الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

خواطر فضيلة د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء أحباب الرسول

أمامنا فرصة أن نكون من أحباب رسول الله (ص)، وأعظم درجة ممن سبقونا، وإن كانوا هم فى المنزلة الأعلى، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله (ص): «متى ألقى أحبابى؟. فقال بعض الصحابة: أوليس نحن أحباؤك؟ قال: «أنتم أصحابى، ولكن أحبابى قوم لم يرونى وآمنوا بى أنَا إليهم بالأشواق» (أبو الشيخ فى الثواب) وفى زيادة الديلمى فى مسند الفردوس بمأثور الخطاب: «أنَا إليهم بالأشواق لأَكْثَرَ».



وعن رجاء بن حيوة رضى الله عنه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا معاذ بن جبل عاشر عَشرة، قلنا: يا رسول الله، هل من قوم أعظم منا أجرًا آمنّا بك واتبعناك؟ قال: ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم الوحى من السماء؟ بل قوم يأتون من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين فيؤمنون به ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجرًا، أولئك أعظم منكم أجرًا، أولئك أعظم منكم أجرًا» [رواه الطبرانى وذكر الهيثمى أنه اختلف فى رجاله].

فهلا دخلنا فى دائرة الحب لرسول الله (ص)، وجعلناه أسوتنا واتبعناه حقًا، ففى زمن الغربة الأول بدأ رسول الله (ص) بمنهج البداية بالنفس، فقال (ص): (ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول) [رواه مسلم وابن حبان].

ففى هذا الزمان يكون إصلاح النفس وتربيتها أولى من الانغماس فى أمر العامّة، ثم بعد هذه المرحلة يمكن أن يتدرج المؤمن للانغماس فى أمر العامّة لإصلاحهم، يقول النبى(ص): «إذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنيًا مؤثرة، وإعجاب كل ذى رأى برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام؛ فإن من ورائكم أيامًا، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم» قال عبدالله بن المبارك: «قيل يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم» [رواه الترمذى].

إذن علينا أن نبدأ بأنفسنا ثم بمن نعول، وأن نتحمّل المسئولية عن أفعالنا، وعلمنا أن لا نبرر أخطاءنا، ويؤكد القرآن على ذلك المعنى فيما يقصه علينا من أخبار بنى إسرائيل مع سيدنا موسى عليه السلام عندما أشرفوا على الدخول إلى الأرض المقدسة، وما دار بين سيدنا موسى عليه السلام وقومه من بنى إسرائيل يقول تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ  قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ  قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ  قَالَ رَبِّ إِنِّى لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِى فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ الفَاسِقِينَ  قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى القَوْمِ الفَاسِقِينَ).

وما دلالة الأربعين؟ قيل لأن فى هذه المدة سيمر جيل بأكمله فى إثر جيل، وأصبح الجيل جديدًا تربى على الشهامة والقوة، فموسى لم ييأس بدأ بنفسه ثم بأخيه، وبدأ فى التربية وصبر على ذلك أربعين سنة، حينئذ تكوَّن الجيل والذى دخل الأرض المقدسة بعد ذلك مع نبى الله يوشع عليه السلام.

نفس المنهج فى الصبر والتربية كان فى النموذج المحمدى، فرسول الله (ص) بدأ الدعوة وحده بمكة، ثم بدأ بالسيدة خديجة رضى الله تعالى عنها، ثم بعلى بن أبى طالب وكان فى كنفه، وبدأ الدعوة من بيته، ثم أنذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر أقرباءه ومن حوله بالطائف، وبعد كل هذه المدة فى مكة لم يسلم معه إلا نحو مائتى رجُل، وفى المدينة عندما ذهب بأولئك دخل الناس فى دين الله أفواجًا حتى رآهم بعينه فى حجة الوداع أكثر من مائة ألف إنسان سوى الأعراب الذين فى البادية، مائة ألف إنسان أسلم فى عشر سنوات، و200 أسلموا فى ثلاث عشرة سنة.

فرسول الله (ص) يعلمنا كيف نبنى الأجيال، وكيف نصبر على التربية والبناء، وكيف نحول الانكسار إلى انتصار، وكيف لا يحبط المسلم؛ بل يبدأ العمل من جديد، وكيف يكون الإنسان راعيًا.