الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إسرائيل تدعى أن هذه الاحتياطيات أمام قطاع غزة كنز خاص بها: هل تسرق إسرائيل الغاز الفلسطينى بالتواطؤ مع إينى الإيطالية؟

لم يفكر أحد منا لماذا فى هذا التوقيت تحديدا قررت إسرائيل إخلاء غزة من سكانها؛ ولكن بالنظر فى أزمة الطاقة العالمية نجد أن السبب الرئيسى ليس طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر 2023 لكن هناك شيئا آخر وهو الغاز والثروات الفلسطينية؛ ففى فلسطين يوجد حقل غزة مارين الفلسطينى والذى يعتبر من أقدم حقول الغاز المكتشفة فى المنطقة الشرقية للبحر المتوسط وينظر إليه كفرصة واعدة أمام الفلسطينيين الذين يعانون من شح موارد الطاقة وسط معاناتهم من الاحتلال الإسرائيلى. ورغم اكتشاف حقل غزة البحرى منذ عام 2000 فإن موارده التى تقدر بأكثر من تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى وهو ما يفوق بكثير احتياجات الشعب الفلسطينى لا تزال حبيسة الأرض ولم تستغل تجاريا حتى اللحظة بسبب إعاقة إسرائيل جميع الجهود الرامية إلى إنشاء بنية تحتية طاقية مستقلة للفلسطينيين، كما تحاول وضع يدها على هذه الموارد لتصديرها من خلال صفقات بمشاركة دول أعضاء فى الاتحاد الأوروبى.



 

وفى بداية فبراير من العام الحالى عادت قضية حقل غاز غزة إلى الأضواء عقب الإخطار القانونى الذى وجهه مكتب المحاماة الأمريكى فولى هوج بالنيابة عن منظمات حقوقية فلسطينية إلى عملاقة الطاقة الإيطالية إينى وشركات طاقة عالمية وإسرائيلية أخرى؛ وأنذرها المكتب بعدم المضى قدما فى أنشطة التنقيب ببئر غزة البحرى العائدة ملكيته إلى الشعب الفلسطينى وفق أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 التى وقعت عليها دولة فلسطين سنة 2019. ويأتى هذا الإنذار بعد إعلان إسرائيل فى 29 أكتوبر الماضى عن منح الترخيص لشركة الطاقة الإيطالية للعمل فى حقل غزة مما اعتبرته منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية انتهاكا للقانون الدولى. ويرى مدير مركز الدراسات القانونية الدولية ڤابيو مارشيللى أن تعاقد إينى مع إسرائيل يعد انتهاكا للقانون الدولى الذى يحظر على سلطة الاحتلال التصرف بالموارد الطبيعية الموجودة فى الأراضى التى تحتلها، بما فيها المناطق البحرية المجاورة.

 

وحذر مارشيللى من أن مجرد شروع الشركة فى أنشطة التنقيب لاستغلال الموارد التى تعود ملكيتها إلى الفلسطينيين سيجعلها شريكة لدولة إسرائيل المثقلة الآن باتهامات دقيقة وموثقة بارتكاب الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية. ولفت المتحدث نفسه إلى أن تواطؤ إينى التى تعتبر شركة عامة فى مثل هذه الجرائم سيمتد إلى حكومة جورجيا ميلونى التى تعمل على تزويد إسرائيل بجزء من الأسلحة التى تستخدمها فى تنفيذ الإبادة الجماعية فى قطاع غزة. من جانبها، أوضحت شركة إينى فى بيان أنها حصلت إلى جانب شركات أخرى على تراخيص التنقيب بناء على مناقصة دولية، وأنه تم منح التراخيص المتعلقة بأنشطة التنقيب؛ وأكدت الشركة أنه لم يتم التوقيع بعد على أى اتفاق بهذا الشأن وأنه لا يوجد لديها حاليا أى نشاط فى المنطقة، وأنها أينما تعمل تحرص على توافق أنشطتها مع القانون الدولى وتفضل ممارسات السلامة.

 

ومع استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة أصبح الأمر محرجا ليس فقط لشركة إينى بل للحكومة الإيطالية نفسها التى تعد المساهم الأكبر فى الشركة بنسبة 32 %. ووضح ذلك فى ردود وزير الخارجية الإيطالى أنطونيو تايانى الأسبوع الماضى خلال المساءلة البرلمانية حينما حاول التهرب من مسؤولية الحكومة فى هذه القضية، مؤكدا أن الشركة الموجودة فى منطقة البحر المتوسط بأكملها مدرجة فى البورصة وتعمل وفق قواعد السوق. وحاول تايانى التقليل من أهمية الاتفاق مشيرا إلى تأكيد إينى أن العقد لا يزال قيد الإعداد، وأنه لا توجد أى عمليات تنقيب جارية حتى الآن فى المنطقة المعنية. كما حاول التخفيف من حدة الضغوطات الممارسة على الشركة الإيطالية، مشيرا إلى أهمية التوفيق بين المصالح الاقتصادية والتطلعات المشروعة للشعوب، ومشددا على ضرورة تحديد الحدود والمناطق البحرية وفق قواعد يمليها القانون الدولى.

 

وأضاف المسئول الحكومى نحن أمام قضية تضارب مصالح، وأن الحل الأمثل هو طريق الوساطة والحوار وإيجاد الحلول من خلال التفاوض على غرار الاتفاق الذى توصل إليه لبنان وإسرائيل فى أكتوبر 2022 حول ترسيم الحدود البحرية بينهما. وقد أستهجن أنجيلو بونيلى الناطق الرسمى لأوروبا الخضراء والنائب عن تحالف الخضر واليسار تصريحات تايانى، ووصفها بغير المقبولة. وأكد بونيلى الذى استجوب وزير الخارجية تحت قبة البرلمان حول هذا الموضوع وعدم أحقية إسرائيل وفق المادة 55 من معاهدة لاهاى فى استخدام الموارد الطبيعية الفلسطينية لتحقيق مكاسب اقتصادية خاصة بها. وقال: نعلم جيدا أن قضية الطاقة تعتبر مهمة جدا لبلدنا، لكن هناك أيضا أخلاق وقيم سامية تقودنا إلى القول إنه فى الوقت الذى يقتل فيه اليوم أكثر من 30 ألف مدنى فلسطينى هناك من يحاول سرقة مواردهم لتحقيق أرباح خاصة به. وفى رده على ماهى المبادرات التى ينوى اتخاذها خلال الفترة القادمة كشف النائب الإيطالى عن اعتزام حزبه الترافع أمام محكمة العدل الأوروبية ضد شركة إينى فى قضية دولية.

 

من جانبه، وصف الصحفى ألبيرتو نيجرى تصريحات تايانى بالسخيفة، وأنها محاولة يائسة للتسلق على لوح زجاج. وقال إن حديث الوزير عن عدم وجود أى أنشطة بعد لاستغلال الموارد الطبيعية الفلسطينية يعود إلى أن مرحلة التنقيب لم تبدأ ويجب أن تكتمل. وأوضح نيجرى أنه لم تتحدث إينى قطعا فى الماضى ولا حتى الحكومة الإيطالية عن إبرام اتفاق مع إسرائيل لاستغلال حقل غاز غزة، ولولا الإنذار الذى وصل فى الأيام الماضية إلى الشركة لبقيت هذه الواقعة مغيبة أمام الرأى العام الإيطالى. وفسر محاولة تكتم إينى والحكومة الإيطالية على الاتفاقية بأن الحرب وارتكاب المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين كانا قد بدآ بالفعل، وبالتالى كان يجب عليهما الإعلان عن تعليقهما كحد أدنى. وأضاف نيجرى أن حديث وزير خارجيتنا عن تضارب المصالح وتفضيل طريق الوساطة والحوار فى مثل هذه الحالات ليس سوى ذر للرماد فى العيون، لأن إينى لم تتفاوض مع الفلسطينيين بل مع الحكومة الإسرائيلية فقط رغم أن حقل غزة مارين تم اكتشافه منذ عام 2000 ولم يستطع الفلسطينيون استخراج الغاز منه حتى الآن بسبب الحصار الذى تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ عام 2007.

 

ويضع حجم الدمار غير المسبوق فى قطاع غزة واستمرار حرب إسرائيل على القطاع لأكثر من 3 أشهر ثروات القطاع الطبيعية فى دائرة الضوء، وسط تقديرات أممية بأن الاحتلال منع الفلسطينيين من الاستفادة من ثرواتهم الطبيعية المقدر قيمتها بمليارات الدولارات ويسعى من خلال حربه التدميرية الحالية إلى تهجير أهالى قطاع غزة. يأتى ذلك بعد 10 سنوات من تنبيه الصحفية البريطانية فيليسيتى أربوثنوت إلى أن إسرائيل تسعى إلى أن تكون مصدرا رئيسيا للغاز الطبيعى وبعض النفط. ولفتت أربوثنوت فى تحليلها إلى أن حكومات ووسائل إعلام عدت حقل الغاز الطبيعى العملاق لفيتان فى شرق البحر الأبيض المتوسط، الذى اكتشف فى 2010، هو قبالة سواحل إسرائيل فى اعتراف ضمنى بأنه إسرائيلى مع أن جزءا منه يقع فى مياه قطاع غزة.

 

وتدعى إسرائيل أن هذه الاحتياطيات قبالة قطاع غزة كنز خاص بها، لكن جزءا صغيرا فقط من هذا الغاز يقع فى المنطقة التى قالت أربوثنوت إنها إسرائيلية مضيفة أنه لا يزال هناك كثير من الغاز غير مستكشف لكنه يتكشف تباعا. من جانبه، اعتبر الاقتصادى الكندى ميشيل تشوسودوڤسكى مؤسس ورئيس مركز أبحاث العولمة والذى كتب مع فيليسيتى أربوثنوت فى أكتوبر الماضى أن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو للحرب فى أكتوبر الماضى على 2.3 مليون شخص فى قطاع غزة هو استمرار لغزو غزة الذى بدأ فى 2008 فى إطار عملية الرصاص المصبوب. ويضيف تشوسودوڤسكى أن الهدف الأساسى من العملية هو الاحتلال العسكرى الصريح لغزة من قبل قوات الجيش الإسرائيلى وطرد الفلسطينيين من وطنهم ومصادرة احتياطيات الغاز الطبيعى البحرية فى غزة، والتى تقدر بمليارات الدولارات، وتحديدا تلك التى اكتشفتها شركة بريتش غاز فى 1999 أمام القطاع، وكذلك اكتشافات حوض الشام عام 2013. وكانت حركة حماس قد أشارت فى بداية عملية طوفان الأقصى التى شنتها على الاحتلال فى غلاف قطاع غزة، كان من بين أهدافها إحباط مخطط إسرائيلى للاستيلاء على غزة والضفة الغربية وطرد السكان إلى كل من مصر والأردن.

 

ووفقا لتقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) صدر فى 2019، أكد علماء جيولوجيون واقتصاديون فى مجال الموارد الطبيعية أن الأرضى الفلسطينية المحتلة تقع فوق خزانات كبيرة من النفط والغاز، فى المنطقة (ج) من الضفة الغربية المحتلة وساحل البحر الأبيض المتوسط أمام قطاع غزة. مع ذلك، يمنع الاحتلال الفلسطينيين من تطوير حقول الطاقة لديهم لاستغلالها والاستفادة منها، وعلى هذا الشكل فقد حرم الشعب الفلسطينى من فوائد استخدام هذا المورد الطبيعى لتمويل التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتلبية احتياجاته من الطاقة. وتقدر الخسائر المتراكمة بمليارات الدولارات، وكلما طالت فترة منع إسرائيل للفلسطينيين من استغلال احتياطياتهم من النفط والغاز زادت تكاليف الفرصة البديلة، وزادت تكاليف الاحتلال الإجمالية التى يتحملها الفلسطينيون، وفق التقرير الأممى. ويحدد التقرير تقييمات احتياطيات النفط والغاز الطبيعى الفلسطينية الحالية والمحتملة التى يمكن استغلالها لصالح الشعب الفلسطينى والتى تمنعهم إسرائيل من استغلالها، أو تستغلها بدون مراعاة القانون الدولى.

 

وبالعودة إلى ما ذكرته أربوثنوت عام 2013، فإن لفيتان كان يعد أبرز حقل اُكتشف على الإطلاق فى حوض الشام، والذى يغطى حوالى 83 ألف كيلومتر مربع من شرق الأبيض المتوسط. وإلى جانب حقل تمار فى الموقع نفسه، والمكتشف فى 2009 فإن الآفاق تشير إلى ثروة من الطاقة تسيطر عليها إسرائيل، وشركة نوبل إنرجى وأفنر أويل إكسبلوريشن وريشيو أويل إكسبلوريشن. وزادت الاحتياطات المقدرة لحقل لفيتان بالفعل من ما يقدر بنحو 16.7 تريليون قدم مكعبة من الغاز إلى 19 تريليون قدم مكعبة. ووفقا لأربوثنوت، فإن متوسط النفط القابل للاستخراج فى المنطقة 1.7 مليار برميل ويبلغ متوسط احتياطيات الغاز 122 تريليون قدم مكعبة وذلك باستخدام منهجية التقييم القائمة على الجيولوجيا.

 

وقالت الكاتبة تارا علامى فى وقت سابق على موقع موندويس الأمريكى إنه لا يمكن النظر إلى العدوان الإسرائيلى المتواصل على قطاع غزة بمعزل عن الموارد الغنية المتمثلة بالغاز الطبيعى الذى تزخر به شواطئها، وقد تعمد الهجوم تدمير المبانى والبنى التحتية وقتل الآلاف لدفع الناس إلى الهجرة لتخلو غزة للاحتلال. وتقول الكاتبة إن المشروع الإسرائيلى يهدف إلى بناء دولة استعمارية عرقية وتسعى إسرائيل إلى تحقيق هذا الهدف من خلال تصدير الغاز المسروق وإبرام صفقات بمشاركة الاتحاد الأوروبى حيث اكتشفت بريتش غاز البريطانية حقول الغاز أمام غزة منذ 25 عاما، وتعرف اليوم بغزة مارين 1 وغزة مارين 2 وتشكل نقطة اهتمام لإسرائيل وأمريكا فى استغلال الموارد الفلسطينية. وتضيف علامى أن الاحتلال الإسرائيلى يسيطر على موارد الطاقة والمياه فى غزة، مما يعوق جهود إنشاء بنية تحتية للطاقة مستقلة فى القطاع، ويستفيد الاحتلال من الغاز المسروق والمياه، فى حين يعانى الفلسطينيون فى غزة من أزمة طاقة حادة.

 

وتشير علامى إلى مصلحة إسرائيل فى استخراج الغاز أمام سواحل فلسطين ولبنان وترجع ذلك إلى أهداف الاحتلال التى تقويها اتفاقيات أوسلو وبروتوكول باريس مثل تشجيع التوسع الاستيطانى وتقييد وصول الفلسطينيين إلى الموارد.وفى 24 أكتوبر الماضى حذرت وزارة الصحة من إمكانية إغلاق المستشفيات خلال يومين بسبب نقص الوقود، وسط قصف وصفته بالوحشى وتسربت أخبار عن خطط أمريكية لاستغلال حقول الغاز أمام سواحل غزة كجزء من خطة التنشيط الاقتصادى.