الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل يشتعل نزاع آخر فى الشرق الأقصى؟ ضباب الحرب يحوم فوق شبـــه الجزيــرة الكوريـة

يعيش العالم واحدة من أحلك لحظات حياته فى العصر الحديث، نظرًا لتفاقم حجم الأزمات التى صار بعضها عابرًا للقارات وتؤثر على جميع الحكومات.. فالصراعات المشتعلة فى مناطق متفرقة حول العالم، تؤثر بصورة جمة على محيطها الإقليمى، وتلقى بظلالها على دول العالم أجمع، بينما تؤرق التهديدات التى تشير لاحتمالية  اشتعال نزاعات فى مناطق إضافية المسئولين حول العالم؛ وعلى رأس تلك النزاعات: زيادة توترات فى منطقة شبه الجزيرة الكورية.



 

العلاقات المتأرجحة بين الكوريتين

على مدى 70 عامًا من السلام الهش، الذى ميز شبه الجزيرة الكورية، منذ إبرام اتفاق الهدنة فى يوليو 1953، كانت مسألة ما إذا كانت «كوريا الشمالية» تستعد للحرب، تشكل مصدر قلق أساسيًا لجارتها الجنوبية، والمجتمع الدولى. 

فعلى مدى العقود العديدة الأولى من الهدنة، حدثت استفزازات متكررة وعدد من الهجمات، والدعاية التهديدية، التى أجهدت متانة الهدنة، إلا أنها لم تنتهكها.

وفى أوائل التسعينيات، أدت الأزمة التى اختلقتها «كوريا الشمالية» بسعيها لامتلاك أسلحة نووية إلى ظهور شائعات عن حرب فى العديد من المناسبات المختلفة. 

وفى السنوات القليلة الماضية، أدت الوتيرة المكثفة لإطلاق «بيونج-يانج» الصواريخ، وتحديدًا منذ عام 2017، إلى مخاوف بشأن نشوب صراع بين الكوريتين، أو صراع بين «كوريا الشمالية» و«الولايات المتحدة»، الأخيرة التى تدعم بشكل -لا هوادة فيه- «كوريا الجنوبية».

وتزايدت حدة التوترات الكورية - بصورة غير مسبوقة - طوال عام 2023، على غرار التجارب الصاروخية المتكررة لكوريا الشمالية، التى دفعت جارتها الجنوبية للبقاء فى حالة تأهب دائم، وأصرت على توطيد علاقتها ومناوراتها العسكرية مع «واشنطن»، ما أثار استفزازات الشمالية.

ومع بدء العام الجارى، بلغت الأزمة بين البلدين ذروتها مع خطاب الزعيم الكورى الشمالى «كيم جونج-أون»، الذى قال فيه، إن إعادة التوحيد مع «كوريا الجنوبية» لم يعد هدفًا وطنيًا لبلاده، كما دعا إلى تعزيز إنتاج مختلف مركبات إطلاق الصواريخ، ووصفها بأنها مهمة ضرورية للاستعداد من أجل «مواجه العدو».

ثم شدد -بعدها بأيام- على ضرورة تعزيز الردع النووى لبلاده؛ مؤكدًا أنه لن يتردّد فى إبادة «كوريا الجنوبية» إذا تجرأت على ضرب بلاده؛ واصفًا «سول»، هى (العدو الرئيسي) لـ«بيونج يانج».

من جانبها، ردت «كوريا الجنوبية» على التهديدات  بزيادة  عدد المناورات العسكرية  المختلفة مع «الولايات المتحدة» منذ بداية العام الجارى، بهدف ردع هجوم «كوريا الشمالية».

ما الذى يدور بتفكير الزعيم الكورى الشمالي؟

اتفق جميع المحللين السياسيين أن التحقق من نوايا الزعيم الكورى الشمالى «كيم جونج-أون» أمر بالغ الصعوبة؛ ولكن لا تعتبر «كوريا الشمالية» أيضًا بمثابة (الثقب الأسود) كما وصفها البعض.

على كل، أتاح اجتماعان سياسيان مهمان عقدا مؤخرًا، وهما: (الجلسة العامة الموسعة التاسعة للجنة المركزية لحزب العمال الكورى المؤتمر الثامن للحزب فى أواخر ديسمبر 2023)، و(الاجتماع الموسع التاسع عشر للمكتب السياسى للجنة المركزية الثامنة لحزب العمل الكورى فى يناير 2024) فرصًا لزعيم «كوريا الشمالية» للتعبير عن بعض أفكاره، والتى شملت: طبيعة السياسات فى المدى القريب، مع التركيز على التنمية الاقتصادية لبلاده فى ظل العقوبات الغربية - بقيادة «الولايات المتحدة»- المفروضة على «كوريا الشمالية». 

ورغم اعتراف «كيم جونج-أون» بأن الطريق أمامه سيكون صعبًا؛ فإنه وجه نداء حماسيًا لتوجيه أقصى جهود الدولة نحو تحسين الظروف الاقتصادية فى جميع أنحاء البلاد؛ كما واصل على نحو مثير للقلق، إعطاء الأولوية للنهوض ببرنامج أسلحة الدمار الشامل. 

وعليه، يرجح المحللون السياسيون -إن لم يكونوا متأكدين- بإقدام «بيونج-يانج» على إجراء المزيد من عمليات إطلاق الصواريخ والاختبارات خلال العام الجارى؛ ولعل الدليل الذى استند إليه هؤلاء الباحثون، هو اختبار «كوريا الشمالية» لصاروخ -وصفته- بالجديد الذى تفوق سرعته سرعة الصوت، ويعمل بالوقود الصلب، وهو ذو مدى متوسط، فى 15 يناير الماضى، إلى جانب اختبارها صاروخ «كروز استراتيجى» من النوع الجديد  فى 24 يناير الماضى. 

ومن المتوقع -أيضًا- أن تشمل الفترة المقبلة مزيدًا من الخطابات المتصاعدة، والتهديدات المنمقة، واستعراضات القوة.

 المتغيرات على الساحة الدولية

رغم حالة العزلة التى فرضتها الدول الغربية على «كوريا الشمالية» لسنوات كثيرة، وفرض قائمة من العقوبات الطويلة، فإنه برز على الساحة عدة متغيرات، تفسر السلوك المتطور لـ«بيونج يانج»، وموجة التهديدات والاستفزازات الأخيرة التى تبدو مختلفة، ومنها: صعود القوى الكبرى على الساحة، وعلى رأسها «روسيا، والصين» المنافستان الرئيسيتان على الساحة للولايات المتحدة وحلفائها، واللتان ساعدتا على فك عزلة «كوريا الشمالية».

بالحديث عن «روسيا»، فيمكن القول إنه تنامت مخاوف غربية مؤخرًا، جراء التطورات الأخيرة فى العلاقات (الروسية-الكورية الشمالية)، التى رأوا أنها يمكن أن تعزز أسلحة الدمار الشامل الكورية الشمالية، والقوات التقليدية، وهو ما برز -بوضوح- فى تصريحات (البيت الأبيض)، الذى قال إن: «بيونج يانج» تسعى للحصول على مساعدة عسكرية من «موسكو»، بما فى ذلك: الطائرات المقاتلة وصواريخ (أرض-جو)، والمركبات المدرعة، ومعدات، أو مواد إنتاج الصواريخ الباليستية، وغيرها من التقنيات المتقدمة». 

أما فما يخص «الصين»، التى تعد الأهم على الساحة دوليًا فى الوقت الحالى، فرفضت -منذ فترة طويلة- الضغط على «كوريا الشمالية»، حيث وصفت «بكين» تلك الخطوة بأنها تخاطر بزعزعة استقرار المنطقة دون ضمان النجاح.

هذا ولم تنظر السلطات الصينية -حتى الآن- إلى توسيع القدرات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية على أنه تهديد لمصالح بلادهم؛ رغم أن الحرب على شبه الجزيرة الكورية قد تشكل تهديدًا مباشرًا لمصالح «الصين».

الاستعدادات للحرب

فى ظل عدم تحمل الحكومات مزيدًا من الأزمات، صار السؤال الذى يؤرق العالم، هل تشتعل منطقة أخرى إضافية فى الشرق الأقصى إلى جانب تلك الموجودة حاليًا؟

اعتبر كبير باحثى الدراسات الكورية فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) «سيدنى سيلر»، أن الجيش الكورى الشمالى يستعد للحرب بالطبع، شأنه شأن  جميع الجيوش فى كل دولة، عبر الاستعداد لضمان نجاح ذلك الجيش فى المعركة، ومن أجل ردع الخصوم المحتملين فى وقت السلم. 

ورجح أن تستمر التهديدات الكورية الشمالية بنشوب حرب؛ معتبرًا أنه أمر يرتبط بالهوية الوطنية وشرعية القيادة بالصراع الدائم مع أعداء خارجيين، سواء كانوا حقيقيين أو مفتعلين، وهو ما يدعم جهاز دعاية الجيش الكورى الشمالى لنشوب حرب، يهدف لتعزيز قدرة قوته حتى تكون جاهزة للحرب.

ولكن، أشار «سيلر» إلى نجاة شبه الجزيرة الكورية -تاريخيًا- منذ عام 1953 من المخاوف المتكررة من أن الحرب قد تكون وشيكة؛ معتبرًا أن أحد الأسباب الرئيسية لذلك، هو دعم «الولايات المتحدة» الأمنى تجاه «كوريا الجنوبية»، ووجود قوات أمريكية فى أراضى الجنوبية. 

ومع ذلك، ينظر إلى حجة «سلير» على أنه سبب كافٍ وجدير -فى الوقت ذاته- لموقف «بيونج يانج» العدائى المتشدد تجاه البلدين (كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة)، والسبب وراء تطوير قدراتها النووية والصاروخية بصورة تثير القلق. 

على كل، يفكر الخبراء فى البرنامج النووى الأمريكى، خاصة أولئك الذين يعملون داخل مجتمع الاستخبارات الأمريكى، فى احتمال شن «كوريا الشمالية» حربًا نووية لسنوات عديدة، من أجل تحقيق مجموعة متنوعة من الأهداف الاستراتيجية، بما فى ذلك: السيطرة على «كوريا الجنوبية»، وأخذ زمام المبادرة فى تحديد مستقبل شبه الجزيرة الكورية، إلا أن عالم السياسة له وجهة نظر أخرى. 

نظرة للأمام من قبل المحللين السياسيين

حذر محللا الشئون الكورية الشمالية «روبرت كارلين، وسيجفريد هيكر» -مؤخرًا- من أن الزعيم الكورى الشمالى اتخذ قرارًا  استراتيجيًا بالذهاب إلى الحرب. ونصحا كلًا من: «الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، واليابان» بالاستعداد جيدًا لأسوأ الاحتمالات؛ منوهين إلى أن عام 2024 قد يكون الأكثر خطورة. 

ومع ذلك، يرى محللون آخرون أن (الحرب بخطة مدروسة) ليست وشيكة داخل شبه الجزيرة الكورية، بل احتمالات بوقوع اشتباكات عسكرية عرضية بين الكوريتين، وتصعيد الأمر إلى صراع محدود.

من جانبه، أشار تقرير حديث للاستخبارات الوطنية الأمريكية إلى أن «كوريا الشمالية» أمامها ثلاثة خيارات للاستراتيجية النووية وهي: الدبلوماسية القسرية، أو الردع الهجومى، أو الردع الدفاعى.

ورجحت التقديرات الأمريكية أن «كوريا الشمالية» قد تختار (الدبلوماسية القسرية)، وتهدد باستخدام الأسلحة النووية لأغراض سياسية، وتحقيق مكاسب دبلوماسية واقتصادية، مع احتمال ضعيف لاعتماد الردع الهجومى والدفاعى. 

أما تقرير مؤسسة «راند» للبحوث الأمريكية، فأفاد باحتمال نشوب حرب محدودة، حيث يمكن للمدفعية الكورية الشمالية، المدعومة بترسانتها النووية، أن تهدد جارتها الجنوبية من مرتفعات «كايسونج»، التى تقع بالقرب من الحدود الدولية المتنازعة بين الكوريتين. 

رؤية مشابهة عرضها تقرير مركز أبحاث «المجلس الأطلسى» لإمكانية نشوب حرب محدودة تبدأها «كوريا الشمالية»، بما فى ذلك الاستخدام المحتمل لأسلحة نووية محدودة؛ كما سلط التقرير الضوء -أيضًا- على احتمال نشوب (صراعات متزامنة) للولايات المتحدة»، مع «الصين» من جهة، و«كوريا الشمالية» من جهة أخرى، أو وقوع هجوم نووى محدود من قبل أى من الخصمين فى الإطار الزمنى (2027 - 2032).

من جانبه، رجح المستشار الخاص للأمن القومى والشئون الخارجية للرئيس الكورى الجنوبى السابق «مون جاى إن»، «تشونج إن مون»،  أن تشن القوات الأمريكية والكورية الجنوبية - فى كل هذه السيناريوهات- هجمات مضادة سريعة وهائلة، تهدف إلى تدمير معظم الأهداف العسكرية والمدنية لكوريا الشمالية، بما فى ذلك: قيادتها وأسلحتها النووية. 

وأضاف، إنه فى أسوأ السيناريوهات، عندما يصبح بقاء النظام الكورى الشمالى على المحك، فمن المرجح أن تلجأ «بيونج يانج» إلى الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، بل وحتى النووية، وخاصة الأسلحة التكتيكية، لاستباق الهجوم، مؤكدًا أنه ما لم يتم إيقاف مثل هذه التحركات، فإن الحرب النووية ستكون نتيجة لا مفر منها، مما يؤدى إلى تدمير محتمل متبادل.

بشكل عام، اتفق أغلب الباحثين السياسيين أن الزعيم الكورى الشمالى لا يرغب فى تأجيج حرب واسعة النطاق، وإنما قد ينحصر تفكيره بين التهديدات العنيفة، أو بعض المناوشات المحدودة.

على كل،  تعد التهديدات الكورية الشمالية أمرًا لا يتم متابعته -فى الواقع- من قبل صنَّاع القرار حول العالم، لأنه ببساطة عندما تقرر «بيونج يانج» الانخراط فى استفزازات فتاكة، فإنها لن تهدد بمثل هذه التصرفات مقدمًا.

وعليه، فإن قرار الدخول فى نزاع واسع النطاق، هو أكثر ما يشغل بال المسئولين حول العالم، انطلاقًا من مبدأ (الحرب خدعة)!!