السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

زوجات الأنبياء"2".. «لم يشفع لهما أنهما زوجتان لنبيين».. «والغة» و«والهة» مضرب الأمثال فى الكفر

لزوجات الأنبياء مكانة خاصة فى الأديان السماوية نظرا لثراء سيرتهن المعرفية فمنهن من شاركت زوجها الكفاح من أجل إبلاغ الرسالة فأدت الأمانة على أكمل وجه ومنهن من خانت عهد الزواج فتوعدها الله بعذاب عظيم.



 

بسم الله الرحمن الرحيم (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرَأَتَ نُوح وَامرَأَتَ لُوط كَانَتَا تَحتَ عَبدَينِ مِن عِبَادِنَا صَلِحَينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَم يُغنِيَا عَنهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيـئا وَقِيلَ ادخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) صدق الله العظيم سورة التحريم. 

عادة ما تكون الأمثلة حالات صارخة غير متوقعة لموضوعات معينة، واليوم فإن الحالتين التى ضرب الله بهما المثل فى الكفر هما زوجتان لنبيين من أنبياء الله خانتهما. والخيانة هنا ليست خيانة جسد أو فراش، وما كان الله ليجعل امرأة أحد من أنبيائه بغيا، وإنما كانت خيانة ثقة وعهد الزواج الغليظ كما وصفه الله - سبحانه وتعالى. فكيف لامرأة عاهدت زوجها على حفظ أسراره ودعمه ومساندته فى معترك الحياة أن تخون ذلك العهد، بل وتساعد أعداءه على محاربته، وتستغل قربها منه لتمدهم بأخباره، وما يقوم به لينتصروا عليه.

إن وصف القتل هين وبسيط لهذا الانحطاط الأخلاقى، فالذى يغرس سكينا فى قلب رجل يقتله مرة واحدة، ولكن من تخون زوجها بهذا الأسلوب فهى تطعنه وتقتله آلاف المرات وهو حى يزرق. وهذا ما لا يرضاه المولى - عز وجل - لأحد من أنبيائه. 

وقد نزلت الآية الكريمة ردا على استهزاء كفار قريش برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقولهم «إن كنت نبيا حقا، فسوف تشفع لنا»، فأنزل الله تعالى آياته الكريمة بأن شفاعة الرسول الكريم لن تنفع كفار مكة وإن كانوا أقرباء، كما لم تنفع شفاعة نوح لامرأته ولا شفاعة لوط لامرأته، مع قربهما لهما؛ فلم يستطيعا ثنيهما عن الكفر، ولم يُغنيا عن عذابهما فى شيء. وبالتالى، حق عليهما أن يكونا مضرب الأمثال فى الكفر.

نوح

مات آدم -عليه السلام- وترك أبناءه يدعون ذريتهم لعبادة الله الواحد، ومضت السنون وتكاثر البشر وضعف التوحيد بالقلوب وساد الظلم والبغى بينهم، وكان ذلك مدخلا مناسبا للشيطان، فوسوس لهم بأنه لا بد من تخليد ذكرى الصالحين منهم وإقامة تماثيل لهم بحيث يكونون وسطاء بينهم وبين الإله وبمضى الزمن أصبحت التماثيل هى نماذج للآلهة على الأرض يعبدها الناس، ويتقربون إليها بشتى السبل والوسائل.

فبعث الله الأنبياء لإعادة البشر إلى طريق التوحيد، ويعتبر سيدنا نوح -عليه السلام- هو أول نبى نعرفه بعد آدم وفى صحيح البخارى، فإن الفترة بين وفاة آدم وميلاد نوح كانت 1000 سنة، وأرسل الله نوحا إلى قومه ليحذرهم بأسه، ونقمته ويدعوهم إلى التوبة، والرجوع إلى الحق، والعمل بما أمر الله تعالى ويدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهاهم عن عبادة ما سواه.

وقد منح الله نوحًا عدة مزايا، كان أولها الفترة الزمنية الطويلة التى قضاها فى دعوة قومه للإيمان، وتعتبر هذه الفترة أطول مهلة منحها الله للعباد حتى يهتدوا، فقد عاش يدعوهم حتى بلغ من العمر 950 عامًا، وقوبلت تلك الدعوة بالعناد والإصرار على الكفر من قبل قومه، وهو ما أدى إلى تساؤل نوح فى سورة يونس: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ».

أما الميزة الثانية فهى بمثابة آدم الثانى، حيث خرج الأنبياء من ذريته، وقد بدأ نوح دعوته على مراحل ثلاثة؛ بدأت بالنصح لقومه فى السر ليلا ونهارا، ففروا منه. ثم أتت المرحلة الثانية بالمجاهرة؛ لأن النصح فى الجلوس بين الملأ يقرع ويكون تغليظًا، فلم يؤثر. وأخيرًا، جمع بين الأمرين: الإسرار والإعلان، فلم ينفع.

امرأة نوح 

اختلف المؤرخون حول اسم زوجة نوح، فمنهم من قال «واغلة» ومنهم من قال «والغة»، ولم يذكر القرآن الكريم اسمها، ولكن اطلق عليها «امرأة نوح». تزوجته عليه السلام قبل أن يحمل رسالة التوحيد، وكانت من عائلة ذات حسب ونسب ونفوذ.

الإنسان قد يتقبل أى مشكلة تصادفه إلا إذا استهان به شريك حياته، حينها يشعر بمرارة شديدة. وتأتى خيانة زوجة نوح فى استهتارها واستهزائها به، ووصفها له بالجنون فى العلن، مما أدى إلى استهزاء قومها بها، وتجلى ذلك فى أسلوب تعاملهم مع النبى الكريم، حيث كانوا يضعون أصابعهم فى آذانهم عندما كان يتحدث معهم لدعوتهم إلى الحق، ويغطون وجوههم بثيابهم حتى لا يروا وجهه عندما يقابلونه فى الطريق. وكان عنادهم مضربا للأمثال، فعمت قلوبهم الكفر، وفقدوا البصيرة، فاستحبوا الكفر.

وجاء أمر الله إلى نوح بأنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وقد حق عليهم العذاب. وبدأ نوح فى بناء السفينة، وحينما اكتمل البناء، كانت إشارة الله إليه بركوب السفينة هو فوران التنور. واختلف العلماء حول المقصود بالتنور، فمنهم من قال بأنه فوران الماء من وجه الأرض، وقال ابن عباس بأنه تنور الخبز ومصنوع من الحجارة. وكان لحواء حتى وصلت إلى نوح، وحينما أتى أمر الله خرج الماء من تنور الخبز، وانهمرت الأمطار، واشتدت السيول، وثار الفيضان العظيم. وكان مصير امرأة نوح فى الدنيا هو الغرق مع قومها، وفى الآخرة جهنم كما وعدها الله جزاءً لخيانتها للنبى الكريم.

لوط عليه السلام وإمرأته «والهة» 

هو «لوط بن هاران بن تارح»، وتارح هو آزر، ولوط هو ابن أخى إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد أمن برسالة عمه إبراهيم الخليل وأصبح من الموحدين بالله. وتزوج لوط من قومه وأنجب ابنتيه «أريثا وزغرة» وكانتا صالحتين، ثم خرج مع إبراهيم من بلاد ما بين النهرين واتجه إبراهيم الخليل إلى فلسطين، فى حين اتجه لوط إلى «سدوم (تقع فى شمال الأردن).» بتكليف من «رب العالمين» حتى يهديهم ويخرجهم من الضلال إلى الإيمان، وكان لوطًا ذا مال كثير. وعندما بلغ سدوم استأجر منزلًا ومكانًا لرعاية ماشيته».

وقد وصف الله قوم لوط بأنهم قوم سوء فاسقين، فقد كانوا أول من مارس فاحشة الشذوذ الجنسى وخالفوا فطرة الله التى فطر الإنسان عليها. حيث قال الله تعالى فى كتابه الكريم: «إِنَّكُم لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ». فقد أدى بهم ترفهم وغناهم إلى ممارسة الفاحشة فى أسواقهم ونواديهم جهارًا وعلى مرأى من الجميع، وكانوا يقطعون الطريق على القوافل فينهبوها ويفعلون الفاحشة برجال القوافل. فأمتنع الناس عن السير فى طريقهم، وقد وصف الله أعمالهم بأنها من الخبائث: «وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِين».

وبدأ لوط فى دعوته لقوم سدوم بالهداية، فلم يستمعوا له واستهزأوا به، وهددوه بطرده من القرية، ولكنه صبر على أذاهم واستمر فى دعوتهم للإيمان.

أما امرأة لوط فلم تؤمن برسالته، وعندما استقروا فى سدوم، سرعان ما اندمجت مع القوم الكافرين، فلم تمارس الفاحشة ولكنها ساعدتهم على ذلك، وكانت تقوم بإفشاء أسرار زوجها إليهم، ولذلك لم يحترموا النبى الكريم حتى جاء وعد الله.

الاختبار الصعب لـ«لوط»

أرسل الله ثلاثة ملائكة، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام، إلى سيدنا إبراهيم الخليل لتبشيره بميلاد إسحاق من زوجته سارة، وأنهم فى طريقهم لتدمير قرية سدوم. وحاول إبراهيم الشفاعة لهم، ولكن كان غضب الله قد حل عليهم، فخرجت الملائكة من عند إبراهيم متجهين إلى قوم لوط.

ووصلوا إلى نهر على مقربة من سدوم فى منتصف النهار، وهناك وجدوا ابنة لوط الكبرى تستقى منه الماء لأهلها. فسألوها عن مكان للمبيت، وكانوا قد تمثلوا بصورة شبان ذوى جمال وحُسن شديد. فقالت لهم:

«نعم، مكانكم لا تدخلوا القرية حتى أتيكم»، خوفًا عليهم من فجور أهل القرية.

سارعت الابنة إلى أبيها تخبره بأن هناك ضيوفًا يريدون بيتًا يستضيفهم، قائلة: «أبتاه.. هناك فتيان على باب المدينة، ما رأيت وجوه قوم قط هى أحسن منهم، أخاف أن يأخذهم القوم فيفضحوهم». فقال لها:

«احضريهم».

عادت الابنة مسرعة وأرشدتهم إلى البيت، وتكتموا على الأمر فلم يعلم أحد به إلا أهل البيت. فخرجت امرأة لوط إلى القوم تخبرهم بأن فى منزلها رجالًا ما رأت فى مثل جمال وجوههم قط. فجاء القوم يهرعون إلى المنزل يريدون اقتحامه لفعل الفاحشة بالضيوف، ووقف لوط عليه السلام خلف الباب يدفعهم وينصحهم ويذكرهم بزوجاتهم ونسائهم ويعرض عليهم بناته. (وَلَمَّا جَآءَت رُسُلُنَا لُوطا سِيءَ بِهِم وَضَاقَ بِهِم ذَرعا وَقَالَ هَذَا يَومٌ عَصِيب (77) وَجَآءَهُ قَومُهُ يُهرَعُونَ إِلَيهِ وَمِن قَبلُ كَانُواْ يَعمَلُونَ ٱلسَّيِّـَاتِ قَالَ يَقَومِ هَؤُلَآءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطهَرُ لَكُم فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخزُونِ فِى ضَيفِي أَلَيسَ مِنكُم رَجُل رَّشِيد) وأصر القوم الفجرة على موقفهم، فرفضوا الاستماع لنصائح لوط وتحذيراته،. (قَالُواْ لَقَد عَلِمتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِن حَقّ وَإِنَّكَ لَتَعلَمُ مَا نُرِيدُ )، وهنا لا بد من وقفة لتوضيح أمر مهم. فقد عرض النبى لوط بناته على القوم ليتزوجوا بهن وليس بأن يقوموا بفعل الفاحشة معهن بدلا من الضيوف. ولم يكن عليه السلام يعلم طبيعة ضيوفه فاستغاث بالله عز وجل عندما اشتد البلاء عليه ( قَالَ لَو أَنَّ لِى بِكُم قُوَّةً أَو ءَاوِي إِلَى رُكن شَدِيد) وعندئذ أفصحت الملائكة عن حقيقتهم وأنهم رُسل الله ولن يستطيع القوم الوصول إليهم وأنهم جاءوا برسالة له بأنه سيتم هلاك القوم الظالمين جميعا فى الصباح. فاستبطأ لوط ميعاد العذاب، فأجابته الملائكة بأن الصبح قريب وليس ببعيد وعليه أن يخرج هو وأهله من البلدة ليلا ولا يلتفت منهم أحد خلفه إلا امراته التى ستخالف الأمر وسيحل عليها العذاب وخرج لوط عليه السلام من باب خلفى فى الدار ومعه ابنتاه وزوجته علها تنجوا من العذاب واتجهوا مسرعين إلى خارج البلدة وعندما ابتعدوا عن المدينة، فى تلك اللحظة جاء سيدنا جبريل عليه السلام ورفع البلدة حتى بلغ بها عنان السماء وقيل إن ملائكة السماء سمعوا صوت صراخهم ثم قلبها عليهم رأسا على عقب وجعل عاليها سافلها، واشتد صراخ القوم الكافرين. لم يلتفت لوط وبناته إلى الخلف امتثالاً لأمر الله، فى حين التفتت زوجته لترى العذاب وتتحسر على القوم وأموالهم التى ضاعت فسقط عليها حجر فقتلها وكانت من الهالكين. ويُقال بأن مكان تلك البلدة بحيرة نتنة (البحر الميت) لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأراضى المتاخمة لها لردائتها ودنائتها، فصارت عبرة وعظة وآية على قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته وعزته فى انتقامه مما يخالف أمره ويكذب رسله.