الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مصــر فى محكمة العدل من أجل فلسطين

فى أواخر 2022، وبعد يوم من تشكيل الحكومة الإسرائيلية اليمينية بزعامة بنيامين نتانياهو، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة التى تضم 193 عضوا، من محكمة العدل الدولية إعطاء رأى استشارى بشأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، عملاً بالمادة 65 من النظام الأساسى للمحكمة.



وجاء طلب إبداء الرأى فى قضية الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية فى قرار اتخذته الجمعية العامة بأغلبية 87 صوتا، فى حين صوتت إسرائيل والولايات المتحدة و24 عضوا آخرين ضد القرار، بينما امتنع 53 عضوا عن التصويت.

 

محكمة العدل الدولية ومقرها لاهاي، المعروفة أيضا باسم المحكمة العالمية، هى أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة تتعامل مع النزاعات بين الدول، وأحكامها (وليس آراءها الاستشارية) ملزمة رغم أنها لا تملك سلطة إنفاذها.

طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من المحكمة تقديم رأى استشارى حول التبعات القانونية «للاحتلال الإسرائيلى والاستيطان والضم... بما فى ذلك الإجراءات التى تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية، ووضع مدينة القدس، واعتماد إسرائيل تشريعات وإجراءات تمييزية لتكريس هذه السياسة».

 التواجد المصرى

مشاركة مصر فى المرافعة يأتى من خلال قناعة بأن الوجود الإسرائيلى فى الضفة الغربية والقدس الشرقية غير قانوني، حيث تعتبر أن حل الصراع يبدأ بقيام دولة فلسطينية مستقلة، كما يأتى من قناعة مصرية بأنه لا يمكن للمجتمع الدولى أن يعترف بأى إجراءات أحادية اتخذتها إسرائيل، ويعطى دفعة للأفكار التى تتداولها وزارتا الخارجية الأمريكية والبريطانية بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وهناك أسباب دفعت القاهرة لمواجهة الكيان الصهيونى الغاصب فى ساحات القضاء، فى مقدمتها أن القاهرة تتخذ على عاتقها وتلعب دوار تاريخيا فى القضية الفلسطينية منذ تاريخ الصراع العربى - الإسرائيلى، دور فاعل يُبنى على عدة مسارات، ويشمل  «الدور الإنسانى تجاه غزة» من خلال إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح وعلاج الفلسطينيين فى المستشفيات المصرية وغيره.

بالإضافة إلى «الدور السياسى» والذى يشمل كافة التحركات الدبلوماسية منذ بداية العدوان الإسرائيلى فى أكتوبر 2023 وجهود التهدئة، وغدا يحين موعد «الدور القانونى» لنصرة القضية الفلسطينية وإنصاف آلاف الشهداء الفلسطينيين وردع مخطط التهجير الذى لا تزال تسعى تل أبيب لتمريره بقوة السلاح.

وتأتى فكرة الحساب، وأن الجميع سواية أمام القانون، ولا أحد يعلو على القانون، سببا آخر دفع القاهرة للمطالبة بمحاسبة الاحتلال على جرائم 75عامًا من قتل ومجازر بشعة وردع مخطط التهجير القسرى بحق الفلسطينيين، وفى أكثر من مناسبة أكد سامح شكرى وزير الخارجية، «إن هناك آليات لمحاسبة إسرائيل على الجرائم التى ارتكبتها فى قطاع غزة».

وفى المحافل الدولية شددت القاهرة على أن استقرار وتنمية المنطقة ككل يتطلب فرض مسار سياسى يسمح بتسوية القضية الفلسطينية من خلال إنهاء الاحتلال، ونظام الفصل العنصرى الإسرائيلى «الأبارتهايد» الممارس بحق الفلسطينيين بجميع أماكن تواجدهم، وتمكين الشعب الفلسطينى من تقرير مصيره على أرضه واستغلال موارده الطبيعية، وتطوير اقتصاده الوطنى وإحداث التنمية.

وأكدت القاهرة أيضا فى أكثر من مناسبة على ضرورة تفعيل أدوات المحاسبة والمساءلة الدولية لإسرائيل، ولن يتحقق هذا إلا بقيام المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته القانونية والأخلاقية والتدخل الفاعل لإنهاء ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة، والضغط على سلطات الاحتلال لإجبارها على احترام مبادئ القانون الدولى لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى.

 المذكرة المصرية

وتشمل المذكرة المصرية تأكيد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلى الذى دام أكثر من 75 عاما بالمخالفة لمبادئ القانون الدولى الإنسانى، وكذلك سياسات ضم الأراضى وهدم المنازل وطرد وترحيل وتهجير الفلسطينيين، بالمخالفة للقواعد الآمرة للقانون الدولى العام، ومنها حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى وحظر الاستيلاء على الأراضى من خلال استعمال القوة المسلحة. كما تتضمن المذكرة رفض سياسات الاضطهاد والتمييز العنصرى وغيرها من الممارسات الإسرائيلية، التى تنتهك بشكل صارخ مبادئ القانون الدولى الإنسانى والقانون الدولى لحقوق الإنسان.

وتتضمن المرافعة الشفهية المصرية تأكيد اختصاص محكمة العدل الدولية بنظر الرأى الاستشارى، باعتبار الجمعية العامة للأمم المتحدة أحد الأجهزة المخولة وفقا لميثاق المنظمة بطلب رأى استشارى من المحكمة، ونظرا لأن الأمر يتناول الأبعاد القانونية لـ«المستوطنات الإسرائيلية» غير المشروعة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، المخالفة لمبادئ القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية.

وتتضمن فضح الجرائم الإسرائيلية منذ 1967، التى تعد جرائم لا تسقط بالتقادم، وتضاف لسجل إسرائيل الملطخ بالدماء فى قتل وتهجير وتجويع وإبادة ملايين الفلسطينيين، ويوجد إجماع فى الفقه القانونى الدولى على أن الأراضى التى احتلتها إسرائيل سنة 1967 هى أراض محتلة، وأن الاستيطان فيها غير شرعى بموجب الأعراف والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى. ويرجع الخبراء، بصورة خاصة، إلى اتفاقية لاهاى واتفاقية جنيف الرابعة، اللتين نصتا على عدم قانونية الاستيطان، أى نزعتا الشرعية عن نقل السكان إلى الإقليم المحتل والاستيلاء بالقوة على الأملاك الخاصة فيه، إلاّ فيما يتعلق بتبريرات أمنية بموجب القانون الدولى.

 هل الرأى مُلزم؟

وبحسب أستاذ القانون الدولى بجامعة القاهرة، أحمد أبو الوفا، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة طلبت رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية بخصوص المسألة الفلسطينية، لكن هذا يختلف عن دعوى جنوب إفريقيا التى تنظرها المحكمة ذاتها بشأن انتهاك إسرائيل لاتفاقية الإبادة الجماعية.

وفى أواخر 2022، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار يدعو محكمة العدل الدولية لإعطاء رأى استشارى بشأن «التبعات» القانونية للاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية والاستيطان والضم، بما فى ذلك الإجراءات التى تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية، ووضع مدينة القدس.

وأوضح «أبو الوفا» فى تصريحات صحفية أن مصر طلبت التدخل فى جلسات الرأى الاستشارى الخاص بالمسألة الفلسطينية، وقدمت طلبها مشفوعًا بإنهاء الاحتلال وتعويض الفلسطينيين عن الانتهاكات التى حدثت، ووقف الأعمال غير المشروعة التى ترتكبها القوات الإسرائيلية وأى مخالفة للقانون الدولى.

واعتبر أستاذ قانون دولى التدخل المصرى بأنه يأتى تأكيدًا للوقوف بجانب الشعب الفلسطيني، لكن الرأى الاستشارى للمحكمة فى هذا الصدد «غير مُلزم للدول أو المجتمع الدولي».

ومع ذلك، ينظر «أبو الوفا» للرأى الاستشارى لمحكمة العدل بأنه حال صدوره لصالح الفلسطينيين «سيكون له قيمة معنوية كبيرة» خاصة فى إطار التصعيد الراهن. وقال: «دعوى جنوب إفريقيا خاصة بنزاع قضائى لكنها تقتصر على اتهام إسرائيل بخرق اتفاقية الإبادة الجماعية، والحكم فى هذا الصدد سيكون مُلزمًا، بينما الرأى الاستشارى الحالى غير ملزم وليس له تبعات قانونية على أى الطرفين».

كما أكد أستاذ القانون الدولى الدكتور أيمن سلامة، أن الرأى الاستشارى للمحكمة غير ملزم حتى للمحكمة ذاتها، إذ يُمكن للمحكمة مستقبلا أن تفصل «قضائياً» بقرار مخالف لرأى المحكمة الاستشارى الذى سبق أن أدلت به فى المسألة المشابهة.

وحدد الخبير المتخصص فى العلاقات الدولية، أيمن سمير، فى تصريحات صحفية الأسباب التى دفعت مصر للتقدم بمذكرة لمحكمة العدل الدولية بشأن الممارسات الإسرائيلية فى فلسطين، قائلًا إن القرار المصرى مهم فى هذا التوقيت لجملة من الاعتبارات على رأسها كون مشاركة دولة بحجم مصر فى المنطقة، وأنها أول دولة عربية عقدت اتفاق سلام مع إسرائيل، فهذا يزيد من الزخم والقوة للقرار الاستشارى الذى طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الممارسات الإسرائيلية منذ 75 عامًا.

حضور مصر ومرافعتها يمثل ضغطًا لاستصدار رأى استشارى إيجابى فيما طلبته بشأن كون الوجود الإسرائيلى فى الضفة الغربية غير شرعى ويتنافى مع القانون الدولى، حيث ترتقى الممارسات الإسرائيلية لجرائم الفصل العنصرى.

رغم أن تلك الجلسات منفصلة عن قضية جنوب إفريقيا، لكن صدور حكم لصالح الفلسطينيين سيكون له تأثير سياسى رغم كونه قرارًا استشارياً غير ملزم، إذ يزيد من تدهور صورة إسرائيل دولياً، وقد يضع حدا فى نظرة ودعم العالم الغربى لإسرائيل.