الجمعة 29 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل يتغلّب معرض الكتاب 2024 على التحديات العالمية وارتفاع أسعار الورق؟ بورصة الورق مقامرة الناشرين على صفيح ساخن

وسط تحديات جسام، وظروف اقتصادية صعبة، ينطلق معرض القاهرة الدولى للكتاب 2024 ببصيص من الأمل، فى عودة الروح إلى جمهور القرّاء مرّة أخرى، وسط مبادرات حكومية، وعروض تخفيضات من دور النشر المشاركة فى المعرض.



وتشبه أزمات صناعة النشر الحالية، من ارتفاع أسعار الورق، وسط أزمات وحروب عالمية، ما حدث فى الحرب العالمية الثانية، حين واجه الناشرون البريطانيون أزمة فى شحّ الورق، واتجهّوا لأعمال مضمونة الربح، ما أدى إلى عدم ظهور العديد من المواهب الصاعدة فى ذلك الوقت.

فبعض دور النشر، وتحديدًا المتوسطة والصغيرة منها، تواجه صعوبات جمّة، خاصة مع ارتفاع أسعار الدولار، ومعدلات التضخم، وتكلفة الورق، والتى تشكل عوامل ضاغطة على دور النشر والكتّاب، لذلك يلجأ بعض الناشرين إلى حلول بديلة لخفض تكلفة الطباعة.

تطرح كل هذه الأزمات، سؤالًا مُلحًا؛ ألا وهو: كيف تتغلّب دور النشر على هذه التحديات، وما الإجراءات التى يتخذّونها للتعاقد مع الكُتّاب الجدد، وما هى عروضهم لتحقيق هامش ربحى ولو ضئيل خلال فترة المعرض الممتدة على مدار 13 يومًا من 25 يناير إلى 6 فبراير؟. 

فى هذا السياق، تحدثت «روزاليوسف» مع عدد من أصحاب دور النشر حول أبرز التحديات والمخاوف التى يواجهونها، وتوقعاتهم لمعرض القاهرة الدولى للكتاب 2024.

وفى هذا السياق، يرى أحمد سعيد عبدالمنعم، المحرر والناشر صاحب دار نشر منشورات الربيع، أنَّ الناشرين يحاولون تخفيض هامش ربحهم؛ بسبب ارتفاع تكاليف الورق والطباعة، كى يستطيع القارئ شراء أكبر قدر ممكن من الكُتُب.

فعلى سبيل المثال، يستعرض عبدالمنعم، المبادرة الخاصّة بالتخفيضات التى أطلقها اتحاد الناشرين العرب، بالإضافة إلى «منشورات الربيع» حيث تنفذ عدد من مبادرات التخفيض، كخصم 25 % على جميع الكُتُب الجديدة، بالإضافة إلى عرض «الربع جنيه»، إذ أنّ القارئ إذا اشترى 6 كُتُب، يستطيع شراء الكتاب السابع بـ 1 جنيه فقط، والثامن بـ 75 قرشًا، والتاسع بـ 50 قرشًا، والعاشر بـ 25، والتى تستهدف تشجيع القراء لشراء عدد أكبر من الكتب.

ويشير صاحب دار نشر منشورات الربيع إلى أنّ الناشرين يحاولون التنازل عن سعر التكلفة فى بعض الكتب لإحداث حركة شراء ورواج لكل الكُتُب، فمثلًا هناك رفّ كامل داخل دار النشر تعرض الكُتُب القديمة بـ 50 جنيهًا فقط.

 التكلفة «التى لا تُقهر»

أمَّا عن التكلفة، فيؤكد أحمد سعيد عبدالمنعم أنَّه لا يمكن التغلّب على التكلفة، لكنه يشير إلى إمكانية التغلُّب على ضعف حركة الشراء ذاتها؛ ما يعنى أنَّ الكتاب الذى صدر العام الماضى ويمكن بيعه بـ 100 جنيه، لن يستطيعوا بيعه هذا العام بأقل من 150 جنيهًا، مستشهدًا بـ«القارئ الذى جاء للمعرض ومعه 500 جنيه لا يمكنه شراء سوى 3 كُتُب فقط؛ بدلًا من إصدار عناوين جديدة، فسيكون هناك عناوين أقل».

يُضيف: «لذلك استعضنا عن ذلك بصيغة أخرى وهى إصدار نفس العناوين التى نريدها، لكنّ مع بعض عروض التخفيضات مثل عرض الربع جنيه الذى أشرتُ إليه، وعرض الكُتُب القديمة».

لكنّ كيف أثّرت تلك التحديات على التعاقدات الجديدة؟؛ يشير أحمد سعيد إلى أنّه سيصدر نفس عدد الكتب التى أصدرها فى 2023، وهو 16 عنوانًا جديدًا، وذلك حتى لا يتم الضغط على ميزانية الدار فى ظل هذه الظروف.

 الزيارات لا تعكس حجم المبيعات

أعرب عبدالله شلبى صاحب دار نشر بصمة، عن قلقه وتخوُّفه من نسخة معرض القاهرة 2024، مشددًا على أنّ التحديات ليست بجديدة، بل بدأت منذ جائحة كورونا، ولاتزال الأوضاع تستمر فى التردى عامًا تلو الآخر، مع ارتفاع أسعار الخامات والورق، والمستمرة حتى فى الأيام الحالية.

وأكَّد عبدالله على أنَّ العقبات أمام جمهور القرّاء أكبر؛ فبينما كان يأتى للمعرض 70 شخصًا من طبقة معينة بمبلغ من المال لحصد مجموعة من الكتب، أصبح ذلك صعبًا الآن؛ فمثلًا الكتاب الذى كان يُباع بمبلغ 50 جنيهًا، سيصل ثمنه اليوم إلى 150 و200 جنيه، مما يعنى قلة فى عدد المشترين للكُتُب؛ لذلك سيجد القارئ سور الأزبكية أجدى نفعًا من معرض الكتاب، أو غيره من الأماكن التى تبيع النسخ غير الأصلية.

وقال صاحب دار نشر بصمة: إنه رغم وجود مبادرات متعددة للتيسير على المواطنين؛ إلا أنّ السؤال يكمن فى ترجمة عدد زيارات القرّاء إلى كم من الأموال، وهل استطاع الناشر تغطية تكلفة جناحه أم لا؟، موضحًا أنه لم يشارك فى المعرض هذا العام لظروف خاصّة به.

وبحسب ما يرى شلبى، فرغم أنَّ معرض الكتاب لم يكن موفقًا منذ جائحة كورونا، وهو ما انعكس على نسبة الشراء؛ لكنّه يتوقّع أن تكون نسبة الزيارة كبيرة هذا العام مثل نسخة العام الماضى، طارحًا السؤال المُلّح على أغلب أصحاب دور النشر: إلى أى مدى ستستطيع دور النشر المجازفة وعرض التخفيضات من أجل جذب المشترين.

يشير شلبى إلى أنَّ نسبة أرباحه فى العام الماضى، لم تغطِ التكاليف كلية؛ لكنها قد تصل إلى 70 أو 80 % من إجمالى المبيعات، موضّحًا أنَّ دور النشر تعتمد على الكتب القديمة، ويكون الهدف تغطية تكلفة إيجار المعرض ورد أموال المؤلفين والمطابع وموردى الورق.

 ظواهر غير احترافية

يؤكّد صاحب دار نشر بصمة أنَّ الأزمة الاقتصادية لن تُحل على المدى القريب، وهو ما سينعكس بشكل سلبى على دور النشر، وسيؤدى ابتعاد البعض عامًا وراء الآخر عن المعرض إلى تغيير المهنة بشكل كامل فى النهاية، والبحث عن مصدر دخل آخر يُدِر المال.

ويوضّح أنَّ «المشكلات العديدة الحالية فى صناعة النشر تسببت فى ظهور ظواهر غير احترافية فى صناعة النشر، كأن تعرض دور النشر طباعة عدد من النسخ والحصول على شهادة تقدير أو تقديم باقات للنشر»، واصفًا الأمر بأنّه «بعيد تمامًا عن صناعة النشر؛ لكن تلك الظواهر تسببت فى ظهور عدد كبير من الأعمال الرديئة».

كما يرى شلبى أنَّ التقنين هو الأصل فى عملية النشر؛ فيجب على صاحب دار النشر اختيار العناوين الجيّدة والمحتوى الجديد، بما يناسب الذوق العام، مستطردًا: «هناك حالة من الابتذال منتشرة فى الشارع حاليًّا، فالجمهور يجرى حاليًا وراء ما يُسمى بالترند والمبيعات الأعلى، ولا ينظر إلى الكتاب الذى سيمنحه وجبة دسمة من الثقافة، لذلك أصبح السائد أنّ الإعلانات والدعاية على فيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعى هى الأساس فى تحقيق النجاح».

 اندثار الرغبة فى الكتاب الورقى

لكن يؤكد عيد رمضان صاحب دار نشر حرف، أنَّ المخاوف الحقيقية تكمن فى اندثار الرغبة فى الكتاب الورقى، مرجعًا ذلك إلى عدّة تحديات وأزمات، ويأتى على رأسها: عدم توفُّر الدعم الحكومى لدور النشر الخاصّة، بالإضافة إلى تباين سعر الصرف بشكل شبه يومى، بما يؤثر على استيراد الورق، وارتفاع أسعاره، واصفًا إياها بـ«بورصة الورق».

وتجدر الإشارة فى هذا السياق إلى أنه فى عام 2020، تم شراء 191 مليون كتاب إلكترونى، وذلك فى خضم جائحة كورونا العالمية؛ لكن هذه الإحصائية فى الواقع تنمو بشكل مطرد منذ عام 2019 تقريبًا.

حيث ساعدت شعبية جهاز «كيندل» من أمازون على تعزيز ذلك، إذ قرأ 84 % من الأشخاص الكتب الإلكترونية التى تم شراؤها على الجهاز؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن 23 % من صناعة النشر البالغة 26 مليار دولار فى عام 2020 جاءت من مشتريات الكتب الإلكترونية.

 تحديات الشراء

وفى سياق متصل، يسلّط عيد الضوء على تحديات الشراء للكتب، قائلا إن الكتاب الذى يصل للقارئ وتكلفة طباعته وإصداره نحو 20 جنيهًا، مع هذه الظروف أصبح 50 جنيهًا، من فئة الحجم الصغير الذى لا يتعدى الـ 150 ورقة، وخاصّة أنَّ القارئ لن يغامر بدفع 80 جنيهًا أو حتى 100 جنيه، مقابل كتاب لمؤلف غير معروف، وذلك بخلاف الكُتُب المترجمة التى تكون تكلفتها أعلى.

يشدد عيد على أنَّ كل هذه التحديات، لا تُعيق الناشر فحسب، بل من الممكن أن تؤدى إلى توّقفه عن الظهور فى معرض الكتاب، مما قد يؤدى لموت الصناعة؛ لكن، بحسب عيد، يؤكّد على أن استقطاب المواهب الشابة جزء مهم من إعادة الانتعاش لصناعة النشر بشكل عام.

 محاولات للتغلُّب على الأزمة

أمَّا عن محاولات دور النشر للتغلب على الأزمة، فيؤكد عيد أن على كل دار ترغب فى المشاركة تضع دراسة جدوى وميزانية محددة؛ موضحًا أن وجود إصدارات قديمة للدار فى المخازن تساعد فى التغلب على الأزمة، إذ يمثّل معرض الكتاب وسيلة لعرض هذه الإصدارات القديمة والانتهاء من الأعمال الموجودة بالفعل علاوة على بعض الإصدارات الجديدة بما يساهم فى تغطية التكاليف الكلية للمعرض.

يستشهد بمثال على ذلك بقوله: «لو أن لدى 2000 إصدار قديم وأُصدرت 10 أو 15 إصدارًا جديدًا عليها؛ فإن الدخل من الإصدارات القديمة مع بعض الجديد يغطى تكلفة المعرض».

ويكشف عيد عن تعاقده مع 12 كاتبًا، لإصدار 15 كتابًا جديدًا، واصفًا إياها بـ«النسبة القليلة»، خاصّة فى ضوء تحديات النشر التى أثّرت على التعاقدات أيضًا.

ويتوقع صاحب دار نشر حرف أن تكون أعداد الجمهور كبيرة؛ لكنّ ينصح بعدم المشاركة للناشر الذى لن يستطيع تقديم عروض داخل المعرض، لأن الإصدارات السابقة هى التى ستساعده على الصمود وذلك من خلال عروض الخصومات.

يصل إلى النهاية فى حديثه قائلًا: «أود لفت الانتباه إلى أنَّ الزوّار الذين يأتون من الأقاليم، هم جمهور المعرض الحقيقى، فمثلًا يأتى طلاب ميزانيتهم 400 جنيه فقط، ويرغبون فى شراء الكُتُب، لذلك أقدّم لهم بعض الخصومات، حتى لا أردّهم خائبين، لأنّهم بالنسبة لى هم جمهور المعرض الحقيقى».

 مبادرات محلية للتسهيل على المواطنين 

وفى إطار التيسير على المواطنين ودفعهم للمشاركة فى العملية الشرائية فى معرض الكتاب أطلق اتحاد الناشرين العرب برئاسة محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، مبادرة «الجميع يقرأ» من أجل تخفيف أعباء القارئ المصرى، وتتراوح نسب الخصومات بها بين 30 % و50 %، وعدد الناشرين الذين اشتركوا بالمبادرة كبير للغاية، وهناك كتب بأسعار زهيدة.

فيما تقدم هيئة قصور الثقافة، مجموعة كبيرة من أحدث إصدارات سلاسلها تتجاوز 120 عنوانًا جديدًا، تتناسب مع جميع الفئات العمرية، وبأسعار مخفضة للجمهور.