الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الانحياز للوطن ثابت لم تتخل عنه بعقيدة قتالية راسخة معارك «روزاليوسف» انتصارات القلم والكلمة فى مواجهة الانكسارات

خاضت مجلة روزاليوسف المعارك الضارية منذ اللحظة الأولى لصدورها، حققت على مدى تاريخها الانتصارات، وقابلت الانكسارات بروح عنيدة تشربتها من مؤسستها فاطمة اليوسف نفسها.



 

المعركة مع الوفد

عندما صدرت «روزاليوسف» اتجهت منذ البداية لتأييد حزب الوفد، إلا أنه لم يكن تأييدًا أعمى، لذلك سرعان ما وجدت المجلة نفسها تخوض أعنف المعارك ضد قادة الحزب الذين تولوا المسئولية بعد رحيل سعد زغلول، وبشكل خاص مصطفى النحاس ومكرم عبيد، ليفتح حزب الوفد جبهة ضد المجلة وصاحبتها، فما كان من الوفد إلا أن جمع أنصاره وهاجم مبنى المجلة، حيث راح المتظاهرون يقذفون المبنى بالحجارة، لتنتصر المجلة فى معركة القلم والكلمة ضد عنف ضعفاء الحجة.

مآزق يوم السبت

وإذا كانت «روزاليوسف» انتصرت فى تلك المعركة، إلا أنها واجهت انكسارًا وخسائر على المدى البعيد، حيث أدت مقاطعة الوفد والحكومة لها إلى خسائر مالية ضخمة أوردتها مورد الإفلاس فأودعت صاحبتها السجن، لكنها خرجت منه أكثر تصميمًا وراحت تخوض معركتها الصحفية والسياسية، ضد الوفد والإنجليز والقصر لتصبح «روزاليوسف» مدرسة فى الوطنية، وكان للسيدة فاطمة اليوسف عبارة شهيرة تقول: «لو كان يوم السبت رجلًا لقتلته»، وهو اليوم الذى يُوافق صدور المجلة، حيث اعتادت فى هذا اليوم على تربُص الحكومة بأعداد المجلة بعد وصولها للموزعين لمصادرة الآلاف منها، مما يؤدى لخسارتها الفادحة.

معركة الدفاع عن الدستور

بعد أزمة الوفد خاضت فاطمة اليوسف العديد من المعارك السياسية على صفحات مجلتها التى تحولت إلى منبر للسياسة العربية، وكان أبرز معاركها الصحفية عام 1930 عندما تم تعطيل الدستور دافعت «روزاليوسف»، بالكلمة والرسم عن الشرعية، وهو ما استفز رئيس الوزراء محمد محمود باشا، فصادر المجلة، وبعدها - فى حكومة إسماعيل صدقى - عندما ألغى دستور 1923 - كانت المجلة أقوى المدافعين عنه، وهو ما دعا صدقى باشا لإلغاء ترخيصها.

لم تستسلم فاطمة اليوسف لكل تلك الملاحقات والمصادرات فكانت تسارع للحصول على ترخيص لمجلات بأسماء مختلفة، وبحسب الكاتب الصحفى، شفيق أحمد على، فإنها فى تلك الفترة أصدرت ثلاث مجلات وهى: الرقيب (وقد ألغت الحكومة رخصتها بعد 4 شهور فقط) ومجلة «صوت الحق» (وقد صودرت بعد العدد الأول) ثم مجلة «مصر الحرة» (ولحقت بأخواتها سريعا أيضا) وكانت فاطمة اليوسف - بتأمل أسماء ما أصدرته من مجلات - تعتبر أنها فى مهمة وطنية، أو ما أسمته «شرف الجهاد والدفاع عن قضية مصر».

 السجن 

بعد سنوات من المعارك السياسية دخل الكاتب الشاب إحسان عبدالقدوس معترك والدته، وبدأت كتاباته تتسم بطابع «معارك روزا» ففى عام 1945 نشرت مجلة «روزاليوسف» مقالًا للصحفى الشاب إحسان عبدالقدوس يهاجم فيه السفير البريطانى بعنوان: «الرجل الذى يجب أن يذهب» جاء فيه «من حق إنجلترا أن تتمسك بفخامة اللورد «كيلرن» سفيرًا لها فى مصر، ولكن من حق مصر أيضًا أن تطالب بسحبه من منصبه، وإبداله بغيره، فقد فشل فى مهمته كسفير لبلده لدى بلد آخر مستقل له سيادة... أعطى لنفسه حقوقًا فاقت حقوق المندوب السامى فى بلد مستعمر؛ فالرجل الذى اقتحم قصر عابدين على رأس فرقة من الدبابات ليس سفيرًا، ولا مندوبًا ساميًا، إنما هو قائد جيش معتدٍ»

وقبل أن يخرج عدد مجلة «روزاليوسف» الذى يحوى هذا المقال، صدر قرار من رئيس الحكومة محمود فهمى النقراشى بمصادرته، لأنه يتضمن «عيبًا فى سعادة سفير بريطانيا»، ولم يتم الاكتفاء بمصادرة العدد، لكن صدر قرار بالقبض على إحسان عبدالقدوس، ووضعه فى السجن بدعوى أن المقال تسبب فى إفساد العلاقات بين مصر وبريطانيا.

ومرت شهور، وخرج إحسان من السجن، وقالت له والدته: «إن كل رؤساء تحرير الصحف قد تعرضوا للسجن، وما دمت قد سُجنت، فإنك بذلك تكون قد قدمت أوراق اعتمادك لرئاسة التحرير».

وفى ذات اليوم وقعت فاطمة اليوسف قرار تعيين إحسان عبدالقدوس لرئاسة تحرير المجلة السياسية الأولى فى العالم العربى ولم يكن قد أتم عامه السابع والعشرين.

مصادرات

وبمناسبة صدور العدد رقم 1000 كتب إحسان عبد القدوس: «هذا هو العدد الألف من مجلة «روزاليوسف» وكان يجب أن يكون العدد رقم «1122» والذنب ذنب صدقى باشا ومحمد محمود باشا والنحاس باشا، والنقراشى باشا هؤلاء الذين عطلوا مجلة «روزاليوسف» مددًا تتراوح بين ستة شهور وثلاثة وشهرين وشهر وأسبوع، وقد بلغ مجموع الفترات التى عطلت فيها مجلة «روزاليوسف» سنتين كانتا كافيتين لتحطيم رأس أى عنيد وإزهاق روح أى جريدة أو مجلة، وعندما بدأت «روزاليوسف» تكتب فى السياسة خبطت مصر وخبط الشرق العربى كله كفّا على كف، فلم يكن من المألوف فى الشرق أن تصدر مجلة تحمل اسم سيدة لتنتقد الزعماء وتوجههم»

تحذير من النكبة

حذرت «روزاليوسف» فى عام 1945 من وقوع فلسطين فى براثن العصابات الصهيونية قبل وقوع النكبة بثلاث سنوات وذلك من خلال تحقيق صحفى قام به الأستاذ إحسان عبد القدوس ونشر على ثلاث حلقات ودعت المجلة نداءً للقادة والزعماء العرب للدفاع عن أرض فلسطين، وكانت تلك من المعارك النادرة التى خسرتها المجلة فلم تجد استجابة من أحد فى ذلك الوقت، ولا زالت قضية فلسطين جرحًا داميًا فى جسد الوطن العربي، وما زالت صرخة واستغاثة المجلة رغم مرور 79 عامًا على إطلاقها موثقة بالقلم والصور فى صفحات مجلة روزاليوسف.

الأسلحة الفاسدة

اندلعت أزمة سياسية فى مصر بعد الكشف عن فضيحة الأسلحة الفاسدة التى تورطت فيها شخصيات سياسية كبيرة اتهمت بشراء أسلحة وذخائر فاسدة للجيش المصرى أثناء حرب 1948 مما ساهم فى هزيمة القوات المصرية، وذلك فى 10 أكتوبر عام 1950، ويرجع الفضل إلى إحسان عبدالقدوس ومجلته روزاليوسف أن أوصلت أخبار هذه الصفقات المشبوهة إلى الرأى العام الذى هاله مبلغ الفساد الذى استشرى فى كل شيء حتى وصل إلى المتاجرة بدماء جنود مصر فى أرض المعركة.

ونجحت روزليوسف فى تكوين ضغط شعبى كبير اضطر معه وزير الحربية مصطفى نصرت فى ذلك الوقت أن يقدم بلاغًا للنائب العام لفتح تحقيق فيما نشر بمجلة روزاليوسف عدد رقم 149 بتاريخ 20 يونيو 1950م عن صفقات الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين، رغم استخدام الحكومة الوفدية برئاسة مصطفى النحاس والملك فاروق كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لإسكات أصوات المعارضة التى أرادت فتح ملفات القضية للوصول إلى المتورطين فيها.

وكانت فضيحة الأسلحة الفاسدة التى كشفتها مجلة روزاليوسف أحد الأسباب الرئيسية لقيام ثورة يوليو 1952.

 معارك مستمرة

استمرت معارك «روزاليوسف» تحت رئاسة تحرير إحسان عبدالقدوس وقيادة فاطمة اليوسف حتى قيام ثورة 23 يوليو، رغم وقوف جميع الكتاب فى المجلة وراء الثورة؛ فإن قلم فاطمة اليوسف لم يغض الطرف عن أخطاء الثورة وقيادة الزعيم جمال عبدالناصر، ولم تلتفت إلى أن عبدالناصر كان من أقرب أصدقاء ابنها إحسان، بل كتبت خطابًا عنيفًا إلى عبدالناصر قالت فيه: «إنك بحاجة إلى الخِلاف تمامًا كحاجتك إلى الاتحاد، إن كل مجتمع سليم يقوم على هذين العنصرين معًا، ولا يستغنى بأحدهما عن الآخر، وأنت تؤمن بهذا كله لا شك فى ذلك، وقد قرأتُ لك غير بعيد حديثًا تطالب فيه بالنقد، وبالآراء الحرة النزيهة، ولو خالفَتْك، ولكن أتعتقد أن الرأى يمكن أن يكون حُرًا حقًا وعلى الفكر قيود؟».

وواصلت فاطمة حديثها قائلة: «لا تُصدق ما يقال من أن الحرية شىء يباح فى وقت، ولا يباح فى وقت آخر، فإنها الرئة الوحيدة التى يتنفس بها المجتمع ويعيش، والإنسان لا يتنفس فى وقت دون آخر، إنه يتنفس حين يأكل، وحين ينام، وحين يحارب أيضًا».

لم يتحمس إحسان لإرسال هذا الخطاب إلى صديقه جمال، لكن فاطمة أرسلته، وقرأه جمال عبدالناصر، وقرّر أن يردَّ عليها بخطاب آخر جاء فيه: «أنا بطبعى أكره كل قيد على الحرية، وأمقت بإحساسى كل حدٍّ على الفكر على أن تكون الحرية للبناء، وليست للهدم، وعلى أن يكون الفكر خالصًا لوجه الوطن، وأنا لا أخشى من إطلاق الحريات، وإنما أخشى أن تصبح الحرية تُباع وتُشترى كما كانت قبيل 23 يوليو سلعًا تُباع وتُشترى.. ومع ذلك فأين الحرية التى قيّدناها؟».

ونُشر خطاب الزعيم جمال عبدالناصر بتوقيعه على صفحات مجلة روزاليوسف.

ورغم أن إحسان لم يتحمّس لخطاب والدته، وكان يرى أن الثورة ما زالت فى بدايتها، وتحتاج إلى الدعم، لكن فى العام التالى أدرك إحسان أن والدته كانت على حق، حين رأى تغيرًا فى مسار الحُكم فكتب مقالًا بعنوان «الجمعية السرية التى تحكم مصر».

وانتظر إحسان عبدالقدوس أن يآتى إليه الرد لينشره على صفحات «روزاليوسف»؛ ولكن جاءه الرد بدخوله السجن للمرة الثانية، ولم تبكِ الأم على ابنها بقدر ما دعمته، وأخبرته أن هذه هى «ضريبة الكلمة الحرة».

الستينيات والوقوف بجانب الدولة

كانت دائمًا ولا تزال معارك «روزاليوسف» تنحاز للوطن أولًا وأخيرًا، وفى الستينيات من القرن العشرين، وقفت المجلة بجوار الدولة مساندة لها فى معارها المختلفة، فمهما تغيرت قيادات المجلة وتعاقب عليها رؤساء التحرير كان الوطن هو الثابت الدائم فى معاركها وسياستها التحريرية.

وفى الستينيات كانت هناك معركتان بارزتان، الأولى تمثلت فى ملحمة بناء السد العالي، أما الثانية فكانت جرحًا عميقًا خلفته نكسة يونيو 1967، وفى المعركتين لم تتخلّ المجلة عن «عقيدة الاشتباك» التى جبلت عليها، ساندت فى المعركة الأولى مسيرة بناء السد العالى بفيض من التحقيقات والتقارير الصحفية، والملاحم الشعرية التى تستنهض عزيمة الشعب.

وقبل نكسة يونيو 1967، لم تتوان «روزاليوسف» عن التحذير من الأوضاع التى وصلت إليها البلاد، وخاضت  فى سبيل  ذلك معركتها التى عبر عنها أحمد حمروش فى افتتاحية المجلة التى جاءت بعنوان «سياسة الصمت على الأخطاء»، طالب فيها بمحاسبة الذين تسببوا فى خسائر مالية كبيرة للدولة عن طريق الانحراف والإهمال، ورغم ذلك فإن «روزاليوسف»، عندما وقعت النكسة لم تتأخر عن دعم الدولة واختارت الوقوف على جانبها دون التورط فى التضليل المعلوماتي، ومن يتابع أعداد روزاليوسف فى تلك الحقبة سيرى جليًا كيف استطاعت المجلة التمسك بمبادئها دون دفن الرؤوس فى الرمال، فكانت الأكثر اشتباكًا حاملة على عاتقها هموم الوطن وتساؤلات المواطنين، وتنبأت بعام الحسم لتكسب معركتها المتفائلة بأننا خسرنا معركة لكن لم نخسر الحرب.

معارك مع الإرهاب

واكبت «روزاليوسف» لحظة بلحظة الأحداث الإرهابية التى شهدتها مصر منذ اغتيال السادات، لم تكتف بالرصد وكشف الحقائق المسكوت عنها، بل تصدت لها بالتحليل والمعلومات والتحذير من خطر تغول هذه التيارات الظلامية التى ثبت بالتجربة أنها لا تؤمن بالحوار، بل تتخذ من الحوارات السلمية من قبل الدولة وسيلة للتغلغل والتوغل الشرس فى المجتمع المصرى.

وبات واضحًا أن المعركة مع التطرف والإرهاب لم تعد ساحتها الحوار ومقارعة الحجة بالحجة، بل انتقلت إلى ساحة ضارية من العنف استهدفت بشكل أساسى أمن واستقرار مصر، وبشكل خاص وزارة الداخلية، عبر محاولات الاغتيال المتتالية لوزراء الداخلية.

تصدت «روزاليوسف» للإرهاب وجماعات الإسلام السياسى فى الوقت الذى تخلف غيرها عن الركب، بل ووقفت إلى جانب هذه الجماعات الإرهابية على حساب الوطن والمؤسف أن بعضًا من هؤلاء كانوا قيادات بارزة فى صحف قومية لم يدافعوا فقط عن تلك الجماعات محاولين تبرئتها من عملياتها الإرهابية، بل ذهبوا إلى الغمز واللمز باتهام من يحاول تعرية جماعة  الإخوان الإرهابية والتنظيمات السرية بأنهم أعداء للإسلام.

وتكشف معارك «روزاليوسف» عن مواقف مخزية ارتكبتها بعض الصحف المؤيدة لجماعة الإخوان والجماعات الإسلامية وتلك المهادنة لهم،  بل ولمواقف جهات رسمية بالدولة فى ذاك الوقت وفى مقدمتها «الرقابة» التى كانت تحذف المشاهد الدرامية التى تدين تلك التنظيمات، فى الوقت الذى سمحت فيه بصدور صحف يسيطر عليها الإسلام السياسى وفى المقدمة منه تنظيم الإخوان الإرهابي، بل وأكدت «روزاليوسف» صراحة بالأدلة والبراهين أن هذه التنظيمات الإرهابية السرية ما هى إلا الذراع العسكرية لتنظيم الإخوان.

كما حذرت «روزاليوسف» من تغول شركات توظيف الأموال الذراع الاقتصادية للإخوان والجماعات الإسلامية، والتى تداخلت مع أجهزة الدولة وأصبح لها نفوذ سياسى واجتماعى كبير، ربما يفسر مداهنة بعض كبار الصحفيين لهم والدفاع عنهم.

استهداف وزراء الداخلية

شهد النصف الثانى من الثمانينيات محاولات متتالية لاغتيال وزراء الداخلية، مما يشير إلى تركيز الجماعات الإرهابية على تعميق صراعها مع الدولة على المستوى الأمنى، فكلما حاولت الدولة فتح المجال لتيارات الإسلام السياسى من أجل الحوار والاندماج فى المجتمع زادت وتيرة هذه الجماعات فى اللجوء إلى العنف المسلح، حتى إن «روزاليوسف» قالت صراحة إن تدليل الدولة لهذه الجماعات والتنظيمات أحد أسباب تغولها وتوحشها.

معركة مصيرية

مع حادثة محاولة اغتيال اللواء حسن أبو باشا خاضت «روزاليوسف» معركة مصيرية من أجل الوطن ليس فقط مع رموز الفكر المتطرف، بل وللأسف مع رموز صحفية كان يفنرض بها أن تهب فى وجه هذا التطرف إلا أنها حاولت بشتى الطرق تبرئة الجماعات المتطرفة من اغتيال أبو باشا.

فى هذا الشأن كتب الأستاذ جمال سليم مقالًا فى «روزاليوسف» بعنوان «لماذا كانت هذه الرصاصات التى انطلقت فى شارع المراغى بالعجوزة»، وذلك ردًا على مقال لكاتب وقيادة كبيرة فى إحدى الصحف القومية وعدد من الكتاب الآخرين، حيث قال سليم: «المقالات المقصودة هنا تدور حول محور واحد هو أنه لا يوجد دليل حتى الآن على أن الجماعات الدينية المتطرفة هى التى قامت بهذه الجريمة وأنه على فرض أن الجماعات الدينية المتطرفة هى التى قامت بهذا الاعتداء فإنها جريمة فردية عادية ولا يصح اعتبارها دليلًا لإدانة الحركات والجماعات الدينية»

وأضاف: «لقد تخطى الأخ ..... هذا المحور إلى اتهام كل من تصدى لهذه الجريمة البشعة بالبعد عن الإسلام والكراهية له كأنما الاغتيال فريضة من فرائض الإسلام الغائبة ينبغى علينا الإيمان بها والاحتفال بانتشارها». وخلص جمال سليم إلى أن «الذين يقولون إن محاولة الاغتيال جريمة فردية وجريمة عادية فهم من السذاجة بحيث يمكن أن يقودوا البلاد على التهلكة إذا أخذ بكلامهم ... لأن طبيعة هذه الجريمة ليست فردية وليست عادية وهناك فرق بين الجرائم العادية والجرائم السياسية وبين الجرائم الموجهة ضد شخص وبين الجريمة الموجهة ضد مجتمع لهز استقراره».

لم تكن مواقف باقى أفراد كتيبة «روزاليوسف» الصحفية مختلفة عن موقف الأستاذ جمال سليم، حيث خاضوا معركة ضد تحريف الحقائق فى واقعة محاولة اغتيال اللواء حسن أبو باشا وضد محاولات إخفاء حقيقة ما حدث، وكتب الأستاذ عبدالستار الطويلة مقالًا استشرف فيه مستقبل استعانة جماعة الإخوان بالتنظيمات السرية الإرهابية بديلًا لجهازها السري، وذلك بعنوان «خمس ملاحظات حول محاولة اغتيال أبوباشا»، أشار فيه إلى أنه قد لا تكون هناك علاقة مباشرة بين جماعة الإخوان وحادثة الاغتيال مستدركًا بقوله: «لقد كان للإخوان دائمًا جهاز سرى يقوم بعمليات القتل والاغتيال والتدمير وإذا لم يكن لديهم ذلك الآن فإن هذا الجهاز المتوقع أن يصبح أداتهم فى تحقيق أهدافهم الإرهابية فى المستقبل القريب أو البعيد هو تلك المنظمات السرية».

وأثبت التاريخ أن روزاليوسف عندما خاضت معركتها مبكرًا كانت على حق، وأنها لم تتخل يومًا عن «عقيدة الاشتباك» من أجل مصلحة الوطن مهما كلفها ذلك من ثمن باهظ وضعها على قمة قوائم الاستهداف الإرهابية.

تحذيرات صادقة

لم يمر سوى ثلاثة أشهر على محاولة اغتيال حسن أبوباشا حتى صدقت  تحذيرات «روزاليوسف» من موجات الإرهاب وتدليل الجماعات الإسلامية حيث جرت محاولة اغتيال اللواء محمد النبوى إسماعيل وزير الداخلية الأسبق فى 14 أغسطس عام 1987، وكذلك جرت محاولات لاغتيال موظفى السفارة الأمريكية وأيضا رئيس تحرير المصور فى ذاك الوقت الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد.

المثير فى الأمر أن محاولة اغتيال النبوى إسماعيل جاءت بعد أيام من عقد مؤتمر «قضايا الساعة الأمنية تحت المجهر» ناقش التطرف الدينى وأسبابه وأهدافه وكيفية مواجهته، حيث حذرت «روزاليوسف» فى تقرير للأستاذة سوسن الجيار من أن المسألة «محاولة الاغتيال» بدت كما لو أن الجناة هذه المرة يخرجون لسانهم وأيضًا  رصاصهم  لهذا المؤتمر بالذات ويبلغون أصحابه رسالة بليغة «لا أحد بعيد عن أيدينا» وها نحن بعيدون عن عيونكم وأجهزتكم.

معركة مع الإعلام المتخاذل

 تطورت العمليات الإرهابية من محاولات اغتيال وزراء داخلية سابقين إلى محاولة اغتيال وزير داخلية خلال توليه منصبه هو الوزير زكى بدر وذلك فى 16 ديسمبر 1989، لتجدد «روزاليوسف» تحذيراتها وتكشف عورات مهادنة الجماعات الإسلامية، إذ كتب الأستاذ عبدالستار الطويلة مقالًا بهذه المناسبة بعنوان «نحن وأولئك الإرهابيون؟»، جاء فيه:

«حذفت  رقابة التليفزيون من برنامج عن ذكرى هدى شعراوى محررة المرأة المصرية بعد قاسم أمين كل إشارة إلى أنها خلعت الحجاب وبالأحرى النقاب ودعت المرأة المصرية إلى خلعه .. وتمنع رقابة التليفزيون عرض فيلم السكرية الفيلم الثالث من ثلاثية نجيب محفوظ الرائعة لا لشيء إلا أن أحد الشخصيات فى الفيلم يمثل دور شاب منتم إلى التيار الديني، كما حذفت رقابة التليفزيون من مسلسل رواية الأفيال لفتحى غانم الكثير من المسلسل لأنه يتناول الجماعات الدينية بشكل انتقادى».

«وتغص الصحف المصرية القومية والإذاعة القومية والتليفزيون القومى يوميًا بمكن يكتبون ويدعون علانية إلى حاكمية الله .. وأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر وبهتان .. أى نفس نظريات التيارات الدينية المتعصبة إذ ترى أن الحكم الحالى «حكم بشرى» وبالتالى فإنه من أعمال الجاهلية الأولى يحل دمه وعرضه وماله ويستحق التدمير».

«كل هذا التدليل من جانب الدولة لا يعجب التيار الدينى المتطرف.. فيرد عليها أى على الدولة بالرصاص والقنبلة والشحنات الناسفة ... ولا جدوى على الإطلاق من هذا التدليل والمهادنة، فإنهم أى المتطرفين الدينيين، لا يفهمون من الحكم بالدين إلا قطع اليد ورجم الناس وجلدهم، وهم لا يفهمون من الدين سوى أن النساء يجب أن يخفين وجوههن وأذرعهن وسيقانهن.. هذا هو الدين فى نظرهم، وهم لا يكترثون قط» 

مواجهة أخونة الإعلام

بعد ثورة 25 يناير وقفز الإخوان على السلطة، حاولت الجماعة بكل الطرق أخونة الإعلام المصري، فكانت روزاليوسف فى طليعة المقاتلين الرافضين لتهديدات الجماعة الإرهابية، فعانى رئيس تحرير المجلة فى ذلك الوقت الأستاذ عصام عبدالعزيز وصحفيو المجلة من الضغوط التى مارسها مجلس الشورى والتهديدات بوقف التمويل، خصوصًا أن مؤسسة روزاليوسف بعد الثورة حدث لها مشكلة اقتصادية مثل أى مؤسسة فى مصر عقب الثورة، وتحملت المجلة التوقف عن الصدور على أن ترضخ لتهديدات الجماعة الإرهابية، فلم تنافق أو تهادن وتمسكت بعقيدتها القتالية الراسخة فى الانحياز للوطن.

ما ذكر فى السطور السالفة الذكر مجرد غيض من فيض عن معارك «روزاليوسف» الشجاعة والقوية فى الوقت الذى هرب فيه آخرون من ساحة المعركة وهادنوا على حساب الوطن.