الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عام على الحرب فى السودان 2 .. السودانيون ما بين ظروف اقتصادية قاسية وحلول سياسية باهتة العام الأسوأ فى تاريخ السودان

شهد العام 2023 أحداثا مأساوية فى السودان جعلت منه العام الأسوأ فى تاريخ البلاد حيث اندلعت فيه حرب طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع انطلقت من قلب العاصمة الخرطوم، لتمتد إلى أكثر من 60 فى المئة من مساحة البلاد؛ مخلفة نحو 12 ألف قتيل، وتشرد بسببها أكثر من 8 ملايين تشتتت بهم السبل داخل البلاد وخارجها.



ووسط تصاعد المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفى ظل أوضاع اقتصادية وصفها مختصون بالقاسية، استقبلت قطاعات واسعة من السودانيين، شهر رمضان، إذ توزعت المعاناة بين معسكرات النزوح ومواقع النزاعات، بينما لم تسلم المناطق الآمنة من تأثيرات الوضع الاقتصادى المتدهور.

ومع اقتراب الحرب الأهلية من نهاية عامها الأول، يصل عدد الأشخاص النازحين من المدنيين إلى 8 ملايين سودانية وسودانى حلت أغلبيتهم بمصر، وتطل المجاعة بوجهها المتوحش على سكان إقليم دارفور وعديد المناطق النائية التى لا يصلها ما يكفى من المساعدات الخارجية، ويواجه أكثر من 25 مليون مواطن ومواطنة (نصف عدد السكان) الجوع كواقع أليم لا فكاك منه، وتحذر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من خطر تعرض أكثر من 700 ألف طفل لسوء تغذية يفضى إلى الموت المحقق.

 فما الذى حدث؟

فى 5 أبريل 2023 تم تأجيل توقيع الاتفاق النهائى لنقل السلطة للمدنيين بناء على الاتفاق الإطارى الموقع فى ديسمبر 2022، والذى نص على تكوين جيش مهنى موحد يخضع للسلطة المدنية، وسط معارضة كبيرة من النظام البائد الذى هددت بنسف الاتفاق بالقوة.

وفى 15 أبريل 2023: اندلع قتال مفاجئ بين الجيش وقوات الدعم السريع، وبدأ بهجوم على معسكر يتبع للدعم السريع فى المدينة الرياضية بجنوب العاصمة الخرطوم؛ وسرعان ما اتسعت رقعته لتشمل جميع أجزاء مدن العاصمة الثلاثة- الخرطوم وأم د رمان والخرطوم بحرى.. وبدأ سكان عدد كبير من أحياء مدن العاصمة فى 21 أبريل 2023 مغادرة منازلهم والتوجه جنوبا نحو ولاية الجزيرة، وشرقا وشمالا نحو بورتسودان وولايتى الشمالية ونهر النيل.

وفى 22 أبريل 2023 قامت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى وعدد من البلدان العربية والأفريقية والآسيوية بإجلاء رعاياها من الخرطوم.

وأعلنت قوات الدعم السريع فى 25 أبريل 2023 السيطرة على مواقع استراتيجية من بينها القصر الجمهورى، وأجزاء كبيرة من القيادة العامة للجيش ومواقع أخرى فى وسط الخرطوم.

وفى 26 أبريل 2023 تم إخراج العشرات من عناصر نظام عمر البشير المطلوبين للعدالة الدولية وفى قضايا محلية من السجون.

وحدث فى مايو 2023 عمليات نهب وقصف واسعة أخرجت أكثر من 80 فى المئة من المستشفيات ونحو 400 منشأة صناعية عن الخدمة.. وفى يونيو 2023 وسعت قوات الدعم السريع مناطق سيطرتها لتشمل مواقع عسكرية استراتيجية، وتفرض حصارا شديدا على سلاح المدرعات.

وفى يوليو 2023 احتدم القتال فى إقليم دارفور، مما أدى إلى سيطرة قوات الدعم السريع على أكثر من 70 فى المئة من مناطق الإقليم.. وفى أغسطس 2023: تدهور كبير فى الأوضاغ الإنسانية خصوصا فى أوساط العالقين فى مناطق القتال بالخرطوم ودارفور.

ديسمبر 2023: انتقال القتال إلى ولاية الجزيرة، وتمدد قوات الدعم السريع جنوبا نحو ولايتى سنار والنيل الأزرق، بعد إحكام سيطرتها على مدينة ود مدنى عاصمة الجزيرة.

 خسائر فادحة

فقد نحو 12 ألف شخص حياتهم نتيجة القصف الجوى والاشتباكات الأرضية، واضطر أكثر من 7 ملايين من السكان للفرار من منازلهم، وتم تدمير أكثر من 200 مبنى تاريخى وإدارى وخدمى فى العاصمة الخرطوم.

كما توقف أكثر من 19 مليون طالب عن الدراسة بعد استمرار إغلاق الجامعات والمدارس للشهر التاسع على التوالى، وفقد الجنيه السودانى 90 فى المئة من قيمته، وينخفض من 550 جنيها للدولار إلى أكثر من ألف جنيه.

بجانب ذلك، فقد نحو 4 ملايين من العاملين فى القطاعين الحكومى والخاص وظائفهم بسبب الحرب وقدرت مصادر اقتصادية خسائر الاقتصاد السودانى جراء الحرب بأكثر من 100 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر.

وفى فبراير الماضى، أعلن الجهاز المركزى للإحصاء، أن معدل التضخم فى السودان سجل 83 بالمئة، بينما أكد وزير المالية السودانى، جبريل إبراهيم، انخفاض إيرادات البلاد بأكثر من 80 فى المئة.. ويعيش السودانيون ظروفا اقتصادية قاسية، ازدادت قسوتها خلال شهر رمضان المبارك، بين معسكرات النزوح، ومنازل غير آمنة، فى ظل استمرار الحرب، واستهدافها لمناطق مدنية، فى وقت يؤكد فيه عاملون، فى مجال المساعدات الإنسانية داخل السودان، على أن الآلاف من الأسر السودانية، لم تتمكن من توفير حاجاتها من السلع الأساسية، خلال شهر الصيام، ويشير هؤلاء العاملون فى مجال المساعدات، إلى أن الملايين من النازحين فى دور الإيواء لايحصلون إلا على وجبة واحدة يوميا.

تحذيرات دولية

ولم تتمكن آلاف الأسر السودانية من توفير السلع الأساسية الخاصة بشهر رمضان، وفق تقديرات خبراء اقتصاديين، فى حين أشار ناشطون بالعمل الطوعى إلى أن «ملايين النازحين فى دور الإيواء يحصلون على وجبة واحدة يوميا فى أفضل الأحوال».

وأطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تزامنا مع أول أيام رمضان نداءً جديدًا «لوقف الأعمال العدائية فى السودان».

وقال غوتيريش إن «النداء الأهم الذى أوجهه هو لاحترام قيم شهر رمضان، وإسكات البنادق، ولإزالة جميع العقبات لضمان تسليم المساعدات المنقذة للحياة بالسرعة المطلوبة».

واستمرت المواجهات بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع بعدد من المحاور القتالية، فى وقت تمسك فيه الجيش بعدم الدخول فى أى هدنة، ما لم تخرج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان المدنية، بحسب بيان لمساعد القائد العام للجيش، الفريق أول ياسر العطا.

أما المجتمع الدولى، فشقه الدبلوماسى يصم آذانه عن تحذيرات منظمات أممية وجهات إغاثية عالمية عديدة بشأن خطورة الأوضاع ويمتنع عن الضغط بفاعلية على الجيش وقوات الدعم السريع لوقف إطلاق النار والبحث عن حلول تفاوضية، وشقه الحقوقى المفترض فى مكوناته (مؤسسات أممية ومنظمات حقوق إنسان عالمية) أن يوثق الجرائم والانتهاكات التى تشهدها السودان منذ ربيع العام الماضى يصمت فلا تقارير تنشر ولا أرقام وبيانات تخرج إلى العلن إلا فيما ندر، وشقه الإعلامى بجناحيه التقليدى (الصحافة والإعلام المسموع والمرئى) والحديث (وسائل التواصل الاجتماعى) يركز إما على الحرب فى غزة وصراع السرديات الدائر بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، أو على الحرب الروسية الأوكرانية وصراع السرديات الدائر أيضا بين الطرفين هناك ويتجاهل فى الأغلب الأعم المأساة السودانية على الرغم من فصولها الدموية والوحشية المتعاقبة وعلى الرغم من الكلفة البشرية والمادية المخيفة.

وفى حين تستمر الحرب للشهر الحادى عشرعلى التوالى، يلوح فى الأفق بصيص أمل يتمسك الكثير من السودانيين فى أن يأتى العام 2024 بأخبار سارة توقف الدمار الكبير الذى خلقته الحرب، وتعيد للبلاد لحمتها فى ظل جهود حثيثة تبذلها أطراف محلية وإقليمية ودولية للوصول إلى نهاية للقتال والمأساة الانسانية التى يعيشها ملايين السودانيين.

وعلى الرغم من الأحداث العديدة التى شهدها السودان خلال الربع الأول من العام والتى تمثل أبرزها فى استمرار الاحتجاجات الشعبية الرافضة لقرارات قائد الجيش السودانى فى الخامس والعشرين من أكتوبر 2021؛ إلا أن اندلاع القتال فى الخرطوم فى منتصف أبريل طغى على كل تلك الأحداث، وأصبح الحدث الأبرز الذى تمخضت عنه العديد من التداعيات والتبعات الخطيرة التى يتوقع مراقبون أن تستمر تأثيراتها لعشرات السنين.

 أزمة نازحين

ويواجه النازحون فى مراكز الإيواء بولاية نهر النيل شمال السودان، واقعًا صعبًا مع نقص الغذاء والدواء والمتطلبات الضرورية، مع دخول شهر رمضان، ومضى 11 شهرًا على المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وتقول مفوضة العون الإنسانى بولاية نهر النيل عفاف تاج السر، وفق موقع «سودان تريبون» إنّ الولاية استقبلت وافدين بسبب الحرب، قدر عددهم بنحو مليون و980 ألف أسرة جرى توزيعها على 288 مركز إيواء. وبعثت المفوضة بمناشدة للمنظمات للتدخل لتقديم الدعم للنازحين، وقالت إنّ حكومة الولاية تقوم بجهد كبير تجاههم، وتم الاستعداد لرمضان بتحضير الفرق والجهات الخيرية التى توزع المؤن فى مراكز الإيواء دون نسيان الأسر المضيفة للنازحين.

وترجح منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الغذاء العالمى ارتفاع سعر الحبوب الأساسية بنسب تتراوح بين 50 % إلى 100 % فى الأشهر التالية.

ووفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة فإنّ خطة الاحتياجات والاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2024 تتطلب توفير 2.7 مليار دولار لتوفير مساعدات متعددة القطاعات منقذة للحياة ومساعدات الحماية لـ 14.7 مليون شخص فى جميع أنحاء السودان فى عام 2024.

وحتى 23 فبراير 2024 جرى تمويل النداء بنسبة 3.5 % بمبلغ 95.5 دولارًا بحسب ما أوردته خدمة التتبع المالى للأمم المتحدة.

قال برنامج الأغذية العالمى إن المساعدات الغذائية المقدمة لمئات آلاف اللاجئين السودانيين فى تشاد، وبعضهم على شفا المجاعة، ستتوقف الشهر المقبل ما لم يتم تقديم مزيد من التمويل.

ومنذ اندلاع الصراع فى السودان قبل عام تقريبا، فر أكثر من نصف مليون سودانى إلى تشاد عبر الحدود الصحراوية الطويلة وأصبحت البلاد حاليا واحدة من المناطق الرئيسية للاجئين فى أفريقيا حيث يبلغ إجمالى عدد اللاجئين فيها أكثر من مليون شخص.

ويقول برنامج الأغذية العالمى إنه يكافح من أجل توفير الطعام لجميع اللاجئين، والعديد منهم بالفعل لا يحصلون على وجباتهم كاملة، ويعانى ما يقرب من نصف اللاجئين السودانيين من الأطفال دون سن الخامسة من فقر دم حاد.

وذكر برنامج الأغذية العالمى أن مسار الإمدادات من تشاد إلى إقليم دارفور بالسودان، حيث يتفاقم الجوع، معرض للخطر أيضا بسبب نقص التمويل.

ومع المزيد من الموارد، سيتمكن برنامج الأغذية العالمى من تعزيز مخزون الغذاء قبل موسم الأمطار، وذلك لاحتمالية انقطاع الإمدادات عن بعض اللاجئين فى تشاد بسبب ارتفاع منسوب الأنهار.

وخلص تقييم أجرته منظمة أطباء بلا حدود فى يناير إلى أنه فى المخيم، الذى يأوى ما يقدر بنحو 400 ألف شخص، يموت طفلان كل ساعة، ووجدت المنظمة أن ما يقرب من 40 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسنتين يعانون من سوء التغذية.

 هدنة فى رمضان؟

يبدو أن دعوة مجلس الأمن الدولى، إلى هدنة خلال شهر رمضان، فى القتال الدائر فى السودان، قد ذهبت أدراج الرياح، إذ لاتظهر التصريحات المتتالية القادمة من السودان، كما لاتظهر الوقائع على الأرض أيضا، أى بشائر للسودانيين بالعودة إلى حياة طبيعية، خلال الشهر الكريم.

وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قد دعا الأسبوع الماضى إلى وقف لإطلاق النار فى السودان خلال شهر رمضان، فى ظل تدهور الأوضاع فى البلاد، وقد أيدت 14 دولة النص الذى اقترحته بريطانيا، فى حين امتنعت روسيا عن التصويت عليه.

وانعقدت جلسة مجلس الأمن تلك، فى اليوم التالى، لدعوات أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لطرفى النزاع فى السودان، إلى «وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان»، بينما تتخذ الأزمة الإنسانية «أبعادا هائلة».

 الجيش يرفض ويهاجم

وبدا الإحباط سيد الموقف لدى السودانيين، الذين كانوا قد استبشروا خيرا، بالدعوة إلى الهدنة لالتقاط الأنفاس، وممارسة بعض من طقوس حياتهم الطبيعية، التى اعتادوا عليها خلال شهر رمضان، فقد رفض الجيش السودانى أى هدنة خلال الشهر.

ونقل موقع «سودان تريبيون»، عن الفريق ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش السودانى، رفضه الجلوس إلى طاولة تفاوض مع الدعم السريع، مالم يطبق الآخير عدة شروط، وقال القائد العسكرى السودانى «الهدنة ممكنة فقط حال انسحبت قوات الدعم السريع من المدن التى احتلتها فى درافور وخرجت من العاصمة الخرطوم».

وأوضح العطا أنه «للجلوس للتفاوض يتم تحديد 3 معسكرات فى العاصمة و3 فى دارفور ينسحب إليها الدعم السريع ويسلم الآليات العسكرية والأسلحة والعربات». مطالبا رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان، بتكوين حكومة طوارئ، لدعم المجهود الحربى، وإعادة الإعمار فى المواقع التى جرى تحريرها، من الدعم السريع. متهما دولة الإمارات العربية المتحدة، بأنها تستخدم قوات الدعم السريع لتنفيذ أهدافها فى السودان. حسب قوله.

وعلى الأرض يبدو الموقف متسقا، مع تأكيدات الجيش على عدم الدخول فى هدنة، ففى أول أيام شهر رمضان المبارك، تحدثت تقارير إعلامية سودانية، عن احتدام القتال فى العاصمة الخرطوم، بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، وقال الجيش السودانى فى بيان له، الإثنين 11 مارس، إن قوات العمل الخاص التابعة للجيش، قتلت عناصر من قوات الدعم السريع، بضاحية الكَدرو شمالى الخرطوم بحرى.

 حراك مكثف

حراك مكثف مرتبط بالأزمة السودانية شهدته القاهرة خلال الأيام الماضية، سبق ذلك لقاء جمع رئيس مجلس السيادة السودانى عبدالفتاح البرهان فى القاهرة بالرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى أواخر فبراير الماضى، حيث عرض البرهان رؤيته لإنهاء الحرب واستدامة السلام والاستقرار فى بلاده.

فى حين احتضنت العاصمة المصرية فى 6 مارس الجارى اجتماعا لافتا للآلية الإفريقية رفيعة المستوى بشأن السودان مع ممثلين لحزب المؤتمر الوطنى المحلول الحاكم سابقا، تداول فيه الطرفان كيفية إخماد الصراع الذى يقترب من إكمال عامه الأول.

أعادت هذه اللقاءات تسليط الضوء على الجهود المصرية لمعالجة الأوضاع المتدهورة فى جارتها الجنوبية، والعلاقات المتباينة التى تربطها بالفاعلين على الساحة السودانية.

ترتكز المقاربة المصرية لحل الأزمة فى السودان على مجموعة من المحددات التى أودعتها مبادرتها «لدول جوار السودان» التى عقدت قمتها فى 13 يوليو 2023، بما يتضمن الدعوة إلى إنهاء الحرب، مع الاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدته، ووقف تدخل الأطراف الخارجية، بجانب الحفاظ على الدولة السودانية.. كما احتضنت القاهرة مؤتمر القضايا الإنسانية فى السودان فى نوفمبر 2023 الذى شملت توصياته مجالات متعلقة بالجوانب الإنسانية والإغاثية.

وفى هذا السياق يعتقد محللون أن مجموعة من العوامل تكمن خلف النشاط الملحوظ الذى شهدته جهود القاهرة مؤخرا، حيث يعزز انسداد الأفق السياسى المخاوف حول مستقبل السودان كدولة موحدة، مع كل ما يحمله هذا السيناريو من تداعيات على دول الجوار وفى مقدمتها مصر.

فى حين يهدد تفاقم الأزمة الإنسانية فى السودان بزيادة أعداد اللاجئين إلى مصر بما يضاعف الأعباء على القاهرة التى تعانى أزمة اقتصادية خانقة، حيث تشير أرقام أممية منشورة فى فبراير الماضى إلى فرار قرابة نصف مليون سودانى إلى جارتهم الشمالية منذ اندلاع شرارة الحرب السودانية.

من جهة أخرى فقد أعادت التطورات الإقليمية والدولية السودان إلى أچندة الأولويات الغربية، مع تصاعد التوترات الأمنية فى جنوب البحر الأحمر وتطور العلاقات السودانية الإيرانية، حيث عينت واشنطن أواخر فبراير توم بيريللو مبعوثا خاصا إلى السودان، مما يتوقع أن يشكل بداية لانخراط أمريكى أكبر فى جهود المصالحة السودانية.

الاهتمام الأمريكى المتصاعد بالأزمة السودانية وعجز المبادرات المختلفة عن تفكيك عقدها يتيحان المجال للقاهرة للقيام بدور أكثر فاعلية، لإنعاش مبادرة دول جوار السودان، والسعى لتحديد حجم وكيفية التفاعل المصرى المتوقع مع الأزمة السودانية وتسريع جهود حلها.

من جانبه، يرى المحلل السياسى السودانى محمد تورشين أن محدودية النجاح الذى أصابته مبادرة دول جوار السودان دفع القاهرة إلى تطوير تحركها المنفرد، مع تسارع الحاجة لإيجاد مقاربة تسهم فى إيقاف الحرب، حيث تعد القاهرة من الأطراف الأكثر تأثرا وتضررا من تطاول أمدها.

وتعمل القاهرة تعمل الآن على تطوير مبادرة قادرة على إحداث اختراق فى جدار الأزمة السودانية الصلب، وصياغة مقاربة تسهم فى ترميم عوامل الضعف فى كل المبادرات السابقة، من خلال دراسة العقبات والتحديات التى أدت بها إلى الفشل، والعمل على تجاوزها نحو رؤية أكثر فاعلية وقدرة على إحداث تحول فى مسار الأزمة السودانية.

من جانب آخر صرحت مولى فى مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشئون الأفريقية أن مستقبل السودان بعد الصراع يعتمد على جبهة مدنية واسعة مؤيدة للديمقراطية، وجاء هذا التصريح فى تغريدة على منصة «إكس» عقب لقائها بوفد من تنسيقية «تقدم» فى 13 فبراير الماضى، حيث أشادت بالأخيرة وجهودها، بما يضع «تقدم» فى قلب الرؤية الأمريكية لكيفية حل الأزمة المستعصية فى بلاد النيلين.

وسيعمل حمدوك على توسيع مظلة تقدم لتضم المزيد من القوى السياسية السودانية الموجودة فى القاهرة، وفى مقدمتها الحزب الشيوعى وحزب البعث العربى الاشتراكى (الأصل)، حيث عقد الأخير اجتماعا مع تقدم فى فبراير الماضى أسفر عن تشكيل فريق عمل مشترك من أجل الوصول لأوسع جبهة مدنية لوقف الحرب.

من جانب آخر قدم حزب الأمة القومى لحمدوك مذكرة تضمنت نقده لبعض خطوات اتخذتها تقدم، موضحا أنه سيقدم مقترحات إصلاحية تفصيلية خلال 72 ساعة، مشترطا حصوله على ردود عليها خلال أسبوعين، ليقرر على ضوئها «الإجراءات اللازمة لتحديد دوره فى التحالف»، مما يشير إلى تلويحه بالانسحاب أو تجميد عضويته فى تقدم.

وفى تصريح لحمدوك أجمل أهم المحاور التى ناقشها فى مصر بإيقاف الحرب، والعون الإنسانى، بجانب أوضاع السودانيين فى مصر، حيث أكد تلقيه وعودا من المسئولين المصريين بمعالجة المشاكل المتعلقة بالتعليم والصحة والإقامة وتأشيرات الدخول.