الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

خرافة من أجل هدم المسجد الأقصى وتطهير اليهود: هل تخطط إسرائيل لذبح البقرة الحمراء أول يوم عيد الفطر؟

ما زالت الضجة التى أحدثها وصول 5 بقرات حمراء إلى إسرائيل أواخر عام 2022 يتردد صداها منذ أن كشفت القناة الـ12 الإسرائيلية عن وضعها فى مزرعة سرية فور قدومها من ولاية تكساس الأمريكية على طائرة خاصة تمهيدًا لذبحها وحرقها ونثر رمادها لتطهير اليهود والسماح لهم بحرية الدخول إلى المسجد الأقصى المبارك، وهو أقصى ما تتمنى جماعات الهيكل المتطرفة تحقيقه فى أولى القبلتين بالقدس المحتلة. وتعود فكرة البقرة الحمراء إلى نصوص المشناة (شروح التوراة)، وهى جزء من كتاب التلمود، وتتلخص الفكرة فى ضرورة ظهور بقرة حمراء خالصة وحسب المزاعم اليهودية فإنه بمجرد ظهور تلك البقرة سيأتى موعد نزول ما يسمى بالمخلّص وبدأ الجميع يتساءلون حول علاقة هذه البقرات بتنفيذ المخطط الصهيونى المزعوم لتدمير المسجد الأقصى وهل نحن حقًا على مشارف نهاية العالم؟!



 

والبقرة الحمراء وبالعبرية «بارا أدوما»، هى بقرة ينتظرها اليهود من أجل هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث، وتتلخص بأن تكون بقرة ذات لون شعر أحمر كامل، من دون أى شعر غريب، ولم تحمل ولم تحلب ولم يوضع برقبتها حبل وقد وُلدت ولادة طبيعية وربيت على ما يقال فى أرض إسرائيل، وعندما تبلغ العامين يمكن استخدامها فى عملية تطهير يجب أن تتم فوق جبل الزيتون فى القدس مقابل المسجد الأقصى؛ حيث يتم ذبحها ثم حرقها بشعائر وطريقة خاصة واستخدام رمادها فى عملية تطهير الشعب اليهودى، وبعد الانتهاء من هذا الطقس الدينى الذى ستلغى بانتهائه فتوى تحريم دخول اليهود إلى المسجد التى تتبناها الحاخامية الكبرى لإسرائيل بسبب وجود نجاسة الموتى التى تمنعهم من دخول المكان حسب العقيدة اليهودية سيصبح الشعب قادرًا على الصعود إلى المَعبد (المسجد الأقصى) بعد أن أصبح طاهرًا، والتى تعتبر وفقًا لليهودية مركزية للتنبؤ بنهاية الزمان، وبالتالى تمهيد الطريق لتسريع هدم المسجد الأقصى وإفساح المجال لبناء ما يسمى بالهيكل الثالث.

وبعد التأكد من أنه يجب ذبح البقرة الحمراء بعد دخولها السنة الثالثة من عمرها وهو ما تحقق فإن الجديد الذى لا بُدّ من الالتفات إليه هو ما تبين فى الشريعة اليهودية بوجوب ذبح البقرة فى يوم محدّد من العام وهو يوم الثانى من أبريل العبرى الذى سيوافق 10 أبريل الميلادى الحالى والذى سيصادف أيضًا أول أيام عيد الفطر، والسبب فى تحديد يوم الثانى من أبريل العبرى موعدًا لإجراء عملية التطهير بذبح البقرة الحمراء وفقًا لشريعة التلمود؛ هو أن موسى عليه الصلاة والسلام حسب ما ورد فى التلمود ذبح أول بقرةٍ حمراء فى التاريخ اليهودى فى ذلك اليوم، وتمت عمليات ذبح البقرة الحمراء بعد ذلك ثمانى مرات فقط فى نفس الموعد، بمجموع تسع مرات كان آخرها فى عهد ما يسمى المعبد الثانى منذ ألفى سنة لتكون هذه المرة هى العاشرة فى التاريخ اليهودى كله. وعملية الذبح ستشمل بقرة واحدة لأن ظهور بقرة حمراء مطابقة للنصوص اليهودية المقدسة يعتبر مسألة نادرة الحدوث فى وقتنا الحاضر، ورغم أنه تم تجهيز 5 بقرات لهذا الطقس الخطير فإن الذبح لن يشملها جميعًا. وفى حال نفذ ذلك فإن المواجهة مع الاحتلال ستنتقل إلى مستوى جديد تمامًا. وفى حال تمكنت الجماعات المتطرفة من تنفيذ ما تفكر فيه وتخطط له بإجراء طقوس التطهير من خلال ذبح بقرة حمراء فإن المواجهة ستنتقل إلى مستوى مختلف تمامًا؛ لأن إجراء عملية التطهير سيفتح المجال من الناحية الدينية لإلغاء فتوى الحاخامية الكبرى بمنع اليهود من دخول منطقة المعبد، وبالتالى فإن ذلك يعنى أن عدد الذين سيتشجعون للانضمام إلى الجماعات المتطرفة فى اقتحامات الأقصى سيتضاعف من 4 إلى 10 مرات، وإن كان المتطرفون لم يتمكنوا حتى الآن من حشد أكثر من 2200 مستوطن لاقتحام المسجد فى يوم واحد فإنهم سيتمكنون من جمع ما بين 10 إلى 20 ألف مستوطن فى اليوم الواحد.

ومنذ ألفى عام لم تولد بقرة حمراء تطابق جميع المواصفات المطلوبة، لهذا فإن ظهور هذه البقرات الـ5 يعتبر نبوءة للجماعات اليهودية على قرب بناء المعبد الثالث، وظهور المخلص وفق معتقداتهم ولكن من الغريب ألا تظهر ولو بقرة واحدة مطابقة للمواصفات منذ ألفى عام وفجأة تظهر أمامنا 5 بقرات لا واحدة، وقد أثار هذا الأمر تساؤلات عديدة، حول مدى كون هذه البقرات أنتجت بواسطة الهندسة الجينية لتكون حمراء بالكامل، والغريب فى هذا الموضوع ليس أسطورة البقرة؛ وإنما مدى تأثير هذه الأسطورة على حكومة الاحتلال وطريقة تعاملها معها. الكثير من الكلام والتحليلات تطرح حول شهر رمضان المبارك الذى أصبح الرعب الإسرائيلى من أحداثه وآثاره واضحًا فى قرارات حكومة نتنياهو الأخيرة، بسحب صلاحيات التصرف فى المسجد الأقصى من يد وزير الأمن القومى المسئول عن الشرطة، المتطرف إيتمار بن غفير، وإعلان تقييد دخول الفلسطينيين الذين تقصد بهم إسرائيل سكان الضفة الغربية إلى المسجد الأقصى خلال رمضان، ثم الإعلان عن عدم فرض تقييدات على سكان القدس ومناطق الخط الأخضر حصرًا، ليأتى وزير التراث الإسرائيلى المتطرف عميحاى إلياهو أخيرًا ويطالب بمحو رمضان والتخلص من الرعب السنوى الذى يسببه لإسرائيل، فيؤكد بهذا التصريح الخوف الإسرائيلى الحقيقى من الشهر.

هذا التخوف من شهر رمضان قائم على أساس حقيقى؛ ففى ظروف الحرب الطاحنة والمجاعة والمجازر التى ترتكبها إسرائيل فى غزة منذ 6 أشهر، يتصاعد الغليان الشعبى فى الضفة الغربية والقدس متمثلا بعدد من العمليات المسلحة المؤلمة للاحتلال ومستوطنيه ليأتى وسط هذه الظروف شهر رمضان الذى تزامَن منتصفه هذا العام مع أول موسم دينى يهودى يأتى منذ عيد العرش الذى بدأت معركة «طوفان الأقصى» فى آخر أيامه وبالتالى، فهو يشكل التحدى الأول لكل الأطراف، لكنّ هناك متغيرًا جديدًا ظهر على الساحة خلال الأيام القليلة الماضية، وقد يؤدى إلى زيادة الاحتقان أو ربما تفجير الأوضاع بالكامل فى المدينة المقدسة والساحة الفلسطينية ككل؛ حيث عادت قصة البقرات الحمراء للظهور على الساحة من جديد، بعد أن تبين أن هناك تحركات غريبة تقوم بها جماعات المعبد المتطرفة، لتنفيذ طقوس التطهير الخاصة بذبح البقرة الحمراء، وتأتى هذه التحضيرات فى الظل وبهدوء ودون ضجة إعلامية، بنفس الطريقة التى دأبت عليها هذه الجماعات فى الفترة التى أعقبت معركة سيف القدس عام 2021.

وهنا تأتى الخطورة الأساسية فى الأقصى الذى قد نشهد بسببه مواجهات على مستويات أوسع بكثير بين المسلمين والمستوطنين فور إلغاء فتوى الحاخامية الكبرى فى إسرائيل بمنع اليهود من الصعود إلى المعبد وفق معتقداتهم وعمّا يعنيه أن يتزامَن تنفيذ هذا الطقس الدينى الخطير مع الحرب الإسرائيلية على غزة؛ إنه لا يمكن إغفال علاقة هذا الحدث بالحرب، فجماعات الهيكل المتطرفة التى تمثل ذروة التيار الكاهانى الخلاصى المتطرف فى دولة الاحتلال تسيطر فعليًا على الدولة وهى التى تدير شئون الحرب وأحد أهم أسباب استمرارها، وحتى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منصاع بالكامل لإرادة تيار الصهيونية الدينية الذى تتبع له هذه الجماعات المتطرفة التى ترى أن أحد أهم مظاهر انتصارها الذى تنشده فى هذه الحرب هو إحكام السيطرة على الأقصى ردًا على المقاومة الفلسطينية التى أطلقت عمليتها تحت اسم الأقصى وتحت شعار الدفاع عنه والحفاظ عليه. ويبقى موضوع التنفيذ وتوقيته متعلقًا بالسجال المستمر فى إسرائيل بين من لا يخفى من الأجهزة الأمنية خشيته من تهور هذه الجماعات اليمينية ومحاولاتها جر المنطقة إلى حرب دينية وبين تيار الصهيونية الدينية الذى يسيطر على وزارات مهمة، على رأسها وزارتا الأمن القومى التى تسيطر على جهاز الشرطة بقيادة الوزير إيتمار بن غفير والمالية التى يقودها بتسلئيل سموتريتش أحد أهم أركان الجهات الداعية لإجراء هذا الطقس كونه ملتزمًا بقرار الحاخامية بتحريم اقتحام الأقصى فى الوقت الحالى.

وهذه الجماعات ترى أن مصلحتها إعلان انتصارها فى هذه الحرب انطلاقا من الأقصى، وإسرائيل بحكومتها اليمينية الحالية تسير بشكل كامل وراءها، وبالتالى فإن الموضوع لن يتعلق بسماح سُلطات الاحتلال بتنفيذ هذا الطقس أو بمنعه؛ بل برد فعل الشعب الفلسطينى والعالمين العربى والإسلامى تجاهه. وردود الفعل هى الشىء الوحيد الكفيل بترجيح كفة أحد الطرفين فى إسرائيل، سواء التيار الذى تمثله أجهزة الاستخبارات التى تخاف الاقتراب من الأقصى سعيًا منها لعدم نقل المعركة إلى مساحات أوسع بكثير، أو التيار الذى تمثله الشرطة الذى يريد توسيع المعركة وتحويلها إلى منحى دينى سعيًا لتنفيذ الرؤية الخلاصية.

ومن الشواهد التى تؤكد نية هذه الجماعات تنفيذ هذه العملية يوم عيد الفطر القادم أن ما يسمى معهد المعبد نشر إعلانًا فى فبراير الماضى يبحث فيه عن كهنة متطوعين لتدريبهم على طقوس عملية ذبح وإحراق البقرة الحمراء وإجراء عملية التطهير المقصودة، واضعًا عددًا من الشروط، منها أن يكون الكاهن المتطوع مولودًا فى منزل أو فى مستشفى فى القدس بحيث يتم التأكد من عدم تعرضه لما يسمى نجاسة الموتى فى المستشفيات، ويربط عدد لا بأس به من الحاخامات بين ظهور البقرة الحمراء العاشرة من ناحية، وظهور المسيح المخلص وبناء المعبد للمرة الثالثة من ناحية أخرى. وهذه العملية يعول عليها تيار الصهيونية الدينية كثيرًا ليتمكن من استقطاب عدد هائل من المتدينين اليهود الذين لا يقتحمون المسجد الأقصى عملا بفتوى الحاخامية الكبرى لدولة الاحتلال، بسبب عدم الطهارة، ومنهم المتطرف بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلى، وهو ما يوحى باستعجال هذه الجماعات لاستغلال ظروف الحرب الحالية والذهاب إلى أبعد حد فيها، وبتأييد كامل من التيار المتشدد فى حكومة نتنياهو؛ حيث تم تجهيز منطقة فوق جبل الزيتون يفترض بها أن تكون هى مسرح هذه العملية، وهذه المنطقة تشرف على قبة الصخرة المشرفة من جهة الشرق وفقا للرؤية التلمودية لهذا الحدث، وبالتالى فإنها ستكون إمّا فى ساحة قبة كنيسة النواح أو فى حديقة مجاورة لها.

كما قام ما يسمى بمعهد الهيكل مؤتمرًا حول مناقشة التحضيرات الدينية لإقامة طقوس ذبح البقرة الحمراء التى تهدف للتطهر من نجاسة الموتى لتتجاوز من خلاله المنع المفروض من الحاخامية الكبرى على اقتحام المسجد الأقصى المبارك بسبب عدم توفر شرط الطهارة، والمؤتمر أقيم فى مستوطنة شيلو شمال رام الله التى توجد فيها البقرات الخمس التى تم استيلادها بالهندسة الجينية فى ولاية تكساس الأمريكية وإحضارها إلى فلسطين المحتلة فى شهر أكتوبر 2022، وتخضع لرعاية خاصة هناك ومراقبة على مدار الساعة، وتحدّث فى المؤتمر عدد من الحاخامات الذين يدعون لإجراء الطقوس بعد أن أتمت البقرات الخمس السن الشرعية الأدنى التى تسمح بإجراء عملية التطهير وهى سنتان وشهران؛ حيث يشترط أن لا تقل سن البقرات عن هذا القدر ويمكن أن تكون أكبر سنًا. وتعول جماعات الهيكل المتطرفة على أن إقامة طقس التطهر بالبقرة الحمراء يمكن أن تفتح المجال لمئات آلاف اليهود المتدينين لاقتحام المسجد الأقصى، والذين يمتنعون عن ذلك اليوم التزامًا بالمنع الحاخامى الرسمى.