الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

محاولات لصياغة مبادرة جديدة .. تكاتف مصرى - سودانى لعبور الأزمة السياسية

لا ينحصر الصراع الدائر فى السودان بين قوتين عسكريتين بقيادة عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، بل ويحاول كل طرف استخدام شبكة حلفاء نسجها خلال الأعوام الماضية من سياسيين واقتصاديين ودبلوماسيين للحصول على دعم.



 

وفى النهاية هناك إجماع على أن الحل الوحيد القابل للتطبيق يكمن فى وقف فورى لإطلاق النار، والعودة إلى طاولة المفاوضات وبدء عملية سياسية وتتردد أصداء هذه الدعوة للعمل بين المواطنين السودانيين، والاتحاد الأفريقى، الذى تدخل سابقًا للتوسط فى المفاوضات، ومصر، الدولة المجاورة الرئيسية الأكثر تضررًا من النزاع المسلح المستمر فى السودان.

ونظرًا لهذه المخاوف الملحة، اضطرت القاهرة إلى تكثيف جهودها لقمع الصراع فى السودان، كما يتضح من موجة النشاط الدبلوماسى الأخيرة المحيطة بالأزمة، بما فى ذلك زيارة عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السودانى السابق، إلى القاهرة فى 8 مارس.

وقد اجتذب وفد حمدوك من تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية، أو التقدم، مستوى كبيرًا من الاهتمام خلال زيارته، مما يعكس الاهتمام المشترك بمعالجة فترة ما بعد الفترة الانتقالية للأزمة السودانية. وأتاحت زيارة الوفد السودانى لمصر فرصة للطرفين للحوار وتبادل وجهات النظر. بالنسبة للقاهرة، فقد مثّل ذلك فرصة لدمج رؤى التقدم فى صياغة مبادرة جديدة. وبالنسبة لبرنامج التقدم، كان ذلك بمثابة فرصة لتوضيح خارطة الطريق الخاصة به للتغلب على الأزمة والتأكيد لمصر على التزامها بتعزيز العلاقات الثنائية الإيجابية.

ومن خلال الاستفادة من نفوذها الإقليمى وتعزيز الحوار بين أصحاب المصلحة، تهدف مصر إلى المساهمة فى الاستقرار والأمن فى السودان.

وشدد حمدوك، خلال مؤتمر صحفى بالقاهرة، على مواءمة رؤية التقدم مع رؤية السلطات المصرية، إلى جانب ضرورة عملية الحوار السياسى وإنشاء جيش موحد للحفاظ على استقرار السودان وسلامة أراضيه.

علاوة على ذلك، ألمح إلى إمكانية استضافة القاهرة اجتماعًا بين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتى، قادة القوات المسلحة السودانية المتنافسة وقوات الدعم السريع على التوالى، لبحث سبل إنهاء الصراع بينهما.

ويفسر بعض السياسيين المصريين استقبال القاهرة لحمدوك على أنه إشارة محتملة للانفتاح على التعامل مع قوات الدعم السريع. 

وبينما تبحر مصر فى دورها فى معالجة الأزمة، توفر المشاركة الدبلوماسية والمبادرات الاستراتيجية الأمل فى إحراز تقدم نحو حل سلمى. ومن خلال الاستفادة من نفوذها الإقليمى وتعزيز الحوار بين أصحاب المصلحة، تهدف مصر إلى المساهمة فى الاستقرار والأمن فى السودان.

ومن خلال مبادراتها الدبلوماسية الأخيرة، برزت مصر كلاعب رئيسى فى معالجة الأزمة المعقدة فى السودان، حيث تكثف جهودها للتوسط فى السلام هناك وقبل اجتماع محورى فى القاهرة أواخر فبراير بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والبرهان، الذى يرأس بالإضافة إلى قيادة القوات المسلحة السودانية مجلس السيادة الانتقالى، تركزت المناقشات على رؤية الأخير لإنهاء الصراع وتعزيز السلام المستدام فى السودان.

فى 6 مارس، استضافت العاصمة المصرية اجتماعًا حاسمًا للجنة رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقى بشأن السودان، والتى التقت بممثلى حزب المؤتمر الحاكم السابق فى البلاد لوضع استراتيجية لسبل حل الصراع، الذى تقترب الذكرى السنوية الأولى له فى 15 أبريل كما عقدت القاهرة أيضًا مؤتمر الأزمة الإنسانية فى السودان فى نوفمبر 2023، مع التركيز على جهود الإغاثة.

تؤكد مثل هذه المشاركات الدبلوماسية التزام مصر بمعالجة الوضع المتدهور فى السودان، وإدارة علاقاتها مع أصحاب المصلحة الرئيسيين. ويعطى نهجها لحل الأزمة الأولوية لإنهاء النزاع المسلح، واحترام سيادة السودان ووحدته، والحد من التدخلات الخارجية مع الحفاظ على سلامة الدولة السودانية.

وقد تفاقمت خطورة الوضع بسبب الأزمة الإنسانية المتصاعدة فى السودان، والتى أدت إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى مصر، مما أدى إلى مزيد من الضغط على موارد القاهرة وسط أزمة اقتصادية مستمرة.

دفع المأزق فى السودان مصر إلى تطوير مبادرة جديدة فى محاولة للتغلب على أوجه القصور السابقة وحشد الفصائل السودانية على أمل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة. وتسعى القاهرة إلى تحديد ومعالجة العقبات والتحديات الأساسية التى أحبطت المبادرات السابقة، بهدف إحداث تغيير تحويلى فى مسار الأزمة.

وأعادت التطورات الإقليمية والدولية السودان إلى قائمة الأولويات الغربية، خاصة وسط تصاعد التوترات الأمنية فى جنوب البحر الأحمر والعلاقات المزدهرة بين السودان وإيران ويشير تعيين الولايات المتحدة مبعوثًا خاصًا إلى السودان إلى زيادة المشاركة الأمريكية فى جهود المصالحة، مما يوفر فرصة للقاهرة لإعادة تنشيط المبادرات الإقليمية وصياغة نهجها تجاه الأزمة السودانية وفقًا لذلك.

التعقل المصري

والحقيقة أن رد فعل الجانب المصرى كان فى قمة التعقل ولم ينجر إلى مخطط جره إلى هوة النزاع فقد صدر بيان عسكرى من المتحدث العسكرى المصرى طالب فيه بالحفاظ على سلامة القوة المصرية وأنها كانت فى مهمة تدريبة ولكن قوات الدعم السريع سرعان ما تراجعت عن موقفها وقالت إن المجموعة العسكرية المصرية فى أمان وأنهم سوف يعودون لمصر فى أعقاب عودة الهدوء فى الداخل السودانى.

تحديات كبيرة

وإذا طالعنا الموقف برمته نجد أن مصر أمام معضلة كبرى وتحديات متعددة منها الجبهة الشرقية ومكافحة الإرهاب فى سيناء والجبهة الغربية ومحاولة تحقيق الاستقرار فى ليبيا ومنع الأجندات الخارجية من العبث بمصير ليبيا والذى يعتبر أمنًا قوميًا لمصر من ناحية الغرب وبالاضافة إلى ذلك أزمات اقتصادية وتنموية نتيجة تذبذب النظام الاقتصادى العالمى جراء أزمات عالمية سواء صحية كأزمة فيروس كرونا أو أزمات عسكرية مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتظهر قمة المعضلة أمام القيادة المصرية فى اشتعال الصراع فى السودان وهو يمثل تحديًا كبيرًا لمصر حيث إن السودان المصرى أمن قومى سواء من ناحية الجيوسياسية أو من ناحية الأمن القومى المائى .

وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال هناك عوائق عديدة تعيق تحقيق تسوية سياسية شاملة فى السودان. ويشكل استمرار النزاع المسلح، الذى تفاقم بسبب التدخلات الخارجية والطبيعة المجزأة للقوى السياسية السودانية، تحديات هائلة لجهود الوساطة.

وتتمثل أهم التحديات أمام الجانب المصرى الزيادة الكبيرة فى أعداد المهاجرين السودانيين لمصر وهذه الأعداد مرشحة للزيادة بصورة كبيرة فى حال استمرار القتال فى شوارع السودان بين طرفى الصراع على السلطة.

لكن هذا ليس هو السبب الوحيد الذى يجعل إرساء السلام والاستقرار فى السودان قضية مهمة بالنسبة لمصر. فوجود نظام ضعيف فى الخرطوم قد تكون له تداعيات خطيرة على الجارة الشمالية.

تجد مصر نفسها تقريبًا فى قلب الأزمة، رغم الموقف العلنى الحذر الذى تنتهجه، وتخشى كذلك من انعكاس الأزمة على موقف السودان من أزمة سدّ النهضة، أو خطر حكم «إسلامي» على حدودها وأن أى تأخر فى حسم الصراع، قد تكون له تداعيات اجتماعية وعسكرية وأمنية تتخطى سياسة المحاور، لجهة ما قد ينجم من تنشيط لحركات الجماعات المتطرفة، والنزوح العابر للدول، وتهريب البشر، والهجرة غير النظامية، وتنشيط عمل العصابات.

وتستضيف مصر نحو خمسة ملايين سودانى فروا من ويلات الفقر والقتال. وهناك اتفاقية لحرية الحركة بين البلدين، والتى تسمح للمواطنين من الجانبين بالتنقل بينهما فى الاتجاهين للإقامة والعمل.ومن الصعب ألا نلاحظ الزيادة الكبيرة فى أعداد المهاجرين السودانيين فى العاصمة المصرية القاهرة فى السنوات القليلة الماضية.

وأصبح الجميع يرى بوضوح تلك الزيادة فى أعداد السودانيين فى مصر لدرجة ظهور محطتين للحافلات فى وسط القاهرة يطلق عليهما المصريون مازحين اسم «المطار السوداني».

وتبقى هذه الأرقام مرشحة لزيادة كبيرة فى حال استمرار القتال فى شوارع السودان بين طرفى الصراع على السلطة.

لكن هذا ليس هو السبب الوحيد الذى يجعل إرساء السلام والاستقرار فى السودان قضية مهمة بالنسبة لمصر، فوجود نظام ضعيف فى الخرطوم أو ظهور نظام سياسى بديل معادٍ للقاهرة قد تكون له تداعيات خطيرة على الجارة الشمالية.

التبادل التجاري

يرى الخبير الاقتصادى السودانى، الدكتور وائل فهمى بدوى، أنّ حجم التبادل التجارى بين مصر والسودان لن يتأثر كثيرًا حال انتهى الصراع القائم حاليًا بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع فى وقت قريب، وسيتحدد وفقًا لأمد هذا الصراع.

وأضاف الخبير الاقتصادى أنه عقب انتهاء النزاع القائم، سيكون ثمّة حاجة لزيادة حجم التعاون مع مصر، لا سيّما فى ظل حالة «الشلل» التى يعانى منها النشاط الاقتصاد السودانى حاليًا، وتوقف معظم الأنشطة، مشيرًا إلى أنّ القاهرة تعتبر رقم واحد للخرطوم فى مسار التبادل والتعاون التجارى.

وعن المشروعات المشتركة التى يجرى تنفيذها بين البلدين على غرار مشروع (القاهرة-كيب تاون) الذى يمر بالخرطوم ويصل طوله لأكثر من 10 آلاف كيلو متر، وكذلك اعتزام الربط السككى بين البلدين، نوّه الدكتور وائل فهمى بدوى، بأن العمل بهذه المشروعات سيستمر بشكل طبيعى، نظرًا للحاجة الماسة لها، ووجود أعداد كبير من الجالية السودانية بمصر تقدر بالملايين، إضافة لوجود عدد من الطلبة والمقيمين المصريين بالسودان.

وأشار الخبير الاقتصادى إلى أنّه مع حجم التجارة المتزايد بين القاهرة والخرطوم، تزداد الحاجة للطرق البرية، وخطوط ربط السكك الحديدية، وذلك لتجاوز الأزمتين الاقتصاديتين اللتين تعصفان بكلا البلدين.

وقال إنّ تنفيذ المشروعات المشتركة سيستمر، بغض النظر عن الحكومة التى ستتولى إدارة السودان، مشددًا على أنّ مصر والسودان تجمعهما علاقة «استثناء» على مدار التاريخ، والشعبان يرتبطان ببعضهما البعض بشكل كبير، بعيداً عن الحكومات المسئولة.