الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. رمضان المصرى.. وسر أجراس مسجد الروضة البطريرك تواضروس الثانى.. بابا الضرورة الوطنية!

مصر أولا.. رمضان المصرى.. وسر أجراس مسجد الروضة البطريرك تواضروس الثانى.. بابا الضرورة الوطنية!

فى 4 نوفمبر سنة 2012 تم تنصيب البابا تواضروس الثانى لتولى مهام منصبه فى ظروف سياسية معقدة.. حيث تزامن ذلك مع صعود حكم الفاشية الدينية المتمثلة فى الإسلام السياسى فى مصر (24 يونيو 2012 – 3 يوليو 2013) من خلال البرلمان، والانتخابات الرئاسية آنذاك.. التى فاز فيها محمد مرسى (1951 – 2019).. ومن جانب آخر، كانت هناك أزمات وتوترات طائفية مزمنة تفاقمت بشكل تحول إلى نوع من المعاناة للمواطنين المسيحيين المصريين فى العديد من الملفات على غرار: بناء الكنائس وترميمها، وعدم توليهم المناصب العليا واستبعادهم منها رغم الكفاءة والاقتدار، وشيوع العديد من الممارسات التمييزية والمضايقات فى التعليم والعمل من بعض المتشددين والمتعصبين والمتطرفين من أتباع تيارات الإسلام السياسى.



عبور فوق التحديات

مثلت هذه الفترة تحديًا صعبًا من حيث التوفيق بين الدور الوطنى للكنيسة المصرية فى مساندة الدولة، وتحملها ما قد يصدر عن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية من قرارات وإجراءات ضد الكنيسة. والتى كانت بدايتها التضييق على ممثلى الشخصيات المسيحية المصرية داخل لجنة إعداد الدستور الأولى فى فبراير 2012، والتى انتهت بانسحاب ممثلى الكنائس المصرية من اللجنة التأسيسية فى 17 نوفمبر 2012، وصدور الدستور دون تواجد لهم فى لجنة إعداده، كما رفضت الكنيسة حضور جلسات الحوار الوطنى التى دعت لها مؤسسة الرئاسة وقتها لغياب الجدية فى نهاية 2012، فضلًا عما قام به أتباع الجماعة المحظورة وأعوانهم من الاعتداء على المقر البابوى لأول مرة فى التاريخ فى 8 أبريل 2013. وحمل حينذاك خيرت الشاطر «نائب المرشد» تلك الأحداث فى مؤتمر صحفى عقده بمقر الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح فى 8 ديسمبر 2012 ليتهم المواطنين المسيحيين المصريين بأنهم مثلوا %80 من المتظاهرين أمام قصر الاتحادية. وهو ما أكده أيضًا محمد البلتاجى بعد ذلك فى 12 ديسمبر 2012 لحشد أتباع الجماعة ومواليها ضدهم. كما أفصح الإخوان عن نظرتهم للمسيحيين المصريين حيث وصفهم محمد مرسى خلال حواره مع شبكة cnn الإخبارية الأمريكية فى 6 يناير 2013 بأنهم أقلية.. بعد أن أكد على أن مصر ملتزمة بحماية الأقليات فى مصر بمن فيهم الأقباط.

ترتب على ذلك العديد من الإجراءات لعل أهمها أن سعت العديد من العائلات المسيحية المصرية للهجرة، وترك بلدهم التى اختطفت فى غفلة من الوعى الوطنى.. بسبب حالة الفوضى الخلاقة التى فرضت علينا فى أكبر مخطط خلال النصف قرن الماضى لإسقاط دولة. ولكن مثلما استطاعت الدولة المصرية عبور مرحلة حكم المتطرفين.. استطاعت الكنيسة المصرية العبور فوق انقسامات عديدة وجدل سفسطائى.. تلا فترة رحيل البابا شنودة الثالث بعد 40 عامًا على رأس الكنيسة المصرية.   

استهداف المسيحيين

وبعد أن خرج الملايين من الشعب المصرى.. رافضين حكم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى ثورة 30 يونيو، كانت الكنيسة المصرية فى موقف حرج. ولكن سرعان ما اختار البابا تواضروس الثانى أن يكون بجانب جموع المواطنين المصريين المتظاهرين بجانب د. أحمد الطيب «شيخ الأزهر» ليعلنوا جميعًا رفضهم لحكم الجماعة الفاشية، وشاركت الكنيسة المصرية فى الإعلان عن خارطة الطريق لبناء مستقبل مصر فى 3 يوليو 2013. 

وكان من الطبيعى أنه عقب فض اعتصامى الإخوان وأنصارهم فى رابعة والنهضة فى 14 أغسطس 2013، أن يدفع المواطنون المسيحيون المصريون وكنائسهم ثمن ما حدث، إذ تحولوا إلى أهداف لأنصار الجماعة الإرهابية، وحرق فى هذا اليوم ودمرت العشرات من الكنائس والمبانى الكنسية والممتلكات الخاصة.

واستنكرت الكنيسة ما حدث، وأعلن البابا تواضروس أنه يصلى من أجل كل مواطن مصرى ليكون درعًا لحماية الوطن من كل إرهاب ومن كل عنف.

 

استهداف البابا

يحسب للبابا تواضروس مواقفه الوطنية فى العديد من الأزمات الصعبة.. بداية من موقفه الداعم بكل قوة لثورة 30 يونيو العظيمة، ومرورًا بضبط النفس فى ردود الأفعال تجاه ما تعرضت له الكنائس عقب فض رابعة، وصولًا إلى مساندته للدولة الوطنية المصرية فى جميع حوادث الإرهاب على غرار تفجير البطرسية وطنطا والإسكندرية. فضلًا عن إيمانه الراسخ بأن قوة الدولة وتماسكها وأمانها هو السبيل للمواطنين المصريين بوجه عام، وللمواطنين المسيحيين المصريين بوجه خاص.

أكثر من عشر سنوات مرت على تنصيب البابا تواضروس الثانى على كرسى البابوية الآن (2012 – 2024).. مرت بإيجابياتها وسلبياتها، بما لها وما عليها، حظى فيها البابا بترحاب شديد تارة، كما حظى فيها بهجوم عنيف تارة أخرى، سواء من داخل مصر أو خارجها.

ومن الواضح أن اتجاهات الهجوم تتبع من نصبوا أنفسهم وكلاء على الكنيسة ورجالها، وأصبحت حملات التشويه التى كانت تستهدف بعض الأساقفة وبعض الكهنة قبل أحداث 25 يناير 2011، والتى ركزت على شخص البابا وحده بشكل مباشر لا لبس فيه. والملاحظ فى أمر تلك الحملات المنظمة أنها لا تركز على ما يجب التركيز عليه مثل التطوير المؤسسى للمنظومة التعليمية والإدارية والمالية داخل الكنيسة بما يتناسب مع متغيرات العصر وتحدياته.

أثر دولة 30 يونيو

تحسنت أحوال المواطنين المسيحيين المصريين مع ثورة 30 يونيو 2013 والتى قام بها الشعب المصرى، وحمتها القوات المسلحة المصرية، وحدث تحقيق ذلك من خلال: إقرار أول قانون فى التاريخ لبناء وتنظيم الكنائس فى مصر، ودورية زيارات الرئيس للكاتدرائية للتهنئة بالأعياد، وتبنى الدولة ترميم وإعادة بناء الكنائس التى أحرقت ودمرت. وهو ما رسخ بشكل حقيقى وعبر عن المواطنة الكاملة وعدم التمييز، وإقرار المساواة من منطلق أن جميعنا كمصريين نستهدف بناء مصر الحديثة.

ومن هنا، كان البابا تواضروس رمزًا.. حافظ على سلامة الوطن والكنيسة فى وجه الإرهاب والقوى الخارجية. ولم يضبط البابا متلبسًا مرة ضد الوطنية المصرية، بل كان داعمًا ومساندًا بقوة للدولة المصرية.. متهمًا الإعلام الأجنبى بتضخيم الأحداث فى مصر، ومطالبًا بدعم الوطن ومساندته.

اعتصام رابعة.. ووفد الكونجرس

تعرضت الكنائس المصرية عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة فى 14 أغسطس 2013 لأشرس هجوم من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية. وأكد البابا على موقفه ومدى حكمته للمرور من تلك الأزمات الطائفية البغيضة، وأطلق مقولته الوطنية (إن أحرقوا كنائسنا.. سنصلى فى المساجد، وإن أحرقوا المساجد.. سنصلى فى الشوارع. وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن)، وأكد أن حرق الكنائس هو مجرد تضحية بسيطة يقدمها المواطنون المسيحيون من أجل الوطن.

أكد البابا خلال لقائه مع وفد من الكونجرس الأمريكى عقب ثورة 30 يونيو فى 6 سبتمبر 2013، أن أحوال المواطنين المسيحيين المصريين تحسنت، وأن للحرية ثمنا غاليا وأن «حرق الكنائس جزء من هذا الثمن نقدمه لبلادنا بصبر وحب».  

 

سر أجراس الكنائس ومسجد الروضة

عقب وقوع الحادث الإرهابى الذى وقع فى 24 نوفمبر 2017 بمسجد الروضة بالعريش، أعلنت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عن دق جميع أجراس الكنائس، وذلك تضامنًا وحزنًا على أرواح شهداء مسجد الروضة بالعريش. وهى الفكرة التى طرحتها على الأب أنجليوس إسحق «سكرتير البابا حينذاك» من خلال اتصال تليفونى معه فى ألمانيا، والذى عرض بدوره فكرتى على البابا تواضروس عقب إفاقته من العملية مساء الجمعة، ووجدت منه استحسانًا وشكرًا.. لتدق أجراس الكنائس نغماتها الحزينة على شهداء الغدر والإرهاب مع صلاة ظهر السبت 25 نوفمبر 2017.

دعم المشاركة الوطنية

أصدر البابا توجيهاته بمشاركة الكنيسة فى العمل المجتمعى من خلال أسقفية الخدمات العامة ودعم مبادرة «حياة كريمة» التى أسهمت فى تحسين أوضاع المحتاجين فى العشوائيات، كما أكد على أهمية المشاركة الوطنية فى الانتخابات لبناء مصر والفخر بالإنجازات التى تحققت فى تلك الفترة.  

نقطة ومن أول السطر

البابا تواضروس له دور وطنى لا يستهان به… ومواقف فى سجل تاريخ طابور المحبين لهذا لوطن فى أحلك الأزمات التى مرت به. وهو صاحب دور متميز بأقواله وتصريحاته التى أسهمت فى حفظ كيان مصر ووحدتها.

فى اعتقادى.. أن مواقف البابا تواضروس الثانى المنضبطة وغير الانفعالية التى تعبر عن الهدوء فى التفكير والحكمة فى التصريحات.. هى الوجه الثانى للدولة المصرية فى مواقفها الدبلوماسية الدولية التى رفضت ردود الفعال المتهورة، والتزمت الصمت الفعال الذى حافظ على حقوق الشعب المصرى.