السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأزهر الشريف فى أحدث تقاريره: الكيان الصهيونى يستهدف رفح لضرب المنطقة الحدودية كهدف طويل الأجل يراهن عليه نتنياهو

لا يزال ما يحدث على الأراضى الفلسطينية فى غزة ورفح والضفة الغربية هو محل اهتمام الأزهر الشريف من خلال متابعة وتحليل ما يقوم به الكيان الصهيونى المحتل على تلك الأراضى، وفى أحدث تقاريره كشف الأزهر عن استبعاد الوصول إلى أى تسوية للمشكلة الفلسطينية أو تحقيق سلام عادل من قبل الكيان الصهيونى.



 

وفى إطار متابعة مرصد الأزهر للأوضاع الكارثية فى قطاع غزة على خلفية الحرب التى يشنها الاحتلال الصهيونى، وتحت عنوان «لماذا يخطط الكيان الصهيونى لاستهداف رفح رغم دعواته السابقة للنزوح إليها؟» تناول المرصد بالتحليل خطة رئيس الوزراء الصهيونى بنيامين نتنياهو فى القطاع الذى ينزف منذ 6 أشهر، وأسباب إصراره على تنفيذ الاجتياح البرى لمنطقة رفح الفلسطينية رغم التحذيرات الدولية من وقوع آلاف الشهداء بعد احتماء نحو 1.5 مليون نازح بها.

وفى رؤيته التحليلية، تطرق مرصد الأزهر إلى الخريطة التى سبق لنتيناهو رفعها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى افتتاح دورتها الثامنة والسبعين من العام 2023، والتى أثارت ضجة حينها بعد إعلانه عما يسمى بدول الشرق الأوسط الجديد وتحليل ما جاء فى كلمته من رسائل علنية وضمنية حملت عدة إشارات توضح الرؤية الصهيونية حيال قيام الدولة الفلسطينية، الأمر الذى قاد المرصد للتأكيد فى طرحه على استبعاد إجراء الكيان الصهيونى حوارًا جادًا بشأن تسوية محتملة مع الفلسطينيين أو تفعيل عملية السلام قريبًا بل سترتكز المناقشات حول وقف مؤقت لإطلاق النار مع استبعاد قيام دولة فلسطينية فى القريب إذا استمر التيار المتطرف فى السيطرة على الحكومة الصهيونية بقيادة نتنياهو.

كما كشف المرصد فى تقريره عن علم الجيش والاستخبارات الصهيونية بعملية «طوفان الأقصى» أو «جدار أريحا» كما أطلق عليها فى تقارير سرية كُشف عنها بتاريخ نوفمبر 2023، والتى تضمنت معلومات تفصيلية مشابهة لعملية السابع من أكتوبر.

خطاب نتنياهو

 وقال مرصد الأزهر: «إن هناك حقيقة جلية هى ضبابية معايير النصر «المتعمدة» لدى نتنياهو ووضعه أهدافًا غير عملية تقود إلى مزيد من العمليات العسكرية دون توقف؛ بما يضمن له الاستمرار فى إدارة الكيان طالما لم تضع الحرب أوزارها. لهذا، وبالرجوع إلى خطاب رئيس الوزراء الصهيونى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى افتتاح دورتها الثامنة والسبعين فى العام الماضى (2023) (الذى أثار ضجة ما لبثت أن هدأت -كعادة الأمر- بعد رفعه خريطةً لم تحمل أية إشارة إلى دولة فلسطينية، علاوة على ما تضمنته كلمته من رسائل علنية وضمنية)».

وأوضح التقرير: «أن نتنياهو عمل على ربط مفهوم السلام بمعسكرين أحدهما خاص بالسلام الذى تنشده «إسرائيل» وفق رؤيته، والآخر يثير الحروب؛ وخص به الفلسطينيين وبعض الدول المجاورة مثل إيران ولبنان، مستعينًا فى ذلك بنصوص توراتية فى تعارض واضح مع خلفيته البعيدة عن التدين».

ولفت مرصد الأزهر إلى أنه من المعلوم أن مؤسسى الحركة الصهيونية ـ الملحدين- دأبوا على استغلال الروايات التوراتية لجذب التعاطف وإثارة مشاعر المظلومية كما هو الحال فى ربط عملية «طوفان الأقصى» بـ«المحرقة» بكونها أكبر خسارة لليهود بعدها، بهدف إثارة مشاعر التعاطف تجاه اليهود، وتأكيد أحقية اليهود فى إقامة دولة لهم تنعم بالسلام بعد صراعات تاريخية طويلة، وهذا سبق أن سُجل فى تاريخ الكيان الصهيونى المُضمحل عندما خاطب ديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء للاحتلال، الكنيست بعد احتلال جيشه سيناء إبان العدوان الثلاثى على مصر فى 1956 قائلًا: «إن آلاف الجنود قد شاركوا فى القتال فى صحراء سيناء لأنهم تذكروا كيف قاد موسى أسلافهم فى هذه الصحراء إلى جبل سيناء ليتلقى الوصايا العشر من الرب». وهو ما طبقه نتنياهو فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما قال: (منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، خاطب زعيمنا العظيم موسى بنى إسرائيل وهم على وشك دخول أرض الميعاد. وقال لهم إنهم سيجدون هناك جبلين يواجهان بعضهما البعض: جبل جرزيم، وهو الموقع الذى يحتوى على نعمة عظيمة، وجبل عيبال، وهو موقع سيكون مصدر نقمة عظيمةـ وقال موسى إن مصير الناس سيتحدد بالاختيار الذى اتخذوه بين البركة واللعنة. بقى هذا الخيار نفسه على مر العصور ليس فقط لبنى إسرائيل ولكن للبشرية جمعاء. نحن نواجه مثل هذا الاختيار اليوم. وسوف نقرر معًا ما إذا كنا نتمتع ببركات سلام تاريخى من الرخاء والأمل اللا محدود أو نعانى من لعنة حرب مروعة، من الإرهاب واليأس).

وشدد الأزهر فى تقرير أن نتنياهو يدرك جيدًا أن مصيره مرتبط بالنزعة الدينية بشكل أو بآخر سواء داخليًّا أو خارجيًا، فأما فى الداخل فهو يباشر ذلك عبر مغازلة سياسيى اليمين المتطرف وعلى رأسهم «إيتمار بن غفير» و«بتسلئيل سموتريش» - ذلك التيار المنبوذ داخل الكيان الصهيونى إلا أنهم بقاعدتهم الشعبية مكنوه من الوصول إلى حكومة يقودها فى ظل هبوط شعبيته، وهو ما قاد فيما بعد الكيان إلى التمزق الداخلى على خلفية مشروع الإصلاح القضائى الذى دعمه هؤلاء، وغيرها من أمور، وأما خارجيًّا، فنتنياهو برسائله الدينية الملتوية يغازل ما يقرب من ربع سكان الولايات المتحدة الذين لا يمكن الاستهانة بأصواتهم فى الانتخابات الأمريكية. صحيح أنه لا يوجد إحصاء دقيق لعدد الإنجيليين، لكنهم يشكلون أكبر كتلة مسيحية فى الولايات المتحدة، أى من ترعاهم الكنائس الإنجيلية فى أمريكا، ومن المعروف أن الإنجيليين يؤمنون بضرورة سيطرة «إسرائيل» على كامل الأراضى الفلسطينية لجمع اليهود بها تمهيدًا لتحقيق نبوءة عودة المسيح.

وقد خلص مرصد الأزهر فى نهاية تحليله إلى أن ضرب المنطقة الحدودية يصنف كهدف طويل الأجل والذى يراهن عليه نتنياهو للبقاء لفترة أطول فى السلطة مع تصاعد الاحتجاجات الداخلية والمعارضة الخارجية ضده، وكذلك اعتماد رئيس حكومة الاحتلال على ضبابية معايير النصر والتضارب فى التصريحات لإطالة أمد العدوان وتوسيع نطاقه إذ تؤكد الوعود السابقة له أن العدوان ليس نتيجة لطوفان الأقصى والشاهد على ذلك خطابه التحريضى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ـ السابق الإشارة إليه-، ومع وجود تحركات فردية من جانب أفراد فى حكومته ولقاءاتهم مع مسئولين بالإدارة الأمريكية وغيرها بمعزل عن نتنياهو دفعه ذلك إلى الإصرار على ضرب منطقة رفح الفلسطينية لإظهار نفسه الآمر الناهى والمتحكم الوحيد فى مسار الحرب وهو ما عبر عنه فى أكثر من خطاب بأنه يواجه حربًا سياسية شرسة لوقف الحرب فى القطاع.

مفهوم الإنسانية

فى سياق متصل لم تتوقف عمليات استهداف المدنيين العُزَّل منذ بدء العدوان الصهـيونى على قطاع غـزة فى السابع من أكتوبر الماضى، وقال تقرير صادر عن مرصد الأزهر الشريف أنه وفى الفترة الأخيرة صار هناك تغير نوعى فى طبيعة الاستهداف؛ فإضافة إلى تعمد استهداف المدنيين الآمنين داخل بيوتهم، إما بالقنابل الغبية ـ غير الموجهة- أو الفسفورية -الحارقة- أو بأسلحة أخرى مصنفة على أنها محرمةٌ دوليًا، تهلك الحرث والنسل، مرورًا باستهداف أماكن الإيواء، والعُزَّل الراغبين فى الحصول على قُوتِهِم وقُوتِ أطفالِهم (بعد أن خاض الاحتلال الصهيونى معهم حرب التجويع كسياسة دنيئة للتهجير القسرى والإبادة الجماعية)، إلى أن وصلنا لمرحلة لا تقلُّ فى إجرامها عما سبق ذكره من فظائعَ لم يَرَ لها العالم مثيلًا فى التاريخ الحديث، وهى اصطياد رافعى الرايات البيضاء، أو رافعى أيديهم بديلًا عنها، أو مجرد السائرين على الأقدام بحثًا عن موضع أمانٍ أو مؤونة، وليس هذا بمستغرب ممن حَدَّد مساراتٍ آمنةٍ فى بداية العدوان ثم تعمّد قصف النازحين من خلالها. 

واستطرد تقرير المرصد أن لكل جريمة من الجرائم السابقة تبريرًا لدى قوات الاحتلال، أو حتى إنكارًا؛ إلا أن ما تم نشره من استهداف العُزَّل بدم بارد لا يمكن تبريره بحالٍ من الأحوال، أو توجيهه لتضليل الرأى العام الغربى. 

وفى مقطع تم نشره، الأربعاء 27 مارس، ظهر فيه قيام جنود «صهـاينة» بعمليات إعدام لمدنيَّيْن فلسطينيَّيْنِ اثنين أثناء محاولتهما العودة لشمال قطاع غـزة عبر شارع الرشيد. فبوصول الشابين إلى نقطة تجمع فيها قوات الاحتلال، أعطوا الأمان للأول ليتقدم، ولما شعر الآخر بالغدر هَمَّ بالعودة مُلوّحًا بالراية البيضاء، فأجهزوا على كليهما بدمٍ باردٍ وبخسةٍ لا نظير لها، وبعد قتلِهما، قامت جرافةٌ عسكرية بتجريف جثتَيهما ودفنِهِما بالرّمال والقمامة المتجمعة فى المكان لتخفى آثارهما.

وقال الأزهر فى تقريره: إن هذا ليس هو المشهد الأول (الذى ينشر فيه جرائم من هذا النوع)، بل سبقه، لا نقول عدة جرائم أخرى، لأن الجرائم البشعة لم تتوقف منذ بدء العدوان، بل نقول عدة مقاطع أخرى؛ مثل: قتل جنود الاحتـلال مسنًا أعزلًا داخل منزله فى أحد أحياء مدينة غـزة، وقيام مسيّرة بإطلاق صواريخ على 4 شبان وتحويلهم لأشلاء فى ثوانٍ معدودة جنوبى القطاع، وغير ذلك.

وأضاف أنه: «لا يَسَعُ مرصد الأزهر إلا أن يؤكد أن هذه المشاهد المروّعة كانت فى السابق تُروَى تفاصيلها على ألسنة شهود العيان، وما كان يتم تصويره -آنذاك- لم يمثّل شيئًا بالنسبة لما يحمله مصطلح «الإبادة الجماعية» من معنى، وما استجد هو تصوير نماذج دموية لا إنسانية تعكس لكل ذى عينينٍ يُبصِر بهما عن أى كيانٍ فاشٍ عدوٍّ للبشريةِ نتحدث. 

ويذكر المرصد المجتمع الدولى ببنود اتفاقية جنيف، بشأن حماية الأشخاص المدنيين فى وقت الحرب، والتى انتهكتها قوات الاحتـلال منذ اليوم الأول من العدوان، ولم تتوقف حتى تاريخه، بل تأخذ أشكالًا وأطوارًا متعددة دون حسيب أو رقيب؛ ليضع مفهوم الإنسانية -داخل عالمنا- على المحكّ.