الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صحافة العمر كله

السيدة روزاليوسف تاريخ ودروس ومبادئ

لا يكاد نجم صحفى أو كاتب كبير إلا وله ذكريات فى أروقة «روزاليوسف», بعضهم عرف الست روزاليوسف وتعامل معها عن قرب، والبعض الآخر لم يلحق بزمنها لكنه عرف وتعامل وزامل ابنها الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس.



ورغم مرور سنوات طويلة لم ينسوا أبدا روزاليوسف بل كانت محفورة فى ذاكرتهم، وكان رشاد كامل يحسد هؤلاء الكبار، فقد عملوا فى مدرسة روزاليوسف وعندما كان أحدهم يكتب بعض ذكرياته لم يكن يكتفى بالقراءة بل يحتفظ بها فى دوسيهات ورقية!.

حكايات صحفية هى «الكنز الحقيقى» الذى يعتز به «كامل» طوال عشرين سنة حتى أصبح لديه ما يقرب من 700 حكاية.

 

تمضى السَّيدة «روزاليوسف» فى مقالها فتروى قصة الخلاف مع الكاتب الكبير الأستاذ «محمود عباس العقاد» فى الجريدة اليومية فتقول:

«عقيدتى الأولى والأخيرة إذن هى مصر والصالح العام.

وعندما التقيت والأستاذ «عباس العقاد» التقينا على هذه العقيدة، وتكاتفنا على خيرها وشرّها، خيرها للوطن، وشرّها مما قد يصيب أشخاصنا وأرواحنا وسمعتنا.

وكان الذى يعرفه القراء من كفاحنا وجَلَدنا وإصرارنا على التضحية.

وكان الذى يعرفه القراء ولا ينكره أحد من ثمرات إقدامنا، تلك الثمرات التى جنتها الأمّة من استرجاع دستورها واتحاد كلمة زعمائها فى جبهة وطنية رائعة لو عاشت- ونرجو أن تعيش- لفعلت لخير مصر فى شهور ما لم يستطع أن يفعله الجهاد المفكك فى سنوات!

ثم اختلفنا مع الأستاذ «العقاد» على خير الوطن أيضًا، بعد أن رأيت أن خطة جريدتى السياسية لا يجب أن تخرج على إجماع انعقدت عليه قلوب الأمّة، ونحن قوم لا نقيم وزنًا للأشخاص، ولا لأعمالهم ولا لما أذونا به، ما دام نفع الوطن قد وضع ووضعنا بفضله نحن- فوق الأشخاص! 

وافتراق الأستاذ «العقاد» منّا تضحية من ناحيتنا لا تقل شأنًا عن سابق تضحياتنا، ولكنى وقد أخذت على نفسى عهدًا لا أخونه، وهذا العهد هو ألا أوازن بين الكسب والربح، أو الخير والشر، فيما تدفعنى إليه عقيدتى الوطنية، وقد أقدمت على هذه التضحية الجديدة بأسف وارتياح!

أمّا الأسف فعلى مفارقة زميل عزيز، أمّا الارتياح فلاستطاعتى التغلب على نفسى وأحقادى من أجل الوطن وصالح الوطن.

 

 

 

وهذا «المصرى أفندى» الرمز الذى ابتكرته مجلتى الأسبوعية، والذى شاركنى كل محنة، وأضفى علىّ من العطف والتشجيع فى كل نصر يحرزه هذا المصرى أفندى إنى معه إلى النهاية فى المحنة وفى المجد..».

هذا واحد من عشرات المقالات المهمة والنادرة للسيدة «روزاليوسف»، وأظن أن قراءة هذه المقالات من جديد تكاد تشكل ذكريات أخرى لا تقل أهمية عما روته فى ذكرياتها.

«روزاليوسف» لم تعد مجلة؛ بل أصبحت على حد وصف السَّيدة «روزاليوسف» مَدرسة تلمع فيها الأقلام الشابة، وتتخرّج فيها الوجوه الجديدة الناجحة.

ولن تكتمل قصة وسيرة «روزاليوسف» إلا بالاقتراب من ذكريات هؤلاء الذين التحقوا بهذه المَدرسة فنجحوا وبرزوا وتألقوا.

كان الكاتب الكبير الأستاذ «محمد التابعى» أول من فكرت فى اسمه السَّيدة «روزاليوسف» ليعاونها فى إصدار المجلة، وتقول فى ذكرياتها:

«كان التابعى فى ذلك الوقت موظفًا فى مجلس النواب، ويكتب النقد الفنّى لجريدة الأهرام، وعلمت أنه فى الإسكندرية فاتصلت به تليفونيًا أدعوه للحضور للاشتراك فى تحرير مجلة «روزاليوسف» ولم يصدق التابعى وأخذ يحاورنى ويظننى أسخر منه أو أدبّر له مقلبًا، ولكنه لم يجد آخر الأمر بُدًا من أن يحضر إلى القاهرة ويشهد بعينيه».

كان التابعى بأفكاره الصحفية وأسلوبه البارع هو الذى قاد سفينة «روزاليوسف» منذ العدد الأول فى 26 أكتوبر سنة 1925 حتى وقع الخلاف مع «روزاليوسف» صيف عام 1934، وفيما بعد كتب الأستاذ التابعى يقول:

«كان شيئًا غريبًا أن تحمل مجلة، ومجلة سياسية بالذات اسم سيدة وسيدة معروفة، فكانت الصعوبة التى تواجهنا نحن كيف نحمل القراء على أن ينسوا أن هذا اسم سيدة وأن يأخذوا كلام المجلة على محمل الجد، وكانت هذه أكبر صعوبة واجهتنا فى أول الأمر.

أقول مخلصًا من كل قلبى، أنه لو كان هناك شخص آخر امرأة أو رجل فى مكان الزميلة الصديقة السَّيدة «روزاليوسف» لكان أكبر الظن أنه يئس وأوقف المجلة عن الظهور عند عامها الأول، لو كان أقل إرادة منها بسبب المصاعب التى لاقتها ولكن عزيمتها تغلبت على كل شىء!

«روزاليوسف» بالنسبة لى لم تكن صديقة فحسب؛ وإنما كانت شريكة الشباب، كانت رفيقتى فى الكفاح الطويل الشاق، كانت جزءًا من صراعى فى الحياة، وكنت جزءًا من حياتها المليئة بالعرَق والدم والدموع، كان اسمى يظهر إلى جوار اسمها فى عشرات المجلات التى أصدرناها فى قضايا الصحافة.. فى محاكم الجنايات، فى معارك الحرية التى خضناها، وكنت أجد فيها الصديق الوفىّ والزميل القوى والشريك فى المحن والخطوب، ورأينا الفشل معًا والنجاح معًا وذقنا الإفلاس معًا والأرباح معًا، ومررنا فى الهزائم والانتصارات جنبًا إلى جنب، وانقطعت شركتنا ولم تنقطع صداقتنا، فرّقتنا الأيام ولكنها لم تستطع أن تنسينا ذلك الماضى الملىء بالأحلام والآلام».

وقبل ذكريات الأستاذ محمد التابعى أتوقف أمام شخصية مهمة فى تاريخ «روزاليوسف» وأحد أصدقائها المقربين، وهو الأستاذ إبراهيم خليل الكاتب الصحفى بجريدة البلاغ وصهر صاحبها الأستاذ «عبدالقادر حمزة» وهو الذى وضع ميزانية وتكلفة إصدار العدد الأول من المجلة، الذى يقول:

«كانت إدارة «روزاليوسف» وتحريرها فى غرفة متواضعة فى الشقة التى كانت تسكنها صاحبتها فى إحدى عمارات أمير الشعراء أحمد شوقى، وتطبع مجلتها فى مطبعة بعيدة عن الإدارة، وفى ليلة كنا مجتمعين لبحث شئون المجلة رأينا أنه ينقصنا إحدى وسائل النقل كسيارة أو موتوسيكل، أو دراجة لتسهيل عملية التحرير والإدارة كنقل الكليشيهات وأعداد المشتركين والمرتجعات فماذا نعمل؟

وبطبيعة الحال استبعدنا فكرة شراء سيارة أو موتوسيكل لضيق ذات اليد، وحتى الدراجة التى وقع الاختيار عليها لم يكن معنا ثمَن الجَرَس المُرَكب عليها، وكانت شركة «صوصة» للسجاير فى ذلك الوقت تضع داخل علب السجاير كوبونات صفراء وخضراء طبقًا لقيمة ثمَن العلبة! الكوبون الأصفر قيمته قرش صاغ ومكانه العلبة التى قيمتها سبعة قروش وهى أغلى علبة، فإذا جمعنا «450 كوبونًا» حصلنا على دراجة من مخزن هدايا «صوصة»، وهات يا شرب سجاير وحرق دم، واشترك معنا زوار المجلة وأصدقاؤها فى شرب سجاير صوصة لمدة ثلاثة أشهر حتى حصلنا على عدد الكوبونات، وحصلنا على دراجة «روزاليوسف»! واحتفلنا بمقدمها واشترينا لها جرسًا ومنفاخًا وسلسلة وقفلًا حديديًا خوفًا من الضياع!

وتقاسمنا أنا والأستاذ التابعى ركوب الدراجة، وكان التابعى يستعملها بعد انتهاء عمله فى قسم الترجمة بمجلس النواب وفى بعض أعمال المجلة مثل التوجه إلى ورشة الزنكوغراف أو عند شراء مجلاته والعودة بها إلى إدارة المجلة فى المساء، وتظل معى إلى اليوم التالى حيث تحملنى إلى المنزل لتوفير مصاريف الانتقال»!

وفى مقال آخر عنوانه: «أيام القرش والملاليم» كتب يقول:

«إن أيام الفقر التى عشناها تقرب من أربع أو خمس سنوات، وكان فى مقدور السَّيدة روزاليوسف أن تعيش حياة «أرغد» كلها «نغنغة» إذا هى لم تختلف مع حكومة الوفد، فقد كان الوفد ممثلًا فى سكرتيره «مكرم عبيد» لا يرغب أن تصدر روزاليوسف جريدة يومية تحمل اسمها وقال: أطلقوا عليها أى اسم تشاءون دون اسم روزاليوسف!

ورفضت السَّيدة روزاليوسف هذا وصممت على إصدار جريدة يومية وفدية! 

وما أكثر تلامذة روزاليوسف الذين عبّروا عن بالغ امتنانهم لهذه المَدرسة التى أسّستها العظيمة الرائعة فاطمة اليوسف:

روزاليوسف التى قال عنها الأستاذ الكبير «محمد حسنين هيكل» الشخصية الخارقة للعادة التى أعطت لهذه المؤسّسة اسمها وكانت بالفعل بانية صرحها وصانعة تاريخها ومحركة دورها وملهمة تأثيرها فى حياتنا العامة. والسيدة «روزاليوسف» نفسها كان لها التأثير الأكبر فى حياتى كلها، فقد كانت لديها القدرة على دفع الإنسان بقوة إلى العمل، وإشعال غريزة التفوق فى نفسه، لقد كنت آخذ منها خمسة جنيهات فى الشهر ولكنى أعمل بمليون جنيه!

لقد كانت هذه السَّيدة تملك كمية كبيرة غير معقولة من الرقة الملهمة والقوة الدافعة».

روزاليوسف التى وصفها الأستاذ الكبير «أحمد بهاء الدين» بقوله: «كانت السَّيدة روزاليوسف سيدة عظيمة بكل معانى الكلمة، إن قصتها لم تكتب بعد، بدأت من نقطة الصفر من ممثلة كومبارس إلى نجمة المسرح الأولى إلى صاحبة أجرأ مجلة فى الصحافة وقتها، إنها الوحيدة التى صنعت نفسها حقًا، فقط أشير إلى عنادها الأسطورى، وموهبة أخرى نادرة هى بث الثقة فى الناس وتشجيع الكفاءة بنزاهة هائلة، فهى فوق المنافسة، وفضلها وأثرها علىّ كصحفى لا يماثله أى تأثير آخر!

إن سر «فاطمة اليوسف» وجوهرها النادر هو هذه الإرادة، إرادة لا تضعف فى وجه أى شىء، إرادة تستصغر الخطر وتبتسم للمحنة وتجعل كل شىء يبدو ممكنًا فى عينيها وفى أعين الذين حولها.

وليست هذه الإرادة موهبة عادية يتساوى فيها الجميع، إنها موهبة لا يحظى بها إلا القليلون النادرون، إنها إرادة مُرَكبة من جوهر غريب نادر يفتت الذرّة ويشق الطرُق المغلقة ويخلق الوجود من العدم».

روزاليوسف التى كتب عنها الأستاذ الكبير «مصطفى أمين»: «لم تكن.. روزاليوسف سيدة فقط ولا مجلة فقط ولكنها كانت ولا تزال مَدرسة صحفية ومن هذه المَدرسة خرج كثيرون من الصحفيين اللامعين، ومن هذه المَدرسة خرجت عدة مدارس صحفية لعبت دورَها فى انطلاق الصحافة فى الشرق الأوسط.

ولكن.. روزاليوسف، المرأة كانت مخلوقًا عجيبًا، كانت صاحبة شخصية طاغية، وكانت لها قدرة عجيبة على أن تحتل قلوب الذين يعملون معها، فلم تكن صاحبة عمل؛ بل كانت أمًّا وصديقة وأختًا، وكانت قدرتها أمام النضال تثير دهشتنا، كانت العواصف تزيدها ثباتًا، وكانت الصدمات تضاعف من عنادها، وكانت تقاوم الطغيان والطغاة بشجاعة ألف رجل وإيمان مائة ألف رجل، ومرت علينا أيام كلها ظلام ويأس، فما رأيت هذه المرأة تحنى رأسها مرة واحدة».

روزاليوسف التى كتب عنها «صلاح حافظ» مايسترو الصحافة:

«هذه السَّيدة لم تكن أصلًا ولم تكن أبدًا صحفية؛ كانت فنانة، نعم ممثلة مسرحية نابغة، نعم مولعة بالقراءة نعم، لكنها لم تكن صحفية حاذقة ولا كانت موهوبة، ولم يكن التعبير بالقلم مهنتها، ولا هى حاولت أن تمارسها، كانت كل صلتها بمهنة الصحافة أنها آمنت بها واحترمتها وأحبت الدور الذى تقوم به، فوظفت ذكاءها وقدراتها فى خدمته.

لم تكن صحفية ولا كاتبة، ولكن سرّها كان الإيمان الحقيقى الراسخ المطلق برسالة الصحافة والكتابة، كانت عاشقة وكانت الصحافة رجُلها المعشوق، وفى سبيله هانت عليها كل تضحية! سواء بعملها المسرحى أو بقروشها القليلة التى لا تملك غيرها أو براحتها كامرأة جميلة يمكن أن تستقر فى بيت زوج بالغ الثراء أو حتى بسمعتها التى أصبحت عرضة للتجريح منذ صارت لها صحيفة تجلب عليها المتاعب والخصومات وتعرّضها للضرب تحت الحزام وبكافة الأسلحة الأخلاقية وغير الأخلاقية.

وقد نجح هذا الإيمان وحده، وهذا العشق الحقيقى لمهنة الصحافة والاحترام الحقيقى لها، فى أن يصنع من المجلة- التى قيل يوم صدورها إنها مجرد نزوة لصاحبتها- مَدرسة للصحافة المصرية ينتمى إليها ويعتز بالتخرج فيها معظم نجوم هذه الصحافة على امتداد نصف القرن الماضى بأكمله».

روزاليوسف التى كتب عنها الأستاذ الكبير «فتحى غانم» يقول: «من تقاليد السَّيدة روزاليوسف التى هى تقاليد «روزاليوسف» المجلة التعامل مع الحياة وخلق الآفاق الجديدة للحياة الجديدة، إن فى كل ورقة وفى كل سطر وفى كل كلمة فى هذه المجلة، أثرًا فى عينيها وابتسامتها وصوتها وأناملها الرقيقة إلى جانب أفكارها ومشاعرها.

وتاريخ «روزاليوسف» هو تاريخ «فاطمة اليوسف»، وأهم ما يتميز به تاريخ فاطمة اليوسف هو الأصالة، إنها شخصية فريدة لا مثيل لها، ليس فى حياتها ولا فى أفكارها ولا فى شخصيتها شىء واحد قلدت فيه أحدًا «كانت دائمًا تعبّر عن نفسها، تقول رأيها.. لا تتأثر بأحد ولكنها تؤثر فى الآخرين.. تتقدم الصفوف، وتقف فى الطليعة وتؤدى دور رأس الرمح فى كل معارك الرأى العام التى تخوضها».

ومَهما طال الكلام عن السَّيدة روزاليوسف فهو قليل، وأختتم هذه الشهادات للأستاذ الكبير «حسن فؤاد» والذى شارك روزاليوسف وعمل معها سواء فى المجلة أو صباح الخير، وفى شهادته يقول:

«عندما دخلت روزاليوسف لأول مرّة لأعمل بمرتب ثابت كان ذلك بعد أزمة مارس 1954 التى أغلقت بسببها جريدة المصرى التى كنت أعمل بها، ولم أكن قد بلغت الثلاثين عامًا بعد، وكان دخول مجلة روزاليوسف بمثابة قفزة صحفية كنت أتمناها طوال حياتى، ففيها كان مجموعة من الأساتذة والأصدقاء الذين عرفتهم فى ظروف مختلفة، ولكن لم يكن حظ العمل إلى جوارهم من قبل: فاطمة اليوسف، إحسان عبدالقدوس، أحمد بهاء الدين، وأصدقاء العمر جمال كامل وصلاح حافظ».

يتحدّث «حسن فؤاد» عن رموز روزاليوسف فيقول عن السَّيدة روزاليوسف: «من هذه الرموز الدافعة لبهجة الحياة فى مبنى روزاليوسف كانت السَّيدة فاطمة اليوسف نفسها صاحبة المجلة ومؤسّستها وصاحبة الكلمة الأولى والأخيرة، وإن لم يبد هذا للجميع، كانت حُجرتها على يسار الداخل للدور الثانى فى المجلة، إذا دخلت الحجرة تشم عطرًا رقيقًا وتتصور أنك فى حجرة «برمادونا» وراء الكواليس.. حجرة مكتب «روستيك» من الخشب الجوزى، وستائر وردية وإلى جانب المكتب تجلس السَّيدة فاطمة اليوسف بشعرها الفضى ووجهها الأبيض المشبع بالحمرة وعينيها اللتين تلمعان بالحنان والذكاء.

وكان من عادتها فى السنوات الأخيرة أن تمد ساقها المريضة على كرسى صغير لونه أحمر أشبه «بالكمبوشة». فيضفى عليها كل هذا شكلاً كلاسيكيًا غريبًا وخاصة فى دار صحفية، فإذا تكلمت سمعت صوتًا أنثويًا عميقًا طالما هز أرجاء المسرح فى الثلاثينيات، وإذا ما رضيت «السّت» كما ينادونها فإنك تستمتع بالجلوس إلى جزء مهم وصريح من تاريخ المسرح المصرى، وتكتشف بالتدريج أنك تجلس مع عدة نساء اجتمعن فى شخصية واحدة! فهى «الأم» عندما يقبل عليها إحسان فى الصباح لتقبيل يدها، وهى الناقدة اللمّاحة عندما يأتى الصديق المقرب «المخرج» أحمد كامل مرسى، وهى الصحفية عندما يدخل «أحمد بهاء الدين»، وهى صاحبة المال عندما يأتى «إبراهيم خليل» مدير الخزانة بحسابات الإعلانات والتوزيع.

وفى كل هذه المراحل تحس بالعناد والحزم والشجاعة، نفس الصفات التى جعلتها تقف فى وجه حزب الوفد المصرى وهو فى عز قوته ونفوذه، وعندما كانت تصفو لم يكن فى الدنيا أرق منها سيدة، أمّا إذا غضبت لسوء الحظ فهى إعصار يجرف أمامه عشرات الرجال!

كانت روزاليوسف مجتمعًا مثيرًا يتمنى أى شاب أن يعمل فى مجلاتها ولو بلا مقابل، كانت فيضًا من الشخصيات الغريبة المدهشة تعيش وتعمل وتتآلف وتختلف، ولكن يجمعها فى النهاية مصروف أسبوعى كانت السَّيدة «روزاليوسف» تصرفه من حقيبة يدها!

كان رأيها هو النهائى فى كل المسائل؛ وبخاصة المسائل المادية، أمّا المسائل الصحفية فهى تستسلم لرأى الآخرين إذا اقتنعت بعد أن تضيف إليه لمسة الخبرة الطويلة فى المسرح والصحافة، فهى الوحيدة التى كانت تعرف كيف تؤتى كل فكرة ثمارها من النجاح وسط الجماهير.



العزيزة الغالية «روزاليوسف»

دامت روحك ترفرف حول أبنائك وأحفادك، ويتذكرونك فى كل وقت بالحب والاحترام والتقدير شخصية أسطورية يندر أن تتكرّر.. وكل عام مجلتك بألف خير.