الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

زوجات الأنبياء "3".. أمر إسماعيل بطلاق زوجته ووضع شروطًا لعروس إسحاق تدخُّل إبراهيم الخليل فى اختيار زوجات ابنيه

لزوجات الأنبياء مكانة خاصة فى الأديان السماوية نظرا لثراء سيرتهن المعرفية فمنهن من شاركت زوجها الكفاح من أجل إبلاغ الرسالة فأدت الأمانة على أكمل وجه ومنهن من خانت عهد الزواج فتوعدها الله بعذاب عظيم.



 

ضرب سيدنا إبراهيم الخليل مثلا رائعا فى كيفية اختيار زوجات ابنيه الاثنين إسماعيل وإسحاق، فقد كان له الرأى الأخير فى استبقاء الزوجة الصالحة لابنه البكر وفى تحديد صفات زوجة إسحاق بل وتصميمه على أن تكون من بلاده الأصلية وهى بلاد الرافدين وليس من فلسطين.

بعد أن ترك سيدنا إبراهيم السيدة هاجر وابنها إسماعيل فى الوادى القفر والصحراء الجرداء واختبار الله عز وجل لقوة إيمان هاجر وانبثاق ماء بئر زمزم تحت قدم إسماعيل بدأت القبائل تتوافد للسكن فى الوادى.

 

وكان أولهم بيت من قبيلة جرهم وكانوا مقبلين فى الطريق فنزلوا أسفل مكة فرأوا طائرا يطوف فى الوادى فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء رغم عهدنا بأن هذا الوادى ما فيه ماء فأرسلوا منهم شخصين ليتبينوا الأمر فرجعوا ليخبروهم بأن هناك ماء بالفعل وأن هناك امرأة ووليدها بجوار هذا البئر فأقبلوا عليها يستأذنونها فى البقاء بجوارها ولكنها اشترطت بأنه لا حق لهم فى بئر زمزم فوافقوا وأرسلوا إلى أهلهم ليسكنوا معهم، وهكذا شب إسماعيل عليه السلام بينهم وتعلم اللغة العربية من «جُرهم» وأتقن ركوب الخيل ورمى السهام.

وكان سيدنا إبراهيم يزورهم من وقت لآخر بعد بنائه بيت الله الحرام مع إسماعيل، لكنه لم يحضر وفاة هاجر وقد قام إسماعيل بدفنها بنفسه بجوار الكعبة.

زوجة ساخطة

تزوج إسماعيل فتاة من قبيلة العماليق تُدعى «عمارة بنت سعد بن أسامة»، وبعد فترة من الزمن سافر إبراهيم عليه السلام إلى مكة فعلم بزواج إسماعيل فذهب إلى بيت ابنه فلم يجده، فسأل زوجته عنه، فقالت: خرج يبتغى لنا «أى يسعى فى طعامنا وشرابنا»، ثم سألها عن عيشتهم وهيئتهم، فقالت: «نحن بِشَرٍّ (أى فى شرّ).. نحن فى ضيق وشدة»، فشكت إليه. فعلم سيدنا إبراهيم أنها امرأة شاكية ساخطة ولا تستحق أن تكون زوجة لنبى.. فاختتم حواره معها بقوله: «إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام، وقولى له يُغَيِّر عتبة بابه».

فلما عاد إسماعيل إلى بيته سأل زوجته: هل جاءكم من أحد؟ فقالت: «نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألنى كيف عيشنا فأخبرته بأننا فى جهد وشدة.

فقال: هل أوصاك بشىء؟.

قالت: نعم.. أمرنى أن أقرئك السلام، ويقول لك غيّر عتبة بابك.

فقال: ذاك أبى، وقد أمرنى بأن أفارقك، الحقى بأهلك، فطلقها».

 زوجة صالحة

وتزوج إسماعيل من « السيدة بنت مضاض بن عمرو» من قبيلة «جُرهم» ويأتى سيدنا إبراهيم لزيارة ابنه مرة أخرى فلم يجده فسأل امرأته الجديدة عنه، فقالت: خرج يبتغى لنا، فقال خليل الله: كيف أنتم؟ فأجابت: «نحن فى خير وسعة»، وأثنت على الله.

فسألها: ما طعامكم؟ فأجابت: اللحم. فقال: فما شرابكم؟ فأجابت: الماء.

وهنا دعا خليل الله «عليه السلام» ربه قائلا: «اللهم بارك لهم فى اللحم والماء».

ثم توجه خليل الله إبراهيم إليها بالكلام مرة أخرى قائلا: «إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه».. وانصرف إبراهيم عليه السلام عائدا دون أن يلقى إسماعيل «عليه السلام».

فلما عاد إسماعيل إلى بيته، سأل زوجته: هل أتاكم من أحد؟.

فأجابته: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، فسألنى عنك فأخبرته، فسألنى كيف عيشنا، فأخبرته أننا بخير.

فعاد إسماعيل عليه السلام، يسأل زوجته: أأوصاك بشىء؟.

فأجابته: «هو يقرئك السلام ويأمرك بأن تثبت عتبة بابك».

فتهلل إسماعيل قائلا: ذاك أبى، وأنت العتبة، وأمرنى بأن أمسكك.

لقد أدرك إبراهيم «عليه السلام» أن هذه الزوجة الجديدة، تتمتع بالرضا والقناعة، وتشد من أزر زوجها، ولا تفشى أسراره، وأنها تعين زوجها على مشكلات الحياة، فأمره بالاستمساك بها، وهى صفات لم يجدها فى الزوجة الأولى التى أمر إسماعيل بأن يفارقها.

وقد أنجبت «السيدة بنت مضاض بن عمرو» لإسماعيل اثنى عشر رجلا، هم «نابت، وقيدر، وأدبيل، ومبشا، ومسمع، ودوما، وماس، وأدد، وطور، ونفيس، وطما، وقيدمان» وقد امتدح الله سبحانه وتعالى سيدنا إسماعيل عليه السلام وأهله فى سورة «مريم» بقوله «وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا.. وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا»» «مريم: 54 - 55».

صفات زوجة إسحاق 

ماتت سارة وعمرها 127 عامًا، أما إبراهيم فكان قد بلغ 137 عامًا.. وبعد وفاة سارة بثلاث سنوات قرر سيدنا إبراهيم تزويج ابنه إسحاق وكان عمره «37» عاما فاستدعى كبير معاونيه وأوصاه أن يذهب إلى «أرام» موطنه الأصلى فى بلاد ما بين النهرين، وأن يختار زوجة لابنه إسحاق منهم لأنه لا يريد تزويجه من بنات الكنعانيين الذين يسكن معهم «فى فلسطين»، فسأله الرجل وإن رفضت المرأة أن تتبعه إلى هذه الأرض «كنعان» فهل يذهب إسحاق إلى بلاد الرافدين؟ فرفض إبراهيم هذا الاقتراح بأن يذهب ابنه إلى الأرض التى خرج منها إبراهيم مهاجرا. ووضع لعروس ابنه عدة صفات هامة إذا استوفتها تكون من نصيبه.  

فخرج الرجل فى قافلة من عشرة جمال مُحملة بجميع الخيرات ووصل إلى بلده ناحور «موطن إبراهيم الأصلى» وأناخ الجمال خارج المدينة عند بئر الماء فى وقت المساء وهو الوقت التى تخرج فيه الفتيات والنساء لحمل الماء إلى بيوتهن.

وكان أول شرط لإبراهيم فى عروس ابنه أن توافق على سقاية كبير معاونيه وسقاية البعير التابعة له بدون أن يطلب منها، وطلب الرجل من أكثر من فتاة أن تروى ظمأه فرفضن حتى ظهرت فتاة جاءت تستقى من البئر، فطلب منها الرجل شربة ماء ليروى عطشه فأسرعت اليه بجرة الماء ليشرب وتطوعت قائلة بأنها سوف تقوم بسقاية البعير التى تبدو عليها علامات الإرهاق والتعب، وهنا علم الرجل أن الصفات التى طلبها إبراهيم قد توافرت فى تلك الفتاة فإلى جانب جمالها الجسدى فهى تجيد الحديث بلطف ولديها مروءة ونفس معطاءة للخير.. فمنحها سوارين من الذهب وسألها عن اسمها فأجابت بأنها رفقة بنت بتوئيل ابن ناحور «أخو إبراهيم الخليل». وأن عندهم مبيتا وعلفا لماشيته وأسرعت إلى المنزل وأخبرت أهلها بما حدث، وقام أخوها «لابان بن بتوئيل» بالذهاب إلى الرجل عند البئر واصطحبه معه إلى المنزل ليضيفه ويكرمه وعندها أخبرهم الرجل بما جاء من اجله وانه يريد «رفقة» لتكون زوجة لابن سيده إبراهيم وأن تذهب معه إلى كنعان. فاستدعوا رفقة ليسألوها رأيها فوافقت فى الحال على الزيجة والسفر إلى كنعان.. فأعطاهم الرجل آنية من ذهب وفضة وثيابا وتحفا إلى «لابان» وأمه ثم طلب منهم أن يتم التعجيل بالرحيل إلى أرض كنعان.

وكانت رفقة عزاءً لإسحاق بعد موت أمه سارة وورث إسحاق النبوة من أبيه وقام على هذا الإرث خير قيام، وحملت رفقة وأنجبت توأم من الذكور أولهما «عيصو» والذى يطلق عليه العرب «العيص» وجاء الطفل الثانى ممسكا بعقب أخيه فسموه «يعقوب» وهو إسرائيل وأبو يوسف.

الغش والخديعة شريعة اليهود

ونظرًا لأن القرآن الكريم لم يذكر شيئا عن قصة زواح إسحاق ورفقة ولا وردت فى السنة المطهرة ما يشير إليها فاضطر المؤرخون وكُتاب السير إلى اعتماد رواية التوارة والتى كتبها اليهود أنفسهم وهنا لا بد من الإشارة إلى خُبث اليهود فى كتابة سيرة الأنبياء وإلصاقهم تهمة الغش والتدليس إلى «رفقة» وإظهار نبى الله إسحاق فى صورة الرجل العجوز الذى أصابه الوهن والضعف فأصبح من السهل خداعه.

غش رفقة لإسحاق 

كتب اليهود أن إسحاق كان يحب العيصو أكثر من يعقوب لأنه ابنه البكر فى حين كانت رفقة تحب يعقوب لأنه الأصغر، فلما كبر إسحاق وضعف بصرة اشتهى على ابنه العيص طعاما وأمره أن يذهب ليصطاد صيدا ويطبخه له ليبارك عليه ويدعو له وكان العيص ماهرا فى الصيد فذهب ينفذ أمر أبيه فأمرت رفقة ابنها يعقوب بأن يذبح جديين من خيار غنمه ويصنع منهما طعاما كما اشتهاه أبوه، ويأتى إليه به قبل أخيه ليفوز بدعوة أبيه وألبسته ثياب العيص ووضعت على ذراعيه وعنقه بعضا من صوف الغنم لأن العيص كان أشعر الجسد، فما جاء يعقوب إلى أبيه بالطعام قال إسحاق: من أنت؟ فقال: ولدك.. فضمه إليه وجسه وجعل يقول: أما الصوت فصوت يعقوب وأما الجسد والثياب فـ«العيص» فلما أكل وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدرا وتكون كلمته العليا عليهم وعلى الشعوب بعده وأن يكثر رزقه وولده.. فلما خرج يعقوب من عند أبيه جاءه «العيص» بما أمره، ووضع الطعام أمام أبيه فقال له: ما هذا يا بنى؟ فقال العيص: هذا الطعام الذى اشتهيته.. فقال إسحاق: أما جئتنى به قبل الساعة وأكلت منه ودعوت لك.. فقال العيص: لا والله وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك فتوعده بالقتل إذا مات أبوهما وسأل أباه فدعا له بدعوات أخرى وأن يجعل لذريته غليظ الأرض وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم.

فلما سمعت رفقة ما توعد به العيص أخاه أمرت ابنها يعقوب بالسفر إلى أرض حران عند اخيها «لابان» إلى حين يذهب غضب أخيه عليه وهناك كان ليعقوب قصة زواج عجيبة وهو ما سوف نتناوله فى الحلقة القادمة إن شاء الله.

المصادر:

محمد على قطب فى كتابه «زوجات الأنبياء وأمهات المؤمنين».

الدكتور شعيب الغباشى، الأستاذ فى جامعة الأزهر.