الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هجمة غربية على روسيا.. ارتدت فى وجه بروكسل العقوبات سلاح ذو حدين

مع قيام العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» فى فبراير 2022 اعتقد الغرب بقيادة «الولايات المتحدة» أن الفرصة جاءتهم على طبق من فضة، لاحتواء الصعود الروسى على الساحة الدولية، عبر إنهاك اقتصادها بوابل من العقوبات بذريعة إيقاف تقدمها داخل الأراضى الأوكرانية.



 

وبالفعل، نفذت الدول الغربية منذ اندلاع الأزمة مجموعة واسعة من العقوبات التى ركزت على عزل «روسيا» عن النظام المالى العالمى، وتقليل ربحية قطاع الطاقة لديها، وإضعاف تفوقها العسكرى، وظل نهج العقوبات المتتالية سياسة غربية تجاه «موسكو» طوال العامين الماضيين.

وقبيل الذكرى السنوية الثانية للعملية فى 2 فبراير الماضى، أعلنت «واشنطن» وحدها أكثر من 500 عقوبة جديدة، تستهدف القطاع المالى فى «موسكو»، وعائدات النفط والغاز، والمجمع الصناعى العسكرى، لتضاف هذه العقوبات إلى مجموعة من العقوبات الأخرى التى فرضتها «الولايات المتحدة» على «روسيا» بعد أن ضمت منطقة فى عام 2014.

ومع ذلك، يبدو أن نتائج العقوبات أتت بما لا تشتهى رغبات الغرب، إذ أثبتت «روسيا» أنها دولة لا تقهر بسهولة.

عقوبات أمريكية لا نهائية

بدأت «الولايات المتحدة» وابل العقوبات لعام 2022 بتجميد 5 مليارات دولار من أصول البنك المركزى الروسى فى «الولايات المتحدة»، وهى خطوة غير مسبوقة، من أجل منع «موسكو» من استخدام احتياطياتها الأجنبية لدعم الروبل الروسى.

كما منعت أكبر بنك روسى والعديد من البنوك الأخرى من الانضمام إلى جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT).

وفى الوقت نفسه، منعت وزارة الخزانة الأمريكية المستثمرين الأمريكيين من تداول الأوراق المالية الروسية، بما فى ذلك الديون.

وفى المجمل، تقييد العقوبات التعاملات مع 80 % من أصول القطاع المصرفى الروسى.

كما سعت «واشنطن»ـ أيضا- إلى الاستيلاء على الأصول لدى الأفراد الروس الخاضعين للعقوبات، بما فى ذلك الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين».

أما فى مجال الطاقة، فركزت «الولايات المتحدة» على الحد من قدرة «روسيا» على الاستفادة من البيع العالمى للوقود الأحفورى.

وفى العام الذى سبق العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، سجلت «موسكو» أكثر من 240 مليار دولار من صادرات الطاقة، نصفها تقريبًا جاء من النفط.

وفى مارس 2022، حظرت «واشنطن» استيراد النفط الخام الروسى، والغاز الطبيعى، المسال والفحم، وقيدت الاستثمارات الأمريكية فى معظم شركات الطاقة الروسية.

وفى ديسمبر بنفس العام، نفذت «الولايات المتحدة» وحلفاؤها فى مجموعة السبع (G7) قواعد تهدف إلى تحديد سقف للسعر الذى تدفعه الدول المستوردة الأخرى، مثل: «الصين، والهند»، مقابل النفط الخام الروسى.

كما فرضت وزارة التجارة الأمريكية قيودًا تحد من صادرات منتجات التكنولوجيا الفائقة، مثل: معدات الطائرات، وأشباه الموصلات إلى «روسيا»، بهدف تقليص قدراتها العسكرية؛ إلا أن «الولايات المتحدة» حتى الآن، امتنعت عن فرض عقوبات على قطاع الطاقة النووية الروسى، وهى مستمرة فى استيراد اليورانيوم الروسى، حيث زودت «موسكو»، «واشنطن» بـ12 % من وارداتها من اليورانيوم فى عام 2022.

 «الاتحاد الأوروبى» على خط العقوبات

نفذت «الولايات المتحدة» هذه العقوبات بالتنسيق مع «الاتحاد الأوروبى»، الأخير الذى فرض منذ اليوم الأول للعملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» عقوبات على «موسكو»، استهدفت القطاع المالى، وقطاعات الطاقة، والنقل، السلع ذات الاستخدام المزدوج، ومراقبة الصادرات، وتمويل الصادرات، وعقوبات إضافية ضد الأفراد الروس، وغير ذلك.

وقبيل الذكرى الثانية لندلاع الأزمة فى 23 فبراير الماضى، تبنى «الاتحاد الأوروبى» الحزمة الـ13 من العقوبات ضد «روسيا»، وجدد بعدها فى 12 مارس الجارى العقوبات الفردية المفروضة على «روسيا»، بسبب تواصل العملية العسكرية فى «أوكرانيا»؛ كما قرر المجلس تمديد الإجراءات التقييدية التى تستهدف المسئولين عن تقويض، أو تهديد سلامة أراضى «أوكرانيا» لمدة 6 أشهر أخرى، حتى 15 سبتمبر 2024.

وفى خضم هذا الزخم من العقوبات الأوروبية المتتالية، إلا أن العقوبات التى فرضها «الاتحاد الأوروبى» على الطاقة الروسية، كانت ضمن أكثر القضايا المثيرة للجدل بين دول الاتحاد نفسه؛ وذلك لأن «أوروبا» كانت أكبر سوق لصادرات الطاقة الروسية، كما كانت «موسكو» توفر ما يقرب من 40 % من الغاز الطبيعى الذى يستهلكه «الاتحاد الأوروبى»، ونحو ثلث النفط الخام للكتلة.

 هل نجحت العقوبات ضد «روسيا»؟

ألحقت العقوبات بعض الألم بالاقتصاد الروسى، مع انخفاض عائدات النفط والغاز فى الأشهر التى تلت تطبيق سقف الأسعار، وتعرض أصول البنك المركزى الروسى لخطر المصادرة.. لكن، فى حقيقة الأمر، تلك العقوبات لم تتسبب فى انهيار اقتصادى واسع النطاق، أو توقف العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا».. بل على العكس، إذ قدر صندوق النقد الدولى أن الناتج المحلى الإجمالى لروسيا زاد بنسبة 2.2 % فى عام 2023، بفضل الإنفاق الحربى الضخم، وهو معدل نمو أعلى من «الولايات المتحدة»، والعديد من الاقتصادات الغربية الأخرى.

وأوضحت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولى «جولى كوزاك» فى فبراير الماضى، أن «روسيا» فاجأت الجميع بقوة النمو الاقتصادى رغم العقوبات والقيود المفروضة. 

وفى تقرير آخر صدر شهر يناير الماضى، رفع صندوق النقد الدولى بشكل كبير توقعاته لنمو الاقتصاد الروسى لعام 2024 إلى 2.6 %. وفى نهاية الشهر ذاته، قال مدير إدارة الأبحاث فى صندوق النقد الدولى «بيير أوليفييه جورينشا»، إن الاقتصاد الروسى يظهر معدلات نمو أفضل من المتوقع.

«روسيا» تنجح فى مواجهة العقوبات

أشار صندوق النقد الدولى إلى أن الاقتصاد الروسى أكثر مرونة مما توقعه الكثيرون، وأنه قادر على التكيف مع العقوبات من خلال تنويع شركائه التجاريين، وتطوير سبل جديدة للتصدير.. ويعود ذلك نسبيًا لاتباع «موسكو» عدة سياسات تواجه به العقوبات، ومنها: ما أوضحه محللون سياسيون أن «روسيا» هدف صعب بشكل خاص، نظرًا لصادراتها من العديد من السلع الأساسية، بما فى ذلك: النفط، والغاز، والأسمدة، والقمح، والمعادن الثمينة..

كما أنها تكيفت بفعالية مع أنظمة العقوبات الجديدة، وسرعان ما وجدت «روسيا» طرقًا للتصرف مع سقف الأسعار الذى حددته (مجموعة السبع)، بما فى ذلك تحويل ناقلات النفط الصادرات إلى «الصين»، و«الهند».

كما تكيفت «موسكو» لتدير معظم تجارتها الثنائية بالروبل، ورفعت أسعار الفائدة، من أجل تحقيق الاستقرار فى عملتها إلى مستواها قبل اندلاع الأزمة تقريبًا.

ولم تتوقف التحركات الروسية عند هذا الحد، بل ورفعت «روسيا» من حجم التجارة مع «الصين» بشكل ملحوظ كبديل عن الدول التى فرضت عقوبات على «موسكو».. ففى عام 2023، استوردت «بكين» كميات قياسية من الطاقة الروسية، ويتم الآن 90% من التجارة بين البلدين بالروبل واليوان الصينى.

وتدخلت «بكين» ـ أيضا - من أجل تزويد «موسكو» بأشباه الموصلات وغيرها من التقنيات التى يمكن أن يكون لها استخدامات عسكرية.. وعليه، كان لتنويع الشركاء التجاريين بالنسبة لروسيا فتح سبل تجارية كبيرة مع «الصين، والهند»، بل وحتى مع «البرازيل»؛ وحافظت هذه الدول - خاصة الأوليين منها - على علاقات اقتصادية وثيقة مع «روسيا»، حيث من المحتمل أنها ترى فرصة للاستفادة من الأزمة الروسية الأوكرانية من خلال الاستفادة من السلع والخدمات الروسية بأسعار مخفضة.

إلى جانب العوامل السابقة، يتمتع الاقتصاد الروسى بسيولة عالية، حيث يضخ البنك المركزى الروسى الأموال فى الاقتصاد، كما أن النظام المصرفى يتمتع بوضع جيد، بعد أن استحوذ على أسهم الشركات الغربية التى تغادر «روسيا» وتستثمر فى أصول الدولة المدعومة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كان من العوامل الأخرى التى ساعدت الاقتصاد الروسى على الصمود، هو ارتباطها جميعًا بالمجهود الحربى، إذ تظهر ميزانية «روسيا» لعام 2024، خططها لحرب طويلة، فى ظل عمل الصناعات الحربية بكامل طاقتها حيث وصل الإنفاق العسكرى إلى 86 مليار دولار أو 6 ٪ من الناتج القومى الإجمالى ما يمثل ثلاثة أضعاف المستوى الأوروبى الذى يبلغ نحو 2٪، وتقريبًا ضعف نظيره فى «الولايات المتحدة» الذى يبلغ 3.7 ٪ فى الوقت الحالى، وهو ما ساهم فى دفع عجلة الاقتصاد الروسى.

 هجمة مرتدة على الغرب

اعتقد الغرب أن فرض العقوبات على «روسيا» قد يؤدى لرضوخها التام وتنفيذ أوامرهم، إلا أن لتلك العقوبات وجهين، حيث أثرت بدورها على الدول الغربية أيضًا.

إذ واجهت الدول الأوروبيةـ طوال العامين الماضيين- أعلى نسب تضخم، وارتفاع للأسعار سواء السلع الغذاية، أو الطاقة، ووصلت تداعيات الأزمة إلى إطفاء الأنوار عن المعالم التاريخية لعدد من البلدان الأوروبية وتخفيض الاستهلاك الطاقوى، من أجل ترشيد صرف الطاقة، وغير ذلك من تدابير أدت لقيام عدد من الاحتجاجات المتواصلة والمتتالية داخل الدول الأوروبية، اعتراضًا على تدنى مستوى المعيشة.

أما فى «الولايات المتحدة»، فعانى الأمريكيون من ارتفاعات غير مسبوقة فى كُلفة الوقود والطعام، ما دفع الإدارة الأمريكية للإفراج عن كميات قياسية من الاحتياطى البترولى الاستراتيجى، قدرها مليون برميل يوميا لمدة 6 أشهر.

من جانبه، قال المحلل السياسى البريطانى «سيمون جنكينز»، إن العقوبات الغربية المفروضة على «روسيا» ارتدت فى صدر الدول الأوروبية؛ مؤكدًا أن تلك العقوبات أدت لارتفاع غير مسبوق فى أسعار الطاقة، إلى جانب زيادة معدلات التضخم بشكل كبير، ما رفع من حدة الفوضى وعدم الاستقرار السياسى والاجتماعى، بعد أن انطلقت الشرارة الأولى من الاستياء الشعبى، بسبب غلاء المعيشة فى العديد من الدول الغربية، مثل: «بريطانيا»، و«فرنسا»، و«إيطاليا»، و«الولايات المتحدة»، وغيرها.

فى النهاية، يبدو من مرونة الاقتصاد الروسى، وتحركات «موسكو» الاستباقية، أن العقوبات لم تؤت ثمارها المنشودة بالنسبة للغرب، بل على العكس كانت سلاحا ذا حدين، حيث كان له وقع أليم على الاقتصادات الغربية أيضًا.