الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تتار المسلمين فــك شفـــــرة الحشاشين "4"

ظهر «الحشاشين» فى توقيت بالغ الصعوبة فى الشرق الأوسط، حيث كانت الدولة العباسية والدولة الفاطمية والدولة الخوارزمية ودولة السلاجقة تعيش مرحلة الأفول، وهى معالم الضعف التى أغرت أوروبا الصليبية ولاحقًا التتار بالزحف على ما سمى وقتذاك بالعالم الإسلامى.



أغلب كتب التاريخ تنقل لنا فى هذه المرحلة صعود الأيوبيين ثم المماليك، ومن النادر المرور على مرحلة ثرية بالتفاصيل وعلامات الاستفهام، مرحلة دولة الحشاشين فى إيران ودولة الحشاشين الثانية فى الشام.

 

ظهر «الحشاشين» فى توقيت بالغ الصعوبة فى الشرق الأوسط، حيث كانت الدولة العباسية والدولة الفاطمية والدولة الخوارزمية ودولة السلاجقة تعيش مرحلة الأفول، وهى معالم الضعف التى أغرت أوروبا الصليبية ولاحقًا التتار بالزحف على ما سمى وقتذاك بالعالم الإسلامى.

أغلب كتب التاريخ تنقل لنا فى هذه المرحلة صعود الأيوبيين ثم المماليك، ومن النادر المرور على مرحلة ثرية بالتفاصيل وعلامات الاستفهام، مرحلة دولة الحشاشين فى إيران ودولة الحشاشين الثانية فى الشام.

 

عكس الدعايا الشيعية والنزارية، لم يغر بدر الدين الجمالى وزير الدولة الفاطمية من قدرات حسن الصباح، ولكنه عرف أن هذا الرجل سوف يشكل خطرًا على المذهب الإسماعيلى وعلى الدولة الفاطمية مهما خدم أغراضها، وبالفعل فإن حسن الصباح لاحقًا انقلب على الدولة الفاطمية وشكل الطائفة النزارية بعيدًا عمن يحكم القاهرة الفاطمية.

ولد بدر الدين الجمالى عام 1015 وتوفى عام 1094، سياسى وعسكرى فاطمى من الأرمن، كان قائد الجيوش الفاطمية فى الشام، وعلى ضوء ضعف الدولة الفاطمية وانتشار المجاعة أو ما يُعرف فى التاريخ بالشدة المستنصرية ما بين عامى 1065 و1071، قام الخليفة الفاطمى الإمام «المستنصر بالله الفاطمى» باستدعائه من الشام وأسند إليه منصب وزير الدولة أو ما يوازى رئيس الوزراء فى عصرنا الحديث وذلك عام 1073.

قام الوزير الجمالى بإعادة بسط نفوذ الدولة الفاطمية على المدن المصرية، وقضى على دعاة الاضطرابات والفتن، وبنى سور القاهرة وأعاد بناء وتأسيس العاصمة مرة أخرى، ما جعلها عاصمة منيعة أمام غارات السلاجقة والعباسيين المحتملة على مصر، كما قام بقيادة الجيش وصد غارات البربر على الدلتا المصرية، وتعتبر أبواب القاهرة مثل باب زويلة وباب النصر وباب الفتوح من بقايا سور القاهرة الذى شيد فى عصر بدر الدين الجمالى، كذلك بنى «المشهد الجيوشى» على قمة جبل المقطم ليكون قلعة فى ثوب جامع قادرة على كشف محيط القاهرة عسكريًا أمام الجيوش المصرية.

كما قام فى الوقت نفسه بتنظيم شئون الدولة وإنعاش اقتصادها، فشجع الفلاحين على الزراعة ورفع جميع الأعباء المالية عنهم، وأصلح لهم الترع والجسور، وأدى انتظام النظام الزراعى إلى كثرة الحبوب وتراجع الأسعار، وكان لاستتباب الأمن دور فى تنشيط حركة التجارة فى مصر، وتوافد التجار عليها من كل مكان.

ومع ذلك خسر بدر الدين الجمالى القدس التى كانت تحت حكم مصر لصالح السلاجقة عام 1078، وقد توفى قبل وفاة الخليفة المستنصر، فلم يكن هو الذى مكن «أحمد المستعلى بالله» من العرش على حساب «نزار المصطفى لدين الله»، ولكن عقب وفاة بدر الدين الجمالى خلفه ابنه «الأَفضَل أَبُو القَاسِم شَاهِنشَاه بْنُ بَدرِ الدِّينِ الجَمالى» فى منصب وزير الدولة عام 1094، الوزير الأفضل شاهنشاه شغل منصب وزير الدولة فى عصر ثلاثة من الحُكّام الفاطميين هم المستنصر بالله، والمستعلى بالله، والآمر بأحكام الله.

وحينما توفى المستنصر بالله، أشرف الأفضل شاهنشاه على نقل العرش إلى المستعلى بدلًا من نزار، وعلى عكس الرواية التى نشرها حسن الصباح فى كل مكان فإن هنالك روايات عدة عبر التاريخ منها أن المستنصر بالله هو من أوصى بدر الدين الجمالى وابنه بذلك، وقد شهد امراء من البيت الفاطمى بذلك أيضًا، ولكن فى كل الأحوال كان بدر الدين الجمالى ثم ابنه الأفضل شاهنشاه هم الحكام الفعليون للدولة الفاطمية حتى وفاة الأفضل شاهنشاه قتيلًا عام 1121.

وقد وقع الأفضل شاهنشاه فى خطأ تاريخى يرتقى إلى مرتبة الخيانة، فقد تحالف مع الصليبيين ضد السلاجقة، وكان الغرض هو استرداد فلسطين بالكامل من يد السلاجقة، ولكن الصليبيين دخلوا فلسطين والشام وجنوب الأناضول وحينما حاول الأفضل شاهنشاه تصحيح خطئه كان الوقت قد فات وساهم بخيانته فى ضياع القدس وباقى مدن فلسطين والشام وجنوب الأناضول لصالح أوروبا الصليبية.

أشيع أن الحشاشين هم من قاموا باغتياله ولم يكن ذلك صحيحًا، فكل تلك الروايات مصدرها مؤرخون وكتّاب لم يعاصروا تلك السنوات، مجرد مرويات شعبية ودعايا شيعية ونزارية، فى حين أن جميع كتابات المؤرخين الذين عاصروا تلك الأحداث قد نصت أن الخليفة «الآمر بأحكام الله» الفاطمى ضجر من نفوذ وزيره وحساباته السياسية التى ترتقى إلى مستوى الخيانة ودبر اغتياله.

أشهر وأدق من قدم تلك الرواية بشكل تفصيلى هو المؤرخ الدمشقى الذى عاصر تلك الأحداث، ابن القَلانسى (1071 – 1160).. هو «حمزة بن أسد بن علىّ بن محمد التميمى»، وأن مهندس الاغتيال هو المأمون البطائحى الذى خلف الأفضل شاهنشاه فى منصب وزير الدولة الفاطمية.

الوزير المأمون البطائحى من أصول عراقية، من مدينة البطائح ما بين البصرة والكوفة، والده كان من جواسيس مصر الفاطمية فى العراق، الخليفة الفاطمى ضجر منه أيضًا فى وقت لاحق عام 1125 وأمر بإعدامه!

 عودة حسن الصباح إلى أصفهان

منذ وصول حسن الصباح إلى بلاد فارس بدأ يتحرك بشكل احترافى للغاية، وهو أمر لم يلتفت إليه المؤرخون، ما يجعلنا نتساءل عن طبيعة التدريبات والمهمة التى قام بها حسن الصباح فى القاهرة لمدة ثلاث سنوات قبل الخلاف مع الجمالى.

سواء كان حسن الصباح عميلًا فاطميًا، أو استخدم التعاليم التى حصدها فى القاهرة لصالح طموحه الشخصى، ففى الحالتين حسن الصباح نفذ مشروعًا مصريًا فاطميًا خالصًا، فلم يستفد من هذا المشروع سوى الفاطميين وذلك حينما اندلعت الحرب بين السلاجقة والإسماعيليين.

وصل إلى أصفهان عام 1081، أصبحت حياة حسن الصباح مكرسة بالكامل للمهمة، حيث بدأ فى الدعوة والتبشير، كانت دعوة حسن الصباح تستهدف بالأساس الموتورين بسبب الأحوال السياسية والمعيشية، الفقراء والمهمشين وأبناء الريف والجبال الذين يتصارعون من أجل قوت يومهم، ففى ظل هذا الانهيار السياسى كان من السهل على الرجل الذى تلقى التعاليم الباطنية فى القاهرة الفاطمية أن يجذب الناس ويبدأ فى تكفير الجميع ما عدا أتباعه، وأطلق على هؤلاء الأتباع اسم «المؤمنين»، ثم بدأ يدربهم عسكريًا وهو الرجل الذى لم يتلق يومًا تعاليم مدنية أو عسكرية ولكنه تلقى كل ذلك فى القاهرة.

كان المطلوب هو فرقة من القناصين والانتحاريين، أصحاب الولاء المطلق للسيد الجديد «مولانا حسن الصباح»، قادرين على القنص والاغتيال فى أصعب الظروف، ولديهم ولاء مطلق لتنفيذ المهمة إلى درجة الانتحار فور أدائها تجنبًا للاعتقال، لديهم الاستعداد للانتحار والقفز من القلاع والجبال بإشارة واحدة من «مولانا حسن الصباح».

كانت بيئة بلاد فارس أكثر جاذبية لكل هذه الأفكار عن مصر نفسها، وعن باقى بلاد دولة السلاجقة أو بلاد الدولة العباسية وديار الدولة الخوارزمية، كأن تلك الأفكار صالحة للفرس مقارنة بجميع الثقافات الأخرى، ربما لأن الفرس نظروا إلى السلاجقة باعتبارهم «أتراك» والعباسيين باعتبارهم «عرب» وانتعش بداخلهم شعور ورغبة فى التخلص من سطوة العرب والترك لصالح حكم فارسى بعيد عن مذاهب السلاجقة والعباسيين.

وفى شمال فارس وتحديدًا جبال البرز التى تلامس الشاطئ الجنوبى لبحر قزوين، رصد قلعة عسكرية عام 1088 فى منطقة رودبار، فرسم الصباح مخططًا للسيطرة على القلعة واستطاع الظفر بها مع أتباعه عام 1090، هذه المنطقة تابعة لإقليم/هضبة الديلم كما أطلق عليه العرب أو ديلمستان كما أطلق عليه الفرس، تقع اليوم بمحافظة جيلان بالجمهورية الإيرانية، هى ذاتها القلعة التى ارتبط اسمها باسم حسن الصباح وطائفته عبر التاريخ، قلعة ألموت.

وما يزيد رحلة الباحث التاريخى تعقيدًا حيال سيرة الحشاشين وحسن الصباح، أن كتب التاريخ لا تجزم بمن بنى هذه القلعة للمرة الأولى ومتى جرى ذلك، وأتى هولاكو وأحرق مع جيشه القلعة فلم يعد ممكنًا إخضاعها للعلوم الحديثة لمعرفها عمرها الحقيقى أو أسرارها، فأصبحت فصلًا مجهولًا فى كتب التاريخ مثل أغلب ما هو متعلق بحسن الصباح.

عقب سيطرته على قلعة ألموت، قاد حسن الصباح التمرد الإسماعيلى فى بلاد فارس ضد حكم السلاجقة، والبداية كانت عبر كوهستان، وهى منطقة جبلية قاحلة تقع على الحدود بين إيران وأفغانستان الحاليتين، وقام بنشر الدعاية عن قدراته وشخصه، فقيل دون دليل أنه لم يغادر القلعة طيلة 35 عامًا باستثناء مرتين صعد خلالهما إلى السطح، هذه العزلة المبلغ عنها هى مشكوك فيها للغاية، نظرًا لتجنيده المكثف ومشاركته التنظيمية فى التمرد الإسماعيلى المتنامى فى بلاد فارس وسوريا.

أعلن حسن الصباح أن اللغة الفارسية هى لغة الأدب المقدس للنزاريين، وهو القرار الذى أدى إلى نسخ جميع الأدب الإسماعيلى النزارى من بلاد فارس وسوريا وأفغانستان وآسيا الوسطى باللغة الفارسية حتى اليوم.

مجد حسن الصباح العسكرى والحربى جرى عام 1092، حينما أرسل سلطان السلاجقة ملك شاه جيشه فى حملة موسعة على ديلمستان حيث قلعة ألموت وكوهستان على الحدود الإيرانية الأفغانية الحالية، وذلك من أجل إبادة الطائفة النزارية وتحرير فارس ودولة السلاجقة من هذه الفتنة، ولكن النزاريين صمدوا أمام جيوش السلاجقة وفى العام نفسه توفى سلطان السلاجقة ملك شاه وجرى صراع على العرش ما جعل جيش السلاجقة يفك الحصار ويترك ديلمستان وكوهستان من أجل حسم الصراع على العرش.

  انشقاق حسن الصباح عن الدولة الفاطمية

بعد موت المستنصر بالله عام 1094، قام الوزير الأفضل شاهنشاه بالدعوة لإمامه المستعلى الابن الأصغر للمستنصر، لأنه ابن أخت الوزير، وقام بإزاحة الابن الأكبر «نزار»، فانشق حسن الصباح عن الفاطميين، وادعى أنه نائب الإمام الغائب وأعلن قيام الطائفة الشيعية الإسماعيلية النزارية، منذ فجر ذلك التاريخ أصبح حسن الصباح بين أتباعه يُلقب بـ «سيدنا» وفى كتابات الغربيين «شيخ الجبل».

توفى حسن الصباح فى قلعة ألموت عام 1124، بعد أن أسس دولة الإسماعيليين فى بلاد فارس، لا يُعرف له نسل وقيل أنه تزوج وله ولدان وبنتان ولكن قُتل نسله فى حياته ولكن كل تلك القصص مجرد مرويات شعبية لا أدلة لها.

حينما استقل حسن الصباح عن الدولة الفاطمية، استمر فى لعب الدور الوظيفى لمن يدفع أكثر، وأصبحت دولة الإسماعيليين دولة وظيفية.

وعلى مدار عمر طائفة الحشاشين والدول الإسماعيلية فى فارس والشام، تسابقت دول المشرق للظفر بخدمات القتلة الحشاشين الإسماعيليين، فقد استخدمهم العباسيون ضد السلاجقة والعكس صحيح، وتحالف الإسماعيليون مع الصليبيين ضد الأيوبيين والعكس صحيح، كما راسل الإسماعيليون إمبراطورية التتار حينما بزغ نجمها وحرضوا التتار ضد الخوارزميين.

ترك حسن الصباح كنزًا مهمًا للغاية للشرق الأوسط، دولة وظيفية معبأة بعقيدة دينية قتالية، وعلى رأسها رجال مستعدين للعمل مع من يدفع أكثر، مع بعض الطموح فى التوسع.

هكذا بدأ تنظيم الحشاشين باعتباره تنظيمًا فاطميًا يعمل ضد السلاجقة فى بلاد فارس، وكان حسن الصباح عميلًا فاطميًا إلى أن انشق عن الدولة الفاطمية، واستعان بخدمات الحشاشين فى سوريا وفارس كلًا من السلاجقة والفاطميين والعباسيين والأيوبيين والصليبيين على حد سواء، إلى أن انتهى دورهم الوظيفى ومثل أى تنظيم.. أشخاص.. دولة وظيفة عقب انتهاء دورهم يتم سحقهم فى هزائم متتالية ويختفون من كتب التاريخ.

امتلك حسن الصباح القدرة على الدعاية الجيدة، وكان جزءًا مهمًا من سياساته هو «صناعة الخوف» باعتباره حربًا نفسية فى المقام الأول، استخدم حسن الصباح الدعاية السياسية والحرب النفسية وصناعة الخوف من قبل أن يظهر جنكيز خان فى بلاد التتار ويستخدم الأسلوب نفسه ويصنع مجد قبائل التتار حتى اليوم.

ترك حسن الصباح بعد مماته أمهر فرقة اغتيالات وقناصة فى عصره، جاهزة باسم الدين للقتل والتصفية لصالح من يدفع لهم ويستميل شيخ الجبل سواء كان ذلك الجبل فى إيران أو سوريا.

وقد ضمت قائمة اغتيالات الحشاشين ما يلى:

1 – نظام الدين أبو على الحسن بن الطوسى وزير الدولة السلجوقية.

2 – الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور الراشد بالله.

3 – الخليفة العباسى أبُو مَنْصُور الفَضْل المُسْتَرشِد بالله.

4 – كونراد الأول ملك أورشليم.

ولكن، ما السبب فى تسمية الطائفة بالحشاشين؟ وماذا جرى لهم بعد وفاة حسن الصباح؟