر عندما عرضها عليه أبو جعفر وقال له «لا يا أمير المؤمنين أنى أضعف من ذلك فقال ما بك من ضعف معى ولكن ضعف نيتك من العمل لى»، ويبدو أن الليث فضل العلم على الولاية فقد اشتهر كما يقول حسام؛ «منذ شبابه بالتدين ويذكر العلماء الذين تناولوا سيرته أنه كان حدث السن وكان بمصر عبيد الله بن جعفر وجعفر بن ربيعة والحارث بن يزيد ويزيد بن حبيب وابن هيبرة، ومن قدم عليهم من فقهاء المدينة وإنهم يعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلامه على حداثة سنه»، ويتتبع حسام مسيرة الفقيه المصرى فى تلقى العلم ويقول «اتجه بعد حفظه للقرآن إلى رواية الحديث فحفظ منها الكثير ولم يكن حافظا فقط بل كان فقيها ناظرا مستبطا متتبعا منهج أهل الأثر، ثم ارتحل لتلقى العلم فذهب إلى مكة ثم الشام وبعدها العراق وأخذ من علماء كل هذه البلاد»، وساهمت هذه الرحلات فى تكوينه العلمى فكان له منهجه الخاص.. يقول حسام «أحدث الليث ثورة علمية هائلة بممارسة نشاطه القوى فى توجيه الحياة التشريعية من مصر وإرساء أصولها بما يمتاز به من بصيرة وبأصول الشريعة وفروعها وبما تمكن من وسائل الفهم والاستنباط، ولعل أهم ما اشتهر به واختص فيه هو النظر فى النصوص ومحاولة تحديد أنواع الصلات بينها».. ويضيف «كان الليث من الذين يقدرون الدرس التاريخى ويفسحون له مجالا فى النظر التشريعى ويرون أنه سند قوى لصحة تفسير النصوص»، هذه النهضة العلمية الواسعة كان لها أثر كبير فيمن عاصروه من العلماء ومن جاء بعده، وحتى نعرف فضل وأهمية الليث يتتبع حسام ما قاله عنه العلماء والفقهاء، فقد قال الربيع وهو أحد أبرز تلاميذ الشافعى «سمعت ابن وهب يقول لولا مالك والليث لضل الناس» وقال الشافعى «الليث اتبع للأثر من مالك» وقال أبو زرعة الرازى «الليث أفقه من مالك ولكن الحظوة لمالك» وقال سعيد ابن أيوب «لو أن مالكا والليث اجتمعا كان مالك عند الليث أبكم ولباع الليث مالكا فيما يزيد»، ويرجع حسام عدم انتشار مذهب الليث إلى عدة أسباب؛ «لم يدون الليث مذهبه بنفسه كما فعل الشافعى، وقلة أتباعه الذين خلفوه على رعاية آرائه كما فعل أبو يوسف لأبوحنيفة والبوطى والمازنى للشافعى، وحسد أقرانه له حيث إنه كان مسموع الكلام عند الخلفاء»، ورغم ذلك فقد حاول حسام جمع الشذرات المتناثرة من فقه الإمام المصرى وصنفها فى عدة أبواب وهى الطهارة والزكاة والمعاملات والهبة والجنايات والقصاص والحدود والاجتهاد والنكاح والطلاق والعدة والأضاحى والقضاء، وبالتأكيد أن جمع كل هذه الفتاوى المتناثرة تحتاج إلى وقت ومجهود كبير، ورغم ذلك فقد يكون هناك - كما يقول حسام- نقص هنا أو هناك فى الإلمام بكل علوم واجتهادات الليث متمنيا أن يأتى بعده من يكمل المهمة بالبحث والتدقيق.