الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

توقعات عالمية تخالف توقعات رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو الخاسر الأكبر من الهجوم على رفح!

سلطت الصحافة العالمية الضوء على تلويح إسرائيل المتكرر باجتياح مدينة رفح الحدودية مع مصر رغم التحذيرات الدولية والحقوقية من عواقب هذا الهجوم، بالإضافة إلى الأوضاع الكارثية للنازحين بالمنطقة. وتقول صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن إسرائيل لا تملك خيارات جيدة حول رفح وهى تواجه اليوم مأزقا من صنعها فالهجوم على رفح يخاطر بوقوع حمام دم كبير، والانتقادات تتزايد من حلفاء إسرائيل بسبب غياب خطة ذات مصداقية لحماية المدنيين فى رفح.



 

تنقل الصحيفة عن مصادر أن المكلفين بإعداد خطط الإجلاء التى طلبها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يجدون صعوبة فى إيجاد خيارات عملية، كما رأى مقال بصحيفة إندبندنت البريطانية أن نتنياهو أصبح أكثر عزلة فى الساحة الدولية وهو يشدد على هجوم رفح، وحملت الأيام القليلة الماضية الكثير من تحذيرات قادة العالم والمنظمات الإنسانية من العواقب الوخيمة التى قد يسببها هجوم على رفح. ومن الواضح وفقا للمقال أن الثمن السياسى الذى سيدفعه نتنياهو سيكون باهظًا.

وفى تقرير نشره موقع مونيتور قال إن مئات الآلاف من النازحين فى رفح يكافحون من أجل الوصول إلى الدواء، وسط نقص متزايد تفرضه الحرب المستمرة منذ أشهر. وخص التقرير بالذكر أصحاب الأمراض المزمنة، ويروى بعض القصص التى يضطر أصحابها إلى تناول دواء واحد إن وجد من بين الأدوية التى يصفها الطبيب، منبها إلى أن الوضع يزداد تعقيدا مع انتشار الأوبئة. وحول اقتحام جيش الاحتلال مجمع ناصر الطبى بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، تقول «وول ستريت جورنال» الأمريكية إنه واحد من المؤسسات الصحية القليلة التى لا تعمل إلا بشكل جزئى فى القطاع. وتؤكد الصحيفة على دور المستشفيات منذ بداية الحرب فى توفير الرعاية الصحية وإنقاذ حياة عشرات الآلاف من المدنيين، وأشارت إلى أن المدنيين المحتمين بالمستشفيات اعتقدوا أنهم فى أماكن آمنة لكن القوات الإسرائيلية نفذت مرارا وتكرارا عمليات عسكرية داخلها وفى المناطق المحيطة بها. وعلى الجبهة الشمالية، لاحظت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن حصيلة القتلى بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف فى لبنان هى الأكبر منذ أشهر من القتال على الحدود. وأشارت إلى أن هذا التطور يعزز المخاوف من تحول الاشتباكات على الحدود بين الجيش الإسرائيلى وحزب الله إلى حرب شاملة خصوصا فى ظل التوعد المتبادل بالرد فى كل مرة. وأوضحت الصحيفة أن الضربات الإسرائيلية تهدد بعرقلة الجهود الدبلوماسية التى تبذلها الولايات المتحدة وأطراف أخرى لخفض التوترات على الحدود مع لبنان.

وأمام إصرار نتنياهو على اجتياحها نجد أن هناك عدة سيناريوهات للهجوم على رفح والمواجهة، وفى فجر الاثنين الموافق 12 فبراير شهدت مدينة رفح جنوب قطاع غزة سلسلة من الغارات العنيفة أوقعت ما يزيد على مئة شهيد وعشرات الجرحى، فى عملية أطلق عليها الجيش الإسرائيلى «اليد الذهبية» زعم أنه تمكن خلالها من تحرير اثنين من أسراه فى قطاع غزة. ورغم علامات الاستفهام الكثيرة المحيطة بتفاصيل وظروف هذه العملية، فإنها شكلت دافعا لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لدعم نواياه بتعميق العملية العسكرية نحو هذه المدينة المكتظة بالنازحين جنوب القطاع رغم كل التحذيرات الدولية من مذبحة مؤجلة فى رفح.

تقع رفح جنوب قطاع غزة، وتشكل مع مخيماتها المحافظة الخامسة وفق التقسيم الإدارى لقطاع غزة، وتمتد مساحة المدينة على 55 كيلومترا مربعا، من أصل 151 كيلومترا مربعا هى كامل مساحة المحافظة. وتقع جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر ويبلغ عدد سكانها 296 ألفا و661 نسمة وفق إحصائيات عام 2022 وتشكل بوابة القطاع إلى العالم الخارجى ويقع فيها معبر رفح المخصص لسفر المواطنين عبر مصر، ومعبر كرم أبو سالم المخصص لإدخال البضائع عبر إسرائيل إلى القطاع وبقايا مطار غزة الدولى الذى أغلقته سلطات الاحتلال عام 2000 ثم دمرت المدرج عام 2001. و بعد أكثر من 130 يوما من العدوان تحولت رفح إلى خزان للنازحين من عموم مناطق القطاع، حيث قدرت الأمم المتحدة عدد اللاجئين إلى المدينة بـ1.4 مليون من أصل 2.3 مليون إجمالى عدد سكان القطاع المحاصر. ومع إطباق الحصار عليها من جهاتها الأربع، تحولت رفح اليوم إلى مخيم كبير للاجئين إذ يزيد عدد المقيمين فيها الآن على 6 أضعاف عدد سكانها الأصلى قبل بدء العدوان. وتنتشر فى شوارع المدينة، وحتى الجدار الحدودى مع مصر، عشرات آلاف الخيام من النايلون والقماش، بعد اكتظاظ المدينة تماما واستحالة العثور على أى مأوى داخلها، حيث لجأت الأفواج الأولى من النازحين إلى استئجار أى مكان للإقامة، سواء كان خياما أو بيوتا قيد الإنشاء.

وتستلزم محاولة تفكيك معنى بدء الهجوم على رفح تحليل مشهد الجهد العسكرى وواقعه بالمحافظة، للوصول إلى فهم ما يبحث عنه الجيش الإسرائيلى وحكومته فى المنطقة الأخيرة التى لم تتعرض لعملية برية واسعة على الأرض حتى الآن. وتضم رفح وجودا عسكريا لمختلف فصائل المقاومة الفلسطينية، وتشكل كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس العمود الفقرى له. ويعتبر لواء رفح أحد الألوية الخمسة التى تشكل قوام الجهد العسكرى للقسام بالقطاع، ويضم 4 كتائب عسكرية هى يبنا، الشرقية، الشابورة، الغربية والتى تغطى أحياء ومناطق محافظة رفح، ويقدر عدد مقاتليه بقرابة 10 آلاف مقاتل.

 

وشكلت رفح نقطة مواجهة متقدمة مع جيش الاحتلال فى القطاع، وانطلقت منها عشرات العمليات النوعية خلال سنوات الاحتلال ثم انتفاضة الأقصى، ومنها تفجير دبابة ميركاڤا عام 2004 تبنته سرايا القدس وأوقعت فى ذلك الوقت 6 قتلى من جنود الاحتلال. وعقب انسحاب الاحتلال من القطاع عام 2005، انطلقت من رفح عملية «الوهم المتبدد» التى أسفرت عن أسر الجندى جلعاد شاليط من داخل موقع كرم أبو سالم العسكرى، كما شهد عام 2014 عملية أسر الضابط هدار جولدن. وساهمت رفح فى رفد المقاومة الفلسطينية بعدد من أبرز قادتها العسكريين، منهم رائد العطار قائد لواء رفح فى كتائب القسام، ومحمد أبو شمالة مسئول دائرة الإمداد والتجهيز فى الكتائب. وكذلك جمال أبو سمهدانة قائد ومؤسس ألوية الناصر صلاح الدين، وخالد منصور ومحمد الشيخ خليل من قادة سرايا القدس، ومجدى الخطيب أحد قادة كتائب شهداء الأقصى.

ومنذ بداية فبراير الحالى تسارعت وتيرة التصريحات التى أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو حول عزمه تعميق العدوان على غزة باتجاه مدينة رفح، حيث أكد أنه طلب من الجيش بإعداد الخطط العسكرية اللازمة لتوسيع الهجوم وإعداد خطط ميدانية لنقل مئات آلاف النازحين من رفح. ورغم البيانات الرسمية السياسية التى حذرت تباعا من توسيع العدوان نحو رفح، سواء من دول عربية أو أوروبية، والموقف المصرى المتحفظ، لا يبدو أن نتنياهو يبالى بحجم الإدانات الدولية ويمضى قدما فى الترويج للهجوم المرتقب على رفح، متسلحا بالموقف الأمريكى الذى لا يعارض العملية لكنه يشترط سلامة المدنيين وفقا لتصريحات الرئيس جو بايدن والمتابع للتصريحات الإسرائيلية الرسمية يلاحظ استنادها إلى 4 معطيات رئيسية لتبرير الهجوم المرتقب على رفح وهى:

أولا: استكمال مهمة القضاء على القوة العسكرية لحماس

يشكل لواء رفح خمس القوة القتالية لحركة حماس، وما زال بعد أكثر من 130 يوما من العدوان يحتفظ بجزء كبير من قدراته العسكرية البشرية والمادية. ولم يدخل اللواء بكتائبه الأربعة أى مواجهات مباشرة مع جيش الاحتلال على الأرض من بعد طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023.

ثانيا: السيطرة على محور صلاح الدين

رغم عدم توثيق أى أدلة على وجود أنفاق لتهريب السلاح نحو قطاع غزة فى رفح، فقد استهدفت العمليات العسكرية المصرية منطقة الحدود لتدمير الأنفاق وفرض منطقة عازلة على الحدود مع غزة والتى شاركت بها حركة حماس فى بعض المراحل تحت عنوان «ضبط الحدود». وتعتقد إسرائيل بوجود أنفاق لتهريب السلاح وذلك رغم فشلها فى تقدير حجم ونوعية شبكات الأنفاق فى غزة، والفجوة الواضحة فى المعلومات والوقائع على الأرض الذى كشفه التوغل البرى فى غزة. وذهب المستوى السياسى المتدنى على لسان وزير المالية الإسرائيلى بتسلئيل سموتريتش إلى اتهام مصر بالتورط فى عملية طوفان الأقصى، وقال فى اجتماع لكتلة حزبه البرلمانية «المصريون يتحملون مسئولية كبيرة عما حدث يوم 7 أكتوبر تسليح حماس مر إلى حد كبير عبر مصر» وهو ما يعد كلاما أبسط مايقال عنه أنه تافه.

ثالثا: فرض وقائع سيطرة وحصار على قطاع غزة

يسيطر جيش الاحتلال ناريا على شمال قطاع غزة، حيث قام بفصل الشمال عن المنطقة الوسطى والجنوب بالتمركز جنوب محافظة غزة، واتخذ من أحيائها الجنوبية وموقع مستوطنة نتساريم سابقا نقاط تمركز قواته التى تشن بين الحين والآخر عمليات توغل برى فى عمق الأحياء الغربية من مدينة غزة، إضافة لوجوده شمال شرق وغرب القطاع. ومع بدء الاجتياح البرى نحو مدينة خان يونس، قطع الاحتلال جزئيا الطريق الواصل بين المحافظة الوسطى ومحافظة خان يونس التى توغل فى الجزء الشرقى والجنوبى والشمالى والغربى منها، وقطع ناريا الطريق الواصل إلى مدينة رفح عبر شارع صلاح الدين شرق المحافظة.

وبالسيطرة على محور فيلادلڤيا يكون الجيش الإسرائيلى قد قسم قطاع غزة إلى 4 أجزاء منفصلة، وحاصره تماما من جهاته الأربع، ويصبح بذلك المتحكم بشكل مباشر فى حركة الأفراد والمساعدات الإنسانية من وإلى قطاع غزة وداخل محافظات القطاع فى الشمال والجنوب والوسطى.

رابعا ضغط ميدانى لفرض الشروط فى مباحثات التهدئة

قد ينظر لفكرة تطوير الاحتلال هجومه على قطاع غزة باتجاه مدينة رفح بعد ما يزيد على 130 يوما من العدوان، كخطوة تكتيكية سياسية بالدرجة الأولى سعيا لفرض حالة ضغط مباشرة على المقاومة الفلسطينية، وجرها إلى خانة التنازل عن مطالبها التى سبق وتقدمت بها خلال جولات مباحثات التهدئة التى تجرى برعاية مصرية وقطرية واطلاع أمريكى فى القاهرة.

وبالعودة إلى مجموع المفاجآت التى شكلتها معركة طوفان الأقصى منذ بدايتها، لا يبدو خيار اجتياح مدينة رفح مستبعدا، رغم تكلفته السياسية والعسكرية العالية على الاحتلال أمام العالم. ويأتى ذلك فى ظل الإجماع الواضح على التهديد الذى يشكله هذا الهجوم على أرواح مئات آلاف النازحين، وفى ظل موقف مصرى متوجس رسميا من فكرة توجيه هذه الكتلة البشرية نحو الحدود، أو فكرة اختراق معاهدة كامب ديفيد بشن عملية عسكرية فى المنطقة التى نصت الاتفاقية على كونها منزوعة السلاح من الجانبين. ولكن السقف المرتفع الذى وصل إليه الاحتلال فى عدوانه، وهزالة أى ردود أفعال دولية، لا تشكل إلا تشجيعا له على مواصلة عدوانه. وبين كفتى التفاؤل والتشاؤم، ترجح فكرة شن الاحتلال عملية موضعية فى رفح، قد تكون من خلال السعى لاختراق المدينة من جنوبها الشرقى والتمركز على أنقاض مطار غزة الدولى، والانطلاق منه للتوغل على الحد الفاصل والسعى لعزل قطاع غزة عن مصر، أو شن عمليات سريعة موضعية لضرب ما يعتقد أنها أهداف عسكرية لحركة حماس وفصائل المقاومة.