الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الكنيسة هى التى ترث البابا وليس عائلته..  المساواة فى الميراث.. مبدأ ضد العقلية الذكورية!

مصر أولا.. الكنيسة هى التى ترث البابا وليس عائلته.. المساواة فى الميراث.. مبدأ ضد العقلية الذكورية!

لا أحد يستطيع أن ينكر أن قضايا الميراث فعليًا من أهم القضايا الجدلية التى تواجه الأسرة المسيحية المصرية.. ليس فقط بسبب غياب النصوص الدينية التى تشرع الميراث فى الكتاب المقدس، ولكن بسبب تأثر الوجدان المسيحى المصرى بالعقلية الذكورية التى تقتنص حقوق المرأة وتستهدفها، وانتشار الثقافة الذكورية التى تبيح لنفسها التعامل مع المرأة باعتبارها مواطنة درجة ثانية من جانب، وباعتبارها ناقصة عقل ودين وفكر وشخصية ورأى من جانب آخر. فضلًا عن الاستناد لكل ما سبق فى تبرير تكريس عدم التساوى فى الميراث. 



عدم وجود نصوص دينية مسيحية واضحة ومباشرة فى مسألة التوريث، جعل العديد من العائلات المسيحية المصرية تلجأ إلى المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وحصول المرأة على نصف نسبة الرجل.

 

 عقدة الأرض

 

لا يزال حتى كتابة هذه السطور هناك معتقد لدى غالبية العائلات (المسيحية والمسلمة) فى الكثير من محافظات الصعيد على سبيل المثال.. ترفض توريث الأراضى والعقارات تحديدًا للمرأة، وتعويضها ماليًا بقيمة متدنية وغير حقيقية. وهو أمر له أبعاد فكرية (ثقافية واجتماعية ودينية). ولذا كانت أهمية صدور البحث القيم للقس عيد صلاح بعنوان «الميراث فى المسيحية..  بين الفكر اللاهوتى والتشريعات المصرية» الذى يفتح باب الاجتهاد فى تناول هذه القضية. 

 

قانون الأسرة للمسيحيين

حتى نصل إلى الواقع الحالى، علينا أن نعرف أنه تاريخيًا.. ظل السبب الأساسى لتفاقم قضايا الأحوال الشخصية للمواطنين المسيحيين المصريين هو أن السلطة القضائية كانت تحتكم إلى لائحة سنة 1938م فى الحكم على قضايا الأحوال الشخصية، بينما تعتمد الكنيسة على القرار البابوى لسنة 1971م الخاص بعدم الطلاق إلا لعلة الزنى. وبالتالى، فإن طلاق المحكمة هو الأساس.. ورجال الكنيسة المصرح لهم يحملون دفاتر توثيق الزواج، وليس لهم سلطة الطلاق. كما أن الكنيسة هى المنوط بها إعطاء تصريح الزواج الثانى لأى من الزوجين لمن تنطبق عليه شروط الكنيسة فى هذا الأمر.. لأن تعريف الزواج مسيحيًا هو سر مقدس.. يتبعه ممارسات طقسية وعبادات. وهو ما دعا إلى أهمية أن يكون هناك قانون خاص ينظم هذا الأمر.

 

إيجابيات عديدة

حاليًا، ونحن على وشك إقرار «قانون الأسرة للمسيحيين» فى شهر يونيو القادم حسبما ذكر المستشار منصف سليمان فى حواره مع جريدة الدستور فى 25 فبراير 2024، أعتقد أن أهم ما يحسب للقانون الجديد من الإيجابيات.. حسمه للعديد من المشكلات والأزمات التى عانى منها المواطنون المسيحيون المصريون خلال السنوات الماضية، وعلى سبيل المثال كما كتبت:

 

أولًا: مخاطبة المعنى بهم القانون بالاسم بشكل يتطابق مع منظومة المواطنة المصرية بعد ثورة 30 يونيو2013م. وإدراج مواد خاصة بكل طائفة مسيحية بحسب عقيدتها وإيمانها الذى يميزها بما لا يتعارض مع دستور الدولة وقوانينها. كما حدد القانون.. الطوائف المسيحية المعترف بها، والتى ينطبق عليها القانون، وهى: الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية والروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس. وهو ما يعنى الحد من الكيانات الوهمية التى تدعى شرعيتها كطوائف مسيحية مستقلة.

 

ثانيًا: ضمن أهم إيجابيات هذا القانون هو تعامله مع قضية المواريث، ونصه على مساواة الرجل بالمرأة فى الميراث عبر إحدى مواده. وتطبيق الشريعة المسيحية فى المنازعات والقضايا المتعلقة بتوزيع الميراث بين المواطنين المسيحيين المصريين من طائفة وملة واحدة.. اتساقًا مع العديد من الأحكام القضائية السابقة. والسماح بأن تكون الوصية فى نصف التركة بدلًا من ثلث التركة فقط.. لمن لا وارث له. 

 

ثالثًا: نص القانون على أن كل ما يتركه البابا البطريرك من مال أو عقارات أو منقولات يؤول إلى البطريركية، ويكون القائم مقام أمينًا عليها فيما هو لصالح الكنيسة، ولا يكون له حق التصرف فيها لغير صالح البطريركية.. على أن يسلم الباقى للبابا البطريرك الجديد فور رسامته، ولا يرث البابا أقاربه. وكذلك يؤول إرث الأساقفة والمطارنة لإبراشياتهم، كما يؤول إرث الرهبان والراهبات إلى أديرتهم.

 

مشكلة ميراث المسيحيين

المشكلة الرئيسية فى مسألة الميراث للأسرة المسيحية المصرية هو غياب النصوص التشريعية حول الميراث فى الكتاب المقدس، الذى ركز على المبادئ وليس على التشريع النصى.. ارتكازًا لمرجعية أن المبادئ تصلح لتطبيقها فى كل زمان ومكان. وهو ما حكم الأمر طبقًا لقاعدة «الانتقال من حرفية النص إلى مرونة المبدأ»، وهى المبادئ التى تصطدم مع العقلية الذكورية التى تستهدف دائمًا الاستحواذ على حق المرأة، وعدم المساواة فى الميراث، والتمييز ضد المرأة. 

 

وهناك مشكلة أخرى، فى استغلال التضارب بين التشريعات المسيحية والإسلامية خاصة فى ظل عدم وجود قانون يحكم القضايا.. فى إهدار حقوق المرأة المسيحية. فضلًا عن الارتكاز فى تقسيم الميراث على «إعلام الوراثة» الذى يصدر وفقًا للشريعة الإسلامية فى الميراث.. مما ينتج عنه من مشكلات فى عمليات البيع والشراء.. حسبما جاء فى بحث «الميراث فى المسيحية».

 

ولكن ظلت العديد من العائلات فى كل الأحوال.. تتغاضى عما يرد بإعلام الوراثة وما يترتب عليها من أحكام قضائية.. بالاتفاق على قسمة رضائية بالمساواة بين الرجل والمرأة وفقًا لمبادئ الشريعة المسيحية.

 

تاريخ من التشريعات

يزخر الفكر القانونى المسيحى المصرى بتراث يؤكد على المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة بداية من مجموع قوانين البابا غبريال بن تريك، ومرورًا بقوانين البابا كيرلس السادس بن لقلق، وصولًا إلى المجموع الصفوى للشيخ الصفى أبى الفضائل بن العسال. بالإضافة إلى الخلاصة القانونية فى الأحوال الشخصية.

 

وعلى هذا الأساس صدرت لائحة 38 التى أقرت مبدأ المساواة فى الميراث بين الرجل والمرأة بشكل متقدم. ولا ينفى ما سبق، أن نجد فى قانون الأحوال الشخصية للطائفة الإنجيلية فى مصر الصادر سنة 1902 ما ينص فى المادة 73 (للذكر مضاعف نصيب الأنثى فى جميع متروكات مورثه ثابتة كانت أم منقولة).

 

وعبورًا حول ملابسات عديدة، صدر دستور سنة 2014 الذى نصت مادته الثالثة على (مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية). وهو ما يمكن الارتكاز عليه فى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة خاصة بعد صدور العديد من الأحكام القضائية التى تؤكد هذا المبدأ.

 

مقترح للمستقبل

تعد قضية الأحوال الشخصية وفى قلبها الميراث من أهم القضايا الخلافية التى تمس استقرار العلاقات داخل الأسر المصرية سواء المسيحية أو الإسلامية، لأنه ما زالت ثقافتنا تعتبر أن المرأة ملكية خاصة لأبيها قبل الزواج ثم لزوجها، ثم لأبنائها تدريجيًا، وتصل فى بعض الأحيان إلى سيطرة وتحكم زوج الابنة فيها. وقبل ذلك كله نظرة العقلية الذكورية النفعية والاستهلاكية للمجتمع فى التعامل مع المرأة باعتبارها سلعة للتداول.

 

إصدار «قانون الأسرة للمسيحيين» هو بداية مسيرة حل مشاكل الأحوال الشخصية والميراث. وإن كنت أتمنى فى المستقبل القريب إصدار قانون مدنى موحد للأحوال الشخصية – كما ذكرت من قبل - يؤكد على حقوق المواطنة، وينظم لعلاقات الأسرة المصرية سواء كانت مسيحية أو مسلمة بنصوص واحدة تراعى الآراء المدنية المستنيرة، واحتياجات العصر.. سواء بأحكام مشتركة لكافة المواطنين (المسيحيين والمسلمين) المصريين.. مما لا خلاف عليه، وبأحكام خاصة حسب العقيدة الدينية لكل طرف.

 

بحث «الميراث فى المسيحية.. بين الفكر اللاهوتى والتشريعات المصرية» هو بحث قيم وهام.. أظن أنه سيكون نواة لكتابات بحثية أخرى ترتكز لمفاهيم الجندر فى الحديث عن الرجل والمرأة فى إطار منظومة المواطنة المصرى، وليس بالحديث عن الذكر والأنثى فى إطار تكريس ملكية الأول للثانية، وتبرير سلب حقوقها بتوظيف النصوص الدينية بما يحقق أهدافه الدنيئة. 

 

نقطة ومن أول السطر

قناعاتى دائمًا.. ضد الدولة الدينية وضد السلطة الدينية، ومع الدولة المدنية المصرية التى تعلى من قيمة العقل المنهجى الذى يدعم كل ما يتعلق بحقوق المواطن المصرى. كما أؤكد على أهمية أن يكون القانون هو الحاكم الفيصل. وإذا كنا نختلف على بعض التفاصيل حسب حيثيات كل منا وأسبابه.. غير أننا نتفق على أهمية أن نخضع جميعًا للقانون المدنى المصرى الذى لا يخالف تعاليم دين أى منا. خاصة أن تفسير النصوص المقدسة هو عمل بشرى.. فنصوص الكتاب المقدس والقرآن الكريم لا تطبق نفسها بنفسها، بل يقوم البشر بمحاولة فهمها وتفسيرها وتطبيقها بمجهود عقلى.. يهدف إلى الوصول إلى المعنى الحقيقى لهذه النصوص، كما ذكرت قبل ذلك.