الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخسائر فادحة.. والسيناريو قابل للتنفيذ ماذا لو انفصلت تكساس عــن الـولايــات المتحــدة ؟

ولاية تكساس تمتلك اقتصادًا قويًا يحتل المرتبة التاسعة عالميًا، متفوقًا على دول كبيرة مثل روسيا وإسبانيا وأستراليا، مساهمًا بشكل كبير فى القوة الاقتصادية والازدهار العام للولايات المتحدة. وتعتبر تكساس المركز الرئيسى لإنتاج الطاقة فى البلاد، حيث تنتج وتكرر معظم النفط والغاز فى البلاد، بالإضافة إلى قيادتها فى مجال الطاقة المتجددة كالرياح والشمس.



 

ومع احتدام الأزمة بين الولاية والحكومة الفيدرالية.. هل انفصال تكساس  يعد  «سيناريو» يمكن أن يحدث ويسبِّب أزمة اقتصادية، خاصة بعد إعلان ولايات أخرى، مِن بينها فلوريدا وأوكلاهوما، الانضمام إلى تكساس ضد الحكومة الفيدرالية، ووصل عددها إلى 25 ولاية؟ وما هى خسائر الولايات المتحدة من هذا الانفصال؟ هل يعتبر ذلك شهادة وفاة الاتحاد الفيدرالى للولايات.. أم مجرد زوبعة وكارت إرهاب لرئيس البيت الأبيض؟

أزمات متكررة

فى عام 1836، أعلنت «جمهورية تكساس» انفصالها عن المكسيك. لم يستمر استقلال تكساس سوى تسع سنوات، إذ عانت الجمهورية من أوضاع اقتصادية متدهورة إبان حكم رئيسها الثانى ميرابو لامار، وربما كان ذلك سببًا رئيسيًا لانضمامها إلى الولايات المتحدة فى عام 1845.

بين عامى 1860 و1861، كانت تكساس من بين 11 ولاية أمريكية تنفصل عن الاتحاد فى أعقاب انتخاب إبراهام لينكون رئيسًا للبلاد وتزايد المشاعر المناهضة للعبودية فى الولايات الشمالية، ما عجل باندلاع الحرب الأهلية الأمريكية فى أبريل عام 1861.

بعد انتهاء الحرب فى 1865 وخسارة كونفدرالية الولايات الجنوبية، ومن بينها تكساس، بدأت عملية إعادة دمج لتلك الولايات استمرت لأكثر من عقد من الزمان.

وبحسب المؤرخين، لم تكن هذه العملية سهلة بالنسبة لسكان تكساس، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين لإلغاء العبودية والإقرار بأن الانفصال عن الاتحاد غير قانونى ورغم ذلك، أعيدت الولاية إلى حظيرة الاتحاد فى عام 1870.

وبشكل عام، انتهت فى الجنوب المطالبات الصريحة بحقوق الولايات فى الانفصال، ولكن ذلك لم يشكل نهاية للهوية التكساسية التى شعر أهل الولاية بأنها مختلفة عن باقى الولايات الأمريكية.

وينظر كثير من أبناء الولاية إلى تاريخ «جمهورية تكساس» على أنه فترة تحقق لهم فيها الاستقلال وتحقيق الذات، فى مقابل ما يرونه تدخلات من قبل الحكومة الفيدرالية فى واشنطن. وظهرت فى تسعينيات القرن الماضى مساعٍ تروج لانفصال تكساس عن الولايات المتحدة مرة أخرى. وتأسست فى ذلك الوقت «منظمة جمهورية تكساس» التى زعمت أن الولايات المتحدة ضمت تكساس إليها بشكل غير قانونى وفى عام 2005، تأسست حركة «تكساس القومية» من إحدى فصائل المنظمة، ولكنها نأت بنفسها عن ممارسات المنظمة العنيفة وآثرت الحلول السياسية وقالت الحركة إن هدفها هو تحقيق الاستقلال السياسى والاقتصادى والثقافى التام لتكساس، ويرى البعض أن الأصوات الداعية لانفصال الولاية تتعالى كلما تولى رئيس ديمقراطى الحكم فى البلاد.

سيناريو قابل للتنفيذ

يرى الخبراء أن أزمة تكساس ظهرت بالأساس نتيجة لأزمة المهاجرين، لا سيما أن الولاية تقع على الحدود مع المكسيك، وتعد معبرا رئيسيا للمهاجرين القادمين من المكسيك وأمريكا الجنوبية، ونتيجة تضارب القرارات بين رفض إدارة الولاية إزالة الأسلاك الشائكة وفتح حدودها أمام المهاجرين ورغبة الحكومة وإدارة الرئيس جو بايدن بفتح تلك الحدود.

ويعتبر انفصال الولاية هو بداية لانفراط عقد التحالف الفيدرالى للولايات المتحدة، وبداية انهيار المنظومة الاقتصادية الأمريكية إلى حد كبير، نظرا لدورها الكبير باقتصاد أمريكا، حيث بلغت قيمة واردات تكساس نحو 294.9 مليار دولار عام 2019، ويظل انفصال الولاية سيناريو بعيدا عن الحدوث والحقيقة، خاصّة أن الأمر قد لا يعدو كونه حلقة من الصراع المستمر بين الجمهوريين والديمقراطيين فى أمريكا قبيل الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر المقبل.

قوة اقتصادية

وتعتبر تكساس ولاية غير اعتيادية فى نسيج اتحاد الولايات، بل تمثل أيضًا بعدًا استراتيجيًا مهمًا، فهى ثانى أكبر ولاية فى البلاد من حيث الحجم والسكان. تجاوز عدد سكان ولاية تكساس مؤخرًا 30 مليون نسمة، لتنضم بذلك إلى ولاية كاليفورنيا باعتبارها الولاية الأخرى الوحيدة التى وصلت إلى الثلاثينات. كما أنها تعتبر من أهم المواقع لاقتصاد البلاد وسوق العمل والصناعات الرئيسية.

بالإضافة إلى ذلك تحتوى تكساس على حقول نفط هائلة وثروة طاقة كبيرة، ما يجعل أهميتها الاقتصادية مضاعفة فى ظل أزمة الطاقة العالمية بفعل الحروب والتوترات، كما أنها تمثل ثقلًا اقتصاديًا يفوق الكثير من الدول، حيث توجد بها صناعات مُهمّة؛ مثل الزراعة والبتروكيماويات والطاقة والحواسيب والإلكترونيات والعلوم الطبية الحيوية.

ويبلغ حجم اقتصاد الولاية 2.4 تريليون دولار، وهى بذلك تستأثر بنحو 9 % من الناتج المحلى الأمريكى، كما تحظى بنسبة 22 % من الصادرات الأمريكية، وتعتبر أكثر الولايات الأمريكية تصديرًا لمدة 21 سنة.

استأثرت تكساس بحصة 42.6 % من النفط الأمريكى خلال السنة الماضية و27 % من إنتاج الغاز الطبيعى على مستوى البلاد وهو النصيب الأعلى بين الولايات، بحسب مجلة فوربس الأمريكية، ويبلغ إنتاج الولاية اليومى 5.41 مليون برميل خلال السنة الماضية.

وتشكل الاستثمارات الصغيرة نسبة 99.8 % فى تكساس، وتوظف 3.1 مليون شركة ما يقرب من نصف جميع العاملين فى تكساس، كما تتصدر الولايات الأمريكية فى وظائف الخدمات المالية والهندسة الكيميائية.

وتفوق القوى العاملة الشابة والماهرة لديها 15.1 مليون شخص، كما أنها تستقبل أكثر من 1000 شخص يوميًا بمن فى ذلك حديثو الولادة من تكساس والأشخاص الذين ينتقلون من ولايات وبلدان أخرى.

وتنتج تكساس 9 % من جميع السلع المصنعة فى الولايات المتحدة، وتمتلك 26 مطارًا تجاريًا، و19 ميناء بحريًا على طول

كما تعد تكساس موطنًا لمركز ليندون جونسون الفضائى التابع لناسا (هيوستن)، والذى كان بمثابة مركز التحكم لمهمات فضائية متعددة من الولايات المتحدة. تم تدريب باز ألدرين ونيل أرمسترونغ وإعدادهما لمهمة أبولو 11 فى تكساس، وهو الآن موقع التدريب الأساسى لرواد الفضاء الأمريكيين.

سيناريو الانفصال

وفق خبراء فإن الأزمة تكمن فى زيادة الانقسامات بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى فى البلاد، موضحين أن أزمة تكساس هى سياسية فى المقام الأول.

وقالت الدكتورة دونا جاكسون، وهى من كبار المحاضرين فى التاريخ الحديث بجامعة تشستر البريطانية ومتخصصة فى التاريخ الدستورى الأمريكى، إن انفصال تكساس عن الولايات المتحدة أمر غير متوقع حاليًا، موضحة أن أكثر ما يجعل هذه الفكرة غير معقولة هو أهمية ولاية تكساس للجمهوريين على المستوى الوطنى، ولا سيما خلال الانتخابات الرئاسية. فالولاية من معاقل الحزب، ودون أصوات أعضائها فى المجمع الانتخابى، لم يكن ليفوز أى من الرئيسين الجمهوريين جورج دابليو بوش ودونالد ترامب بالمنصب. ومن ثم من المستبعد للغاية أن يؤيد الزعماء الجمهوريون انفصال تكساس، ولا سيما ترامب، الذى ستكون محاولاته استعادة الرئاسة فى انتخابات 2024 شبه محكوم عليها بالفشل دون دعم الولاية.

وحول دستورية الانفصال أوضح جوشوا بلانك، الخبير فى سياسات الدولة فى جامعة تكساس فى أوستن، ومدير الأبحاث فى مشروع تكساس بوليتيكس، أن أى انفصال من غير المرجح أن يكون سلميًا وسيتطلب قدرة دولة موسعة بشكل كبير من النوع الذى من شأنه أن يصد العديد من الجمهوريين.

وفى مقابلة مع مجلة نيوزويك، أضاف: «أعتقد أن التاريخ أوضح أنه لا يوجد سيناريو معقول يمكن من خلاله لولاية تكساس أن تنتزع نفسها سلميًا من الولايات المتحدة، حتى لو كانت هذه إرادة سكانها - والتى لا يوجد ما يشير إلى ذلك».

وتابع بلانك: «عندما تبدأ فى التفكير فى آليات انسحاب تكساس من الولايات المتحدة، سرعان ما تظهر سخافة الاقتراح. وبقدر ما تفتخر تكساس بفكرة الاستقلال، مثل معظم الولايات، تعتمد تكساس على الحكومة الفيدرالية. خاصة فى السنوات الأخيرة - للمساعدة فى توفير خط أساس منخفض نسبيًا من خدمات الولاية».