الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عام على الحرب فى السودان توتر وخوف وانعدام للأمن الحرب تحول حياة السكان لجحيم "3"

منذ بداية الحرب فى السودان وحتى اليوم، تستمر المعارك والاشتباكات العنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع فى مختلف مدن البلاد، مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا وتشريد الملايين من السكان.



وتعتبر هذه الحرب فى السودان أحد أكثر الصراعات تدميراً واستمرارية، لما لها من آثار سلبية عميقة على الأفراد والمجتمعات فى المنطقة، حيث شهدت الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فى دارفور تغيرات جذرية، وتأثّرت الأسر والأفراد بشكل كبير، حيث فقدوا ذويهم، وتضررت الفرص التعليمية، واختفت الفرص الاقتصادية، كما أصبحت الحياة اليومية مليئة بالخوف والتوتر وانعدام الأمن.

 

وتشهد البلاد نقصًا حادًا فى الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والغذاء، والانقطاع المستمر لهذه الخدمات يزيد من معاناتهم ويؤثر سلباً على جودة حياتهم اليومية، إضافة إلى ذلك، يتسبب القتال المستمر فى نزوح العديد من العائلات وتدمير البنية التحتية، مما يؤدى إلى زيادة أعباء النازحين وتفاقم المشاكل الاقتصادية بشكل كبير.

كما انتشرت الأوبئة والأمراض الخطيرة، حيث ظهرت حالات يشتبه بإصابتها بالكوليرا فى بعض المناطق، مما يهدد حياة الآلاف الذين يفتقرون إلى العلاج، ويعيشون تحت ظلال الأشجار أو فى خيام مهترئة.

وتزدحم بعض المدارس والمؤسسات الحكومية بأكثر من 300 عائلة فى بعض الأحيان، ويخشى السكان من وقوع هجوم فى أى لحظة، حيث تحدث الاشتباكات العنيفة أمام أعين الأطفال، مما يؤثر سلباً على نفسيتهم وهم يشاهدون تدفق الدم فى محيطهم.

الاقتصاد السودانى

وأصبح الوضع الراهن فى السودان أكثر تعقيدًا، فى ظل اشتداد المعارك الدائرة بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023، وباتت الحرب السودانية عبئًا هائلًا على الاقتصاد السودانى الهش بالأساس، بحسب دراسة نشرها المركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية، وقد يطول أمد الحرب فى ظل فشل الأطراف الإقليمية والدولية فى وقف القتال وإنهاء الأزمة.

الدراسة تشير إلى مأساة يشهدها الاقتصاد السودانى، حيث قدر الخبراء الاقتصاديون التكاليف الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة فى الاقتصاد السودانى بأكثر من 100 مليار دولار، إذ توقف %70 من النشاط الاقتصادى فى السودان. وتُقدر تكلفة المعارك فى السودان بنحو نصف مليار دولار يوميًا.

فضلا عن انخفاض معدل النمو الاقتصادى إلى %-18.3 وفقًا لتوقعات البنك الدولى لعام 2023. كما بلغت خسارة الناتج المحلى الإجمالى السودانى بنسبة ٪151.1، ومن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلى الإجمالى إلى 43.91 مليار دولار فى عام 2023. ووفقًا لـ«فيتش سوليوشنز».

وتسبب النزاع فى انهيار الجنيه السودانى أمام الدولار وخسر الجنيه السودانى أكثر من %50 من قيمته منذ أبريل الماضى، حيث يتم تداول الدولار بأكثر من 1000 جنيه سودانى بعد الحرب، بالمُقارنة بـ600 جنيه قبل الحرب.

كما رفعت الحرب معدل البطالة فى السودان من %32.14 فى عام 2022 إلى %47.2 عام 2024، وفقًا لإحصاءات صندوق النقد الدولى. وبحسب دراسة لمعهد سياسات الأغذية الأمريكى، توقعت خسارة 5 ملايين وظيفة فى السودان بسبب الحرب.

معدلات التضخم أيضا بحسب بيانات صندوق النقد الدولى ارتفع التضخم فى السودان إلى %256.17، وهو ما يعنى ارتفاعها بنسبة %117.4، وإلى الآن لم تتمكن الحكومة من الإعلان عن مستوى التضخم، مع توقعات بأن يسجل ارتفاعًا كبيرًا فى ظل الزيادة الكبيرة فى الأسعار.

وتراجعت حركة الصادرات بنحو %60 بفعل إغلاق المطار الرئيسى بالبلاد، وتوقف العمل بمعظم الموانئ الجافة، بالإضافة إلى اضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن الحرب مما أدى إلى تراجع عائدات الصادرات من العملات الصعبة، وتراجع إنتاج السودان من الذهب من 18 طنًا إلى طنين فقط خلال أشهر الحرب، وأفقد الخزينة السودانية عائدات صادرات الذهب التى تعادل 50 % من الصادرات بقيمة مليارى دولار.

وأدى النزاع فى السودان لشلل القطاع الزراعى، حيث انخفضت المساحة المزروعة فى البلاد بنسبة %60 عن السنوات السابقة بسبب تقليص المساحات وعجز المزارعين عن ممارسة النشاط.

سرقة ونهب

بالإضافة إلى ذلك، انهار القطاع المصرفى فى السودان، حيث تعرض 100 فرع من أفرع البنوك السودانية إلى النهب والسرقة والتدمير نتيجة الحرب فى السودان، وبلغت نسبة الأموال المنهوبة أكثر من %38 فى مصارف الخرطوم وحدها. ولم يسلم البنك المركزى السودانى من هذه العمليات التخريبية، وهو ما جعله يُعانى من نقص شديد فى السيولة، فكثير من البنوك بدأت تُعانى من مشكلة إدارة ديونها، بعدما تعرضت الشركات الكبرى التى اقترضت منها مبالغ كبيرة للتدمير والنهب، وهو ما جعل البنوك السودانية تواجه مشكلة فى تحصيل هذه الديون، الأمر الذى يتسبب فى وقوف القطاع المصرفى السودانى على حافة الانهيار.

وتختتم الدراسة بأن الوضع يشير إلى أنه قد يطول أمد الحرب فى ظل فشل الأطراف الإقليمية والدولية فى وقف القتال وإنهاء الأزمة السودانية، نتيجة عدم تقديم أى تنازلات على طاولة المفاوضات، وازدياد عدد النازحين الذى وصل إلى 10 ملايين و700 ألف شخص منذ اندلاع الحرب كأكبر حالة نزوح فى العالم. وبشكل عام، تمثل الحرب السودانية عبئًا هائلًا على الاقتصاد السودانى، حيث تسببت فى تدهور البنية التحتية الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الأمن الغذائى، ويتطلب استعادة النمو الاقتصادى واستقرار السودان جهودًا كبيرة لإعادة إعمار البنية التحتية، وتعزيز الاستثمارات، ودعم القطاعات الزراعية والصناعية.

القطاع النفطى

وتتكلف إعادة إعمار قطاع النفط الذى جرى تدميره خلال الحرب الحالية 5 مليارات دولار حيث فقدت السودان نحو 210 آلاف برميل من الخام نتيجة تخريب مستودع الخام بمصفاة الخرطوم.

كما تم تدمير منشآت أخرى، منها مستودع البنزين والغاز وكانت جميعها مليئة بالمنتجات البترولية مما أدى إلى فقدان كميات مقدرة من المنتجات النفطية فى مستودعات شركات التوزيع الموجودة فى مركز التحكم فى مصفاة الجيلي.

وتدنى الإنتاج النفطى طوال هذه الفترة مما أدى إلى فقدان حوالى 7 ملايين برميل من خام النفط حرمت البلاد من إنتاجها بسبب الحرب.

وشملت الأضرار فى قطاع النفط المنشآت النفطية ومحطات الكهرباء وفقدان الخام النفطى والمنتجات البترولية المحفوظة فى المستودعات الاستراتيجية من إنتاج مصفاة الخرطوم، بالإضافة إلى تحمل الدولة كل تكاليف الصرف على استمرار التيار الكهربائى طوال هذه الفترة بدون تحصيل الإيرادات.

فضلاً عن السرقات التى شملت النقود والسيارات والأثاث ونظم المعلومات والتخريب والتلف المتعمد فى الحقول وسرقة الكوابل الخاصة بالآبار والمعسكرات وسكن العاملين والمخازن الخاصة بالاسبيرات ومحطات الكهرباء وتخريب حتى مبانى رئاسة الوزارة.

الغذاء سلاح

كان برنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة أشار إلى أن نحو 25 مليون شخص من سكان السودان البالغ عددهم أكثر من 42 مليون نسمة يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، بينهم 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائى، ومن بين هؤلاء قرابة 5 ملايين على شفا الكارثة، مما يعد ثانى أسوأ تصنيف يعتمده هذا البرنامج لحالات الطوارئ بعد تصنيف المجاعة.

هذا الوضع الإنسانى المتأزم بسبب عرقلة المساعدات الإنسانية ومنع وصولها إلى المتضررين ينبئ بكارثة لا تحمد عقباها، مما يعنى إدراج الغذاء سلاحاً جديداً فى هذه الحرب، فكيف يرى المراقبون هذا الوضع فى ظل استمرار الحرب؟

وتسير حياة مواطنى العاصمة بمدنها الثلاث، الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، الذين لم يستطيعوا النزوح نحو مصير مجهول، ويحاصرهم الموت جوعاً بسبب الحصار الاقتصادى المتأزم الذى يمارسه طرفا الصراع منذ اندلاع الحرب نظراً إلى عدم وجود ممرات آمنة، مما أدى إلى توقف المساعدات الإنسانية التى من شأنها تخفيف أعباء المعاناة الحياتية، فى ظل نفاد مدخراتهم المالية والغذائية.

بعد اتساع رقعة الحرب واجتياح الولايات الآمنة، باتت الأسر النازحة أمام خيارات صعبة، واضطر معظمهم إلى العودة لمنازلهم والصبر على قسوة الحياة لتتفاقم معاناتهم المعيشية فى ظل شح وندرة السلع الاستهلاكية، وفى حال توافرها تباع بأثمان باهظة، إلى جانب توقف المطابخ الخيرية الجماعية التى ظلت تقدم الوجبات للمواطنين منذ اندلاع الحرب بصورة يومية.

كما أنه يصعب على العائلات تحمل هذه الأوضاع الكارثية، فإذا لم يتوصل الطرفان المتصارعان إلى حل لانسياب المساعدات الإنسانية، فإن المدنيين سيواجهون حالات جوع مدقع وخطر مجاعة وشيكة، وكان لانقطاع شبكات الاتصال والإنترنت الأثر فى عدم مواصلة غرف الطوارئ مهامها فى ما يخص جمع التبرعات وشراء السلع الغذائية وتوزيعها على المواطنين.

ويعيش النازحون فى المعسكرات بإقليم دارفور أوضاعاً معيشية مزرية، وهم يعانون الموت والجوع والاستهداف من طرفى الصراع، وذلك بالتحفظ على المساعدات الإنسانية، فضلاً عن عدم فتح المسارات الآمنة، وإعاقة وصول المساعدات التى تقدمها المنظمات الدولية والمحلية للمتضررين فى مناطق الصراع والنزوح بمختلف أنحاء البلاد.

وأدى النقص فى الغذاء إلى تزايد أعداد الضحايا، لا سيما بعد الإصابة بالأمراض والأوبئة، خاصة أمراض سوء التغذية الحادة، لا سيما الإسهال ونقص المناعة.

ويرى خبراء أن تعطيل مرور المواد الإغاثية وحجزها وعدم وصولها إلى المتضررين فى مناطق النزاع النشط الواقع تحت سيطرة الدعم السريع أمر متعمد، هناك أيضاً تهم وجهتها الخارجية الأمريكية إلى الجيش السودانى بعدم رغبته فى إدخال المساعدات عبر مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، لا سيما أن الحكومة السودانية تعتبر أن هذا الأمر يضعف من مكانتها، فى وقت لا تريد فيه تكرار تجربة برنامج شريان الحياة فى تسعينيات القرن الماضي، إذ كانت الحكومة تمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة الجيش الشعبى إبان حرب الجنوب.

كما أدى الصراع إلى تدمير البنية التحتية والمرافق الحيوية، مثل المدارس والمستشفيات والمزارع، مما تسبب فى تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، كما تأثرت قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة بشكل كبير، مما أضعف الاقتصاد المحلى وأدى إلى تراجع الإنتاج، بالإضافة إلى التأثير الثقافى الذى خلفه الصراع فى دارفور، لقد تم تشويه الهوية الثقافية وتفكيك الروابط الاجتماعية.