الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية مساجد بالآلاف.. ومصلون بالملايين: إقامة الصلاة.. بين الخشوع والتقوى! "88"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

فى  الإسلام للمرأة أن تقوم بإمامة نساء أخريات فى الصلاة، وليس جمعًا من المصلين من ضمنه رجال، ولكن فى سنة 2004، أوقفت الشرطة البحرينية سيدة تنكرت بزى إمام قبل وصولها إلى المنبر، فى مسجد الفاتح.

فى سنة 1994 بأحد مساجد جنوب إفريقيا قامت امرأة، هى أمينة ودود، بإلقاء خطبة صلاة الجمعة، وفى سنة 2005، قامت أمينة ودود بإمامة صلاة الجمعة لمجموعة مختلطة تضم 60 امرأة و40 رجلًا بدون أى فصل بينهم، ورفعت الأذان امرأة اسمها سهيلة العطار وهى مسلمة أمريكية من أصول مصرية.

وقد أثارت جدلًا، وانتقد الشيخ سيد طنطاوى شيخ الجامع الأزهر وقتها قائلًا: «عندما تقوم المرأة بإمامة الرجال فى الصلاة، فلا يجوز للرجال فى هذه الحالة النظر إلى جسدها الذى أمامهم».

 الصلاة تاريخيًا

فى الأمم السابقة كانت الصلاة معروفة، ويحافظ عليها المؤمنون مع كل نبي: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا. فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم 58-59.

فى الآيتين يخبرنا تعالى عن الخلف من نسل النبى يعقوب عليه السلام وهم بنو إسرائيل، ومن نسل النبى إسماعيل عليه السلام وهم العرب، بأنهم أضاعوا الصلاة، وأداء الصلاة بدون إقامتها ينتج عنه ضياع الصلاة: (وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ).

وكان قوم النبى شعيب يسخرون من صلاته: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) هود 87، واندثر تاريخ الأمم السابقة، واستمرت الصلاة كعبادة توارثناها عن النبى إبراهيم، والذى حرص على أن تستمر إقامة الصلاة فى ذريته: (رَبِّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) إبراهيم 40.

وبدأ الوحى للنبى موسى أمره تعالى بالتوحيد وإقامة الصلاة: (إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) طه 14.

تشريعات إضافية

بعد تقرير أن الصلاة عبادة متوارثة وهدفها التقوى، تأتى إضافات جديدة منها، الوضوء والطهارة والغسل والتيمم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) النساء 43.

وتكرر هذا البيان بتفصيلات جديدة عن الوضوء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ) المائدة 6.

وإضافة خاصة بالسفر الذى يستلزم قصر الصلاة: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا) النساء 101. 

وبعد الهجرة إلى المدينة، فرض تعالى القتال على المؤمنين، وحتى فى حالة القتال فالمؤمن مطالب بالصلاة، لأن الصلاة فرض يؤدى بتوقيته كل يوم، ولذلك نزل تشريع للصلاة فى وقت الخوف أثناء القتال، وتم توضيح طريقة الصلاة فى الركعة الواحدة.

قال تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) النساء 102.

وقصر الصلاة يكون فى حالة السفر المرتبط بالخوف: (إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) النساء 101، ويكون القصر من الصلاة الكاملة، أما عدد الركعات التى تقصر من الصلاة فمتروك حسب ظروف المواجهة.

ويجب وجود حراسة تحمى الفريق الذى يصلى، ثم يتبادلون المواقع فيصلى الحراس ويقوم الآخرون بالحراسة، ولا بد من التمسك بالسلاح إلا فى حالة الضرورة فى المطر أو المرض، وبعد انتهاء صلاة القصر يتم تعويض القصر فيها بالاستمرار فى ذكر الله، ثم إذا زالت حالة الخوف تقام الصلاة التامة.

ثم تأتى إضافة تفصيل آخر، فى حالة الخوف من ضياع وقت الصلاة لعدم استطاعة أداء الصلاة بالطريقة المعتادة عند ركوب سيارة أو طائرة: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) البقرة 238، فتصلى كيفما اتفق مترجلًا أو راكبًا، وبعدها يجب ذكر الله.

إقامة الصلاة

وإقامة الصلاة شىء وتأدية الصلاة شىء آخر، والمحافظة على الصلاة مقابل إضاعة الصلاة، وضياع الشىء لا يعنى زواله ولكن يعنى وجوده مع عدم الانتفاع منه، والمعنى فى ضياع الصلاة هو إضاعة الهدف منها وهو التقوى.

وكل العبادات ليست هدفًا فى حد ذاتها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 21، فالتقوى هى الهدف، وكل العبادات وسائل لبلوغ تقوى الله، والذى يقيم الصلاة هو الذى تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر فيكون متقيًا لله: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت 45، والذى يضيع صلاته هو المصلى الذى لا يخشع: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون 1-2.

وتوجد علاقة بين الخشوع أثناء تأدية الصلاة والمحافظة على الصلاة بعد تأديتها، فالخشوع أن يؤكد المؤمن على إخلاصه فى صلاته خاصة حين يقول فى كل ركعة عند قراءته الفاتحة: (اهدنا الصراط المستقيم )، ولا يجتمع الخشوع فى الصلاة وفعل الفحشاء وارتكاب المعاصى بعد الصلاة، وإلا تصبح الصلاة مراءاة للناس وخداع للنفس.

وإقامة الصلاة هو المصطلح القرآنى الذى يعنى الخشوع فى الصلاة والمحافظة عليها: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) المعارج 22-23، (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المعارج 34. 

وكلمة أقام تكررت 40 مرة مرتبطة بالصلاة فى آيات القرآن الكريم، وأقام تعنى حافظ على الشىء، والله تعالى وصف ذاته باسم القيوم: (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) البقرة 255، بمعنى القائم على كل شىء ولا يغفل عن شىء، ومن هذا المعنى يأمرنا تعالى أن نكون قائمين على رعاية العدل والقسط: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ) النساء 135.

وكل من يرتكب الفجور والفساد والظلم لا يكون مقيمًا للصلاة، حتى لو كان ممن يعرفون بالصلاة فى المساجد وبناءها: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ اللَّه شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِى النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ. إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) التوبة 17- 18.

وقد كان المنافقون فى عهد النبى عليه الصلاة والسلام يؤدون الصلاة ولا يقيمونها، فيتظاهرون بالصلاة رياءً ونفاقًا، لذلك لم يقبلها تعالى منهم واعتبرها خداعًا ليس لله تعالى وإنما لأنفسهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلًا) النساء 142.

وإقامة الصلاة تعنى الخشوع أثناء الصلاة والتزام التقوى ومكارم الأخلاق بين الصلوات، أما إقامة الصلاة الشائعة فتعنى أذان الإقامة للمصلين فى المسجد: «قد قامت الصلاة»، ليقوموا لأداء الصلاة.

إن إقامة الصلاة تعنى التفاعل بالخير مع الآخرين بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والمعروف هو ما تعارف عليه الناس من مكارم الأخلاق من صدق وإحسان وعدل وأمانة وسلام وتسامح وغيرها، والنهى عن المنكر يعنى الانتهاء عن الظلم والبغى والبخل والأنانية وغيرها، وإقامة الصلاة تثمر مجتمعًا تسود فيه مكارم الأخلاق.

إن الصلاة صلة مستمرة بين الله تعالى وبين المؤمن، فإذا أقام المؤمنون صلتهم مع الله تعالى أقام الله صلته معهم، إذا ذكروه بصلاتهم ذكرهم بمغفرته وعونه، وكانت صلاتهم لله تعالى مع الصبر عونًا لهم فى مواجهة الصعاب: (فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِى وَلاَ تَكْفُرُونِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة 152.