الأربعاء 4 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

5 رسائل حول أهميته الأزهر يعيد إحياء الحوار الحضارى

فى رسالة عالمية متجددة للأزهر الشريف قامت كلية الدعوة بجامعة الأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية، بعقد مؤتمر دولى لإحياء فكرة الحوار الحضارى، تحت عنوان: «الدعوة الإسلامية والحوار الحضارى رؤية واقعية استشرافية»، وذلك بمركز الأزهر الدولى للمؤتمرات.



وركز المؤتمر على ستة محاور رئيسية، المحور الأول «مفهوم الحوار الحضارى وتأصيله فى مصادر الشريعة والفكر والدعوة الإسلامية، والجذور التاريخية له وقواعده وآدابه»، والمحور الثانى تناول «الدعوة الإسلامية وواقع الحوار الحضارى»، أما المحور الثالث فتناول «الدعوة الإسلامية واستشراف مستقبل الحوار الحضارى»، فى حين تناول المحور الرابع «العلوم الإسلامية والإنسانية والحوار الحضارى واستشراف المستقبل»، بينما تناول المحور الخامس «المؤسسات الدينية والمجتمعية بين الواقع واستشراف الحوار الحضارى»، وركز المحور السادس حول «الدعوة الإسلامية ورفض الصدام الحضارى».

 

 

 

وعن أهمية الحوار ورفض الصدام الحضارى أكد د.محمد الضوينى، وكيل الأزهر، أن الحوار الحضارى الذى يعنى فى مجمله عملية تبادل الأفكار والقيم والمعارف بين الحضارات والشعوب المختلفة، بهدف تحقيق التفاهم المتبادل والتعايش السلمى، أعمق من مجرد نقاش، فهو بناء لجسور التواصل بين الثقافات، والعمل على إيجاد أرضية مشتركة تجمع بين البشرية كلها.

وأضاف: إن حوار الحضارات تمس فيه مجالات علمية كثيرة، المجال السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى، كما يتداخل فيه البعد المحلى والدولى، والقديم والحديث؛ ومن ثم فإن طرح «الحوار الحضارى» كموضوع للمناقشة ينبغى أن يكون طرحًا شموليًا، يعكس الترابط بين الحقول المعرفية المختلفة، والتى يظن البعض أنها منعزلة أو مستقلة، إضافة إلى ضرورة فهم أن الحضارة الإنسانية من إنتاج كل البشر، على تفاوت فى أنصبة إسهامات الشعوب والأمم فى بنائها، على عكس ما يراد من تقزيم البعض وتضخيم البعض الآخر لاعتبارات أيديولوجية أو سياسية تختبئ وراء شعارات علمية.

وأوضح الدكتور الضوينى أن من الواجب تجاوز التنظير للحوار الحضارى من ناحية المفهوم وتاريخ نشأته ومن تكلم عنه من العلماء والمفكرين إلى وضع مسارات عملية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية حقيقية تقرب بنى الإنسان، وتجمعهم على أصول حقيقية لا تنكر، مبينًا أن الحضارات فى ذاتها لا تحاور، ولا تحاور، وإنما الذى يحاور هو الإنسان، هو الذى يرسل ويتلقى، ويسأل، ويوافق ويعارض، ونقل هذه المعانى من الإنسان إلى الحضارة يسمونه «أنسنة الحضارة»؛ بمعنى إضفاء الصفات البشرية على الحضارة.

 

 

 

وبيّن أن «المثاقفة» فعل بشرى، يجرى بين بنى الإنسان، تنتقل فيه عادات وتقاليد، وأنماط ثقافية، واتجاهات فكرية، وليس لدى بنى الإنسان فرصة الاختيار فى هذه المثاقفة؛ خاصة أن العالم الآن أصبح قرية صغيرة، وأصبح الناس أشبه بسكان عمارة واحدة، وربما يجعلهم المستقبل وما يحمله سكان شقة واحدة، إذا طرقها طارق سمع صوته جميع من فيها، إلا من اختار أن ينعزل، فحوار بنى الإنسان اليوم أكثر سهولة ويسرًا من أى وقت مضى، وتكفى ضغطة أو لمسة من أصغر الأنامل ليكون الإنسان فى الصين أو فى الهند أو فى أمريكا، يطالع المكتبات العالمية ويشارك فى الفعاليات الثقافية المختلفة، ولكن العجيب حقًا أن ترى بنى الإنسان مع هذه الفرصة الكبيرة كلما ازدادوا قدرة على التواصل ازدادوا عصبية وانعزالًا، وازدادت الفوارق بينهم!

وتساءل وكيل الأزهر عن موقف الهويات من هذا الحوار الذى يديره الآن طرف يملك من مقومات الحياة شيئًا ما، ويتغافل هذا الطرف عمدًا عن حقيقة الحضارة، ومقوماتها، وأنها كما تحتاج إلى المادة فإنها تحتاج إلى الروح، وكما تثق فى المحسوس فإنها لا تستغنى عن المعنى! وهل يقتضى الحوار الحضارى منا ونحن نملك تاريخًا ثريًا، وعلومًا أضافت إلى الحياة ما أضافت مما كتب عنه المسلمون والعرب والأعاجم،

ووجه وكيل الأزهر خمس رسائل حول أهمية دور الحوار الحضارى الرسالة الأولى: إن وحى السماء ما نزل إلا ليرسم للإنسان طريق السعادة فى الدنيا والآخرة، ويعلمه قيم الرحمة والحق والخير، ويحفظ دمه وماله وعرضه؛ وبأنوار هذا الوحى تستطيع البشرية أن تنهض من كبوة العنصرية وسفك الدماء وقتل الإنسان، ويصان إنسان غزة كما يصان أى إنسان على ظهر الأرض.

أما الرسالة الثانية فهى أن فلسفة القرآن الكريم لا مكان فيها لعلاقات الصراع والقتال مع المسالمين؛ ولذا فإن لفظ «السلام» ومشتقاته يملأ جنبات القرآن فى آياته وسوره، حتى أصبح الإسلام والسلام وجهين لعملة واحدة إن صح هذا التعبير، ويكفى للتدليل العاجل على هذا أن نقارن بين كلمتى السلام والحرب فى القرآن؛ لندرك شيوع السلام فى أوامر الإسلام، وأن مبدأ «السلام» أصل فى معاملة المسلمين وعلاقاتهم مع الكون من حولهم بكل ما فيه من موجودات، وبهذا تفتضح اتهامات المدلسين ممن لا يتوانون عن ظلم الإسلام وأهله لأدنى شائبة!

بينما أكد د.الضوينى فى الرسالة الثالثة أن الحوار الحضارى بين بنى الإنسان ضرورة يقتضيها التنوع والاختلاف فى الألسنة والألوان، والثقافات والعلوم، وإنما يكون الحوار بين بنى الإنسان فيما اتفقوا عليه من مشتركات، وما أكثرها بينهم! ولا يتصور أن يؤدى التنوع إلى شر وكراهية وتهميش وإقصاء، كما يدعى بنو صهيون!

ولفتت الرسالة الرابعة إلى أن الواجب علينا أن نعيد قراءة ذواتنا، ونفهم طبيعة أمتنا، وندرك الرسالة التى أخرجت بها الأمة للناس؛ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، وتملك أسباب الدنيا وتنير طريق الآخرة.

 

 

 

واختتم وكيل الأزهر رسائله بالرسالة الخامسة حيث قال: إن أمتنا وأوطاننا أمانة فى أعناقنا يجب أن نحافظ عليها – أفرادًا ومؤسسات، وشعوبًا وحكومات- وبكل ما أوتينا من قوة وأدوات وفكر.

 الهداية العامة 

الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، كان ضمن المشاركين فى المؤتمر الدولى حيث أوضح أن القرآن الكريم جاء بمستويين من الهداية؛ هداية عامة وهداية خاصة، مبينًا أن الهداية الخاصة هى خطاب القرآن لمن آمن وصدق به، والهداية العامة هى خطاب القرآن لكل إنسان على وجه الأرض.

وأضاف الأزهرى، إن من عجائب الهداية العامة، قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، حيث رتّب الله تعالى التعارف على انقسام البشر إلى شعوب وقبائل، فهو تعارف غير مقتصر على الأفراد - كما فهم عامة الناس- بل هو تعارف يجرى وينهض بين الأمم والشعوب والقبائل والدول والثقافات، كما أنه تعارف الحضارات الذى يدعو إليه مؤتمر كلية الدعوة الإسلامية اليوم.

ودعا الأزهرى إلى ضرورة الحوار وتعارف الحضارات، ليكون بديلًا لفلسفة صدام الحضارات، والتى على أساسها اشتعلت حروب ودمرت دول بأكملها، كما اقترح الأزهرى أن يتم الإعلان عن التضامن مع دعوة الأمم المتحدة باليوم الدولى للتسامح، والموافق السادس عشر من نوفمبر، لأنه يرسخ لقضية الحوار الحضارى، مؤكدًا أن المسلمين دائمًا يدهم ممدودة للسلام والتسامح، وإلى كل ما يدعو إلى العدل والإنصاف والإنسانية.

وقال وزير الأوقاف إننا من هذا المؤتمر نطلق نداء لإخواننا فى فلسطين: «أنه مهما كانت الأهوال ومهما كان عدد الشهداء، لا تتركوا أرضكم ولا تغادروها، حتى لا يبتلعها العدو، وتُصفى القضية الفلسطينية إلى الأبد، رابطوا عليها ولا تفارقوها»، مؤكدًا أن موقفنا الذى ننادى به فى كل الدنيا أنه لا حل إلا بإعلان إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس.

 حوار عادل بلا «فيتو»

من جانبه أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن المؤتمر الذى تعقده كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر بعنوان: «الدعوة الإسلامية والحوار الحضارى رؤية واقعية استشرافية»، مؤتمر مهم أحسنت الكلية فى اختيار موضوعه، لافتًا إلى أن عنوان المؤتمر السابق للكلية كان: «نحو شراكة أزهرية فى صناعة وعى فكرى آمن رؤية واقعية استشرافية»؛ والقاسم المشترك بين المؤتمرين هو الحرصُ على تحديد آفاق الرؤية التى تضع عينا بصيرة على الواقع بهمومه وقضاياه وتضع العين الثانية على استشراف المستقبل لترمق ملامحه من بعيد، والنفوس شغوفة بما يكون فى المستقبل تسترق السمع، تتحسس صورته التى ربما لا يمهلها الأجل لتراها رأى عين.

 

 

 

وفى حديثه عن الحوار الحضارى، بيَّن رئيس جامعة الأزهر أن موقع الحوار من الدعوة الإسلامية كموقع الرأس من الجسد، ولا يصلح الجسد إلا بالرأس، وتاريخ الحوار موغلٌ فى القدم، يعود إلى بَدْءِ خلق الإنسان، حين خلق الله تعالى سيدنا آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود له وأمر إبليس بالسجود له، فدار حوار بين الله جل جلاله وبين الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، كما جرى الحوار بينه سبحانه وبين إبليسَ أشقى خلقه، وبينه سبحانه وبين سيدِنا آدمَ وذريتِه الذين كرَّمَهُم الله جل وعلا وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، وقص الذكر الحكيم هذه الحواراتِ فى كثير من سور الكتاب العزيز، ولو شاء سبحانه لأمرهم جميعًا فأتمروا، ونهاهم جميعًا فانتهُوا، ولكنه جل وعلا يعلمنا أن نلزم الحوار سبيلًا مع الأخيار والأشرار، لتتضح الحجة، ويَمِيزَ الحقُّ والباطل، ليحيا من حَيَّ عن بينة ويَهْلِكَ من هلك عن بينة. وهكذا يعلمنا الذكر الحكيم حتى لا نَغْفُلَ عن هذه الوسيلة الإقناعية.

وأوضح أن الحوار الحضارى هو الحوار الصادق الذى يستهدف الحق والعدل والإنصاف، وليس فيه «حق الفيتو» الذى يغلب فيه صوت الفرد أصوات الجماعة، وكما قالوا «رأى الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأى الفرد يشقيها»، حق الفيتو الذى تستحل به الدولة العظمى القوية دماء الدول المستضعفة وتستبيح قتل رجالها ونسائها وأطفالها كما يحدث اليوم فى غزة فى حرب ضروس استشهد فيها أكثرُ من أربعين ألفِ شهيد، منهم أكثرُ من عشرة آلاف طفل لا تتجازو أعمارهم سن العاشرة، فضلًا عن النساء والعجائز.

وتابع أن هذا يحدث منذ سنة كاملة من الإبادة الجماعية التى تقوم بها آلة الدمار الصهيونى على مرأى ومسمع من العالم الذى طالما تغنى بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأقام البرلمانات الدولية وتفاخر باعتمادها على حرية الرأى والحوار الحضارى واحترام العهود والمواثيق الدولية إلى آخر هذه العبارات الطنانة التى لا وجود لها عند التعامل مع المسلمين.

وأضاف: إن لغة الحوار هى لغةُ العقل والمنطق، ولغةَ الحرب هى لغةُ السلاح والدمار، فيا عقلاء العالم: لماذا تركنا لغة السلام إلى لغةِ السلاح، ومنطقِ السلاح، ودمار السلاح، وإزهاقِ الأنفس والأرواح ؟ 

فهل يمكن أن نجتمع على كلمة سواء توقف هذا الدمار؟ هل يمكن أن تصمت أصوات المدافع وتنطق أصوات الحوار الراشد بالدعوة إلى الاحتكام إلى العقل والمنطق والحكمة والسلام؟

وقال رئيس جامعة: «إننى على يقين أن أمتنا الإسلامية إذا اتحدت واجتمعت كلمتُها فإن وَحدتها جديرةٌ بأن تُذْهِبَ «حق الفيتو» إلى غير رجعة، وتَرْكُمَه فى مزبلة التاريخ؛ لأنه حقٌّ قام على الظلم والجَور والعدوان، وليس له مثقالُ ذرة من وصف الحق الذى يحمل اسمه، فهو حق أُرِيدَ به باطل، وظلمٌ ينبغى حَذْفُهُ من جميع المواثيق الدولية، بل هو رِجْس ونَجَسٌ لا يغسل أدرانَه ماء البحر!!

 الحوار رؤية أزهرية 

فيما قال فضيلة الدكتور محمد الجندى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر إن المؤتمر يجسد رؤية الأزهر بكل قطاعاته، لذا حرص مجمع البحوث الإسلامية وكلية الدعوة الإسلامية على التشارك لعقده برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذى يولى كل الحرص لهذه القضايا المهمة فى حياة الشعوب.

وأشار الدكتور الجندى إلى أن مجمع البحوث الإسلامية بكل أماناته وإداراته المركزية والفرعية وإصداراته وفعالياته ليعنى عناية واضحة بالدعوة الإسلامية وعظًا وإرشادًا وإفتاء ونشرًا، وقد جاء هذا المؤتمر فى وقت انتشرت فيه الصراعات، وشاعت فيه التحديات الإقليمية والعالمية.

وأكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أن مفهوم الحوار لم ينسلخ فى المنظور التشريعى الإلهى عن مطالبات الفطرة الإنسانية، ولم يصطدم بالحقائق الحيوية للكينونة الإنسانية، فالحوار خطاب للوجود كله بمنهج يتناغم مع طبيعة الحياة فيه، وقد ساق البشرية كلها إلى حياة الإلف والإخاء، وأنقذها من عناء التدابير الفكرية المنزلقة إلى نظام حياة الغابة، وحررها بخطوٍ ينبهها من خطر السيكولوجيات المضللة، وتأتى رسالة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لتؤكد وتجدد نداء السماء بعدم المساس بمنهج الله سبحانه، فإنه لا اجتهاد مع النص.

وأوضح الدكتور الجندى أن منظومة منهاج الحوار فى الإسلام واحدة، ومن كانت لهم اليد الطولى فى التقعيد للحوار المنطقى العقلى والدعوى وآدابه، استمدوا منهجهم من الإسلام. فنرى منهج الإسلام فى الحوار فى منهج الإمام أبو حنيفة النعمان وفى منهج الإمام أحمد بن حنبل.

ولفت إلى أن منهج الإسلام فى الحوار موجود كذلك فى منهج العلامة أبى بكر الباقلانى، منهج العلامة أبى حامد الغزالى، وفى منهج العلامة أبى الحسن الفارسى، وفى منهج العلامة عبدالكريم بن محمد الدامغانى، وفى منهج العلامة الإمام أبى عبدالله محمد بن يوسف السنوسى التلمسانى، وفى منهج العلامة الإمام البيجورى، وفى منهج العلامة الإمام محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقى، وفى منهج العلامة أحمد الملوى، وفى منهج العلامة محمد بن عياد الطنطاوى الشافعى، وفى منهج العلامة الإمام المراغى، وفى منهج العلامة الإمام عبدالحليم محمود، وفى منهج العلامة مولانا الإمام الأكبر أحمد الطيب.

وخلص الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية فى ختام كلمته إلى أنه من خلال هذه القواعد المسلسلة نرسخ للحوار الدعوى فى كنف رؤية محبوكة تضمن الانسجام فى المجتمعات تحقيقًا لحفظ الضرورات الخمس، ونصوغ رؤية استشرافية مستنبطة من قراءات عملية، خصوصًا فى ظل التحديات الإقليمية والعالمية.

 التطبيق العملى 

من جانبه لفت الدكتور محمد رمضان أبوبكر، وكيل كلية الدعوة الإسلامية لشئون التعليم، إلى أن الحوار فطرة إنسانية وحاجة بشرية، حيث خلق الله- تعالى- البشر مختلفين فى ألوانهم وألسنتهم وأفكارهم وثقافاتهم، مبينًا أن هذا الاختلاف مقصود منه أن يتعارفوا ويتعاونوا لإعمار الأرض، وتوفير سبل الحياة الكريمة فيها، والوصول بالإنسان إلى السعادة والرفاهية من خلال تطبيق منهج الله تعالى- وعبادته وتوحيده.

وأضاف وكيل كلية الدعوة الإسلامية، إن هذا التعارف والتعاون يستحيل أن يتحقق دون وجود حوار بين الناس على مستوى الأفراد والمجتمعات بل على مستوى الحضارات أيضًا، مؤكدًا أن الحضارات الإنسانية لابد أن تفيد بعضها وتنقل عنها وتأخذ من آثارها، بحيث يكون التبادل المعرفى والتلاقح الفكرى والتفاعل الثقافى هو السائد والغالب بين الحضارات، وأن هذا كله لا يتم إلا من خلال الحوار والنقل والأخذ والرد بين تلك الحضارات والمجتمعات.

وشدد وكيل كلية الدعوة الإسلامية على أهمية الحوار فى ظل عالم أحوج ما يكون أن يسكت صوت القنابل والرصاص بالتواصل والحوار، وليس أى حوار وإنما حوار حضارى منطلق من المصلحة الإنسانية العامة والمشتركة للجنس البشرى، حوار حضارى يثمر تعايشًا سلميًا بين جميع الأديان والعرقيات والإثنيات، ويستثمر الخلاف للوصول إلى نقاط مشتركة، وفتح آفاق واسعة من التواصل البناء. 

واستشهد وكيل كلية الدعوة، بقول فضيلة الإمام الأكبر أنه يؤمن بأن الحوار بين الثقافات والأديان يجب أن ينتقل من الإطار النظرى إلى التطبيق العملى فى المجتمعات عن طريق إشراك الشباب والاستفادة من طاقاتهم وأفكارهم المبدعة فى تعزيز قيم السلام والتعايش المشترك بين أتباع الأديان حول العالم.

 صياغة الحوار 

الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، يرى أن مؤتمر «الدعوة الإسلامية والحوار الحضارى رؤية واقعية استشرافية»، يبرز دور الأزهر الشريف فى إعادة صياغة الحوار الحضارى البناء المستند إلى تعاليم الإسلام السمحة التى يقوم عليها الحوار الراقى، والتى تسهم فى تحقيق العدالة والمساواة بين جميع البشر على اختلاف شرائعهم وألوانهم وأجناسهم، مؤكدًا أن الحضارة الإسلامية التى أرسى دعائمها النبى صلى الله عليه وسلم، قامت على أساس الحوار الفكرى البناء، وانطلقت برسالة سامية تقوم على العدل والإنصاف، من خلال الحوار الراقى، بعيدًا عن التشدق والتعصب الأهوج.

وأكد د.عمر هاشم أن الأزهر الشريف، باعتباره مؤسسة عالمية، له رسالة سامية، يحثنا جميعًا أن نتحمل مسئوليتنا، وأن نعمل جاهدين على تنمية الوعى، وتصحيح المسار، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فى كل الميادين وكل الساحات. 

وأوضح أن العالم اليوم يشهد انحرافًا صارخًا عن القيم الإنسانية التى أرسى دعائمها الإسلام، مما يستدعى منا جميعًا العودة إلى جذورنا الإسلامية الأصيلة، لنستلهم منها قيم التسامح والعدل والرحمة التى تميزت بها حضارتنا، وعلينا أن نذكر العالم أن الإسلام دين سلام، سيما وأن كلمة السلام ليست كلمة عابرة؛ وإنما هى خارطة طريق لبناء مجتمعات عادلة قائمة على التآخى والمحبة بين أفرادها، حيث يتعاون الجميع لبناء مستقبل مشرق للأجيال القادمة، بدلًا من أن نورثهم الصراعات والخلافات.  وبيّن «هاشم»، أن أبشع صور الانحراف الحضارى للإنسانية، فى عصرها الحديث، ما يحدث على أرض فلسطين من مجازر وإبادة جماعية، تمارس كل يوم فى حق الأبرياء، والسبب فيها هى أن عدونا لا يعرف الحوار ولا يريد السلام، وإنما هو عدو متعطش للدماء، وسيحاسب التاريخ كل من صم آذانه، وأعمى عينه عن هذه الوحشية التى تنهش كل يوم فى جسد الأبرياء، ولم يتخذ خطوة لوقفها، قائلًا: «نقول لإخواننا المجاهدين فى فلسطين عليكم بالصمود والثبات لأنكم تواجهون عدوًا لا يعرف لغة الحوار، واعلموا أن العاقبة للمتقين». 

وطالب عضو هيئة كبار العلماء، بضرورة تصحيح أوضاع فسدت فى المجتمعات، لأن الحضارة الإسلامية حضارة عمل وإنتاج، لا حضارة كسل وفتور، وأنه لابد من رفع نتائج هذا المؤتمر وتوصياته للمسئولين فى الداخل والخارج، حتى تعلم الدول التى تتشدق بالديمقراطية، وتتيقن أن الحوار العادل والمنصف هو السبيل الوحيد لحل المشكلات التى تواجه الحضارة الإنسانية التى لطختها يد الصهاينة بدماء الأبرياء.

 حوار لنشر القيم

فيما طالبت ورقة بحثية للدكتور عبدالحميد متولى رئيس الجامعة الإسلامية بأمريكا اللاتينية – البرازيل بمؤتمر كلية الدعوة الإسلامية حول «الدعوة الإسلامية والحوار الحضارى رؤية واقعية استشرافية»، أن تقوم المؤسسات الدينية والوطنية المعنية بنشر الدين والقيم والأخلاق والعلم فى بلادنا بجلسات حوار ذات خطة محكمة يقوم عليها علماء متخصصون فى شتى التخصصات بين مختلفى الثقافات الهدف منها تعزيز القيم ونشر الأخلاق والعلم والمعرفة فى ربوع العالم. 

وشدد متولى على أن الإسلام فى حواره مع الآخر ينطلق من منطلقات عظيمة تمنحه قدرًا كبيرًا من الأهمية والمنزلة من أهمها تكريم الإنسان والإيمان بسنة التنوع الكونية ودعوته إلى السلام وحق الجوار الدولى.

ولفت إلى أن الحوار الحضارى البناء الذى يدعو إليه الإسلام هو الذى يهدف إلى التفاهم والتلاقى على مساحات مشتركة، وأهداف إنسانية عامة لا تمييز فيها على أساس الدين أو اللون أو الجنس، أو القبيلة، وهو الذى يتطلب إنصاف الآخر، فإنصاف الآخر هو منهج القرآن الكريم.

موضحًا أن الدين قائم على إنصاف الآخر، ويعنى تسامح كل طرف عن بعض ما يراه حقًا له، ليتسامح له الآخر فى بعض ما يراه حقًا.

كما أكد أن الحوار البناء لا يجعل من المتغيرات ثوابت، ولا من الثوابت متغيرات، فمن جهة لا يفرط فى ثوابتنا العقدية، ومن جهة أخرى لا يقدس غير المقدس ولا يعرف التعصب الأعمى، ولا يرمى الناس بالإفك والبهتان ولا يقابل الحجة بغير الحجة.

 توصيات المؤتمر

فيما أكد المؤتمر فى بيانه الختامى على ضرورة دفع فرص التحاور بين الأمم والشعوب؛ لتحقيق الأهداف الجامعة، وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة، وتكريس أجواء التربية على الحوار والتواصل، والرغبة فى تأسيس قواعد العيش المشترك بين بنى البشر، مشيدين بما قطعه الأزهر الشريف فى الداخل من إنشاء «بيت العائلة المصرية»؛ لإحداث تقارب داخلى، وإنشاء «مركز الحوار بين الأديان»؛ لإحداث تقارب عالمى، تلك الجهود العظيمة التى توجت بتوقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية» التى كان الأزهر، وما زال الداعم لها، والممهد لطريقها.

ودعا المؤتمر إلى حوار مفتوح هادف، تشارك فيه كل الحضارات الإنسانية، دونما إقصاء لأحد، أو تهميش لدوره، وتطرح فيه جميع الأفكار والقيم التى تنتصر للإنسان، وفى مقدمتها قيم التسامح، والتعايش الإنسانى، وضرورة إرساء قيمة «التنوع الثقافى» كمصطلح حديث، يعنى أن لكل ثقافة من الثقافات الإنسانية دورها وإسهامها فى إغناء التراث الإنسانى، مما يدعو إلى التكامل الثقافى بين جميع الحضارات والثقافات المختلفة، مؤكدًا أن الحقوق الثقافية جزء لا يتجزأ من الحقوق العامة للإنسان، ومن حق كل إنسان أن يتمتع بالقدرة على التعبير عن نفسه، والإبداع فى كل مجال من مجالات الحياة.

كما نادى المؤتمر بإلقاء الضوء على «أدب الاختلاف»، كأحد أبرز الجوانب المشرقة فى الحضارة الإسلامية، كان له دور فى إثراء التنوع الثقافى، والعمل على تسويق هذا الجانب علميًا وإعلاميًا، مشددًا على ضرورة العمل على ترسيخ القيم الإنسانية التى تشترك فى الأخذ بها معظم الحضارات، كقيم الإخاء، والعدل، والتسامح، والتعارف، والحوار الحضارى، والعمل على ترسيخ هذه القيم فى الضمائر والسلوك؛ باعتبارها موروثًا إنسانيًا مهمًا للخروج من دوامة النزاعات والصراعات المستنزفة للقدرات والطاقات.

كما أكد المؤتمر على ضرورة الاعتراف بالخصوصية الحضارية للأمم كعامل مشجع على الحوار والتعارف والاندماج، بديلًا عن التقاطع والتصادم، مشجعًا على إعداد دراسات ميدانية، وبرامج تدريبية متخصصة للدعاة حول تحديات الحوار الحضارى المعاصر، وتطوير المناهج التعليمية بالمدارس والمعاهد والجامعات، بحيث تركز على قيم الحوار والتعايش السلمى.

ودعا المؤتمر الدولى الرابع لكلية الدعوة الإسلامية إلى إنشاء مركز بحثى للدراسات الحضارية والدعوية؛ يتولى دراسة المستجدات الفكرية والثقافية، وتحليل اتجاهات الحوارات الحضارية على مستوى العالم، مشيدًا بدور مركز الأزهر العالمى للرصد والفتوى الإلكترونية، ومكافحة الإرهاب فى الدفاع عن الإسلام، وتصحيح المفاهيم المغلوطة حوله.

كما دعا المؤتمر إلى إقامة ملتقيات حوارية بين الشباب فى الجامعات؛ لتعزيز الحوار الحضارى، بالإضافة إلى إبراز القدوات الإسلامية التى أسهمت فى بناء الحضارة الإنسانية على مر التاريخ؛ وذلك لربط حاضر هذه الأمة بماضيها. 

وفى ختام التوصيات، أعلن الدكتور صلاح الباجورى، وكيل كلية الدعوة الإسلامية للدراسات العليا، عن المؤتمر الخامس لكلية الدعوة الإسلامية، وعنوانه: (الدعوة الإسلامية وبناء الإنسان: تحديات الواقع وآفاق المستقبل).