الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. علينا أن نكتب تاريخنا حتى لا يكتبه غيرنا لنا.. مصطلحات الاستهلاك الوطنى ضد المواطنة!

مصر أولا.. علينا أن نكتب تاريخنا حتى لا يكتبه غيرنا لنا.. مصطلحات الاستهلاك الوطنى ضد المواطنة!

شاركت خلال الأسبوع الماضى فى إحدى فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب، حيث شاركت فى جلسة نقاش للجزء الأول من كتاب «رواد المواطنة فى مصر» للدكتور محمد حسينى الحلفاوى. وهى الجلسة التى أدارها الصديق أحمد أيوب، وشارك فى النقاش حول الكتاب الصديق أكرم القصاص. وهو عمل موسوعى للشخصيات التى أسهمت بفكرها فى دعم مسيرة المواطنة سواء بشكل مباشر بعد ظهور مصطلح «المواطنة» فى الحياة السياسية أو قبل ذلك من خلال الحديث عن المساواة فى إطار الوطنية المصرية.



 

المواطنة..

بدأت حديثى بالتأكيد على ما كتبته على صفحات مجلة «روزاليوسف» الأسبوع الماضى من أننى أؤمن بأن المواطنة فى حقيقتها هى فلسفة حقوق، وأنه لا يوجد بها أى تخصيص لفئة أو تمييز لمواطن على حساب مواطن. كما أنها تتجاوز ذلك لكونها فلسفة للمساواة بين كافة المواطنين المصريين بغض النظر عن النوع الاجتماعى (رجل أو امرأة)، والمرحلة العمرية (كبير أو صغير السن)، والانتماء الجغرافى (الريف أو الحضر)، والانتماء العرقى (أبناء النوبة أو أبناء البدو)، أو العقيدة الدينية (يهودى أو مسيحى أو مسلم أو غير ذلك)، ومن أصحاب البشرة البيضاء أو السمراء، وغنى مادياً أو غير مقتدر. إنها فلسفة الإنسان.

 

وخلال الحديث المهم الذى دار بحضور عدد من المثقفين والمفكرين، وفى مقدمتهم الأستاذ جمال أسعد الذى تناوله الكتاب ضمن 12 شخصية.. رأى أن رسالتهم كانت الدفاع عن الوطنية ومبدأ المواطنة بين المصريين. وأود أن أسجل هنا العديد من الملاحظات التى ذكرتها بناء على النقاش حول المواطنة.  

ضبط مفاهيم المواطنة..

أولاً: اختلفت المواطنة بعد ثورة 30 يونيو عما قبلها، حيث تم اختبارها فعلياً على أرض الواقع من خلال مواقف النظام السياسى المصرى. وأن ذهاب الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى إحدى عظيمات مصر التى تم التحرش بها أثناء الانتخابات الرئاسية فى ميدان التحرير. وذهابه للكنيسة فى عيد الميلاد المجيد ليست مجرد إشارة إلى تصرف منفرد لرئيس الجمهورية إلى الفتاة المصرية أو إلى البابا تواضروس الثانى، لكنها إشارة إلى موقف الدولة المصرية فى سياساتها التى تؤكد على المواطنة بمواقف عملية. وألفت النظر هنا إلى تهنئة الرئيس للمسيحيين بهذا الشكل.. جاوز الشكل التقليدى فى العلاقة الشخصية بين الرئيس والبابا منذ ثورة يوليو 52، التى أدت إلى التكامل بين البابا كيرلس والرئيس جمال عبدالناصر، والصدام بين البابا شنودة الثالث والرئيس أنور السادات، وإرهاصات المؤسسية بين البابا شنودة والرئيس حسنى مبارك بعد ذلك، إلى العلاقة المؤسسية الكاملة بين الكنيسة والدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو. 

 

ثانياً: سجل كتاب رواد المواطنة مواقف العديد من الشخصيات والرموز من خلال مواقفها وآرائها. وربما لم يستخدم بعضهم مفهوم «المواطنة» فى إسهاماته الفكرية بشكل مباشر لكونه مصطلحا ومفهوما حديثا نسبياً.. غير أنهم كتبوا ودافعوا عن مضمونه ومحتواه بشكل حقوقى وإنسانى. واستند فى ذلك إلى كتابات ومواقف معلنة ومنشورة، ولكن الحقيقة أنه يجب أن يأخذ فى الاعتبار الكثير من المواقف الرئيسة المعروفة فى مؤتمرات وندوات، ولكنها غير مكتوبة أو موثقة. وضربت أمثلة سريعة على ذلك مثل الدور المقدر الذى قام د. أسامة الباز فى إقناع الرئيس حسنى مبارك فى أن يكون 7 يناير عيداً قومياً للمواطنين المصريين جميعاً. ومواجهة جمال أسعد فى اجتماعات حزب العمل ضد جماعة الإخوان المسلمين وضد التشدد والتطرف.. قبل تجميد الحزب سنة 2000 بسبب تأجيج أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر»، وقبل أن تظهر حقيقة الجماعة الإرهابية. وموقف د. ليلى تكلا أثناء رئاستها للجنة المواطنة بالمجلس الأعلى للثقافة فى دعوة الوزراء للمناقشة الموضوعية حول تطبيق مفهوم المواطنة فى عملهم.

 

ثالثاً: لا تزال الكثير من الكتابات التى تتحدث عن المواطنة هى فى حقيقتها أفكار ضد المواطنة، بل وتساعد على التمييز والإقصاء والتنمر على غرار مصطلحات الاستهلاك الوطنى مثل: عنصرى الأمة وشركاء الوطن والإخوة الأقباط. وكأننا من إثنيات وعرقيات متعددة مثل المجتمع الأمريكى. أو كأننا فى شركة يمكن حلها عند الاختلاف، كما يكون لصاحب النسبة الأكبر السيطرة على صاحب النسبة الأصغر، كما تحمل شكلًا من أشكال ترسيخ مفاهيم الأقلية والأغلبية. أو كأننا إخوة فى إشارة إلى شكل من أشكال القوة المغلفة بالحب والحنان والرأفة. وهى جميعها مصطلحات ضد الدولة المدنية المصرية، وتكرس لمفهوم الحماية الدولية للأقلية وما تمثله تلك الأفكار من تهديد للسيادة الوطنية. ورغم ذلك ما زلنا نكررها دون وعى بدلالاتها وما يمكن أن ترسخه مع مرور الوقت فى العقل الجمعى للشعب المصرى، واستبعاد المساواة والعدالة ودولة القانون والعدالة الناجزة.  

أمنيات المواطنة المصرية..

رابعاً: ما زلت أدعو إلى إعادة النظر فى بعض المصطلحات الطائفية التى نرددها ونروج لها دون أى شعور بخطر تكرارها. لماذا نصمم على الاحتفاظ بهذا الميراث السلبى من الإمبراطورية العثمانية على غرار المفردات التى ترسخ لمفهوم الرعايا، مثل «الطائفة» و«الملية» عند الحديث عن المواطنين المسيحيين المصريين وكنائسهم فى بعض القوانين؟! إنها مصطلحات تناقض منظومة المواطنة المصرية التى نص عليها الدستور تماماً. ومع التذكير بملحوظة مهمة، وهى أننا ما زلنا نترك أسماء شوارع تحمل أسماء سفاحين أتراك.. باعوهم لنا باعتبارهم قادة وأبطالاً افتراضيين بعد أن تركنا تاريخنا الوطنى يكتبه موالاة الإمبراطورية العثمانية من جهة، وموالاة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية من جهة أخرى. علينا أن نكتب تاريخنا حتى لا يكتبه غيرنا لنا حسب أهوائه وتوجهاته.

خامساً: أتمنى أن يتبنى المجلس الأعلى للثقافة مشروعاً ثقافياً عن المواطنة المصرية سواء على مستوى الأحداث أو المواقف أو الشخصيات بحيث يجسد لنا هذا المشروع تطور مفهوم المواطنة عبر العصور.. ليصل إلى اللحظة الفارقة والكاشفة فى ثورة 30 يونيو، التى أنتجت لنا دستورا رسخ فى مواده مبدأ العدل والمساواة، من خلال حظره لجميع أشكال التمييز، سواء على أساس دينى أو طائفى أو اقتصادى أو اجتماعى. وقد ارتكز فى ذلك على المساواة بين المواطنين فى ممارسة حقوقهم، ضماناً للعدل فى حصولهم على حقوقهم، ولذا ارتفع شأن منظومة المواطنة المصرية، وكذلك تحولت هذه المنظومة تدريجياً إلى نمط سياسى للحياة المصرية ضد التمييز والتطرف والإرهاب. وأسهمت فى طريق ترسيخ حقوق المواطنين المصريين سواء فى حق العبادة وحرية الاعتقاد وتولى المناصب العليا حسب الكفاءة والاقتدار، واقتصار التعريف الدينى على العلاقة الشخصية بين كل مواطن مصرى وربه.

نقطة ومن أول السطر..

نردد دائمًا.. أن «التاريخ يكتبه المنتصرون»، و«التاريخ يكتبه الأقوياء»، و«التاريخ يصنعه العظماء». ولكن تجربتنا تقول إن تاريخنا كتب بشكل موجه لصالح أفكار محددة. ولكن آن الأوان بعد نجاح تثبيت أركان جمهورية 30 يونيو، والانتصار على وأد الإرهاب، أن نضع صياغة تاريخنا وأفكارنا بشكل حقيقى. نجحنا فى مواجهة الإرهاب على جميع المستويات، ويجب علينا الآن مواجهة الأفكار المتطرفة والمتعصبة والمتشددة التى تنشر فى المجتمع المصرى.. سواء ضد الوطنية المصرية، أو ضد المرأة، أو ضد الطرف الثانى الدينى. مثلما آن الأوان أن نبدأ مشروع تجديد الفكر الدينى المصرى.