الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سوء تقدير إسرائيل قوة القسام يحيل عمليتها البرية إلى كابوس: المنطقة تقترب من تسوية شاملة أو حرب شاملة

تشير الكثير من التقارير إلى أن ألوية كتائب القسام الجناح العسكرى لحركة حماس الموجودة شمال قطاع غزة لم تطلب دعما من الألوية الأخرى فى القطاع رغم مرور 14 أسبوعا على بدء العملية البرية الإسرائيلية بالمنطقة. بالمقابل، وسعت إسرائيل عمليتها، فأوكلت القيادة فى الجنوب إلى الفرقة الـ98 والتى تتشكل من اللواءين المظليين الـ35 والـ55 إضافة إلى لواء عوز الذى يضم وحدات دوفدفان وماجلان وإيجوز. فقد دفعت قيادة الاحتلال العسكرية باللواءات المدرع السابع والخامس وجفعاتى وكفير وكرياتى إلى جانب الكتيبة الخامسة. هذه القوات كلها تولى مهمة التصدى لها لواء خان يونس أحد أبرز ألوية النخبة فى القسام الذى لا تعرف طبيعة هيكله القيادى ولا هرمية اتخاذ القرارات فيه.



 

تعتبر عملية خان يونس واحدة من أكثر العمليات تعقيدا خلال الحرب، حيث تتوافر فيها جميع العوامل التى تخشاها الجيوش النظامية تقريبا كونها بقعة صغيرة المساحة كثيفة السكان. وتتبنى إسرائيل الطرق التقليدية فى الحرب، خصوصا الاعتماد على إسقاط قذائف خارقة للتحصينات من الجو بهدف الوصول إلى عمق الأنفاق لضرب عقد القيادة والتحكم للمقاومة. وكانت كلية الأركان فى الجيش الأمريكى قد أصدرت تقريرا قبل بدء العملية البرية الإسرائيلية فى القطاع حذرت فيه من مغبة التوغل البرى. وقال أحد التقارير إن العمليات الجوية لم تحقق الأهداف المرجوة فى عمليات مماثلة جرت فى السابق.

فى المقابل، تعتمد القسام فى قتالها على التشكيل الهجين الذى يقوم على دمج النخبة التى تقتبس من الجيوش النظامية ارتفاع مستوى الانضباط والأداء وبعض التقاليد العسكرية. ومن هذه التقاليد أن يكمن الجندى فى موقع بعينه لأسابيع دون الدخول فى اشتباك تحت أى ظرف انتظارا لتنفيذ مهمة محددة، وهو ما حدث فى كمين مخيم المغازى الذى أوقع أكثر من 20 ضابطا وجنديا. وتوجد أيضا وحدات ميدانية تتولى مهمة الاشتباك المباشر والمناورة والالتزام بالتنفيذ والانسحاب السريعين، وهى مكونة من مجموعات صغيرة تتراوح بين مقاتل و4 مقاتلين. كما طورت القسام قدراتها القتالية، فأصبحت تشتبك فوق وتحت الأرض بعدما دربت مقاتليها على التكيف مع نقص الأكسجين وتراجع مصادر الضوء الطبيعى، مع ارتفاع مخاطر التعامل مع مواجهات غير تقليدية، ومنها الغاز السام الذى استخدمته إسرائيل فى أحد الأنفاق.

ودفعت إسرائيل بقواتها من محورين رئيسيين هما كيسوفيم لتعزل خان يونس تماما عن المنطقة الوسطى، وقد قطعت شارع صلاح الدين ودخلت إلى أراض زراعية وصولا إلى الخط الساحلى عند شارع الرشيد. وبالتوازى مع هذا الهجوم دخلت قوات أخرى من الجنوب الشرقى لاستخدام شارع صلاح الدين، لفصل شرق محافظة خان يونس عن غربها من أجل تشتيت جهد المقاومة. وبعد أسبوع واحد من هذا الهجوم تحولت المدينة من مسرح قتال إلى واحدة من وسائل الحرب بين الطرفين. كما واجهت إسرائيل معضلة تدمير الأنفاق التى تعتبر كابوسا للجنود كونها بطيئة وقاتلة وتقلل الاعتماد على التقنيات الحديثة بشكل كبير، والتى يعتمد عليها الجيش الإسرائيلى فيما تعرف بـعقيدة ماعالوت أى التفوق. لقد أساءت إسرائيل تقدير قوة الخصم وألقت بثقلها على التكنولوچيا، وهما خطآن قاتلان فى حروب المدن، لأن مهمة المشاة وفق الأمريكيين تكمن فى تحديد مواقع العدو وتدميرها، وإن تمكن العدو من تحييد هذه المعادلة فسيكون القضاء عليه أمرا مستحيلا.

وعلى جانب آخر؛ يرى محللون أن الولايات المتحدة تحاول الإمساك بأكثر من عصا من المنتصف بحيث تواصل توجيه ضربات للفصائل التى تهاجم قواتها بالمنطقة من جهة وتمنع اتساع رقعة الحرب من جهة أخرى، مؤكدين أن  صفقة التبادل المرتقبة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل ستكون مفصلية بالنسبة للمنطقة كلها. وكان مسئول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى چوزيب بوريل قد حذر من أن منطقة الشرق الأوسط تعيش حالة غليان وأنها قد تنفجر فى أى لحظة، مؤكدا صعوبة توقع ما يمكن أن يحدث لو لم تتوقف الحرب فى قطاع غزة. ووجهت الولايات المتحدة ضربات إلى ميليشيات متحالفة مع إيران فى سوريا والعراق، وقالت إنها ستواصل هذه العملية ردا على استهداف قواتها على الحدود السورية الأردنية؛ وهذه الضربات تأتى فى إطار الرسائل الخشنة بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تريد طهران أن تكون حاضرة فى المفاوضات الجارية لوضع نهايات الحرب فى غزة بينما ترفض واشنطن هذا الأمر.

إن الولايات المتحدة ليست معنية بقطع رأس الفصائل المتحالفة مع إيران وإنما بتصفية المقاومة الفلسطينية كجزء من أى صفقة لإنهاء الحرب، وإن لم تعلن هذا صراحة. ومن هنا، فإن الاختبار الحقيقى حاليا يتعلق بمدى قبول الإيرانيين إبعادهم عن الترتيبات الجارية حاليا بشأن غزة، والتى ستنتهى إلى تسوية شاملة أو إلى حرب شاملة. إن واشنطن وطهران حريصتان على عدم توسيع رقعة الحرب، لكنه يؤكد أن الولايات المتحدة عموما لم ترتق إلى مستوى التسونامى الذى أحدثته عملية طوفان الأقصى بالمنطقة.

فبدلا من أن تتحرك أمريكا دبلوماسيا للتعامل مع حقيقة أن إسرائيل فقدت تأييدا دوليا كبيرا لصالح الفلسطينيين، فإنها ما تزال تحصر المفاوضات كلها فى مسألة استعادة المحتجزين الإسرائيليين.

وإسرائيل لم تعد تقاتل ضد حركة حماس وإنما تخوض حربا عالمية دفاعا عن سرديتها وشرعية وجودها؛ ومع ذلك فإن إدارة چو بايدن ما تزال ترفض وقف القتال أو الاعتراف بسقوط شهداء مدنيين فى غزة وتحصر كل جهودها فى قضية الأسرى بحثا عن إنجاز قصير الأمد. لذلك، فإن الكلمة الأخيرة فى الصفقة المحتملة ستكون لطرفى الصراع.

وعلى جانب آخر، فإن إسرائيل مستفيدة من أى مواجهة أمريكية مع أى طرف يدعم المقاومة الفلسطينية لأنها تريد توريط الولايات المتحدة والغرب فى حرب أوسع بالمنطقة للتغطية على هزيمتها فى غزة من جهة، ولتدمير دول المنطقة كلها بينما هى واقفة على قدميها من جهة أخرى. وبناء على ذلك، فإن الفترة المقبلة ربما تشهد تصعيدا مع حزب الله اللبنانى وأن الهروب للأمام هو أحد الحلول أمام حكومة بنيامين نتنياهو للتغطية على فشلها فى غزة؛ ولكن هنا يتم استبعاد حدوث تصعيد مع حزب الله لأنه يمتلك صواريخ أكثر دقة وتقدما من تلك التى تمتلكها حماس وبالتالى سيضرب العمق الاستراتيچى لإسرائيل وهو ما يهدد اقتصادها المتداعى بمزيد من الانهيار، فضلا عن أن لبنان نفسه قد ينهار تماما بتورطه فى حرب كبيرة، لذلك فإن أمريكا وإسرائيل تريدان توسيع الحرب فى لبنان وإن كانتا تريدان صرف الانتباه عن جرائم الإبادة التى ترتكب فى غزة.

وبالنظر إلى كل هذه التعقيدات، فإن الصفقة التى يتم العمل عليها حاليا بحاجة لعملية جراحية ضخمة لأن إسرائيل بوضعها الحالى لن توافق أبدا على شروط حماس، وبالتالى يجب أن تضغط واشنطن على حكومة نتنياهو اليمينية للقبول بجزء من هذه الشروط المشروعة كلها؛ ووزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن قد يضغط على إسرائيل فى بعض الأمور خلال زيارته المرتقبة لكن الأكيد أن واشنطن لا تريد نهاية للحرب قبل تحديد قوة حماس على الأقل مما يعنى أن الأمر ليس متعلقا كله بإسرائيل.