الأحد 18 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا .. أكبر مأساة إنسانية.. يتجاهلها العالم..   تصفية الشعب السودانى.. مصالح داخلية وسيطرة خارجية!

مصر أولا .. أكبر مأساة إنسانية.. يتجاهلها العالم.. تصفية الشعب السودانى.. مصالح داخلية وسيطرة خارجية!

عانى السودان منذ استقلاله سنة 1956 من بعض الانقسامات والنزاعات الداخلية، والتى انتهت بالتصويت على الانفصال فى 9 يوليو سنة 2011 ليصبح هناك دولة جديدة هى دولة جنوب السودان كدولة مستقلة منفصلة تمامًا عن شمال السودان، وهو ما ترتب عليه إعادة رسم الملامح الاقتصادية لكل دولة على حدة، وما نتج عن ذلك من حالة تبديد للثروات الطبيعية السودانية.



ذلك على الرغم من أن السودان يعد واحدًا من أغنى دول العالم حيث يمتلك نحو 200 مليون فدان صالحة للزراعة، وما يزيد على 200 مليون رأس ماشية، ويختص بنحو 70 % من تجارة الصمغ عالى الجودة، ومن أكبر دول العالم التى تمتلك احتياطى اليورانيوم والنحاس فى العالم، فضلًا عن امتلاكه احتياطيات هائلة من الفحم، وثروات معدنية متعددة من الحديد والنحاس والمنجنيز والكروم والرمال السوداء.

التهمت الحروب والصراعات جزءًا كبيرًا من ثروات السودان الطبيعية، وبعد سقوط نظام عمر البشير سنة 2019؛ شهد السودان انقسامات حادة بعد اندلاع الحرب بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وتحوّل المجتمع السودانى إلى فرَق ومجموعات متناحرة.

> أهمية استراتيجية..

حتى زمن قريب كانت مصر والسودان.. دولة واحدة يربطها سريان مجرى نهر النيل العظيم، وما ترتب على ذلك من اتفاقات ومعاهدات دولية من جانب، وتواجد شعبى متبادل بروابط ثقافية (القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد والخرطوم تقرأ)، واجتماعية (زواج)، واقتصادية (تجارية) بشكل تراكمى ضخم مع مرور السنوات. وكانت مصر هى عاصمة الانطلاق للمثقفين والمفكرين والفنانين السودانيين.. مثلما كان السودان هو الأقرب للشعب المصرى وجدانيًا وإنسانيًا.. فى علاقات تاريخية متشابكة ومتقاطعة بشكل لا مثيل له بين دول الجوار الأخرى لكل منهما.

وعلى المستوى الجغرافى؛ يُعَد السودان دولة جوار وانتماء إفريقى وعربى ودينى (مسيحى وإسلامى) كنموذج غير مكرّر مع دول الجوار الأخرى فى حدود مشتركة تصل إلى ما يقرب من 1258 كيلومترًا.

ورغم معرفتنا جميعًا بكل ما سبق؛ فقد حاول البعض على مدار سنوات طويلة، أن يشكك فى متانة تلك العلاقات وقوتها بالشائعات والبَلبَلة بين الشعبين، ولكن يظل الوعى الشعبى هو الأمن والأمان.

> جزُر منعزلة..

ما يمر به السودان هو نموذج لما تمر به المنطقة العربية الآن.. وهو ما لم تمر به المنطقة منذ نشأتها. انقسامات داخلية وصراعات وحروب أهلية بشكل غير طبيعى فى فلسطين (السلطة الوطنية وحركة حماس)، والعراق (الجيش العراقى وقوات الحشد الشعبى)، ولبنان (الحكومة وحزب الله)، وسوريا (الحكومة وداعش وغيرهما)، وليبيا (شرق وغرب، وتدخلات دولية من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا)، واليمن (الحكومة والحوثيون)، وأخيرًا السودان (الجيش السودانى وقوات الدعم السريع). وكأن هناك من خطط لوجود قوتين عسكريتين مسلحتين لإنهاء وحدة هذه البلاد وسيادتها.

ويبقى السؤال التقليدى: لماذا لا نستفيد مما يحدث من حولنا، ومن خبرات غيرنا، ومن خبراتنا السابقة؟ ولماذا نستمر فى طريق الانقسام الذى نعى جيدًا نتائجه وتداعياته؟ ولماذا لا نعيد ترتيب أولوياتنا من خلال أجندة جديدة تتضمن خصوصية ووحدة دولنا؟ 

فى الوقت الذى يتجه العالم إلى التحالفات المرتكزة على العلاقات الاقتصادية؛ تدخل دولنا فى نزاعات داخلية واقتتال داخلى لا طائل منه ولا أمل!

وفى الوقت الذى تتجه دول العالم كله إلى تحالفات مرتكزة على العلاقات الاقتصادية.. باعتبارها أفضل سيناريوهات المستقبل؛ لا تزال تحكمنا أفكار سيطرة فئة على فئات أخرى حتى لو كان الثمَن هو الدم!!. 

وتبقى السودان وحده هو الذى يدفع هذا الثمَن الغالى أمام صمت غربى وعالمى غير مبرر.. سوى استنزاف ثرواته واستغلال إمكاناته لأكبر حد ممكن.

> مأساة إنسانية..

تفاقمت أزمات الشعب السودانى بعد تفاقم معاناة الاقتصاد السودانى بسبب استمرار الصراع لسنوات طويلة.. شهدت اتساع رقعة الصراع والتدمير الممنهج للبنية التحتية للدولة السودانية، والدخول إلى نفق الأزمة باستمرار التعنت بين أطراف الصراع الذى كلف السودان وشعبه ما لا يحتمل. وما سيترتب عليه من أزمات مستقبلية.. ستحتاج إلى سنوات طويلة لتجاوز آثارها؛ خصوصًا أنه مع استمرار الحرب والاشتباكات فى الشارع السودانى.. تتعقد الأوضاع الاقتصادية والإنسانية لحالة الدمار الشامل التى حولت الحياة اليومية لتحدٍّ شبه مستحيل. 

يعانى الشعب السودانى الآن من أكبر مأساة إنسانية فى العالم. وهو الأمر الذى جعل مصر تحرص على إبقاء الأزمة السودانية على الأجندة الدولية. وقبل ذلك استقبلت الآلاف من أبناء الشعب السودانى الفارين من ويلات المعاناة اليومية للحرب الشرسة التى يدفع ثمنها يوميًا الشعب السودانى وحده دون استثناء. وهو الأمر الذى جعل مجموعة من السودانيين المقيمين فى مصر يصدرون بيانًا فى 13 يونيو الماضى.. يعترفون فيه بوضوح بما قام به بعض السودانيين من الدخول إلى مصر بطريقة غير مشروعة ورسمية بسبب القصف وويلات الحرب، وطالبوا بعدم اعادتهم مرة أخرى إلى السودان حفاظًا على حياتهم. والملاحظ أنه منذ بداية الحرب فى شهر أبريل سنة 2023 أن مصر كانت هى الملاذ الأول للشعب السودانى أمام تداعيات كارثية سياسية واجتماعية وإنسانية غير مسبوقة ولا مثيل لها.

> السودان فى العاصمة الإدارية..

تحت عنوان «معًا.. من أجل وقف الحرب» عقد مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية بالعاصمة الإدارية الجديدة خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو الجارى بحضور ممثلى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى والدول الفاعلة وذات الصلة بالملف السودانى. ونص البيان الختامى للمؤتمر أنهم استجابوا لدعوة مصر للتشاور والاتفاق على وقف الحرب، وإنهاء أسباب اندلاعها، وتلبية الاحتياجات الإنسانية، وما يتبع ذلك من إعادة إعمار السودان، وضمان عودة الاستقرار.

ولذا حرصت مصر على استضافة ومشاركة جميع أطراف النزاع بالتنسيق والتعاون مع جميع الأطراف الداخلية والخارجية لحل الأزمة السودانية، والتأكيد على الحوار الشامل لجميع الأطراف دون استثناء، ووقف نزيف الدم السودانى وإدانة الانتهاكات ووقف الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد بإعلاء استهداف المصلحة الوطنية السودانية، ووقف الحرب، وتحقيق السيادة الوطنية للسودان ووحدة وسلامة أراضيه، والحفاظ على الدولة ومؤسّساتها. وهو ما سيحتاج إلى سنوات طويلة.. بعد وضوح استفادة بعض الدول من تعميق الفجوة بين الأطراف الداخلية المتنازعة بدعمها وتبنيها لتلك الأطراف فى سبيل تحقيق مصالح اقتصادية ضخمة.. مما تسبب فى تعقيد المشهد فى محاولة لإعادة رسم التركيبة السودانية بما يخدم تلك المصالح. 

> نقطة ومن أول السطر..

ما يحتاجه السودان الآن هو جدية أطراف النزاع والقتال فى قبول المفاوضات من أجل الوصول إلى السلام، وتوحيد الرأى السودانى بين الأطراف المختلفة، والاتفاق على آليات محددة فاعلة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بشكل حقيقى، والوقوف أمام مخططات جماعات الإسلام السياسى، تغليب المصلحة الوطنية السودانية، ووقف المواقف المرتكزة على المصالح الشخصية الضيقة.

السودان ليس مجرد دولة جوار..

السودان هو أحد مرتكزات الأمن القومى المصرى.>