الأحد 3 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مشاهد من أزمة العقل المصرى

مشاهد من أزمة العقل المصرى

يكاد يتفق المفكرون والمثقفون أن العقل المصرى يعيش أزمة كبيرة، ولعل بعض الحوادث التى وقعت فى الآونة الأخيرة تكشف بوضوح عن جزء من ملامح هذه الأزمة التى نعيشها منذ فترة طويلة ومازالت مستمرة معنا بل تتفاقم يوما بعد يوم.. من هذه الوقائع اخترت بعضها لما تحمله من دلالات قوية على هذه الأزمة



1- - 

 أثار وزير التعليم الأخير لغطًا كبيرًا عندما قرر تقليص عدد مواد الدراسة، وجعل بعض المواد مثل الفلسفة واللغة الفرنسية مواد سقوط ونجاح دون إضافة درجاتها للمجموع، ودمج بعض المواد مع بعضها مثل التاريخ والجغرافيا والكيمياء مع الفيزياء، ودار الجدل بين معارض وهم أغلبية وموافق وهؤلاء أقلية حتى الآن، والمشكلة أن كثيرا من الموافقين والمعترضين لم يبنوا مواقفهم بناء على دراسة علمية أو أبحاث عميقة ولكنها صدرت عن انطباعات أو مواقف شخصية، والمفترض أن مدى جدوى هذا القرار فى إصلاح العملية التعليمية وهل يرتقى بها أم يزيدها انحدارا؟ يجب تركه لخبراء التربية والتعليم، وفى رأيى أن الأهم هو مناقشة الكيفية التى اتخذ بها قرار له تأثير كبير على جميع الأسر المصرية، فقد فوجئ به المواطن بل والمختصون بالعملية التعليمية رغم أن تطوير التعليم قضية تهم المجتمع كله بكل فئاته واتجاهاته، ولذا كان من المفترض أن تتم مناقشة هذا القرار فى حوار مجتمعى قبل إقراره، الطريقة الفوقية التى اتخذ بها تكشف أزمة العقل العربى حينما يتم التعامل مع المواطن بطريقة الأمر الواقع، وما يدل على ما سبق أن العديد من الخبراء والموطنين طرحوا أسئلة مهمة مثل هل جاء القرار نتيجة دراسة وافية، ونقاش عميق مع المختصين وأصحاب المصلحة أم لا؟ هل عرفت كليات التربية ونقابة المعلمين ولجنتا التعليم بمجلسى الشيوخ والنواب بالقرار قبل صدوره وكان لها رأى فيه أم فوجئوا به مثل عوام الناس؟ ولماذا لم تطرح الفكرة قبل إقرارها على الحوار الوطني؟ لم يجب أحد على هذه الأسئلة ولم يهتم أحد بشرح كيفية اتخاذ هذا القرار الذى من الجائز أن يكون مفيدا ومن المحتمل أيضا أن يكون سيئا وله مردود سلبى على التعليم ويتم التراجع عنه بعد فترة مثلما حدث فى قرارات سابقة، من المفترض أن تطوير التعليم لا يخضع لتجارب قد تنجح وقد تفشل، وعندما رأت أمريكا أن التعليم لديها تراجع مقارنة بدول أخرى شكلت لجنة لدراسة الأمر والتى أعدت تقريرا تحت عنوان «أمة فى خطر» ،كشفت فيه أسباب التراجع وطرق الحل، طريقة صدور القرار الأخير يكشف عن واحدة من أزمات وأمراض العقل العربى وهو أن تكون مجبرا على قبول ما يملى عليك، وهو ما وصفه المفكر الكبير الراحل فؤاد زكريا بمرض عربى اسمه الطاعة.

2- - 

يخاف الكثيرون من النقاش والحوار حتى بات مرضا، وهو ما حدث مع فيلم الملحد الذى واجه برفض كبير وطلبات بمنع عرضه بدعوى الدفاع عن الإسلام رغم أن أحدا من المعترضين لم يشاهده، المطالبون بالمصادرة ومنع العرض لا يدرون أنهم يهينون الإسلام لأنهم يجعلون منه دينا ضعيفا لا يقوى على النقاش والجدال والدفاع وصد الهجوم عليه إن وجد، لقد جعل المعترضون على الفيلم -الذى لم يعرض بعد- الإسلام دينا مرتعشا خائفا مهزوزا لا يقدر على مواجهة الكلمة والصورة فى حين أن الإسلام قوى لأنه دين العقل والفكر بل إن القرآن طالب الرسول بالنقاش والحوار فى قوله تعالى «وجادلهم بالتى هى أحسن»، لن يهتز الإسلام من فيلم حتى لو نادى بالإلحاد مثلما لم تهتز المسيحية من كتب وأفلام هاجمت العقيدة المسيحية والمسيح نفسه، مثل فيلما «شفرة دافنشى» و«الإغواء الأخير للمسيح» وغيرهما، ولم يتراجع الإسلام بسبب رواية «آيات شيطانية» للكاتب البريطانى ذو الأصول الهندية سلمان رشدى، ولم يفقد أتباعه إيمانهم بسبب الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول والتى نشرت فى مجلة فرنسية وأخرى دنماركية وغيرها من الكتب والروايات والأفلام، ما يحدث مع فيلم الملحد هو أحد مظاهر أزمة العقل العربى على المستوى الفكرى خاصة عندما يتعرض لقضية دينية، والأمر ليس خاصًا ببعض المسلمين فهناك مسيحيون يتبعون نفس النهج، نحن لا نحب النقاش ولا نحب الاختلاف ونريد أن نكون جميعا على رأى واحد وتفكير واحد واتجاه واحد ما يفقد العقل حيويته ويصيبه بالجمود والتبلد وهو مرض لو تعلمون خطير.

3- -

مرض الانحياز القبلى ظهر فى شجار المطرب محمد فؤاد مع طبيب فى أحد المستشفيات، قبل أن يجرى تحقيقًا فى الأمر ودون أن يعرف أحد ملابسات الموضوع سارعت نقابة الأطباء بإصدار بيان تدعم فيه الطبيب ونفس الأمر فعلته نقابة الموسيقيين التى أعلنت وقوفها بجانب المطرب، كلتا النقابتين وقفتا مع العضو المنتمى إليها دون أن تعرف هل هو صاحب حق أم مخطئ؟ وهل ارتكب جرما أم لا؟ وهل هو معتد عليه أم جانى؟ وهو ما يكشف واحدًا من أخطر الأمراض التى يعانى منها العقل المصرى، الانحياز ليس للحق ولكن لمن ينتمى إلى الجانب الذى أقف فيه، وهو ما ينطبق على كل مناحى الحياة فى مصر، نجدها فى خلاف عادى بين مسلم ومسيحى يتحول إلى خلاف طائفى بسبب الانحياز الدينى، نفس الأمر فى الرياضة بين من يشجعون الأهلى أو الزمالك، وفى الأدب والفن يكون المدح والذم حسب الانتماء إلى الشلة مهما كانت جودة أو رداءة العمل، وفى السياسة إذا لم تكن فى صفى فأنت عميل أو مخرب أو خائن أو على الأقل جاهل ومغرر بك، نحن لا نقبل الآخر ونقصى المختلف عنا، ويا له من مرض عضال.

ما سبق ليس كل أمراض العقل المصرى ولكن هذه الأعراض كشفتها الأحداث التى وقعت فى الآونة الأخيرة فماذا سنفعل لكى نشفى منها؟>