عبدالرحيم كمال
الحب والكتابة الحــب قادر على البقــــاء
وحده الحب الذى يستطيع أن يكسر أسوار الزمن ويقفز فوقها إلى ساحة الخلود فتظل قصص المحبين وأفعالهم وأشعارهم وينمحى أثر كل شيء لم يكن للحب فيه نصيب.
والكتابة تشبه الحب إلى حد بعيد وتعمل به وتتوجه إليه وتصنعه ويصنعها وكلاهما يحطّان رحالهما خارج حدود العمر والزمن، والخط الواصل بين الكتابة والحب هو ذلك الذى يعرفه الناس بالموهبة وهى فعل محبة أيضا، حينما يهب الله الإنسان موهبة فى الكتابة فهى محبة خالصة فى صورة أمانة يحملها الموهوبون دون غيرهم، ومن هنا تبدأ قصة الحب العجيبة بين الكاتب والكتابة قصة يصنعها القدر وتصوغها المحددات الخاصة تجعل الكاتب طفلا مختلفا ومراهقا خاصا وشابا ينظر للعالم بعيون مندهشة حالمة واعية حساسة متشائمة متفائلة حزينة ضاحكة نظرة جمعت المتناقضات ولم ينقذها من الجنون إلا الحب وحده، الحب الذى يجعل جملة كتبها نجيب محفوظ ذات صباح أو ذات مساء فى مكتبه يرددها الناس كأنها مثل شعبى حينما ننسى أمرا جللا ويقولونها وكأنها جملة تلخص كل شيء (ولكن آفة حارتنا النسيان). مات الأستاذ نجيب محفوظ وظلت الجملة خالدة لأنها كتبت بصدق ووعى وفهم وتجربة لم يصنعها إلا الحب حب الكاتب للكتابة كوسيلة للتعبير وهكذا عاش المتنبى بعد موته ويوسف إدريس ويحيى الطاهر عبدالله ويحيى حقى وطه حسين والعقاد ومحمد حسنين هيكل وإحسان عبدالقدوس وغيرهم لأن كل هؤلاء أحبوا فكتبوا فعاشت كتابتهم وكأن الحب والكتابة دائرة عظيمة تبدأ من عند الله بمنحه للكاتب غرام وحب الكتابة وتنتقل إلى الكاتب فينفعل ويحب ويكتب لتنتقل إلى القارئ فيصدق وينفعل بالمكتوب جيلا بعد جيل ولشرف تلك الدائرة المقدسة التى تبدأ من الله وتنتهى إليه كتب الله لها الخلود ومنحها ما لم يمنحه لأصحابها فصارت أعمار كلماتهم أطول من أعمارهم، من الممكن أن يكتب الكاتب بلا حب بالتأكيد تحت ضغط من ضغوط الحياة المتنوعة لكنه يعلم حينها يقينا أنه لن يتقاضى عن تلك الكتابة إلا أجره المادى فقط وتلك عدالة تامة وعليه أن يقبلها ويرضى بها، أما الكتابة بحب وعن حب فلا يملك ناشر أو منتج أن يدفع أجرها للكاتب مهما كان ذلك الأجر ، لأن الأجر الحقيقى للكتابة الحقيقية الصادرة عن الحب هو أن تظل تحمل قيمتها على مدى العصور لا تبلى مثل الأجساد والثياب ولكن تظل جديدة على كل لسان طازجة فى كل عقل كأنها خلقت للتو وكأنها ظهرت للوجود الآن وذلك هو الأجر العظيم. ولا تأتى تلك الميزة العجيبة والمكافأة الكبرى للكتابة عن طريق التعمد والقصد وسبق الإصرار والتعمد فلا يستطيع كاتب على وجه الأرض أن يخطط بدقة شديدة لكتابة تضمن الخلود والبقاء لأن شرط ذلك الوحيد هو الصدق صدق الروح والقلب والنفس بشكل تام ومتجرد لحظة الكتابة تجردا تاما يصل إلى تجرد الزهاد وأهل اليقين التام دون غرض أو توقع لنفع أو مكايدة أو مجاملة، إنما هى كتابة خالصة منزهة كحال العاشق الصادق حينما ينظر لحبيبه لا يريد ولا يطمح سوى أن يقدم نفسه كما هى متجردا من كل زينة كاذبة لعل حبيبه يرضى به ويقبل.







