السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

طريق التنمية وميناء الفاو الكبير تحالف العراق وتركيا وإيران فى مواجهة حرب الموانئ والمصالح

فى خطوة غير مسبوقة وغير متوقعة، أعلنت الحكومة العراقية، أن حزب العمال الكردستانى قد أصبح تنظيمًا محظورًا ومنظمة متعاونة مع الإرهاب، وأنها بصدد تبنى مواقف أكثر تشددًا تجاه نشاطاته داخل الأراضى العراقية، وتوقيع اتفاقية عسكرية مع تركيا تحت مسمى الهجوم الربيعى الكاسح، لتحرير المناطق التى يسيطر عليها الحزب.



نبرة التفهم التى أبدتها الحكومة العراقية وراءها رغبة صادقة فى التعاون الاقتصادى والتجارى مع تركيا للوصول إلى أوروبا، وتمهيدًا لزيارة أردوغان المرتقبة فى أبريل القادم كشرط قبول التعاون فى تدشين خط سكك حديدى تجارى يمتد ما بين ميناء الفاو الجديد ويربط كلًا من سوريا وإيران وتركيا ما يعرف بطريق التنمية أو الحرير العراقى.

ميناء الفاو

 يمثل الكشف عن مشروع طريق التنمية الاستراتيجية علامة فارقة فى سعى العراق لإعادة تموضعه على خريطة التجارة والنقل العالمية، واضطلاعه بدور إقليمى بارز فى الآونة الأخيرة. 

للمشروع  دور محورى باعتباره حجر الزاوية فى بناء اقتصاد غير نفطى مستدام وكخطوة تحويلية نحو إنشاء اقتصاد قوى وتعزيز التعاون الإقليمى الموسع وإقامة شراكات استراتيجية مع دول العالم ودول الجوار.

  ويتضمن المشروع إنشاء شبكات السكك الحديدية والطرق، بهدف تسهيل نقل البضائع من موانئ العراق على طول الخليج الفارسى فى البصرة إلى تركيا. ويمر المسار المحدد بمحافظات البصرة وذى قار والقادسية وواسط قبل أن يتجه نحو بغداد. ومن هناك، تستمر الرحلة عبر صلاح الدين وكركوك ونينوى، لتصل فى النهاية إلى المثلث «العراقى- التركى- السورى» عند معبر فيشخابور الحدودى.

 ويتضمن المشروع أيضا بناء ما يقرب من 15 محطة قطارات على طول الطريق، بما فى ذلك مدن البصرة وبغداد والموصل، وتمتد حتى الحدود التركية وإلى أوروبا ومنطقة القوقاز وطريق بحر الشمال فى روسيا وخط السكك الحديدية لطريق الحرير الجديد فى الصين.

  ونتيجة لذلك، سوف يبرز العراق كمركز محورى للتجارة والنقل، مما يسهل التدفقات التجارية بين آسيا وأوروبا، وبالتالى يربط الشرق بالغرب.

خدمة سريعة

ويهدف المشروع الذى تبلغ تكلفته 17 مليار دولار، منها 10 مليارات دولار مخصصة لاقتناء قطارات كهربائية سريعة قادرة على نقل البضائع فى حوالى 16 ساعة. وسيتم استخدام الأموال المتبقية لمد 1200 كيلومتر من خطوط السكك الحديدية. ومن المقرر الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع بحلول عام 2028، تليها المرحلة الثانية فى عام 2038 والمرحلة الثالثة فى عام 2050. وفى الوقت الحاضر، تم إنجاز 40 % من المشروع، ومن المتوقع أن تصل الأرباح السنوية إلى حوالى 4.850 مليار دولار. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يخلق المشروع فرص عمل لعدد كبير من الشباب، ومن المحتمل أن يصل إلى 100 ألف وظيفة. 

إيران

ويعتمد نجاح المشروع على عدد من العوامل الجيوسياسية. وفى حين أن هناك فرصًا أمام إيران للاستفادة من المشروع عبر مد خط سكة حديد يمتد من البصرة إلى حدودها، إلا أن إيران كقوة إقليمية قد تشعر بأن الممر يؤثر عليها، وإذا شعر القادة الإيرانيون أن مصالح إيران مهددة، فقد يحاولون تخريب المشروع من خلال النفوذ الإيرانى فى العراق والخليج. ويبقى أن نرى ما إذا كان داعمو المشروع يتمتعون بالبراعة السياسية والمهارة التصميمية اللازمة للتخفيف من المخاوف الإيرانية المحتملة مع الحفاظ على سلامة الخطة الطموحة.

ومع معاناة إيران من العقوبات الدولية الشديدة والمدفوعة بسياسة حتمية لإبقاء العراق تابعًا وفى مجال نفوذ طهران، قد لا يكون هناك أى تنازلات يمكن أن يقدمها داعمو المشروع للتخفيف من المخاوف الإيرانية الضخمة.

 ويعتمد نجاح المشروع بشكل خاص على الظروف الأمنية فى المنطقة خاصة فى أربيل وبغداد. ورغم تحسن الوضع الأمنى خلال السنوات الأخيرة؛ فإن تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام لا يزال نشطا، وكذلك حزب العمال الكردستانى المتشدد. وإلى جانب هذه الجماعات، قد يكون الدافع وراء الميليشيات الموالية لإيران هو مقاطعة بناء الممر لعرقلة الوصول إلى تركيا. وتشتد المنافسة بين إيران وتركيا فى شمال العراق، وخاصة الموصل. ويهاجم حزب العمال الكردستانى بشكل دورى خطوط أنابيب النفط التى تمتد إلى تركيا من العراق، وغالبًا ما تهاجم الميليشيات الموالية لإيران القواعد والمصالح العسكرية التركية فى العراق. وقد يستهدف مقاتلو داعش أيضًا الممر، وقد يساعد التنسيق الوثيق بين أنقرة وبغداد فى تقليل انعدام الأمن.

 يهدف العراق إلى ربط ميناء الفاو الكبير بميناء أم قصر عبر أنفاق مغمورة. وفى حال تنفيذها، فإن هذه المشاريع ستساعد فى تنمية العراق بأكمله، وليس الجنوب فقط. كما يطمح إلى أخذ مكانه فى الخط التجارى بين ميناء مرسين فى تركيا، وميناء بندر عباس فى إيران، وميناء خالد فى الشارقة فى الإمارات العربية وكمنافس لميناء جبل على، والذى يعد حاليًا أكبر ميناء للحاويات فى الشرق الأوسط مع 67 رصيفًا، ومن المحتمل أيضًا أن يتفوق على طريق النقل فى البحر الأحمر، أو على الأقل يصبح ميناءً رائدًا ومنافسًا قويًا.

كردستان العراق 

ولموقف إقليم كردستان أهمية حيوية فى تحديد مسار المشروع، لأنه إما أن يسهل نجاحه أو يعوق تقدمه. يشار إلى أن إقليم كردستان رفض مد شبكة سكك حديدية عبر دهوك إلى الحدود التركية بطول 4 كيلومترات، بسبب مخاوف تتعلق بمعبر إبراهيم الخليل الحدودى ويعد هذا المعبر بمثابة البوابة الرئيسية بين إقليم كردستان وتركيا والدول الأوروبية، مما يوفر فوائد اقتصادية كبيرة، كما أن التضاريس الجغرافية والصخرية الصعبة على طول حدود إقليم كردستان مع تركيا تمثل عقبة إضافية. 

إن تنفيذ شبكات السكك الحديدية يتطلب تضاريس مسطحة، وهو ما لا يتناسب مع طبيعة  تلك المنطقة.

وتشير التقديرات إلى أنه إذا كان المشروع يشمل مناطق داخل إقليم كردستان، فإن الجدول الزمنى المتوقع للإنجاز قد يمتد إلى ما يقرب من ست سنوات، وهو ما يتجاوز الإطار الزمنى الأولى البالغ 4 سنوات وقد ترتفع  التكلفة الإجمالية إلى 20 مليار دولار بدلًا من التقدير الأولى البالغ 17 مليار دولار. وهذه العوامل تشكل صعوبات أمام تنفيذ المشروع كما يواجه الطريق البديل الذى يمر عبر الموصل وربيعة فى محافظة نينوى ثم إلى سوريا وتركيا عقبة كبيرة بسبب رسوم العبور المرتفعة التى تفرضها دمشق. وتتجاوز هذه الرسوم، التى تبلغ حوالى 8 دولارات لكل رحلة قطار، السعر العالمى للنقل بالسكك الحديدية البالغ 3 دولارات، ومن المتوقع أن تؤدى إلى انخفاض كبير فى إيرادات المشروع فى العراق.

ومن المتوقع أن ترسو أول سفينة شحن فى ميناء الفاو الكبير فى عام 2025، وستكون جاهزة للعمل بكامل طاقتها بحلول عام 2038. ومن المتوقع أن تعمل القناة الجافة بكامل طاقتها فى عام 2029. وأن يكون هذا الطريق التجارى الجديد بديلًا للطريق التجارى البحر الأحمر – قناة السويس. بالإضافة إلى اختصار وقت السفر بمقدار 20-25 يومًا، سيكون ميناء الفاو الكبير قادرًا على استضافة سفن شحن أكبر نظرًا لغاطسه الأكبر من قناة السويس.

وبما أن الصادرات غير النفطية لا تشكل حاليا سوى ثلاثة إلى أربعة فى المائة من الميزانية العراقية، فتحقيق تنويع مصادر الإيرادات من خلال مشاريع تستفيد من الموقع الجغرافى للعراق هو أفضل استثمار.

 وسيسمح ميناء الفاو الكبير بنقل سفن الشحن الاستراتيجية والكبيرة، كما سيتيح نفق خور الزبير المغمور النقل من خلال إلغاء التحويل بين ميناء الفاو الكبير وميناء أم قصر من جسر الزبير الذى يقع فى الجزء الجنوبى البصرة. ستنشئ القناة الجافة ممرًا بريًا به طريق سريع وسكك حديدية إلى الحدود التركية. وهذا سيمكن من نقل البضائع عبر الموانئ الحالية والبنية التحتية للسكك الحديدية فى تركيا.

وبحسب الشركة العامة لموانئ العراق، انه بحلول عام 2038، سيستفيد العراق من إيرادات مباشرة تزيد على أربعة مليارات دولار أمريكى،  ومع إنشاء مناطق صناعية متكاملة ومطار للشحن قد يرتفع هذا الرقم. كما يمكن القول إن مساحة المشروع قد تغطى أيضًا ممرًا سوريًا إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يمكن أن يضاعف إيرادات المشروع المقدرة.

 هناك دائمًا تحديات كبيرة وتهديد بالمنافسة الإقليمية مع جيران العراق فى الخليج. وربما يكون الاتفاق الذى تم التوصل إليه مع الكويت بشأن ميناء مبارك الكبير قد هدأ الجار الجنوبى للعراق؛ لكن تطلعات دول الخليج الأخرى قد تسبب خلافات جديدة فى المنطقة، لأن ظهور موانئ عراقية أكبر قد يلغى أو يقلل من أهمية موانئ الدول الأخرى. ولذلك، يمكن توقع تنفيذ سياسات رادعة من الدول المذكورة.

وداخل الدولة، يمكن أن تكون هناك عقبات جديدة أو عوائق ناشئة مثل انخفاض قيمة الدينار العراقى مقابل الدولار الأمريكى، كما أن الانخفاض المحتمل فى أسعار النفط بسبب انخفاض معدل الإنتاج فى الصين بسبب موجات جديدة من جائحة كوفيد-19 قد يضر العراق بسبب اعتماده على صادرات النفط فى الدخل.

عدا عن ذلك، فإن البيئة الأمنية الهشة تشكل تهديدا لاستمرارية استغلال القناة الجافة، كونها ستكون ممرا يمر من جنوب البلاد إلى شمال البلاد. ولذلك فإن أى مشكلة أمنية فى أى منطقة داخل نطاق الممر قد تتسبب فى توقف الممر بشكل كامل. ولكن على العكس من ذلك، ومع استكمال المشاريع، سيتعين على الشركاء الإقليميين والعالميين أن ينظروا إلى المشروع بإيجابية لصالحهم اللوجستى والاقتصادى، الأمر الذى سيدفعهم إلى دعم الحفاظ على أمن العراق واستقراره.

فساد إدارى

 يعانى العراق من نقص الاستثمارات وفشلت العديد من المشاريع التى تهدف إلى تنويع الاقتصاد بسبب الفساد. ومع ذلك، فإن محاسبة المسئولين الفاسدين، مثل الحكم على شاكر الزاملى، الرئيس السابق لهيئة الاستثمار فى بغداد، بالسجن لمدة أربع سنوات مع قضايا أخرى مستمرة أمام المحاكم بسبب مخالفات أخرى، قد تكون هامة من أجل الإصلاح.

 وفى هذا الصدد، يعد مشروع ميناء الفاو الكبير أمرًا بالغ الأهمية للبلاد من أجل تنويع مصادر إيراداتها. ومع ذلك، فإنها ستواجه تحديات محلية وإقليمية.

هناك أربعة ملفات أساسية من المنتظر أن تتم مناقشتها خلال زيارة أردوغان فى أبريل المقبل، لتحسين مسار العلاقات العراقية - التركية المشتركة، وهى القضاء على حزب العمال الكردستانى وهزيمته، وملف ميناء الفاو وأزمة المياه، وملف تصدير البترول عبر الأنبوب العراقى - التركى عملًا بمبدأ الكل رابح فأردوغان الذى يعانى من مصاعب فى التطبيع مع دمشق، يحتاج لتأمين حدوده الممتدة مع العراق وتحقيق مكاسب اقتصادية ضخمه لإنعاش اقتصاده المأزوم.