الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أول مدينة «سُكِّت» بها العملة دمنهور أقدم تجمع حضارى فى العالم

مصر جاءت ثم جاء التاريح وتاريخ البشرية لا يمكن كتابته دون مصر «أقدم حضارة عرفتها البشرية» وفى تاريخ مصر تبرز محافظة البحيرة ويبرز إقليم دمنهور أو «دمى - ن - حور» عاصمة مملكة الشمال التى كانت واحدة من العواصم تدار منها مصر القديمة كواحدة من المدن التى لا تزال تبوح بأسرارها الأثرية وتاريخها العريق الذى يحتاج أن نسلط الضوء عليه كواحدة من المدن والمحافظات المصرية الضاربة فى عمق التاريخ والتى كان لها الفضل العلمى حيث وجد بين جنباتها حجر رشيد أحد أهم المعالم والقطع الأثرية، من خلاله تم فك شفرة رموز اللغة «الهيروغليفية» مما ساعد علماء الآثار والمكتشفين على معرفة أسماء ملوك مصر وتاريخهم منذ أكثر من 5 آلاف سنة ومعرفة أسرار الحضارة المصرية القديمة.



فعندما تتصفح كتاب «أحوال مصر»، وتبحر فيه تجد معلومات دقيقة لا يعرفها الكثيرون عن تلك المحافطة العريقة وشعبها وعظمة وتاريخ محافظة البحيرة الكبيرة التى كانت تسمى مدينة «إيمنتى» سابقا أو محافظة البحيرة حاليا وتقع بها مدينة دمنهور عاصمة المحافظة والتى تعتبر أقدم تجمع حضارى عرفته البشرية فى العالم وبدمنهور كانت أول مدينة سكت بها العملة. 

ومحافظة البحيرة أعرق محافظات مصر وواحدة من كبرى المحافظات التى تؤمن الغذاء بكثرة المحاصيل الزراعية لمصر بما تملكه من مساحات زراعية واسعة وثروة زراعية متنوعة وإنتاج حيوانى وسمكى وداجنى، وتقع محافظة البحيرة فى غرب الدلتا، يحدها شمالا البحر الأبيض المتوسط التى تصب به مياه فرع النيل الغربى بعد رحلة قطعتها مياه النيل من منابع النيل بأعالى إفريقيا حتى مدينة رشيد العريقة ذات الطراز المعمارى المتميز والتى اكتشف بها أقدم حجر مكننا من اكتشاف وفك رموز اللغة الهيروغليفية «حجر رشيد». 

وتحد محافظة البحيرة من الغرب محافظتا الإسكندرية ومطروح ومن الجنوب محافظة الجيزة، وتبلغ مساحتها 9826 كم2 ويبلغ إجمالى عدد السكان 7 ملايين نسمة.

ومحافظـة البحيرة ورد ذكرها فى كتاب أحوال مصر بأنها من أعرق الحضارات فى التاريخ وكانت تسمى فى الماضى بمقاطعة «إيمنتى» وكانت عاصمتها مدينة «بديت» والتى كانت أيضا عاصمة مملكة الشمال، بنيت فى أواخر أيام البطالمة لتكون مدينة ملحقة بدمنهور، وكانت هذه المقاطعة واحدة من 20 مقاطعة يتألف منها إقليم الوجه البحرى، وكان لمقاطعة «إيمنتى» السبق فى أول محاولة للوحدة مع مملكة الجنوب غير أن هذه الوحدة لم تدم طويلا، ثم جاء الملك مينا ليوحد القطرين الجنوبى والشمالى. 

وكلمة «البحيرة» قد وجدت فى الخرائط التى صدرت بعد الفتح الإسلامى لمصر وقد أطلقت عليها الكور «المقاطعات» الواقعة غرب رشيد وهذه الكلمة فى اللغة هى تصغير لكلمة «بحرة» وهى تعنى البقعة الفسيحة من الأرض المنخفضة كما يعلل البعض هذه التسمية لوجود عدد من البحيرات فى شمال الإقليم والتى لم تكن منفصلة عن بعضها البعض، وتمثل مساحات شاسعة من المياه وعاصمة المحافظة مدينة دمنهور إحدى المدن العريقة بالقطر المصرى حيث كانت فى وقت من الأوقات عاصمة مملكة الشمال، وكانت مركزًا دينيًا مهمًا لعبادة الإله حورس وبنيت فيها المعابد الكبيرة لعبادته وأصل كلمة مدينة دمنهور يرجع للتسمية الهيروغليفية «دمى ن حور» أى مدينة الإله حور، وقد أطلق على مدينة دمنهور اسم «هرمو بولس بارفا» أو «هرمو بولس الصغرى» نسبة إلى الإله «هرمس»، لأنه كان يوجد معبدان داخل المدينة الأول والأقدم بناه قدماء المصريين لعبادة الإله «حـورس» والثانى وهو الأحدث بنى فى العصر اليونانى للإله «هرمس» ويلاحظ أن الاسم الذى شاع فى النهاية هو الاسم المصرى القديم «دمنهور» بينما استبعد الاسم اليونانى، وقد عاصرت هذه المقاطعة جميع الأحقاب التاريخية بدءا من عصر ما قبل الأسرات ومرورا بالعصر الفرعونى يليه العصر البيزنطى ثم الفتح الإسلامى لمصر وحتى اليوم.

وقد مر بأرض محافظة البحيرة معظم الفلاسفة والمؤرخين والجغرافيين الإغريق وتتلمذوا على أيدى كهنتها عندما كانت المعابد بمثابة الجامعات الأولى التى استقى منها هؤلاء الإغريق العلوم والطب والفلسفة.

وحظيت البحيرة منذ أقدم العصور وحتى اليوم بزيارات الرحالة والبحارة والمؤرخين والفلاسفة والسلاطين والملوك والرؤساء، فوطئت أرضها أقدام هيرودوت واسترابون وفيلاوس وباريس وهيلانة والإسكندر وفاتح مصر عمرو بن العاص وأمراء المماليك وحكام مصر مثل الأمير قايتباى والغورى وصلاح الدين الأيوبى حتى الاستعمار الفرنسى بقيادة نابليون رأى فى البحيرة ودمنهور مطمعًا فجعل العلماء يكرسون جهودهم لدراسة ما بها من آثار حتى استطاعوا فك رموز حجر رشيد. 

ومدينة دمنهور من أقدم مدن العالم وأول عاصمة دولة فى التاريخ «عاصمة دولة الفراعنة بالوجه البحرى» ثم ضمها الملك مينا بعدما وحد القطرين الجنوبى والشمالى لمصر منذ 3 آلاف سنة وجعل العاصمة منف، وأيام الإغريق والرومان كانت المدينة الثانية بعد العاصمة الإسكندرية، وبعد الفتح الإسلامى لمصر بنى بها عمرو بن العاص ثانى مساجد مصر بعد مسجده بالفسطاط، وهو مسجد التوبة وجعلها عاصمة إقليم البحيرة الذى كان يضم رشيد والإسكندرية، والبحيرة كانت منزل القبائل العربية التى أتت مع الفتح الإسلامى، وكان عربان البحيرة يثورون على ظلم المماليك والعثمانيين مطالبين بالخلافة لتكون قرشية عربية.

ثار أهل البحيرة على الفرنسيين عدة مرات، وفى كل ثورة كان يستشهد عدد من الأهالى والأعيان والعربان والعلماء بها، وكان يلجأ الفرنسيون للتنكيل بأبطال المقاومة الشعبية وشنقهم وفى بعض الأحيان يتخذونهم كرهائن ليخمدوا نيران الثورة ضد الاستعمار الفرنسى وليتوقف أهل البحيرة عن الثورة حتى أتاهم «أبو عبدالله المغربى» من شيوخ المغرب ودعا أهلها إلى الجهاد وجعل دمنهور عاصمته، وانتصر على نابليون بونابرت فى خمس معارك متتالية انتهت باستشهاده واستشهاد ألفين من رجال البحيرة بدمنهور، وأمر نابليون بإبادة سكان المدينة وحرقهم أحياء فى بيوتهم وفى الطرقات وقدر عدد الشهداء وقتها بربع سكان المدينة وأرسل قائد كتيبة إبادة دمنهور لأحد القادة رسالة قائلاً: أصبحت دمنهور كومة من الرماد ما تركنا فيها حجرًا فوق حجر.

نستكمل الحلقة القادمة عن تاريخ محافظة البحيرة العريقة.