الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رائعة «إحسان عبدالقدوس» الصالحة لكل العصور: بين القلب والعقل والغريزة.. يـُحكى أنف وثلاث عيون

لكل منا ماض وتراكمات حياتية تشكل روحه وتتحكم فى حالته النفسية ومن ثم اختياراته وقراراته، وأيضًا لكل منا حرية الاختيار فى البحث داخل ذاته ونفسيته والتعمق فيها لفهمها أكثر ومعالجة ما أشابها أو الهروب منها وشغل الوقت بكل ما لذ وطاب.



 

اختيار حر يتعلق بنضج الشخص وقوته النفسية ووعيه بأهمية قرار المواجهة ويتعلق أيضًا باعترافه باحتياجه لمتخصص نفسى يوجّهه ويرتب أفكاره ومشاعره، وهذا هو الفرق تحديدًا بين الماضى والحاضر الذى ترجمه العمل الفنى (أنف وثلاث عيون) بين نسخته فى السينما عام 1972 ونسخته الحالية عام 2024، أى فرق توقيت وعصر وفكر وفلسفة حياة تقدّر بأكثر من خمسين عامًا،نصف قرن تغير فيه الكثير.

فيلم (أنف وثلاث عيون) الذى يُعرض حاليًا فى دور العرض مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للروائى الكبير «إحسان عبدالقدوس» وسيناريو وحوار «وائل حمدى» وإخراج «أمير رمسيس» وبطولة «ظافر العابدين» فى دور «الدكتور هاشم» و«سلمى أبو ضيف» فى دور «رحاب» أو «روبا» و«أمينة خليل» فى دور «نجوى» مع مشاركة «نورا شعيشع» فى دور «أمينة»، وكلها أسماء لشخصيات رواية (أنف وثلاث عيون) التى كتبها «إحسان عبدالقدوس» وتمت معالجتها دراميًا فى هذه النسخة بشكل مختلف تمامًا يناسب العصر الحالى.

 

إذا تطرقنا للحديث عن شخصية «الدكتور هاشم» فهى شخصية مركبة يعانى عقدة ما منذ الصغر أثرت على اختياراته فى العلاقات العاطفية وعدم استقراره فيها بإرادته الحرة دون حتى أن يعترف بذلك، وقد كشفت النسخة الحالية من العمل الفنى السبب وراء كل التصرفات غير المقبولة والظالمة نوعًا ما للشخصية، وذلك بسبب إضافة خط درامى جديد وهو شخصية «الدكتورة عاليا» التى تجسد دورها «صبا مبارك»، دكتورة نفسية تساعد «الدكتور هاشم» فى رحلة بحثه داخل ذاته ومواجهة مخاوفه وحلها، وهنا يأخذنا فيلم (أنف وثلاث عيون) للعصر الحالى وأفكاره وفلسفته وتقبلها بل واحتياجنا للعلاج النفسى كى ترتقى أرواحنا وتُشفى، ولو تحدثنا عن شخصية «رحاب» فهى فى تلك النسخة مختلفة تمام الاختلاف عن «رحاب» فى نسخة الفيلم عام 1972 التى جسدتها «ميرڤت أمين»، «رحاب» هنا، ذكية.. حرّة.. عاطفية.. مخلصة.. تحب «الدكتور هاشم» بصدق لكن تصغره بـ 25 عامًا ما يمثل العائق الوحيد الذى يمنعه من الارتباط بها وبالطبع هنا لغة العقل تتحكم، أما شخصية «نجوى» فهى تتشابه كثيرًا مع «نجوى» فى نسختها منذ ما يقرب من نصف قرن التى جسدتها «نجلاء فتحى» والاختلاف بين النسختين يكمن فى نهاية الخط الدرامى للشخصية الذى ينبع من اختلاف أفكار العصر الحالى أيضًا وهنا لغة القلب تتحكم.

أما شخصية «أمينة» أو «إيمى» فقد تطرق لها العمل الفنى الحالى فى مشهد واحد يشرح مدى الظلم التى تعرضت له والغضب الذى يملأ روحها وأثره على حياتها الشخصية مع اختلاف أيضًا الخط الدرامى الخاص بها عن «أمينة» عام 1972 التى جسدتها «ماجدة» وهنا لغة الغريزة تتحكم.

ولذلك فالنسخة الحالية 2024 من (أنف وثلاث عيون) التى قُدمت فى السينما والتليفزيون أكثر من مرة تختلف كثيرًا، فهى تترجم فلسفة العصر ونهاية الخطوط الدرامية تأتى أقل قسوة عن ذى قبل وأكثر تقبلًا للاختلافات الشخصية والتراكمات النفسية، كما أنها تحكى عن الثلاث عيون المقصودة وهي عين الغريزة وعين العقل وعين القلب التى يختار بينها أى رجل شرقى وتنتهى حيرته بمجرد قدرته على المواجهة، مواجهة ذاته وأفكاره ومشاعره.

ما أضاف لتلك الحالة الفنية فى النسخة الحديثة من الرواية هو الموسيقى التصويرية المعتمدة على الآلات الوترية مثل الكمان والتشيللو التى تعزف على أوتار كل شخصية وتكشف ما يدور بداخلها وتترجمها دراميًا، أما ما ينقص هذا العمل الفنى تفصيلة واحدة فقط وهى عقدة البطل «الدكتور هاشم» وكونها خاصة جدًا لا تمس قطاعًا كبيرًا من المشاهدين وبالتالى من الممكن أن ينفصل المُشاهد نفسيًا عن العمل فهو لا يمسه ولا يشبه ما يمر به فى حياته.

غير ذلك فإن (أنف وثلاث عيون) عمل ممتع بلغة عصرية جديدة يأخذك لعالمه وعالم شخصياته ويجبرك على الاندماج معه حتى وإن لم يكن يشبهك.