هاني لبيب
بُعد إنسانى وأمن قومى مصرى.. التشريع الأول من نوعه.. قانون لجوء الأجانب!
يعتبر قانون لجوء الأجانب من القوانين المهمة التى تحكم آليات وقواعد دخول الأجانب إلى مصر، ويعد مشروع قانون لجوء الأجانب المتداول حالياً داخل أروقة مجلس النواب المصرى خطوة مهمة نحو تنظيم هذه المسألة فى مصر. هذا المشروع يأتى فى وقت تشهد فيه مصر تحديات سياسية واقتصادية عديدة ومختلفة، فضلاً عن التدفق غير المسبوق للاجئين من بعض الدول المجاورة التى تعانى من النزاعات المسلحة، مثل: سوريا وليبيا والسودان وفلسطين ولبنان.
وهو ما يحتاج إلى نقاش وحوار معلوماتى.. يستهدف الأمن القومى المصرى بالدرجة الأولى بعيداً عن حالة السفسطة المنتشرة حالياً على السوشيال ميديا.
إيجابيات إنسانية
صدور هذا القانون له العديد من الإيجابيات التى تحسب لمصر فى علاقاتها الإنسانية بالعديد من شعوب دول النزاعات والحروب. على غرار:
أولاً تنظيم مسألة اللجوء: من خلال السعى إلى وضع إطار قانون منظم لطلبات اللجوء، مما يساعد فى سرعة إجراءات دراسة طلبات اللجوء، ومنع الفوضى التى قد تحدث فى حالة غياب تشريع قانون واضح ومفهوم.. فالقانون يسمح بتحديد معايير واضحة لقبول أو رفض طلبات اللجوء، وهو ما يساعد فى تقليل التأخير فى اتخاذ القرارات وتحديد حقوق اللاجئين بشكل دقيق ومحكوم.
ثانياً حماية حقوق اللاجئين: يعتبر القانون خطوة مهمة جداً فى سبيل حماية حقوق اللاجئين فى مصر، حيث ينص على احترام المبادئ الإنسانية المعترف بها طبقاً للمواثيق والمعاهدات والقانون الدولى والإنسانى، مثل: حق الحماية من الترحيل القسرى أو عدم الإعادة القسرية، مما يحمى اللاجئين من العودة إلى أماكن الصراعات والنزاعات التى تهدد حياتهم. كما ينظم القانون.. آلية لإعطاء المساعدات الإنسانية والطبية للاجئين، مما يسهم فى تحسين ظروف حياتهم خلال فترة اللجوء.
ثالثاً دور مصر الإقليمى والدولى: يعكس القانون.. التزام مصر بالاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين، مثل: اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين الموقعة فى جنيف سنة 1951 الخاصة.. مما يعزز من سمعة مصر على الساحة الدولية كداعم لحقوق الإنسان. وهو ما يسهم فى تأصيل أواصر التعاون بين مصر ودول العالم والمنظمات الدولية المعنية بشئون اللاجئين، وتأكيد على التزامها بتوفير بيئة آمنة للاجئين.
رابعاً تنظيم إقامة اللاجئين: يدعم القانون قواعد تنظيم إقامة اللاجئين فى مصر، بما يمنع تكدسهم فى المناطق الحضرية أو عشوائية تمركزهم فى أماكن غير قانونية على غرار ما حدث من قبل. وبالتالى، سيساعد القانون على تقديم تسهيلات للحصول على إقامة قانونية سواء مؤقتة أو دائمة، وهو ما سيتيح للاجئين.. الصيغة القانونية التى تتيح لهم إمكانية العمل والتعليم. ومنعهم من العيش فى ظل ظروف غير قانونية.
ملاحظات.. للمعالجة القانونية
هناك بعض الملاحظات التفصيلية التى يجب التوقف أمامها لكى يصدر القانون بأكبر قدر من التوافق الإنسان من جانب، ومعالجة آثار تلك المشكلة المعقدة على المواطنين المصريين من جانب آخر. وعلى سبيل المثال:
1 - تحديد المعايير: يهدف القانون إلى تحديد معايير واضحة لطلبات اللجوء، وهو ما يعنى أهمية ضبط الصياغة القانونية لمواده.. لكى لا نسمح بوجود أى تفسيرات لنصوصه.. بشكل يمكن أن يستخدم فى التمييز بين اللاجئين على أسس مختلفة سواء كانت أيديولوجية أو سياسية وغيرها. وحتى نحافظ على هدف إصدار القانون بالشكل الذى يلبى الحاجة من إصداره.
2 - التحديات الأمنية: قطعاً، هناك قلق من أن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين.. ربما يشكل تهديداً للأمن القومى المصرى، خاصة أن وجود ثغرات بالقانون.. قد تؤدى إلى خلل فى النظام.. يسمح بإمكانية دخول من يدرجون بكونهم يمثلون تهديداً مباشراً للمجتمع المصرى. من الضرورى ضمان وجود آلية واضحة فى نصوص القانون للتحقق من هوية اللاجئين.. بما يضمن للمجتمع المصرى.. تفادى أى تسلل لعناصر متشددة أو متطرفة أو إرهابية غير مرغوب فيها.
-3 التدبر المال والاقتصادى: تنفيذ هذا القانون بشكل فعال يتطلب توظيف عدد كبير من المتخصصين والمحترفين فى العديد من المجالات الأمنية والقانونية والطبية والاجتماعية. وهو ما سيشكل عبئاً إضافياً على المؤسسات الحكومية. وسيؤدى إصدار هذا القانون إلى زيادة تحمل الدولة أعباء اقتصادية إضافية فى ظل التحديات والأزمات الاقتصادية الصعبة، خاصة فى مجالات حيوية مثل: التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. إن توفير هذه الخدمات للاجئين سوف يتطلب استثمارات ضخمة من ميزانية الدولة.
توصيات تفعيل القانون
من خبرة القراءة والتعامل فيما يخص قضايا اللاجئين، أعتقد أنه من المهم مراعاة ما يلى:
أولاً التعريفات القانونية: يجب تعريف مصطلح «اللاجئ».. ليشمل جميع الحالات الإنسانية التى قد تحتاج إلى حماية، مثل: ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة، وأيضاً الأشخاص المعرضين للاضطهاد بسبب انتماءاتهم السياسية والاجتماعية. إن تحديد فئات اللجوء بشكل مرن سيسهم فى حماية عدد أكبر من الأشخاص.
ثانياً مراجعة القرارات: من الضرورى تضمين القانون لآلية واضحة للمراجعة الدقيقة على قرارات رفض طلبات اللجوء.. فمن الوارد أن يصعب على بعض اللاجئين.. تقديم جميع الأوراق والأدلة المطلوبة فى وقت قصير ومحدد. وبالتالى، فإن آلية المراجعة هنا.. توفر لهم الحصول على فرص إنسانية عادلة.
ثالثاً التعاون الدولى: يجب أن يراعى مشروع القانون على ضرورة تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية مثل: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR)، لضمان تطبيق المعايير الدولية فى التعامل مع اللاجئين، وإتاحة فرص.. تبادل المعلومات حول الأشخاص الذين يقدمون طلبات لجوء.
رابعاً حماية المرأة والأطفال والأشخاص ذوى الإعاقة: من المهم جداً، أن يتضمن القانون مواد خاصة لحماية المرأة والأطفال ممن تعرضوا للاستغلال أو التعذيب أو العنف الجسدى والجنسى، أو ضحايا الاتجار بالبشر. وما يتطلب ذلك من توفير آليات للدعم النفسى والطبى للأطفال والمرأة من ضحايا العنف. وهو ما قد يسهم فى تعزيز البعد الإنسانى المصرى للقانون.
البعد الإنسان والأمن القومى
من الضرورى، أن نذكر هنا بعض المقترحات العملية لتحقيق التوازن المطلوب بين البعد الإنسانى لقضايا اللاجئين وبين مقتضيات الأمن القومى المصرى. وذلك على غرار:
- الإجراءات الأمنية والرقابية: تقوية وتعزيز الآليات الأمنية من خلال التعاون مع الأجهزة الأمنية المحلية والدولية لمراجعة الخلفيات الأمنية للاجئين. ويمكن أيضاً استخدام التكنولوجيا الحديثة فى تدقيق أوراقهم الثبوتية من خلال هوياتهم ومراقبة تحركاتهم لضمان عدم دخول أى عناصر تهدد المجتمع.
- مراكز إيواء متخصصة: يجب أن تتوافر مراكز إيواء مجهزة لاستيعاب اللاجئين تحت إشراف حكومى أو بالتعاون مع المنظمات الإنسانية الدولية ومنظمات المجتمع المدنى. هذه المراكز يجب أن توفر بيئة آمنة للاجئين، وتسهم فى ضبط وتنظيم وضعهم القانون بعيداً عن الأماكن العشوائية.
- إعادة تأهيل اللاجئين: يمكن أن يشمل القانون برامج لإعادة تأهيل اللاجئين، خاصة لأولئك الذين يسعون للحصول على عمل فى مصر.. من خلال تقديم دورات تأهيلية وتدريبية وتعليمية لهم. هذا سيساعد فى تحسين إدماجهم فى المجتمع المصر بشكل أكثر إيجابية وفاعلية.
- تعزيز التعاون مع الدول المجاورة: يمكن لمصر تعزيز التعاون مع الدول المجاورة لتنسيق آليات التعامل مع اللاجئين، بحيث يتم تبادل المعلومات وضمان توجيههم إلى أماكن آمنة وحسب الحاجة الفعلية.. دون أن يكونوا عبئا على المجتمع.
نقطة ومن أول السطر
فى تقديرى، أن مشروع قانون لجوء الأجانب.. باعتباره أول تشريع ينظم شئون دخول اللاجئين وطالبى اللجوء.. هو خطوة مهمة، وستسهم بشكل كبير فى تحسين أوضاع اللاجئين فى مصر. وهو إنجاز على مستوى مجال حقوق الإنسان بتأكيد التزام الدولة المصرية بالقيم الإنسانية والمعايير الدولية.. لتحقيق التوازن بين البعد الإنسانى والأمن القومى.
ولذا.. من الضرورى أن يتم إصدار القانون.. بالشكل الذى يضمن حماية حقوق اللاجئين وتوفير الأمن للمجتمع المصرى فى الوقت نفسه.