الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. تصفير الخلافات المصرية التركية لسابق عهدها..  تحالفات إقليمية جديدة للعلاقات الدولية فى المنطقة!

مصر أولا.. تصفير الخلافات المصرية التركية لسابق عهدها.. تحالفات إقليمية جديدة للعلاقات الدولية فى المنطقة!

لكل دولة أجندتها السياسية وأولويات مصالحها الخاصة. ولم تعد السياسة الخارجية التى تحكم العلاقات بين الدول ترتكز على اتفاق كامل أو اختلاف مستمر على غرار ما اختبرناه فى الماضى. الآن ترتكز العلاقات الدبلوماسية على الاتفاق على ملفات محددة والاختلاف والاشتباك فى أخرى حسب رؤية كل دولة لمكانتها وعلاقاتها بالدول الأخرى.. دون صدام أو مواجهة. وهو ما يصيغ أشكالاً جديدة فى العلاقات الدولية تعتمد التعامل بمنطق تجاوز القضايا الخلافية المرتبطة بمراحل زمنية محددة وربما متناقضة حسب المتغيرات التى تحددها الأزمات والتحديات. ولقاء القاهرة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس رجب طيب أردوغان دليل على ذلك.



 

طريق العودة

الوصول لهذه الزيارة الرسمية المهمة لها العديد من الدلالات، سياسيًا:

- تأتى كتتويج للعديد من اللقاءات الدورية والتفاهمات لتطبيع العلاقات بين البلدين التى بدأت سنة 2021 باعتبارهما دولتين رئيسيتين فى المنطقة من جهة، ولمواجهة بعض التحديات المشتركة وتدعيم أواصر العلاقات المشتركة من جهة أخرى.

- إنهاء مرحلة العلاقات المتوترة بين البلدين، وإعادة إحياء اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين منذ سنة 2007 ضمن الشراكة المتوسطية للاتحاد الأوروبى للعمل بكفاءة.

- تفعيل آليات الشراكة، وتبادل وجهات النظر حول التحديات الإقليمية والتعليمية.. خاصة الأزمة الفلسطينية الراهنة.

- استثمار العلاقات المصرية الوثيقة مع دول لها أبعاد سياسية واستراتيجية مثل اليونان وقبرص وسوريا تحديدًا، وهى علاقات ذات جذور ومواقف تاريخية ممتدة.

وعلى المستوى الاقتصادى:

- تعميق التعاون المصرى – التركى فى مجالات مختلفة.. خاصة التعاون العسكرى مع إعلان تركيا.. تزويد مصر بمسيرات بيرقدار TB2 وتقنيات أخرى.

- استهداف زيادة حجم التجارة الثنائية من 10 مليارات دولار سنة 2023 إلى 20 مليار دولار سنويًا خلال الخمس السنوات المقبلة، وبحث إمكانية استخدام العملات المحلية.. خاصة أن معدلات التجارة البينية بينهما حققت خلال العام الماضى.. زيادة غير مسبوقة منذ دخول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ.

- قيام الغرفة التجارية الصناعية فى مدينة بورصا التركية.. بإنشاء منطقة صناعية فى مصر على غرار المنطقة الصناعية ببورصا، والمتخصصة فى المنسوجات والسيارات والألومنيوم والآلات والمعدات والتكنولوجيات المتقدمة.. لتكون مركزًا للتصدير من مصر إلى أسواق أوروبا والولايات المتحدة والخليج وأسواق شمال إفريقيا.

من 500 سنة

تعود العلاقات المصرية - التركية إلى قرون عديدة مضت.. شهدت مواقف سياسية ووطنية متباينة ومتشابكة ومتعارضة خاصة خلال فترة حكم الإمبراطورية العثمانية من 1517م وإلى 1914م. ومع مراعاة أن الفترة الأهم هى منذ تولى محمد على حكم مصر سنة 1805 والذى بدأ بناء مصر الحديثة بشكل مستقل عن دائرة السلطنة العثمانية.. مما أثار تدريجيًا الحفيظة ضده وضد مصر بالتبعية. وهو ما برز مع تحالف تركيا مع دول المحور ضد دول الحلفاء التى تضم بريطانيا التى كانت تحتل مصر أثناء الحرب العالمية الأولى 1914م - 1918م. وكانت بريطانيا تسعى فعليًا حينذاك إلى فصل مصر عن الإمبراطورية العثمانية. وظلت العلاقات المصرية - التركية فى تعاون وشراكة حتى قيام ثورة يوليو 52.

توترت العلاقات الثنائية بعد ذلك، ووصلت لذروتها مع تبنى النظام السياسى فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر لمفهوم وفكرة القومية العربية، وقيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، وهو ما لم تتقبله تركيا فى حينها لموقفها من التقارب السورى مع الاتحاد السوفيتى. كما انحازت مصر إلى جانب اليونان فى أزمة قبرص.. ارتكازًا على حركة عدم الانحياز.

وخلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.. ازدهر التعاون الاقتصادى بشكل أكبر من الثقافى والسياسى. وعبورا فوق أحداث ومواقف متناثرة كثيرة.. تصاعدت وتيرة العلاقات المتوترة بين البلدين مع السنوات الأخيرة لمرحلة الرئيس حسنى مبارك، وأثناء أحداث 25 يناير 2011 بسبب العلاقات الأيديولوجية الوثيقة التى ربطت بين تركيا وبين وصول الإسلام السياسى للحكم فى مصر، وتصاعد ذروة توتر العلاقات بعد ثورة 30 يونيو 2013. وما ترتب على ذلك من حالة القطيعة الدبلوماسية بين البلدين باعتبارهما معسكرين متعارضين على نطاق أيديولوجى، وتجميد العلاقات الاقتصادية والتجارية.

خلافات واختلافات

يمكن حصر نقاط الاختلاف والمواجهة بعد ثورة 30 يونيو 2013 بين مصر وتركيا أيديولوجيًا فى اختلاف وجهات النظر فى عدد من قضايا السياسة الخارجية الإقليمية فيما يخص: علاقات شرق البحر المتوسط، والتقارب المصرى مع قبرص واليونان، وترسيم الحدود البحرية فى البحر الأبيض المتوسط فى ظل خلافات معلنة بينهما وبين تركيا.

- دعم مصر لاستقرار الشعب الفلسطينى، والوصول لحلول عادلة للقضية الفلسطينية.. فى الوقت الذى ترتبط فيه تركيا بعلاقات وطيدة بحركة حماس، ودعم تركيا لها فى علاقتها مع دول العالم. 

- استقرار الدولة الليبية التى تمثل العمق الاستراتيجى للأمن القومى المصرى. والإسهام فى إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة لدعم الاستقرار، وإجراء الانتخابات الرئاسية.

- وجود قيادات من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.. تم تجريم بعضهم قانونيًا على الأراضى التركية بعد فرارهم عقب ثورة 30 يونيو 2013، وحصول بعضهم على الجنسية التركية.

- فتح المجال لبعض المصريين للهجوم على النظام المصرى من خلال مقرات لقنوات فضائية.. تحفز على الاضطراب وعدم الاستقرار والترويج للشائعات التى من شأنها إحداث حالة من التشكيك والتخوين فى المجتمع المصرى. 

تمهيد دبلوماسى

استعادت العلاقات المصرية – التركية مساراتها على المستوى الرسمى بعد لقاء المصافحة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس رجب طيب أردوغان على هامش بطولة كأس العالم بقطر فى نوفمبر 2022. وعقب كارثة الزلزال الذى ضرب تركيا فى فبراير 2023، زار سامح شكرى «وزير الخارجية» مدينة أضنة جنوبى تركيا.. تضامنًا مع الشعب التركى. وأعقبها استعادة التمثيل الدبلوماسى الرسمى فى شهر مايو 2023 بعد إعادة انتخاب الرئيس التركى، ومشاركة وزير خارجية مصر فى مراسم حفل التنصيب. ثم أعقبه، إعادة تبادل السفراء بين البلدين فى يوليو 2023. وأعقبها تبادل للزيارات بين وزيرى خارجية مصر وتركيا.

وعلى هامش قمة مجموعة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهى.. التقى الرئيس المصرى بالرئيس التركى فى سبتمبر 2023 حيث أكدا على أهمية العمل من أجل دفع مسار العلاقات بين البلدين واستئناف آليات التعاون الثنائى. ثم التقيا مرة أخرى على هامش القمة العربية الإسلامية بالرياض فى نوفمبر 2023 حيث اتفقا على متابعة التنسيق والتشاور حول تطورات أزمة قطاع غزة.

أخطر الملفات

فى سبيل الوصول لخطوات إيجابية لتطوير العلاقات مع مصر. أصدرت السلطات التركية فى مارس 2021 قرارًا باقتصار تغطيات القنوات المصرية التى تبث من تركيا على الشئون الاجتماعية والثقافية فقط. وما ترتب على ذلك من إعلان قناة «مكملين» فى إبريل 2022 إغلاق مقرها بالكامل، ونقل بثها وجميع أعمالها إلى خارج تركيا..وتم تداول تقارير فى مايو 2022.. تؤكد على وجود تنسيق أمنى عالى المستوى مصرى - تركى لبحث النظر فى تسليم بعض قيادات الجماعة الإرهابية إلى مصر.. فى شكل من أشكال الرغبة القوية فى تشجيع وتيرة عودة العلاقات الثنائية وتقاربها..وفى سبيل دعم سبل التعاون، أوقفت السلطات التركية 34 إخوانيًا فى أكتوبر 2022 ممن شاركوا فى دعوات إلى التظاهر بمصر فى 11 نوفمبر 2022 تزامنًا مع عقد مؤتمر المناخ بشرم الشيخ.. فى محاولة لضرب الاستقرار، وإشاعة مناخ الفوضى. ثم أدرجتهم على قوائم الترحيل بسبب خطورتهم على الأمن العام.

نقطة ومن أول السطر

زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان للقاهرة هى الأولى من نوعها منذ 12 سنة فى توقيت بالغ الحساسية فى ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية الضخمة من جهة، والصراعات التى تكاد تعصف بدول المنطقة من جهة أخرى. ولذا شهدت العلاقات الثنائية العديد من مساحات الشد والجذب، والاتفاق والاختلاف فى سبيل الوصول لتلك اللحظة من كسر حالة التجميد فى العلاقات، وانتقالها إلى مرحلة من التعاون والشراكة من أجل نزع فتيل الصدام. وهى فى كل الأحوال نتاج جهود ومباحثات وتفاهمات تراكمية لاستعادة العلاقات بين البلدين للتأكيد على المصالح الاستراتيجية المشتركة، والتى ستنعكس فى كل الأحوال على التحالفات الإقليمية الجديدة والمتوقعة فى المنطقة من خلال تنسيق المواقف وإدارة الخلافات خلال الفترة القادمة.

إنها الدبلوماسية المصرية الحكيمة.