الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كيف أثرت سياسات «واشنطن» المزدوجة على صورتها عالميا؟ تداعيات الدمار فى «غزة» تنعكــس علـى العالــم

أين المأوى، وفى أى مسار؟.. إلى أين المفر، وهل يجدى الفرار؟!.. تساؤلات عدة تغتال عقول سكان قطاع «غزة» المحاصر، وتصيب قلوبهم بالرعب، داخل رقعة صغيرة من الأرض تؤوى أكثر من مليونى فلسطينى بين مواطن ونازح، يستيقظون فى كل صباح على مهمات شاقة نفسيًا وبدنيًا، بعد حصولهم على دقائق معدودة من النوم القلق، جراء تواصل إطلاق النار والغارات الإسرائيلية العشوائية.. فمنهم من يجوب الشوارع بالساعات بحثًا عن الطعام والشراب، ومنهم من يفتش عن أحبائه بين المستشفيات والطرقات، ومنهم من يزيل بيديه أكوامًا من الركام والحطام بحثًا عن جثمان أى شهيد أو مصاب.



 

وبين الزحام الشديد داخل شوارع القطاع، تظهر بوضوح حالة من الرعب والقلق بين أولئك المثقلين بهموم العدوان والحصار الإسرائيلى، خشية من تعرضهم فى أى دقيقة لقصف عشوائى مفاجئ.

المشاهد مروعة، وحمامات الدم داخل «غزة»، الذى يدفع ثمنها النساء، والأطفال، وكبار السن من المدنيين العزل لأكثر من أربعة أشهر متواصلة، يبدو أنها ليست مدة كافية بالنسبة للولايات المتحدة حتى توقف آلة القتل الإسرائيلية، إذ تواصل «واشنطن» دعم جرائم الاحتلال بشكل لا هوادة فيه، وبصورة علنية، غير ملتفتة للقوانين الدولية والإنسانية. 

ولعل أحدث صورة من صور الدعم الأمريكى وتوفير الحماية لجرائم الاحتلال الإسرائيلى داخل «غزة»، هو استخدام «الولايات المتحدة» من جديد حق النقض (فيتو) فى مجلس الأمن الدولى منذ أيام، من أجل منع إصدار قرار تقدمت به «الجزائر»، نيابة عن المجموعة العربية، للمُطالبة بوقف فورى لإطلاق النار لأسباب إنسانية فى قطاع «غزة»، ما يعطى ضوءًا أخضر إضافيًا للاحتلال الإسرائيلى لمواصلة عدوانه الوحشى على شعب أعزل.

كما استخدمت «الولايات المتحدة» حق النقض ضد ثلاثة مشاريع قرارات لمجلس الأمن الدولى بشأن العدوان الإسرائيلى على «غزة» منذ السابع من أكتوبر الماضي. وذلك، إلى جانب المساعدات الأمريكية لإسرائيل بالمال والسلاح الذى يستخدم فى حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.

 تزايد الفجوة مع الغرب

فى الوقت، الذى تدين الدول الغربية -وفى مقدمتها «الولايات المتحدة»- العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، لم تتخذ تلك الدول نفس الموقف تجاه العدوان الإسرائيلى على «غزة»، فى ظل ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين الفلسطينيين، خاصة من النساء والأطفال لعشرات الآلاف، وهو ما يعتبر فى القانون الدولى (إبادة جماعية).

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، إن الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية (تدق إسفينا) بين الغرب والدول الرائدة فى الجنوب العالمى، مثل: «البرازيل، وإندونيسيا»، وغيرهما؛ مشيرة إلى المعايير المزدوجة وغير المعقولة التى يتبناها (الغرب) فى الدفاع عن الإسرائيليين، بأنها كانت موضع انتقادات حادة، فى ظل تعامل الدول الغربية مع «أوكرانيا» باعتبارها حالة خاصة، لأنها تقع فى «أوروبا»، على العكس تعاملهم فى التصعيد فى «الشرق الأوسط»؛ مؤكدين أن ازدواجية المعايير الغربية لم تؤد إلا إلى زيادة السخط فى «العديد من دول أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية». 

وبالفعل، يذكر أن رئيس «البرازيل»، «لويز إيناسيو لولا دا سيلفا» انتقد ازدواجية المعايير الغربية عدة مرات، ومنها تصريحه فى (قمة صوت الجنوب العالمي) حينما قال، إنه: «من الضرورى استعادة سيادة القانون الدولى، بما فى ذلك القانون الإنسانى، الذى ينطبق على قدم المساواة للجميع، دون ازدواجية المعايير أو الإجراءات الأحادية».

من جانبه، قال رئيس الوزراء الماليزى «نور إبراهيم» فى وقت سابق إنه: «طُلب منا إدانة الحرب فى «أوكرانيا»، لكن البعض ظلوا صامتين أمام الفظائع التى ارتكبت بحق الفلسطينيين»..

 الخطاب الأمريكى المزدوج

باعتبارها رائدة مواقف الدعم للاحتلال الإسرائيلى، لاحظ العالم –خلال الفترة الماضية- مدى اختلاف الخطاب الأمريكى، فيما يخص تطبيق القانون الدولى والإنسانى بين العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، والعدوان الإسرائيلى على «غزة»، ما رفع من حدة الاتهامات ضد «واشنطن» بأنها مزدوجة المعايير فى القضايا الدولية، بينما رأى بعض المحللين السياسيين أن الإدارة الأمريكية الحالية وجهت ضربة خطيرة لصورة «الولايات المتحدة» على مستوى العالم، بسبب تأييدها للاحتلال الإسرائيلي. 

كما صار الناس حول أنحاء العالم ينظرون –الآن- إلى «واشنطن» باعتبارها متواطئة فى الجرائم التى ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلى فى «غزة»؛ بل وصل الأمر لتشكيك البعض فى أن «الولايات المتحدة» تفسر القانون الدولى على النحو الذى يناسبها، خاصة بعد تقارير تفيد بقصف الاحتلال الإسرائيلى مناطق متفرقة من قطاع «غزة» بأكثر من 22 ألف قنبلة زودتها بها «الولايات المتحدة» خلال شهر ونصف من العدوان فقط.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل اعتبر عدد من المحللين السياسيين أن العدوان الإسرائيلى المحتمل على مدينة «رفح» على الجانب الفلسطينى، والذى يلوح فى الأفق بشأن مصير 1.3 مليون نازح فلسطينى، يمكن أن يشكل نقطة انعطاف خطيرة لـ«واشنطن»، ليس فقط باعتباره كارثة إنسانية، بل –أيضًا- فيما يتعلق بمصالح «الولايات المتحدة» فى منطقة «الشرق الأوسط»، وفى مختلف أنحاء العالم؛ خاصة مع بدء بعض الدول فى المنطقة فى تقييد استخدام «الولايات المتحدة» لقواعدها العسكرية، من أجل شن ضربات انتقامية على الهجمات ضد القوات الأمريكية فى المنطقة.

وأوضح المحللون السياسيون أن قرار الإدارة الأمريكية بالدفاع عن الانتهاكات الإسرائيلية فى «غزة»، وفى سياق آخر تقوم بإدانة الأساليب الروسية فى «أوكرانيا»، أصبح لها –بالفعل- تأثير حقيقى على العلاقات بين الشمال والجنوب العالمى، والغرب والشرق، ما يخلق عواقب قد يتردد صداها لعقود من الزمن.

من جانبه، أوضح أستاذ مساعد للعلوم السياسية فى جامعة «سينسيناتي» الأمريكية، الباحث «أليكس ثورستون»، أن الأفارقة يرون بوضوح نفاقًا فى السياسة الأمريكية تجاه ما ترتكبه إسرائيل فى «غزة»؛ موضحًا أنه من بين المخاطر الدبلوماسية العديدة التى تواجهها «الولايات المتحدة» وسط العدوان الإسرائيلى المستمر على «غزة»، هو حصد المزيد من تنفير الجنوب العالمى، بما فى ذلك «أفريقيا».

وأشار «ثورستون» إلى أنه منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلى على «غزة»، وتحديدًا فى 23 أكتوبر الماضى، عندما رفعت «الأردن» قرارًا يدعو إلى (هدنة إنسانية فورية، ودائمة، ومستدامة، تؤدى إلى وقف الأعمال العدائية) فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، صوت أغلبية 120 صوتا لصالح القرار منها 35 دولة أفريقية، فيما امتنع البعض منهما، بينما لم تصوت أى دولة أفريقية ضد القرار.

وأضاف «ثورستون» أن فكرة (النظام الدولى القائم على القواعد) تبدو جوفاء فى الجنوب العالمى على نحو متزايد بالنسبة للعديد من الحكومات وشعوبها، حيث تقدم الحكومات الغربية دعمًا غير مشروط تقريبًا للهجوم العسكرى الإسرائيلى، ما يجعل تلك الإجراءات الغربية بمثابة انتهاك واضح للقوانين الدولية فيما يخص العقاب الجماعى، واستهداف المدنيين، الصحفيين، وقطع الغذاء والماء والكهرباء، وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان الدولية الكبرى التى تتخذ من الدول الغربية مقرًا لها. 

بدورها، قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية فى 3 ديسمبر الماضى، إن: «الولايات المتحدة توضح للعالم أنها لن تدافع عن القواعد والأعراف الدولية، إذا انتهكها أحد أقرب حلفائها». 

من جانبهم، أوضح عدد من المحللين السياسيين أن الدعم الأمريكى للاحتلال الإسرائيلى أدى -أيضًا- إلى تفجير فقاعة الأوهام الأمريكية المتمثلة فى استعادة الهيمنة فى الجنوب العالمى، تحت مظلة (نحن الأخيار) فى ظل التناقض بين استجابتها للأزمة (الروسية-الأوكرانية) من جهة، والأزمة (الإسرائيلية-الفلسطينية) من جهة أخرى، ما أنتج إجماعًا على أن هناك نفاقًا فى قلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

 انقسام فى الآراء

رغم دعم الحكومات الغربية -قهرًا أو طواعية- لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلى فى «غزة»، بقيادة «الولايات المتحدة»، إلا أن الرأى العام فى عدد من الدول حاصر حكوماتهم –التى تدعى حماية حقوق الإنسانية والديمقراطية وحرية الشعوب- فى مأزق كبير بين مبادئهم المعلنة وموقفهم المتواطئ مع الجانب الأمريكى والإسرائيلي.

ففى تقرير لجريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، قالت إن الدعم الغربى الأعمى وغير المشروط لإسرائيل أثار غضب بعض المسئولين على ضفتى الأطلسي.. حيث نشر أكثر من 800 مسئول بريطانى والاتحاد الأوروبى من أيام رسالة مفتوحة تعبر عن معارضتهم لدعم حكوماتهم لإسرائيل. 

وجاء فى الرسالة: «إن السياسات الحالية لحكوماتنا تضعف طابعها الأخلاقى، وتقوض قدرتها على الدفاع عن الحرية، والعدالة، وحقوق الإنسان فى جميع أنحاء العالم.. هناك خطر حقيقى من أن تسهم سياسات حكوماتنا فى ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنسانى الدولى، وجرائم حرب، بل وحتى التطهير العرقى، والإبادة الجماعية».

فى النهاية، يبدو أن السياسيات الأمريكية الداعمة لجرائم الاحتلال الإسرائيلى لم تغير صورة «واشنطن» أمام العالم فحسب، بل صارت تؤثر على نظرة الشعوب الأوروبية لحكوماتها، كما تزيد الفجوة بين بعض الدول و«الولايات المتحدة»، جراء مشاهد الدمار والخراب داخل قطاع «غزة»، والحياة البدائية التى صار آلاف الفلسطينيين يعيشون فيها بسبب الحصار، وحالة الترحال الدائم بحثًا عن أى ملاذ آمن.