فى الذكرى الـ55 لإحراق ثالث الحرمين «بن غفير» يشعل فتيل الحرب الدينية بدعوته لبناء كنيس يهودى فى الأقصى
مرڤت الحطيم
مع حلول الذكرى الـ 55 لإحراق المسجد الأقصى المبارك، تبدو التهديدات التى تستهدف المسجد أكثر خطرا وتعاظما وسط الإبادة الإسرائيلية الجماعية فى قطاع غزة المستمرة للشهر الحادى عشر على التوالى، ومن اقتحام إيتمار بن غفير ومعه ثلاثة آلاف من المستوطنين للأقصى يخرج علينا مرة أخرى فى هذه الأيام ليعلن نيته صراحة فى ظل تفاقم الأوضاع وفشل المفاوضات ببناء كنيس يهودى فى المسجد الأقصى ليقوم بإشعاله مرة أخرى، وتحويل حرب الإبادة فى غزة إلى حرب دينية تصبح مثل فتيل القنبلة التى تشتعل وتسرى فيها النيران حتى الوصول إلى تفجير الأوضاع فى كل الدول الإسلامية.
وأثار وزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن غفير الجدل بعد أن أعلن مرة أخرى أن اليهود لديهم نفس الحقوق التى يتمتع بها المصلون المسلمون فى الحرم القدسى وقال أنه سينشئ كنيسا يهوديا فى الموقع المضطرب إذا استطاع. وقال الوزير القومى المتطرف الذى قام بزيارات مثيرة للجدل عديدة إلى الموقع منذ دخوله الحكومة لإذاعة الجيش إن القانون الإسرائيلى لا يميز بين الحقوق الدينية لليهود والمسلمين فى الحرم القدسى. وكان قد جدد دعوته للسماح لليهود بالصلاة فى المسجد الأقصى، معلنا أنه يريد بناء كنيس هناك مما خلف عاصفة من التهديدات والانتقادات والتحفظات الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء. وبينما خرج مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ومسئولون وقادة أمنيون بتصريحات ضد بن غفير وكتبت يديعوت أحرونوت أنه لم يخترع العجلة وأن مدرسة عسكرية للصلاة بنيت هناك بالفعل بعد حرب 1967 قبل أن تسلم إسرائيل المكان للأوقاف الإسلامية ضمن تفاهمات مع المملكة الأردنية. وقال بن غفير فى مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلى إنه سيبنى كنيسا فى المسجد الأقصى لأنه لا يوجد أى قانون يمنع اليهود من الصلاة هناك. ووعد بن غفير أنه يجب أن تكون هناك مساواة بين الطرفين اليهود والمسلمين موضحا وجهة نظره: يمكن لليهود أن يصلوا فى جبل الهيكل وأن يسجدوا أيضا. أنا وزير الأمن القومى. وفى إطار ولايتى لن يكون هناك تمييز بين اليهود والمسلمين الذين يصلون هم فقط هناك. السياسة تسمح بالصلاة فى جبل الهيكل، هناك قانون متساو بين اليهود والمسلمين وسأبنى كنيسًا هناك.
وجاءت تصريحات بن غفير بعد أسبوعين على قيادته اقتحاما للأقصى أعلن خلاله أنه سيسمح لليهود بالصلاة فيه قبل أن يواجهه نتنياهو قائلا إنه من يحدد السياسات وليس بن غفير. ومنذ توليه منصبه فى ديسمبر 2022، اقتحم بن غفير الأقصى مرات عديدة متحديا الانتقادات الإسلامية والعربية والدولية وحتى الإسرائيلية، لكنه للمرة الأولى يتحدث عن إقامة كنيس داخل المسجد الأقصى. وحذرت الرئاسة الفلسطينية من جر بن غفير المنطقة إلى حرب دينية، ووصفت تصريحاته بأنها خطيرة جدا. وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبوردينة، إن الشعب الفلسطينى لن يقبل المساس بالمسجد الأقصى المبارك، وهو خط أحمر لا يمكن السماح بالمساس به إطلاقا، وأن هذه الدعوات المرفوضة والمدانة للمساس بالمسجد الأقصى المبارك هى محاولات لجر المنطقة إلى حرب دينية ستحرق الجميع مؤكدا أن مساحة الحرم الشريف البالغة 144 دونمًا هى ملك للمسلمين فقط.
وجاء كلام بن غفير بعد انتشار مقطع فيديو لمجموعة من المتطرفين اليهود وهم يصلون بجوار ضباط الشرطة الذين لم يحركوا ساكنا لمنعهم من القيام بذلك، على الرغم من أن هذا الإجراء غير مسموح به وفقا للإجراءات المحلية. وسجد المصلون على الأرض وغنوا أيضا جنبا إلى جنب مع حارسة أمن جلست بجانبهم وأدارت ظهرها لهم. من جهته، دعا وزير الداخلية موشيه أربيل رئيس الوزراء إلى وقف بن غفير عند حده، محذرا من أن كلمات بن غفير غير المسئولة تضع على المحك تحالفات إسرائيل الاستراتيجية مع الدول الإسلامية التى تشكل تحالفا فى الحرب ضد محور الشر الإيرانى وفقا له.
ومع حلول الذكرى الـ 55 لإحراق المسجد الأقصى المبارك، تبدو التهديدات التى تستهدف المسجد أكثر خطرا وتعاظما وسط الإبادة الإسرائيلية الجماعية فى قطاع غزة المستمرة للشهر الحادى عشر على التوالى، ومنذ عام 2003 ، سمحت سلطات الاحتلال للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى من خلال باب المغاربة فى الجدار الغربى للمسجد. ومنذ ذلك الوقت يقوم آلاف المستوطنين الصهاينة باقتحام المسجد يوميا ما عدا الجمعة والسبت من كل أسبوع وسط استفزازات للمصلين وحراس المسجد. وحذرت مؤسسة أوروبيون لأجل القدس من مخاطر تستهدف المسجد الأقصى وسط الإبادة الجماعية الإسرائيلية فى قطاع غزة. وقالت المؤسسة فى بيان لها بمناسبة الذكرى الـ 55 لإحراق المسجد الأقصى إن الذكرى تأتى وسط وقائع أكثر خطرا تمس المسجد وتسعى لفرض أمر واقع جديد فيه وتقسيمه زمانيا ومكانيا مع صمت مطبق وتفرد إسرائيلى على وقع جريمة الإبادة الجماعية التى ترتكبها ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة.
وفى السياق نفسه وصف وزير التعليم الإسرائيلى تصريحات وزير الأمن القومى حول المسجد الأقصى بأنها شعبوية وغبية وغير ضرورية. وقال إن أى تغيير فى الوضع القائم فى الحرم القدسى يجب أن يتم بشكل احترافى مع دراسة المعانى والعواقب كافة. من جهته، اتهم زعيم المعارضة يائير لبيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالعجز عن التحكم فى الحكومة حتى عندما يصدر عن أحد أعضائها ما يهدد الأمن القومى. كما قال زعيم حزب العمل الإسرائيلى يائير جولان إن استفزازات من وصفه بالمجرم بن غفير التى تعرض أمن الدولة للخطر هى مسؤولية الذى عينه فى منصبه. أما عضو مجلس الحرب السابق بينى جانتس فقال إن نتنياهو يسمح لبن غفير بأخذ إسرائيل إلى الهاوية فى مقابل السلام السياسى فى إشارة إلى أن نتنياهو يغض الطرف عن بن غفير كى يضمن استقرار حكومته.
ويسمح الوضع الراهن فى الموقع للمسلمين بالصلاة والدخول إلى الحرم الواقع فى البلدة القديمة فى القدس دون قيود كثيرة، فى حين يحظر غير المسلمين، بمن فى ذلك اليهود، من الزيارة إلا خلال فترات زمنية محدودة من بوابة واحدة، ويحظرهم من الصلاة هناك. ويرى مسئولون أمنيون إسرائيليون أن انتهاك الوضع الراهن قد يؤدى إلى إثارة اضطرابات، حيث شهد الحرم القدسى اشتباكات متكررة بين المتظاهرين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية، كما أدت التوترات فى المجمع المتنازع عليه إلى تأجيج جولات سابقة من العنف. وردا على تعليقات بن غفير، أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بيانا أصر فيه على أنه لا يوجد تغيير فى الوضع الراهن الرسمى فى الحرم القدسى، لكنه تجنب ذكر شريكه القومى المتطرف فى الائتلاف بالاسم.
ومن جانبها أعلنت حركة حماس النفير العام فى جميع أنحاء فلسطين بعد تصريحات بن غفير وقالت في بيان لها إن تأكيد المتطرف بن غفير عزمه بناء كنيس يهودى فى المسجد الأقصى إعلان خطير وعلى الأمتين العربية والإسلامية تحمل مسئوليتهما فى حماية الأقصى والمقدسات، وأضافت أن ما كشف عنه الوزير الإرهابى حول عزمه بناء كنيس يهودى داخل المسجد الأقصى المبارك يمثل إعلانا خطيرا يعكس طبيعة نيات حكومة الاحتلال تجاه الأقصى وهويته العربية والإسلامية وخطواتها الإجرامية التى تسعى إلى تهويده وإحكام السيطرة عليه. وأكدت حماس أن ما يرتكبه الاحتلال الفاشى من جرائم غير مسبوقة فى قطاع غزة، وانتهاكات واسعة فى الضفة، وإطلاق يد وزرائه المتطرفين لتنفيذ مخططاتهم الخبيثة فى القدس والمسجد الأقصى المبارك، وتدنيسه واقتحامه وتنفيذ جولات استفزازية فيه بشكل يومى هى سياسة تصب المزيد من الزيت على النار، ولن تجد من شعبنا إلا مزيدا من المقاومة لحماية مقدساتنا. ودعت حماس أبناء شعبنا فى الضفة الغربية والداخل المحتل للنفير العام والحشد فى الأقصى والرباط فى ساحاته، والتصدى لمخططات الاحتلال، كما دعت المقاومة والشباب الثائر فى الضفة المحتلة إلى تصعيد اشتباكهم مع العدو المجرم وقطعان مستوطنيه. وختمت حركة حماس بيانها بالتأكيد أن أمتنا العربية والإسلامية، من حكومات وشعوب ومنظمات، وعلى رأسها منظمة التعاون الإسلامى مدعوة اليوم للوقوف عند مسئولياتها، واتخاذ موقف حازم تجاه مخططات الاحتلال واعتداءاته السافرة على أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والعمل بكل السبل لوقف هذا العدوان الوحشى على شعبنا الفلسطينى ولحماية مقدساتنا الإسلامية والمسيحية وفى مقدمتها المسجد الأقصى المبارك.