الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

استطلاع يظهر تراجعا فى تأييد الصهيونية عالميًا: يهود بريطانيا يطالبون بتفكيك إسرائيل وإرجاع الأرض للفلسطينيين

طرحت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة النقاش مجددا فى الدوائر الأكاديمية والبحثية حول التغير الملحوظ فى اتجاهات الرأى العام اليهودى الناقد للسردية الصهيونية وعلاقتها بالهوية اليهودية فى أكبر العواصم الغربية دعما للسياسات الإسرائيلية، وذلك فى ظل تصاعد الجدل حول تعمد الساسة الإسرائيليين وسم كل خطاب مناهض لسياساتهم الاستيطانية والرافض للأيديولوجية الصهيونية بـمعاداة السامية.



 

وأظهرت نتائج استطلاع رأى أجراه معهد أبحاث السياسة اليهودية ومقره لندن صدرت فى فبراير 2024 تراجع نسبة اليهود البريطانيين الذين يعرفون أنفسهم بأنهم صهاينة من 73 % قبل 10 سنوات إلى 63 %، خاصة فى صفوف الشباب.

 

ويشير استطلاع المعهد الأكبر من نوعه فى دراسة تشكل الهوية اليهودية فى بريطانيا إلى أن الشباب يفضلون الفصل بين هويتهم اليهودية والارتباط بالصهيونية بوصفها حركة سياسية وأيديولوجية. وتسلط الدراسة الضوء على طبيعة العلاقة بين تبنى الأيديولوجية الصهيونية والانتماء الحزبى فى أوساط الأقلية اليهودية فى بريطانيا والتى لا يتجاوز تعدادها 300 ألف يهودى لكنها تعد ثانى أكبر جالية يهودية فى أوروبا، حيث ينتهى الاستطلاع إلى أن أغلب المؤيدين لحزب المحافظين من اليهود البريطانيين يعرفون أنفسهم بأنهم صهاينة بنسبة 73 %، فى حين تنخفض هذه النسبة إلى حدود 27 % فى صفوف المؤيدين لحزب الخضر المحسوب على أقصى اليسار البريطانى. كما أشارت النتائج نفسها إلى أن ما يقرب من 88 % من المستطلعة آراؤهم صرحوا بأنهم قد زاروا إسرائيل مرة واحدة على الأقل فى وقت أكد فيه 73 % أنهم يشعرون بنوع من الارتباط تجاه إسرائيل.

وقال بريدن ماكجيفر الخبير فى معاداة السامية وأستاذ السوسيولوجيا فى جامعة لندن إن هذا الارتباط العاطفى بإسرائيل لم يعد يعنى دعما لا مشروطا لسياساتها مشيرا إلى استطلاع مشابه لآراء اليهود الأمريكيين حول سلوك إسرائيل السياسى وتدبيرها مسار السلام مع الفلسطينيين الذى عكس مواقف ناقدة بشدة لتلك السياسات. فى حين ذهب استفتاء سابق فى صفوف المصوتين اليهود أجراه المركز الانتخابى اليهودى إلى أن ما يزيد على ربع المستجوبين يوافقون على وصف إسرائيل بدولة فصل عنصرى. وأضاف ماكجيفر أن ما يقدر بربع أعداد الجالية اليهودية فى بريطانيا يفضلون وضع مسافة بينهم وبين الأيديولوجية الصهيونية ويرفضون وصفهم بالصهاينة معتبرا أن هذه الأرقام تجسد انعطافا يجب الانتباه له، والعمل على فحص ومراقبة التحولات التى ستحدث فى إتجاهات الرأى العام اليهودى بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضى لفهم أعمق لمدى تأثير الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة على صناعة الرأى العام فى أوساط الجاليات اليهودية حول العالم فى السنوات المقبلة.

ومع تصاعد الاحتجاج فى الشارع البريطانى ضد الحرب على قطاع غزة برزت حركة «الصوت اليهودى من أجل السلام» التى نظمت تحركات تضامنية مع أهالى القطاع فى عدد من المدن البريطانية وخرجت فى احتجاجات تطالب بوقف فورى لإطلاق النار فى غزة، وتقول الحركة التى تنشط فى أكثر من عاصمة غربية وترفع شعار «ليس باسمنا» إنها ترفض أن ترتكب إسرائيل جرائمها ضد الفلسطينيين باسم اليهود من خلال احتكار تمثيل هويتهم الدينية والثقافية. ويمثل هذا التوجه تحولا فى مزاج الرأى العام اليهودى خاصة فى الدول الغربية، حيث يتسع هامش حرية الرأى والتعبير وينشأ جيل جديد من الجاليات اليهودية أكثر انفتاحا ويتعرف على سردية أخرى للصراع من خلال قنوات مختلفة مغايرة للرواية التى تروجها إسرائيل والحكومات الداعمة لسياساتها. لكن إشهار المسؤولين الإسرائيليين تهمة معاداة السامية فى وجه كل منتقد لإسرائيل يعيد الجدل حول ضرورة رسم حد فاصل بين رفض الصهيونية ومعاداة السامية، خصوصا بعد اتهام إسرائيل مسؤولين أمميين انتقدوا العملية العسكرية الإسرائيلية ضد القطاع بمعاداة السامية وهو خطاب رأى فيه البعض خلطا متعمدا بين معاداة السامية كممارسة عنصرية تمييزية ضد اليهود بسبب هويتهم الدينية وبين إنتقاد إسرائيل والمشروع الصهيونى الاستيطانى على الأراضى الفلسطينية. وعاشت الساحة البريطانية على وقع هذا الخلاف أكثر من مرة، حيث تجدد مع ارتفاع أصوات منتقدة لتعامل حزب العمال مع ما وصفت بأنها تصريحات معادية للسامية أدلى بها بعض عناصره تعليقا على الحرب الإسرائيلية فى قطاع غزة، وتحميلهم إسرائيل مسؤولية أحداث السابع من أكتوبر 2023، حيث بادرت قيادة الحزب لسحب دعمها لمرشحين إنتخابيين بسبب آرائهما الناقدة للاحتلال. فى حين يحذر تيار داخل الحزب من أن تهمة معاداة السامية أصبحت مسوغا لحماية إسرائيل من المسائلة وذريعة لمنع محاسبتها على السياسات التمييزية ضد الفلسطينيين.

وهناك الكثير من الأصوات حول العالم التى انتقدت الصهيونية ومشروعها السياسى والاجتماعى الإحلالى بطرق وزوايا مختلفة، لكن هذا النقد يكتسب أهمية خاصة حين يصدر عن مؤثرين يهود، أولئك الذين تدعى الصهيونية أنها تمثلهم وتتحدث باسمهم. لم يكتف العديد من هؤلاء المؤثرين بانتقاد سياسات إسرائيل وجرائمها الدموية ضد الفلسطينيين، لكنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك بتفكيك جذور المشروع الصهيونى نفسه وتفنيد الذرائع التى أغتصب بموجبها الصهاينة أرض فلسطين.

 نورمان فينكلستاين

(Norman Finkelstein)

قد يكون فينكلستاين الوجه الأبرز فى هذا التقرير فلا بد أنه مر عليك أكثر من مرة فى المقاطع المتداولة على منصات التواصل، ولعل أهمها خطبته الشهيرة عن «دموع التماسيح» فى جامعة «كيس وسترن بولاية أوهايو الأمريكية عام 2008، تلك التى أكسبته شهرته النسبية فى العالم العربى وأوضحت عجز الصهاينة عن محاججته لسبب بسيط هو أنه محصن من الاتهامات التقليدية بمعاداة السامية، بما أنه يهودى وينحدر من عائلة نجا أفرادها من المحرقة ومعسكرات الاعتقال النازية التى هرب والده من أشهرها وهو معسكر أوشفيتز. هذا ما يقودك للسبب الثانى الذى يجعل محاضرات ومداخلات فينكلستاين الإعلامية شديدة الأهمية رغم قلتها والتضييق الخوارزمى عليها خلال السنوات؛ وهو حقيقة أن الرجل، على عكس الكثيرين من منظرى هذه المسألة من العرب، ليس محملا بإرث الاضطهاد الثقافى المعتاد، فلا يمكن ابتزازه بتهم الإرهاب أو مغالطته تاريخيا أو الادعاء بأن له مصلحة ما من مناصرة الحق الفلسطينى وهذا هو ما يجعله رقما صعبا فى المناظرات والمناقشات حول المسألة. ويعتبر فينكلستاين ناعوم تشومسكى المفكر الأمريكى اليهودى والناقد الأعنف لسياسات الولايات المتحدة الخارجية وعلى رأسها سياساتها تجاه الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بمنزلة بوصلته الأخلاقية. وقد كتب فينكلستاين عدة كتب مهمة حول القضية الفلسطينية، منها «صعود وسقوط فلسطين» (The Rise & Fall of Palestine)، الذى يحوى مذكراته الشخصية حول زياراته للضفة الغربية أثناء الانتفاضة الأولى علاوة على عدة كتب أخرى عن «غزة» تحديدا، التى تخصص فى دراستها فى العقود الأخيرة من مسيرته المهنية ولعل أشهرها «غزة، بحث فى إستشهادها» Gaza: An Inquest into its Martyrdom)) . وفى نفس العام الذى ألقى فيه فينكلستاين خطبة «دموع التماسيح» الشهيرة قبض عليه أثناء هبوطه فى مطار بن جوريون لزيارة أحد أصدقائه، وحقق معه جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى المعروف بالشاباك لمدة اثنتى عشرة ساعة بلا محامى أو ممثل قانونى من أى نوع بخصوص ما سموه «صلاته بحزب الله والقاعدة» وبعدها صدر قرار بترحيله ومنعه من دخول البلاد لعشر سنوات.

 الأخوان «بيليد»

(Miko & Nurit Peled)

قال ميكو بيليد فى حوار مطول مع المذيعة الأمريكية بريانا جوى-جراى: أستغرب كثيرا عندما أسمع الناس يطالبون بوقف إطلاق النار.. أشعر وكأننا صرنا مبرمجين على خفض معاييرنا لدرجة تمنعنا من تحقيق أى تقدم على المدى الطويل.. وقف إطلاق النار لا بد أن يكون بديهيا.. المطلب الحقيقى هو تفكيك دولة الفصل العنصرى الإسرائيلية. مثلها مثل فينكلستاين يملك كل من ميكو بيليد ونوريت بيليد سيرة ذاتية تمنحهما حصانة شبه مطلقة فى الموضوع فهما أخ وأخت يهوديان لأب صهيونى كان واحدا من جنرالات الحرب الصهاينة الأوائل، ماتى بيليد الذى انشق لاحقا ليدافع عن حقوق الفلسطينيين رغم أن دفاعه لم يكن بالضراوة والشراسة نفسها التى يفعلها أبناؤه. ونوريت بالفعل أفرد لها تقريرا خاصا مطولا من قبل وتعرف أنها فقدت ابنتها «سمادار» فى هجوم نفذه منتمون إلى حركة حماس عام 1997. أما ميكو فهو ناشط من الوجوه المعتادة فى المقاطع المصورة أيضا ومؤلف لعدة كتب أبرزها «ابن الجنرال: رحلة إسرائيلى فى فلسطين» (The General’s Son: A Journey of an Israeli in Palestine)، الذى يشرح فيه رحلة تحوله من إسرائيلى متطرف نشأ على دعاية الكيان الصهيونى ورؤيته الكاذبة للعالم إلى رجل يعتقد أن الحل الوحيد للوضع الحالى هو تفكيك ذلك الكيان المحتل بلا رجعة.

 جدعون ليڤى (Gideon Levy)

هو الصحفى الإسرائيلى الأشهر خارج إسرائيل والكاتب فى صحيفة هآرتس المنبر اليسارى الوحيد المتبقى تقريبا فى الإعلام الإسرائيلى وأكثر من سلط الضوء على مساوئ الاحتلال وانتهاكاته، وكان لها عدة مشاركات مهمة فى سياق العدوان الحالى عندما وثقت الأكاذيب الإسرائيلية الرسمية فيما يخص عدد القتلى من جيش الاحتلال أو عندما كشفت عن انخفاض معايير التحرى والدقة أثناء ما سمته بالقصف العشوائى لغزة. وقد ألقى ليڤى عدة محاضرات تدفع إلى تفكيك وشرح الذهنية والنفسية الغالبة لمواطنى الاحتلال، وكيف يتعايشون مع الاحتلال بوصفه حقيقة واقعة، وكيف يتجاهلونه رغم كونه فى القلب من حياتهم، وتجيب عن أسئلة مثل: ما عناصر الطيف السياسى لدولة الاحتلال؟ وكيف يتفاعل الجمهور معها؟ وهل تمكنت الفاشية الفكرية والعنصرية من سبعة ملايين إسرائيلى؟ بالإضافة إلى كتب عديدة أشهرها «عقاب غزة» (The punishment of Gaza) الصادر عام 2010. والمثير فى محاضرات ليڤى وأمثاله من الصحفيين المعارضين لسلطة الاحتلال من الداخل هو أنها تمنحنا نظرة مختلفة تماما بدوافع متفردة، وتطلعنا على معلومات غير متاحة عادة بحكم اللغة أولا، وعزلتنا عن دولة الاحتلال ثانيا، بالإضافة إلى الميزة الأهم، وهى توضيح حجم ومدى الصراعات الفكرية الداخلية التى تكشف الكثير من التناقضات فى صفوف اليهود حول العالم بل وفى صفوف يهود إسرائيل أنفسهم أو اليهود الذين ولدوا ونشأوا فيها قبل أن يتركوها أو يكفروا بالصهيونية.