السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

1000 جندى فى طريقهم من واشنطن إلى البحر المتوسط مقاول أمريكى يبنى «ميناء غزة» من الباطن!

بينما تشق السفينة الأمريكية طريقها إلى غزة محملة بالمعدات اللازمة لبناء الرصيف العائم هناك، والمتوقع وصولها فى السابع من الشهر القادم؛ ما زال الغموض يخيم على دوافع إنشاء هذا الرصيف، والأهداف التى يسعى التحالف الصهيونى الأمريكى إلى تحقيقها من وراء إنشائه، والذى من المتوقع أن يكون جاهزا للاستخدام فى الأسبوع الأول من شهر يونيو القادم. وسيشارك حوالى ألف جندى أمريكى فى إنشاء رصيف عائم فى غزة ومنطقة تفريغ خاصة على بعد حوالى خمسة كيلومترات من الساحل؛ لضمان عدم حدوث أى احتكاك للجنود مع الأرض فى غزة ومع حركة حماس؛ وقد استأجر الجيش الأمريكى خدمات مقاول مدنى من الباطن؛ ومن المفترض أن تبدأ العملية برمتها فى شهر مايو القادم.



 

 بحلول ذلك الوقت سيواصل العالم الضغط على إسرائيل لزيادة المساعدات من البر. ويقول الكاتب تال شنايدر فى تقرير له فى تايمز أوف إسرائيل أن القيادة المركزية الأمريكية قامت الأسبوع الماضى بإسقاط حصص غذائية إضافية على قطاع غزة جوا، حيث أسقطت طائرتا نقل من طراز «C-17 جلوبماستر» 80 حزمة تحتوى على 50 ألف حصة غذائية فى شمال قطاع غزة، ولم تفتح خمس مظلات بشكل صحيح وهوت على الأرض بسرعة. وأعلنت الولايات المتحدة أن خمسة طرود وقعت فى منطقة مفتوحة دون أن تتسبب بأضرار. على عكس حادث مشابه وقع منذ أسبوعين ونصف، عندما وقعت طرود خاصة بطائرة للإمارات العربية المتحدة دون مظلة وتسببت بمقتل مواطنين غزيين. ووفقا للإعلان الأمريكى فمن المتوقع أن يستمر الإسقاط الجوى للطرود. فى الوقت نفسه، هناك ثمانى سفن أمريكية فى طريقها إلى غزة بهدف إنشاء الرصيف الأمريكى العائم وهو منشأة ضخمة من شأنها إدخال مليونى وجبة إلى غزة يوميا. هذه المهمة اللوجستية لا تعد استثنائية بالنسبة للأمريكيين، لكن بالتأكيد تعتبر حدثا نادرا وغير مسبوق على شواطئ البحر المتوسط.

ومنذ بداية الحصار على غزة منذ 17 عاما لم يكن من الممكن استلام بضائع من البحر؛ ومنذ أكثر من أسبوعين وصلت للمرة الأولى سفينة مساعدات إنسانية تابعة لمنظمة «المطبخ العالمى المركزى» (World Central Kitchen)، وسيطلق الأمريكيون قريبا منظومة عسكرية كاملة من العلميات البحرية، سيتم من خلالها إدخال البضائع والأغذية إلى غزة. الحديث لا يدور عن سفينة عسكرية لوجستية صغيرة واحدة، بل بقوة تضم حوالى 1000 جندى أمريكى. ووفقا لإعلان المتحدث باسم البنتاجون الميجور جنرال بات رايدر، لن تطأ قدم أى من الجنود أرض غزة. وأول سفينة غادرت شواطئ الولايات المتحدة هى بيسون وهى سفينة لوجستية ستبدأ عملية بناء الرصيف العائم. وقد وصلت السفينة بالفعل ميناء بونتا ديلجادا فى جزر الأزور، وهى منطقة حكم ذاتى برتغالية للرسو والتزود بالوقود قبل أن تواصل رحلتها. ووفقا للمخطط الهندسى سيتم إنشاء رصيف عمل خاص على بعد حوالى خمسة كيلومترات من الشاطئ؛ ويبلغ عرض الرصيف 22 مترا وطوله 82 مترا. كيف سيتم ذلك وشاطئ غزة معروف بأنه رملى والمدرجة الرملية تمتد إلى عمق البحر؛ سوف ترسو سفينة البحرية الأمريكية الكبيرة على المسافة المذكورة وتقوم بتركيب رصيف العمل بالقرب منها. وستتحرك القوارب من وإلى هذا الرصيف لنقل البضائع إلى الرصيف العائم. سيتم استخدام الرصيف العائم نفسه، الذى سيتم بناؤه بشكل منفصل عن السفينة الكبيرة، كطريق ذى مسارين ومن هناك سيتم نقل البضائع إلى المحطة التالية. وذكر البنتاجون أنه لن يتم الكشف عن نقطة الإرساء المحددة قبالة سواحل غزة فى هذه المرحلة. ولم يتم الإعلان عن مدة المهمة بعد.

وقد تم التدريب على إنشاء الرصيف العائم منذ أقل من سنة فى مناورات مشتركة للجيش الأمريكى والجيش الأسترالى فى تدريب مشترك باسم Exercise Talisman Sabre؛ وتم تكليف الوحدتين اللتين شاركتا فى التمرين بالمهمة الحالية أيضا الفرقة اللوجستية (النقل) السابعة والوحدة البحرية «غروب 1» من قاعدة كوروندو فى مدينة سان دييجو بولاية كاليفورنيا. ولضمان عدم قيام أى جندى أمريكى بأى شكل من الأشكال بملامسة أرض غزة أو حدوث أى احتكاك مع حركة حماس، استأجر الجيش الأمريكى مقاول مدنى من الباطن صاحب شركة تدعى Fogbow. من المقرر أن تدير هذه الشركة عملية استلام البضائع من البحر وتوزيعها إلى غزة، رغم أنه ليس من الواضح من خلال التقرير من سيقومون بذلك. فكيف تستطيع كل هذه القوى ضمان عدم انقضاض السكان على المنطقة الساحلية؟ من المرجح أن يتم إسناد مهمة الأمن إلى الجيش الإسرائيلى وقد يتعرض كل من قوات الأمن وسكان غزة المحتاجين لنيران المسلحين فى نقاط توزيع الغذاء.

بقدر ما هو معروف حتى الآن، يبدو أن الأمريكيين مستعدون لإدارة الجزء البحرى من العملية، لكن الواجهة مع الساحل والتوزيع داخل غزة لم يكتملا بعد. وعلى أية حال، فإن القرار الأمريكى بإطلاق مثل هذه العملية ينبع أولا وقبل كل شىء من حقيقة أن إسرائيل لا تقوم بإدخال ما يكفى من الغذاء والمساعدات الإنسانية.

وقد أثار الرئيس الأمريكى وبايدن هذه المسألة فى كل مكالمة هاتفية أجراها مع بنيامين نتنياهو، بدءا من اللحظة الأولى للحرب. إسرائيل أومأت برأسها ووعدت، ولكن على مستوى التطبيق لم ينجح عدد المعابر باستيعاب كميات الشاحنات، وبما أن إسرائيل لم توافق على إعداد برنامج لليوم التالى فى غزة، واصل المسلحون مهاجمة شاحنات المساعدات وعززوا مواقعهم فى مناطق بأكملها داخل القطاع.

وكما ذكر سابقا، فقد أبحرت سفينة بيسون بالفعل وستكون إسبانيا محطتها الوسيطة التالية على بعد أيام قليلة منها هناك ثلاث سفن أمريكية أخرى، من بينها سفينة الإنزال مونتيرى وهى السفينة التى ستقوم بنقل البضائع من السفينة الرئيسية إلى الرصيف العائم وسفينة الشحن جيمس لو. أربع سفن أخرى وهم «لوبيز» و«بوبو» و«بينافيدز» و«أموروس» لم تبحر بعد وهى على سواحل ڤرجينيا وفلوريدا. ومن المفترض أن تبدأ العملية برمتها فى المنطقة فى 10 مايو. وحتى ذلك الوقت سيستمر الأمريكيون فى إسقاط المساعدات الإنسانية جوا. وحتى وصول الأسطول الأمريكى؛ تدخل معظم المواد الغذائية غزة بالشاحنات عبر المعابر الإسرائيلية. والأيام القليلة القادمة حاسمة فى هذا الصدد، لأنه سيتم نشر العديد من المقالات فى جميع أنحاء العالم حول التأخير الإسرائيلى فى إدخال المساعدات سواء بسبب عمليات التفتيش المتزايدة أو بسبب المظاهرات التى تجرى منذ عدة أشهر. دول العالم لا يهمها أسباب تأخر دخول الشاحنات، وهى تطالب بإدخال المزيد من الغذاء إلى غزة لمنع تدهور الوضع هناك إلى مجاعة جماعية.

وعلى جانب آخر؛ علق اللواء محمد عبدالواحد، الخبير الاستراتيجى المصرى وضابط المخابرات السابق لموقع روسيا اليوم على الممر البحرى الخاص بتوصيل المساعدات إلى قطاع غزة؛ إن مشروع ممر بحرى من قبرص لغزة وإقامة ميناء، هو فى ظاهره مساعدات إنسانية، وفى باطنه العداء، فهناك تشكيك كبير فى هذا المشروع، وإن الأطراف القائمة عليه سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، وهم موقفهم كان واضحا جدا بالحرب فى غزة، فالولايات المتحدة سبق أن أوقفت تمرير أى مشروع فى مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النيران على غزة ووقف الحرب أو وقف مؤقت، فأتخيل أنه من الصعب عليها أن تتحدث عن مساعدات للشعب الفلسطينى؛ وبالتالى هناك علامات استفهام كثيرة حول الموقف الأمريكى.

وأضاف اللواء عبدالواحد: ونعلم تماما أن هذا المشروع تم طرحه فى 2014 وإسرائيل رفضت أن يتم توصيل مساعدات إلى غزة، كذلك هناك علاقات استراتيجية قوية مع قبرص سواء على المستوى الأمنى أو الاقتصادى وبالتالى الآن مجلس الوزراء الفلسطينى رفض هذا المشروع مؤكدا أن دخول المساعدات تكون عبر المعابر الرسمية المخصصة. وأضاف: هناك علامات استفهام كثيرة حول الحديث بأن تهجير الفلسطينيين طوعى وليس قصريا، فإسرائيل أيقنت تماما من خلال فضح نواياها عن عملية التهجير القصرى، ولكنها اقتنعت مؤخرا أنه سوف يتم التهجير الطوعى وليس القصرى بمعنى جعل الحياة مستحيلة فى غزة والتشجيع على هروب الأسر والنجاة بأرواحها وأرواح أسرتها إلى أية منطقة، أو من خلال سماسرة.. إسرائيل ستسطيع أن تخلق نوع من السماسرة والشركات من خلال عملاء لتشجيع الفلسطينيين على الهروب إلى أماكن أخرى أكثر أمانا لحين وقف الحرب، ولكن مشروع التهجير قائم وبقوة لإخلاء منطقة غزة، كذلك أتخيل تنفيذ هذا المشروع ولكن على مراحل، والسلطة الفلسطينية تعلم هذا وتخشى على القضية الفلسطينية، ولكن الشعب سيكون فى حيرة فى هذا الأمر لحجم الدمار الواقع عليهم.

وعلى جانب آخر؛ ففى 22 يناير الماضى التقى وزير الخارجية الصهيونى إسرائيل كاتس بمجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى فى بروكسل، وقدم لهم مشروعين: الأول إنشاء خط سكة حديد يربط الكيان الصهيونى بالأردن والسعودية والبحرين والإمارات والهند، والثانى إنشاء جزيرة اصطناعية على ساحل قطاع غزة، مع مطار وميناء ومنطقة صناعية ومحطة تحلية، لكى يتم استيعاب الشعب الفلسطينى فيها لحين إعادة تأهيل قطاع غزة، وهو المشروع الذى قدمه كاتس عام 2017 لرئيس وزرائه نتنياهو فى حكومته السابقة التى كان فيها وزيرا للمواصلات، وقد لاقى حينها قبولا واسعا من نتنياهو وحكومته. ورغم الملحوظات التى أبداها جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى على عرض الوزير كاتس فإن الاتحاد الأوروبى من أوائل المؤيدين لإعلان الرئيس بايدن عن إنشاء الرصيف العائم فى غزة.

وقد أكد الرئيس بايدن فى اتصاله الهاتفى مع نتنياهو على «ضرورة هزيمة حماس فى غزة مع القيام فى الوقت نفسه بحماية المدنيين وتيسير تسليم المساعدات. وأوضح مستشار الأمن القومى الأمريكى جاك سوليڤان فى اليوم نفسه أن الولايات المتحدة لن تسمح لحركة حماس بأن تجد ملاذا آمنا فى رفح، وأن هناك خبراء عسكريين وأمنيين وإنسانيين من الولايات المتحدة والكيان الصهيونى سيجتمعون قريبا لوضع خطط بديلة للهجوم على رفح تضمن تحقيق الهدفين معا؛ هدف القضاء على حماس وهدف المحافظة على المدنيين، ويأخذ فى الاعتبار التخوفات الأمنية المصرية. وبالعودة إلى المنطلقات الأساسية السابقة لفهم ما يدور، يمكننا استنتاج الدوافع الصهيو- أمريكية والغربية من إنشاء الرصيف العائم، ومن أهمها:

تنفيذ مشروع الميناء الذى عرضه نتنياهو على الرئيس بايدن، وعرضه الوزير كاتس على وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى، فالرصيف العائم لن يبقى رصيفا، وإنما سيكون مقدمة لإنشاء الميناء، الذى استعدت دول عربية للمساهمة فيه وتم الإعلان عن أنه سيستقبل ليس فقط سفن المساعدات الإنسانية؛ بل السفن التجارية كذلك. وقد أعلن الناطق العسكرى الصهيونى أن الجزر الإنسانية المؤقتة لنقل سكان رفح إليها قبل الهجوم عليها، سيتم بناؤها بالتعاون مع المجتمع الدولى وتوفير الإمدادات الإنسانية اللازمة لها عن طريق الأمم المتحدة. وسيكون لهذا المشروع الذى سيدار بالتنسيق مع الكيان الصهيونى دور كبير فى تنفيذ مخططات الوضع القادم لقطاع غزة والتى لم يعلن عنها بعد.

وثانيا دعم جيش الكيان الصهيونى ميدانيا، ومساعدته على تحقيق الانتصار على حركة حماس، عن طريق القوات التى سترافق عملية إنشاء الرصيف العائم، ويصل عددهم فى المرحلة الأولى إلى 1000 من أفراد البحرية الأمريكية، ومن المتوقع أن يضم هذا العدد كوادر أمنية واستخباراتية وعسكرية وإدارية تعمل على اختراق المجتمع الفلسطينى، وإضعاف الالتفاف الشعبى، خاصة بعد نقل النازحين إلى الجزر الإنسانية، وعزلهم عن الحياة اليومية الحالية وتخفيف المعاناة عنهم.

ثالثا كسر إرادة وصمود الشعب الفلسطينى وتهيئة الظروف له للهجرة الطوعية وخاصة للنازحين المتواجدين فى الجزر الإنسانية، بتشجيع من الأمم المتحدة، وتسهيلات من الدول الغربية، ما سيزيد الضغط على حركة حماس، ويفقدها ورقة التأييد الشعبى ويبدو أن إدخال قبرص على خط النقل البحرى جاء ليخدم غرض الهجرة الطوعية.

رابعا إعطاء مزيد من الوقت لتمكين جيش الكيان الصهيونى لإنجاز هدف القضاء على حماس، بعد تفريغ المناطق من السكان والمستشفيات ودور العبادة، واقتصار ساحة المعركة على الجيش الصهيونى وكتائب المقاومة المسلحة وفى مقدمتها كتائب عزالدين القسام.

خامسا الضغط على مصر لتقديم تسهيلات فى إستيعاب قسم من النازحين وتسهيل انتقالهم من رفح إلى الأراضى المصرية بالتنسيق مع الأمم المتحدة، حتى لا تفوتها الفرص الاستثمارية القادمة، وتفقد دورها فى ترتيب أوضاع المرحلة التالية.