الجمعة 14 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد غياب «دار المرايا» عن المشاركة بأرض المعارض: فى وسط البلد معرض كتاب موازٍ!

قبل انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب بأيام قليلة شهد الوسط الثقافى مفاجأة بإعلان دار المرايا أن حسابها على منصة المعرض تم إغلاقه، ما يعنى عدم مشاركتها فى الدورة 56 من المعرض. وذلك من دون إبداء أى أسباب سواء من الهيئة العامة للكتاب كونها الجهة المنظمة للمعرض أو حتى من وزارة الثقافة.



عدم المشاركة فى معرض الكتاب بمثابة كارثة لأى ناشر.. خصوصًا أنه الفعالية الثقافية الأهم والمنتظرة كل عام.. لكن دار المرايا قررت التعامل بشكل مختلف.. وحولت مقر الدار فى منطقة وسط البلد إلى معرض كتاب موازٍ.. تنظم فيه الفعاليات وفى الوقت  نفسه تحاول تقليل الأثر الاقتصادى لتغيبها عن المعرض قدر الإمكان.

«روزاليوسف» كانت هناك فى «معرض المرايا».. وهذا ما رصدناه شهادات ومشاهد فى معرض وسط البلد الموازى للكتاب. 

رحلتى إلى معرض موازٍ

فى ذلك الصباح الهادئ.. قررت أن أخطو بنفسى نحو معرض موازٍ أقيم فى قلب وسط البلد؛ تلك المنطقة التى تئن شوارعها تحت وطأة التاريخ والحنين.. كنت أبحث عن مقر دار المرايا. 

فى طريقى،  مررت بواجهات قديمة تحمل حكايات الزمن.. الأزقة تُفضى إلى دهاليز من الماضى،  حتى وصلت أخيرًا إلى 23 شارع عبدالخالق ثروت. هناك، وقفت أمام باب خشبى صامت، لكنه بدا وكأنه يحرس عالمًا مليئًا بالصخب الداخلى. دفعت الباب، لأجد نفسى فى مساحة مختلفة تمامًا.

أغلفة الكتب، بألوانها وتفاصيلها، أشبه بنوافذ تطل على أرواح متعددة.. استقبلنى العاملون هناك بابتسامات دافئة، وقدموا لى كوبًا من القهوة. جلست على أحد المقاعد، أراقب الزوار، أتأمل تلك الأجواء التى تجمع البساطة بالعمق. 

وسط هذا العالم، وصلت الكاتبة دينا قابيل، محررة ثقافية ومديرة النشر فى دار المرايا، جرى بيننا حديث عن الإقبال على هذا الحدث الموازى،  وعن الحضور الذى يمثل موقفًا فكريًا وثقافيًا. تحدثنا عن أثر غياب دار المرايا عن معرض الكتاب الرسمى هذا العام، وعن كيف أثر ذلك على طبيعة مشاركاتهم، وسط أجواء مشبعة بالتساؤل والتأمل.

استهلت حديثها بالإعراب عن حزنها العميق لغياب «المرايا» عن معرض القاهرة الدولى للكتاب، ووصفت الأمر بالصادم والمؤلم، خاصةً أن الدار، التى تأسست أواخر 2016، اعتادت المشاركة الدائمة بل وحققت جوائز مرموقة فى مجالات الشعر والترجمة وغيرها. مضيفةً إن المعرض يمثل الحدث السنوى الأهم لأى ناشر مصرى،  وأن الإقصاء بهذه الطريقة مؤشر مقلق لمسار الثقافة فى مصر.. مع استنكار غياب أى مبرر رسمى،  والإشارة إلى أن الحوار كان دائمًا السبيل المعتاد لتجاوز أى خلافات، لا الإقصاء والمنع.

ورغم الصدمة، أكدت أن المعرض الموازى جاء كمحاولة لتخفيف أثر الخسارة، وخصوصًا مع تضامن واسع من القراء والمثقفين عبر السوشيال ميديا. موضحة أن الدار تتمتع بقاعدة جماهيرية كبيرة وولاء من قراء يحرصون على دعمها، مثل قارئ جاء خصيصًا من الغردقة لزيارة المعرض الموازى. لذا تعرب عن امتنانها للحملة الداعمة التى جمعت كتابًا وباحثين وشعراء كبار.. هذا لا يمنع من تشديدها على أن غياب الدار عن المعرض الرئيسى يظل خسارة فادحة يصعب تعويضها.

جدول فعاليات المرايا يمتد أيضا إلى 5 فبراير، حيث يشمل حفلات إطلاق لإصدارات جديدة وندوات ثقافية مع شخصيات أدبية بارزة مثل وليد طاهر وزين العابدين فؤاد. 

كما تخطط دار المرايا للتوسع فى معارض عربية ومنصات إلكترونية عديدة مثل «أبجد».. تضيف «قابيل»: لكن هذه الحلول لا تُغنى عن المشاركة فى معرض القاهرة.. المنع لا يخدم الثقافة، والسوشيال ميديا مجرد وسيلة مساعدة للترويج؛ لكنها لا تعوض قيمة الحدث الثقافى الأهم فى مصر.

تابعت بنظرى الأعداد تتزايد فى الدار كلما اقترب موعد الندوات، وكأن المكان ينبض بالحياة تدريجيًا.. ازدحم القارئون يتصفحون الكتب، ثم انطلقوا لحضور الندوات بشغف، ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء الكاتب لتوقيع الكتب والتقاط الصور معه.. أجواء مبهجة غمرت المكان، حيث امتزجت بهجة اللقاء بحب الكلمة المكتوبة.

تحدثت بشكل عشوائى مع بعض الكتاب المشاركين بإصداراتهم فى الدار عن رأيهم فى غياب دار المرايا، كان الإجماع واضحًا على شعور بالإحباط والأسى، وإن تفاوتت تعبيراتهم؛ بين من ركز على الخسارة الثقافية التى لحقت بالجمهور، ومن تحدث عن الأثر الأدبى والمادى على الدار والكُتاب.

 أربع ورديات

تأخذنا الكاتبة مروة غزاوى فى مجموعتها القصصية «أربع ورديات» الصادرة عن دار نشر المرايا، إلى عوالم سردية عميقة حيث تتصدر المرأة المشهد بأحزانها وآمالها، فى ظل واقع يفرض قسوته على الجميع.. بين «كاهنات المعبد وسفينة المعادى» و«خيانة وبداية»، نعيش قصصًا تلامس جوهر التجربة الإنسانية.

وعن تجربتها مع «دار المرايا»، تحدثت بحفاوة عن الاحترافية التى وجدتها منذ البداية.. حين أرسلت عملها للجنة القراءة، التى وافقت بسهولة على نشره.. وصفت تجربتها بأنها سلسة وإيجابية للغاية، سواء فى اختيار الغلاف، الطباعة، أو الالتزام بالمواعيد: أكثر ما جذبنى للنشر مع «المرايا» هو توجه الدار الثقافى،  الذى يتميز برسالة واعية تهتم بالتراث الشعبى،  التاريخ، والتصوف، وهى مجالات قريبة من شغفى كدارسة للفنون الشعبية.. وتقديمهم بالإضافة إلى ذلك مقالات وفيديوهات ثرية، تُقدم مواضيع ثقيلة بطريقة سلسة، مع إصدارات متنوعة تتراوح بين الأدب، التاريخ، والفلسفة.. فخورة بالتأكيد بمشاركتى مع مجموعة من الكتاب المثقفين، ممن يجمعهم الشغف بالجودة والرؤية الهادفة.

تستكمل «غزاوى» حديثها قائلة إن المعرض يمثل نافذة حيوية لدور النشر المستقلة التى تعتمد عليه لتغطية تكاليف الإنتاج والتوزيع وللانتشار الثقافي؛ ما دعى لاستنكارها هذا المنع الذى حرمها ككاتبة، والدار كناشر، من فرصة الالتقاء بالقراء وصناع الثقافة. 

وتصف الأمر بأنه إجحاف طال الجميع، من كُتاب إلى قراء محرومين من الإصدارات الثرية التى تقدمها الدار. كما أثنت على موقف «المرايا»، التى واجهت الأزمة بروح تضامنية لافتة، حيث تحولت فعاليات التوقيع والندوات إلى مقر الدار، وسط دعم واضح من القراء وأصحاب دور النشر الأخرى؛ ومع ذلك، فهذه الحلول البديلة، رغم أهميتها، لا تعوض خسارة المشاركة فى حدث ضخم كمثل معرض الكتاب.

أما الدكتورة سلمى مبارك الناقدة ومحررة الكتاب المشارك فى المعرض: «مرايا السينما بين الأدب والإنسانيات» فتتأمل المشهد بعين الناقدة التى تدرك حجم الخسارة التى خلفها غياب دار المرايا عن معرض الكتاب، مؤكدة أن التأثير لم يكن مقتصرًا على الدار فحسب؛ بل امتد ليشمل القارئ الذى ينتظر عامًا كاملًا ليجد فى المعرض وجهته الثقافية الشاملة.. فالزائر يخطط مسبقًا لاقتناء عناوين مختارة، وغياب إنتاج دار بحجم المرايا يعنى حرمان الجمهور من تجربة ثقافية فريدة تقدم تنوعًا لافتًا بين الأدب والتاريخ والفنون والفكر.. أما بالنسبة للدار، قائلة: «معرض الكتاب ليس مجرد حدث عابر، بل هو منصة استراتيجية تُعرض فيها أهم إصدارات العام، ما يجعل غيابها خسارة مزدوجة، أدبية ومادية»

تضيف «مبارك» إنه وسط هذا المشهد القاتم، تتبدى بارقة أمل فى المعرض الموازى الذى نظمته الدار بذكاء واحترافية، حيث احتضنت جمهورها بندوات ثرية وحفلات توقيع مبهجة، ما عكس قدرة المرايا على تحويل الأزمات إلى فرص جديدة.. مشيرة إلى أنه رغم قلة الإمكانيات فإن الدار أظهرت براعة فى انتقاء إصدارات تحمل قيمة فكرية وأدبية، ما جعلها وجهة للكتاب الباحثين عن جدية واحتفاء حقيقى بأعمالهم. 

وفى ختام حديثى مع الدكتورة سلمى مبارك وجهت رسالة قائلة: «بينما يستمر الدعم الجماهيرى للدار، يبقى الأمل معقودًا على عودتها المستحقة إلى معرض الكتاب».