الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخبراء يتوقعون أن يستمر الركود الاقتصادى ضربات متتالية ترفع فاتورة التكاليف على اقتصاد العالم

مع استمرار التوترات السياسية وخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، يدفع الاقتصاد العالمى فاتورة هذه الاضطرابات، حيث يواجه ارتفاعًا فى تكاليف الشحن وتأخرًا فى تسليم البضائع، الأمر الذى يعيد شبح التضخم إلى الواجهة من جديد. وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، إن الاقتصاد الأوروبى بدأ يتأثر بما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط، وما يسببه الألم الاقتصادى الناجم عن اضطرابات سلسلة التوريد، بسبب الهجمات التى شنها الحوثيون على سفن الشحن فى البحر الأحمر، مما أدى إلى تعطيل طرق الشحن من آسيا، كما أنه يهدد بحدوث نكسة فى جهود القارة الأوروبية فى حربها ضد التضخم.



 

وأشار التقرير إلى أن الشركات الأوروبية معرضة بشكل مباشر أكثر لاضطرابات الشحن فى البحر الأحمر، لأن نحو 40 بالمائة من التجارة مع آسيا عادة ما تتخذ هذا الطريق، مضيفة أن الوقت الأطول الذى يستغرقه الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح يقلل من قدرة الشحن العالمية، وسيكون له بعض التأثير على الشركات الأمريكية، موضحة أن أحد العوامل المعقدة هو أن حركة المرور عبر قناة بنما، وهى نقطة اختناق كبيرة أخرى فى التجارة العالمية، قد انخفضت بسبب الجفاف الشديد فى أمريكا الوسطى.

ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يستمر الركود الاقتصادى، حيث قد تحدث اضطرابات جديدة فى السلع الأولية والتوريد، عقب تجدد التوترات الجغرافية-السياسية، ولا سيما فى الشرق الأوسط، فقد ارتفعت تكاليف الشحن بين آسيا وأوروبا ارتفاعًا ملموسًا، بسبب الهجمات فى البحر الأحمر التى دفعت إلى تحويل مسار الشحنات لتدور حول إفريقيا. وبرغم أن الاضطرابات ظلت محدودة حتى الوقت الراهن، فلا يزال الوضع متقلبًا.

كما أن التضخم الأساسى قد يستمر لفترة أطول. وتظل أسعار السلع مرتفعة بالمقاييس التاريخية ومقارنة بأسعار الخدمات. ويمكن أن يأتى التصحيح فى صورة استمرار التضخم فى أسعار الخدمات – وبوجه عام – لفترة أطول. وقد تزداد الضغوط على الأسعار فى ظل تطورات الأجور، خاصة فى منطقة اليورو، حيث لا تزال الأجور الخاضعة للمفاوضات آخذة فى الارتفاع.

وقد تمكن اقتصاد منطقة اليورو من تجنّب ركود فنى بصعوبة، وتعرّض اقتصاد منطقة العملة الموحدة لضربة بسبب العديد من العوامل، بينها ارتفاع أسعار الفائدة، وأزمة كلفة المعيشة التى أثرت فى إنفاق الأسر، وضعف الطلب العالمى.

 تكاليف الشحن

ولا تزال هناك اختلافات كبيرة، ونتوقع تباطؤ النمو فى الولايات المتحدة، حيث لا يزال تشديد السياسة النقدية منعكسًا على اقتصادها، وفى الصين، حيث لا يزال التأثير السلبى على النشاط من ضعف الاستهلاك والاستثمار مستمرًا. وفى منطقة اليورو، فى الوقت نفسه، يُتوقع انتعاش النشاط بصورة طفيفة بعد عام 2023 الذى كان محفوفًا بالتحديات، حينما أدى ارتفاع أسعار الطاقة وتشديد السياسة النقدية إلى تقييد الطلب. ولا يزال كثير من الاقتصادات الأخرى متمتعًا بقدر هائل من الصلابة، مع تسارع النمو فى البرازيل والهند والاقتصادات الكبرى فى جنوب شرق آسيا.

ولا يزال التضخم آخذًا فى التراجع. وفيما عدا الأرجنتين، سوف يتراجع التضخم الكلى العالمى إلى 4,9 % هذا العام، أى بانخفاض قدره 0,4 نقطة مئوية مقارنة بتوقعات أكتوبر (فيما عدا الأرجنتين أيضًا). والتضخم الأساسى متجه كذلك نحو الانخفاض، ما عدا أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة. وفى الاقتصادات المتقدمة، سوف يصل التضخم الكلى والأساسى إلى حوالى 2,6 % فى المتوسط هذا العام، مقتربًا من أهداف التضخم التى حددتها البنوك المركزية.

وقد تسببت أزمة البحر الأحمر فى الضغط على سلاسل إمداد الديزل إلى أوروبا، بجانب ارتفاع تكلفة الشحن البحرى، ما تسبب فى قفزة كبيرة لأسعار الوقود.

وارتفعت أسعار استئجار الناقلات العملاقة لتوصيل شحنات الوقود من الشرق الأوسط إلى منطقة شمال غرب أوروبا، لتصل إلى نحو 117 ألف دولار لليوم الواحد، وذلك خلال الأسبوع الماضى، بالتزامن مع استمرار هجمات الحوثيين على السفن التجارية فى البحر الأحمر.

ويؤدى ذلك إلى زيادة هوامش الديزل، أى الفارق بين سعر الوقود وأسعار النفط الخام، وتعانى القارة العجوز من نقص هيكلى فى وقود الديزل، وتعتمد بشكل رئيسى على وارداتها منه.

ومع ارتفاع تكاليف الشحن، ينبغى لأسعار الوقود فى أوروبا أن ترتفع بالمقارنة مع المناطق الأخرى، من أجل تعويض النفقات الإضافية لنقل الكميات المطلوبة من الموردين من المناطق النائية.

ووفقًا لتقرير نشرته وكالة «بلومبرج»، فقد أدى ارتفاع تكاليف الشحن إلى أن تصل هوامش الديزل فى شمال غرب أوروبا إلى أعلى مستوياتها منذ أوائل ديسمبر الماضى، بحسب أرقام أعلنت عنها شركة «جنرال إنديكس».

كما ساهم ذلك باتساع ما يُعرف بفارق الأسعار بين الشرق والغرب وهو فرق الأسعار بين الديزل فى أوروبا وآسيا.

وقال بحسب تقرير بلومبرغ: «من المفترض ألا نرى تدفقات كبيرة من الديزل من الخليج العربى والهند متجهة إلى أوروبا فى ظل فروق الأسعار بين الشرق والغرب فى الوقت الراهن، وإذا لم تجد هذه البراميل مشترين فى أوروبا، فسيتم توجيهها شرقًا».

 تباطؤ حذر للتضخم

ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولى، من المتوقع أن يصل النمو العالمى إلى 3,1 % فى 2024 و3,2 % فى 2025، فى ظل ارتفاع التنبؤات لعام 2024 بمقدار 0,2 نقطة مئوية عما جاء فى عدد أكتوبر 2023 من تقرير «آفاق الاقتصاد العالمى»، وذلك بسبب الصلابة التى فاقت التوقعات فى الولايات المتحدة والعديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، فضلًا عن الدعم من المالية العامة فى الصين.

ومع هذا، فإن تنبؤات الفترة 2024–2025 دون مستوى المتوسط التاريخى البالغ 3,8 % (للفترة 2000–2019)، فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية التى حددتها البنوك المركزية لمكافحة التضخم، وسحب الدعم المالى فى سياق ارتفاع الديون الذى يؤثر سلبًا على النشاط الاقتصادى، وانخفاض نمو الإنتاجية الأساسية. والتضخم آخذ فى الهبوط بوتيرة أسرع من المتوقعة فى معظم المناطق، مع تراجع حدة المشكلات على جانب العرض وتشديد السياسة النقدية. وتشير التوقعات إلى انخفاض التضخم الكلى العالمى إلى 5,8 % فى 2024 و4,4 % فى 2025، مع تخفيض التنبؤات لعام 2025.

وقد تراجعت احتمالات الهبوط العنيف فضلاً عن توازن المخاطر على النمو العالمى إلى حد كبير فى ظل تباطؤ معدل التضخم والنمو المطرد. وعلى جانب التطورات الإيجابية، يمكن لتباطؤ معدل التضخم بوتيرة أسرع من المتوقعة أن يؤدى إلى مزيد من تيسير الأوضاع المالية. وقد تنطوى السياسة المالية الأيسر من اللازم ومما تفترضه التوقعات على ارتفاع مؤقت فى النمو، ولكنها تنطوى كذلك على مخاطر إجراء تعديل أكثر تكلفة لاحقًا. ويمكن لزيادة قوة زخم الإصلاح الهيكلى أن تعزز الإنتاجية مع ما لها من تداعيات إيجابية عبر الحدود. وعلى جانب التطورات السلبية، قد يطول أمد تشديد الأوضاع النقدية إذا ارتفعت أسعار السلع الأولية ارتفاعًا حادًا مجددًا نتيجة للصدمات الجغرافية السياسية – بما فيها استمرار الهجمات فى البحر الأحمر – واضطرابات العرض أو استمرار التضخم الأساسى لفترة أطول. كذلك يمكن أن يؤدى تعمق المحن فى قطاع العقارات فى الصين، أو زيادة الضرائب وتخفيض النفقات على نحو مربك فى أى بلد آخر، إلى تحقيق نمو دون المستوى المأمول.

ويتمثل التحدى أمام صناع السياسات على المدى القريب فى نجاح إدارة الهبوط النهائى للتضخم إلى المستوى المستهدف، ومعايرة السياسة النقدية فى مواجهة ديناميكية التضخم الأساسى، والتعديل لاتخاذ موقف أقل تشددًا عندما تبدأ ضغوط الأجور والأسعار فى الزوال بوضوح. وفى الوقت نفسه، ففى كثير من الحالات، حيث يكون التضخم آخذًا فى التراجع والاقتصادات أقدر على استيعاب آثار تشديد سياسة المالية العامة، يتعين التركيز مجددًا على ضبط أوضاع المالية العامة لإعادة بناء طاقة الميزانية للتعامل مع الصدمات المستقبلية، وزيادة الإيرادات لسد النفقات الجديدة ذات الأولوية، وكبح الارتفاع فى الدين العام.

 

ويمكن تعزيز إنتاجية النمو واستدامة القدرة على تحمل الديون وتعجيل التقارب نحو مستويات الدخل الأعلى من خلال توجيه الإصلاحات الهيكلية وتحديد تسلسلها بدقة، ويتعين رفع مستوى كفاءة التنسيق متعدد الأطراف لأهداف منها تسوية الديون، لتجنب الوقوع فى حالة مديونة حرجة وإيجاد الحيز اللازم للاستثمارات الضرورية، وكذلك تخفيف آثار تغير المناخ.