
كريمة سويدان
أنا وقـلمى..هل عادت الثقة فى النظام الدولى؟
لم يشهد العالم فى أى وقت من الأوقات تهديدًا لأكبر جهاز قضائى فى العالم من قبل دولة صغيرة أو كبيرة، وفى هذه الأيام العصيبة التى يمر بها العالم بسبب الحرب الوحشية التى تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلى على غزة راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين -أغلبهم من الأطفال والنساء العزل- وهذه هى أول مرة أيضًا يقوم عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكى -عن الحزبين- بتهديد أعضاء المحكمة الجنائية الدولية علنًا باتخاذ إجراءات انتقامية فى حال إصدارها مذكرات اعتقال ضد مسئولين إسرائيليين كبار، حيث إنهم هددوا بإعداد قانون السناتور توم كوتون «الجمهورى عن ولاية أركنساس» بشأن فرض عقوبات على مسئولى المحكمة الجنائية الدولية المشاركين فى التحقيقات بحق الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو»، ووزير الدفاع الإسرائيلى، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلى من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بسبب الاتهامات الموجهة لدولة الاحتلال الصهيونى، بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة، وهى سابقة تعد الأولى من نوعها التى تصدر فيها المحكمة الجنائية الدولية أوامر فى حق مسئولين فى دولة حليفة للولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذى يضع نتنياهو ومعاونيه فى نفس السلة مع الرئيس «فلاديمير بوتين»، الذى أصدرت نفس المحكمة مذكرة اعتقال بحقه، بسبب حرب موسكو على أوكرانيا، وما أصدرته محكمة العدل الدولية -الجمعة الماضية- بوقف العملية العسكرية فى رفح جنوبى قطاع غزة وفتح معبر رفح البرى، من أجل دخول المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر منذ ثمانية أشهر أثار غضب نتنياهو وحكومته، كما أثار غضب واشنطن، وجاءت هذه القرارات خلال جلسة البت فى طلب جنوب إفريقيا فى محكمة العدل الدولية، لاتخاذ مزيد من الإجراءات القضائية ضد إسرائيل، للحيلولة دون وقوع إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، كما طلبت المحكمة من دولة الاحتلال اتخاذ التدابير اللازمة، للحفاظ على الأدلة، وضمان وصول المحققين الدوليين دون عوائق إلى غزة، بالإضافة إلى مطالبة تل أبيب بتقديم تقرير للمحكمة -خلال شهر- عن الخطوات التى ستتخذها، كما تضمنت قرارات المحكمة -ضمنيًا- اعترافًا باتهام إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية للشعب الفلسطيى، وأخيرًا وبعد معاناة كبيرة نستطيع أن نقول: إن سعى المحكمة الجنائية الدولية والخطوات التى اتخذتها -بشجاعة- ضد تل أبيب والمسئولين الإسرائيليين، يمكن أن تسهم فى استعادة الثقة فى النظام الدولى، الذى قد فقد الكثير من مصداقيته بسبب التوسع فى استخدام حق النقض «الفيتو» فى مجلس الأمن، وأيضًا بسبب النتائج غير المكتملة، التى صدرت عن محكمة العدل الدولية، كما يظهر عدم رضوخ المحكمة -أخيرًا- للضغوط الأمريكية المكثفة التى كانت تجبرها على عدم اتخاذ أى إجراء ضد كبار المسئولين الإسرائيليين، وإن دل ذلك عن شىء فإنما يدل على أن هناك أملًا بتطبيق القانون الدولى وقوانين النزاعات المسلحة على الجميع، وهو ما دفع كلًا من دول النرويج وإسبانيا وأيرلندا إلى إصدار قرارات بالاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، فى إشارة إلى أن هناك تحركًا فى أوروبا، ممكن يؤدى إلى انفصالها عن أمريكا.. والبقية تأتى.