الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صندوق النقد الدولى: اتساع الصراع فى الشرق الأوسط يهدد بأضرار اقتصادية عالمية

فى تصريح يعتبر تصاعديًا للمرة الأولى؛ قالت مديرة صندوق النقد الدولى كريستالينا چورجيڤا إن اتساع رقعة الصراع فى الشرق الأوسط قد يؤدى إلى تفاقم الأضرار الاقتصادية على المستوى العالمى مشيرة إلى أن ذلك تجلى فى ارتفاع تكاليف الشحن، وانخفاض حجم المرور فى البحر الأحمر؛ واعتبرت چورجيڤا فى كلمة ألقتها خلال مشاركتها بالمنتدى الثامن للمالية العامة فى الدول العربية أن التوقعات المتردية للاقتصاد الفلسطينى تزداد مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مشيرة إلى ضرورة الوصول إلى حل سياسى وسلام دائم لتغيير الواقع الاقتصادى.



 

كشفت أن صندوق النقد الدولى سيواصل تقديم المشورة فى مجال السياسات والمساعدة الفنية للسلطة الفلسطينية، وسلطة النقد الفلسطينية. واعتبرت مديرة صندوق النقد الدولى أن تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة انعكست على السياحة فى الدول المجاورة، مؤكدة أن المؤسسة التمويلية تراقب عن كثب الآثار المالية، والتى يمكن ملاحظتها على نواحٍ كثيرة مثل زيادة الإنفاق على شبكات الأمان الاجتماعى والدفاع.

 

وتوقعت چورجيڤا أن ينمو اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العام الحالى بنسبة 2.9 % منخفضا عما توقعه الصندوق فى أكتوبر 2023 على خلفية خفض إنتاج النفط وتشديد السياسة النقدية وتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة التى أثرت على الدول المجاورة. كما خفض الصندوق حجم العبور فى البحر الأحمر بأكثر من 50 %. وقالت چورجيڤا إن صندوق النقد الدولى سينشر وثيقة تظهر أن الإلغاء التدريجى لدعم الطاقة يمكن أن يوفر 336 مليار دولار فى منطقة الشرق الأوسط ما يعادل اقتصاد العراق وليبيا مجتمعين.

 

ودعت چورجيڤا دول الشرق الأوسط إلى زيادة الإيرادات وتوسيع طاقتها الضريبية وتحسين أداء الشركات المملوكة للدولة، والذى من شأنه أن يغذى المالية العامة للدول فى المنطقة. وعن الدول المصدرة للطاقة، أشارت إلى أن بطء النمو خارج قطاع المحروقات سيكون بمثابة تحدٍ واعتبرت تراجع الطلب على النفط بمثابة رياح معاكسة متزايدة على المدى المتوسط. وعلى الجانب الآخر، أشارت إلى أن الدول المستوردة للطاقة ستتعرض لضغوط بسبب مستويات احتياجات الديون والاقتراض المرتفعة تاريخيا، ومحدودية الوصول إلى التمويل الخارجى. وأضافت چورجيڤا أن هذه الظروف غير المؤكدة إلى حد غير اعتيادى تفاقم التحديات التى تواجهها الاقتصادات التى لا تزال تتعافى من صدمات سابقة، مضيفة أنه من شأن المزيد من اتساع الصراع أن يؤدى إلى تفاقم الضرر الاقتصادى.

 

وكان قد أعلن صندوق النقد الدولى تخفيض توقعاته للنمو فى الصين ومنطقة اليورو، مشيرا إلى أن النمو العالمى لا يزال منخفضا ومتفاوتا رغم قوة ملحوظة للاقتصاد الأمريكى. كما شددت على أن الذكاء الاصطناعى سيشكل عامل نمو للاقتصاد لكنه يهدد نحو 40 % من الوظائف سواء على مستوى العالم أو فى العالم العربى مضيفة أنه يمكن للدول التى تفتقر إلى البنية التحتية والقوى العاملة الماهرة لتسخير هذه التكنولوچيا أن تتخلف أكثر عن الركب. 

 

وعلى جانب آخر؛ قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن تقييم التكلفة المالية المتصاعدة للحرب الإسرائيلية على غزة قد يبدو أمرا مرفوضا بينما لا تزال القنابل تتساقط على القطاع المحاصر، حيث يموت مئات الفلسطينيين يوميا فى المتوسط، إلى جانب أعداد أقل ولكن تاريخية من الجنود الإسرائيليين. وذكرت الصحيفة أن الظروف الاقتصادية الناجمة عن الهجوم المستمر على غزة منذ أسابيع لها تداعيات قوية على إسرائيل والفلسطينيين والشرق الأوسط. وأضافت أن تقييم التكلفة التى تكبدها قطاع غزة والتى تبدو كارثية بشكل واضح، لم يبدأ بعد، موضحة أن حوالى نصف المبانى وثلثى المنازل فى القطاع إما تضررت أو دمرت، وأن 1.8 مليون شخص هجروا. وتضرر الاقتصاد الإسرائيلى أيضا لكن إسرائيل تمتلك القدرة على تحديد موعد وقف إطلاق النار أكثر من حماس ويشبه بعض الخبراء الاقتصاديين الصدمة التى تعرض لها الاقتصاد الإسرائيلى بجائحة ڤيروس كورونا التى انتشرت فى عام 2020، ويرى آخرون أنها قد تكون أسوأ.

 

ومنذ 7 أكتوبر الماضى ارتفع الإنفاق والاقتراض الحكوميين ارتفاعا شديدا وانخفضت عائدات الضرائب، وربما تتأثر التصنيفات الائتمانية سلبا وفقا لما ذكرته واشنطن بوست. وعلاوة على ذلك، سينخفض الناتج المحلى الإجمالى إذ خفض بنك إسرائيل المركزى توقعات النمو لاقتصاد البلاد من 3 % فى عام 2023 إلى  1 % فى 2024. ويتوقع بعض الخبراء الاقتصاديين حدوث انكماش.

 

وأشارت واشنطن بوست إلى تكبد الجيش الإسرائيلى خسائر كبيرة فى صفوف قواته، فيما تتعرض الحكومة الإسرائيلية لضغوط دولية متزايدة وعزلة دبلوماسية. وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى وجود تأثير مثير للقلق على قطاع التكنولوجيا الفائقة الذى يمثل محرك الاقتصاد فى إسرائيل. وقالت إن الأسئلة التى تراود صناع السياسات وقادة الرأى فى الوقت الحالى تتعلق بكيفية تأثير تكلفة الحرب على مدتها، وموعد إعلان النصر ووقف النزيف المالى واستئناف جهود تنمية الاقتصاد من قبل الحكومة.

 

وقالت واشنطن بوست إن إسرائيل تنفق أموالا طائلة على نشر أكثر من 220 ألف جندى احتياطى فى المعركة فى المتوسط خلال الأشهر الثلاثة الماضية ودعم رواتبهم. وأضافت أن العديد من هؤلاء الجنود الاحتياطيين يعملون فى مجال التكنولوجيا الفائقة المتعلقة بالإنترنت، والزراعة، والتمويل، والملاحة، والذكاء الاصطناعى، والأدوية، والحلول المناخية، موضحة أن قطاع التكنولوجيا فى إسرائيل يعتمد على الاستثمار الأجنبى. ولكن ذلك كان يتراجع حتى قبل الحرب، ويعود ذلك جزئيا إلى عدم الاستقرار الذى اعتقد المستثمرون أن حكومة نتنياهو اليمينية أحدثته فى إسرائيل، بغض النظر عن إعلان شركة إنتل مؤخرا عن الاستمرار فى إنشاء مصنع للرقائق بقيمة 25 مليار دولار فى جنوب إسرائيل، وهو أكبر استثمار على الإطلاق من قبل شركة فى إسرائيل. ويتعين على إسرائيل دفع رواتب قوات الاحتياط وتكاليف القنابل والرصاص، بالإضافة إلى دعم 200 ألف شخص تم إجلاؤهم من القرى الإسرائيلية على طول حدود غزة والحدود الشمالية مع لبنان، والتى تتعرض لقصف يومى من حزب الله. وعلى جانب آخر؛ ارتفع معدل البطالة بين الإسرائيليين إلى حوالى 10 % منذ أكتوبر 2023؛ بسبب حرب غزة التى أدت إلى نزوح عشرات الآلاف ممن كانوا يعيشون بالقرب من الحدود مع قطاع غزة. وذكرت واشنطن بوست أن العديد من هؤلاء الأشخاص يتم إيواؤهم وإطعامهم فى فنادق شمال وجنوب إسرائيل على نفقة الحكومة، مضيفة أن الكثير من النازحين مصابون بصدمات نفسية ولا يعملون. 

 

وأضافت الصحيفة أن السياحة فى إٍسرائيل توقفت وأن شواطئ تل أبيب والبلدة القديمة فى القدس خالية من الأجانب، وأشارت إلى إلغاء احتفالات عيد الميلاد فى بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة؛ كما توقفت أعمال البناء التى تعتمد عادة على العمالة الفلسطينية من الضفة الغربية تقريبا، وعلقت إسرائيل تصاريح العمل لأكثر من 100 ألف فلسطينى منذ أن شنت هجومها للقضاء على حماس. وانخفضت صادرات إسرائيل فى جميع المجالات، وتم إيقاف الإنتاج فى حقول الغاز الإسرائيلية بالبحر الأبيض المتوسط فى بداية الحرب، لكنها تعمل الآن بشكل جزئى كما ذكرت الصحيفة. وقالت واشنطن بوست إن الخبراء الاقتصاديين الذين حاورتهم يقدرون أن الحرب كبدت الحكومة الإسرائيلية خسائر حوالى 18 مليار دولار بمعدل 220 مليون دولار فى اليوم. وقال تسفى إيكستاين محافظ بنك إسرائيل السابق والخبير الاقتصادى بجامعة رايخمان إن تأثير الحرب شمل انخفاض الإيرادات الضريبية وأنها كبدت ميزانية الحكومة للربع الرابع من عام 2023، 19 مليار دولار. وتوقع إيكستاين أن يرتفع هذا الرقم إلى 20 مليار دولار فى الربع الأول من عام 2024 وذلك بافتراض عدم امتداد الحرب إلى لبنان وفقا للصحيفة.

 

وحول الجبهة الشمالية قالت واشنطن بوست إنه إذا اندلعت حرب أوسع مع حزب الله اللبنانى، فإن ذلك سيؤدى إلى ارتفاع التكلفة بشكل صاروخى. وذكرت صحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية بأن استمرار الحرب من 5 إلى 10 أشهر، قد يكلف إسرائيل ما يصل إلى 50 مليار دولار، ما يعادل 10 % من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد. وقالت واشنطن بوست إن الحرب قد تنتهى عاجلا أو آجلا، وأشارت إلى توقع إدارة الرئيس الأمريكى بايدن، بأن إسرائيل ستتحول فى هذا العام من القصف بكثافة شديدة والقتال الشرس فى الشوارع إلى هجمات محددة الهدف بدرجة أكبر. لكن نتنياهو حذر مؤخرا من أن الحرب ليست قريبة من الانتهاء وقال للإسرائيليين: هذه المعركة ستكون طويلة.

 

ويرى يارون زليخة الخبير الاقتصادى السابق بوزارة المالية، أن فهم الآثار المترتبة على الحرب يعد أمرا مهما حيث يعانى عدد كبير من الجنود الإسرائيليين من صدمات عميقة جراء تداعيات الحرب على غزة، وتبرز معاناة هؤلاء الإسرائيليين باعتبارها التكلفة الخفية للحرب. وأوضحت واشنطن بوست أن الحرب تتسبب فى تراجع حاد للنشاط الاقتصادى وانخفاض الإيرادات، مشيرة إلى أن العجز فى الإنفاق يؤدى إلى وجود تكاليف اقتراض، ما سيؤثر على الميزانية لفترة طويلة بعد توقف إطلاق النار. وعلى الصعيد الداخلى أقر 45 % من الإسرائيليين بأنهم يشعرون بالقلق من أن تتسبب الحرب فى معاناة لهم، وفقا لاستطلاع رأى أجرته جمعية لاتيت الخيرية الإسرائيلية. وقال خبراء اقتصاديون للصحيفة إن هجمات حماس كانت كارثة وأدت إلى تآكل ثقة المواطنين، والشركات، والمستثمرين فى الحكومة والجيش، وأن استعادة هذه الثقة سيستغرق وقتا.

 

ومن ناحية أخرى؛ قال إسرائيليون فى استطلاع للرأى إنه يجب على الجيش ألا يتراجع عن هجومه المستمر على غزة على الرغم من تزايد الخسائر فى صفوفه. وأدى استدعاء جنود الاحتياط، والتهجير، والآثار غير المباشرة للحرب إلى تعطيل ما يصل إلى 20 % من العمال الإسرائيليين. وقال ميشال دان هاريل، المدير الإدارى لشركة مانباور إسرائيل أكبر شركة توظيف للصحيفة إن الاقتصاد الإسرائيلى شهد موجة صدمة مماثلة لتلك التى حدثت أثناء ذروة جائحة كوڤيد- 19، ويرى دان هاريل أن تأثير عمليات نشر جنود الاحتياط كان هائلا؛ لأن الأفراد كان يتم استدعاؤهم دون معرفة موعد عودتهم إلى العمل؛ وتابع أنه لا أحد كان يتوقع أن يتم تجنيد الأشخاص لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر. وأوضحت واشنطن بوست أن المساعدات الأمريكية مهمة للغاية بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلى موضحة أن الولايات المتحدة تقدم دعما عسكريا سنويا بقيمة 3.8 مليار دولار، وأن الدولتين تتبادلان التكنولوجيا الدفاعية لمنح إسرائيل تفوقا استراتيجيًا على خصومها. علاوة على ذلك، تبيع الولايات المتحدة لإسرائيل قنابل، وصواريخ، وقذائف بمئات الملايين من الدولارات، ويضغط البيت الأبيض لتمرير مشروع قانون لتقديم مساعدات إضافية لإسرائيل تقدر بـ14 مليار دولار.