الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

القاهرة تؤكد رفضها لأية إجراءات من شأنها التعدى على سيادة الصومال دعم مصرى لـ«مقديشو».. وإدانة إقليمية لتحركات إثيوبيا فى القرن الإفريقى

لجأت الحكومة الفيدرالية فى مقديشو إلى مصر منذ الوهلة الأولى لإعلان إثيوبيا عن توقيع اتفاقية مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالى للحصول على ميناء على خليج عدن. وقد أنذرت خطوة أديس أبابا بإشعال صراع جديد فى القرن الأفريقى، المنطقة ذات التاريخ الطويل من النزاعات.. كان أول اتصال هاتفى للرئيس الصومالى حسن شيخ محمود عقب الإعلان عن الاتفاقية مع الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، وأتبع ذلك بزيارة للقاهرة هى أول محطة خارجية له أيضًا بعد الاتفاقية الإثيوبية.



 

الدعم المصرى لموقف الصومال كان واضحًا فى حديث السيسى خلال المؤتمر الصحفى مع شيخ محمود بالقاهرة، إذ تحدث بلهجة حازمة عن أن مصر لن تسمح بتهديد الصومال أو أمنه، ووجه رسالة أشبه بالتحذير إلى إثيوبيا «ماحدش يجرب مصر ويهدد أشقاءها». كما لوح بتفعيل اتفاقية الدفاع العربى المشترك باعتبار الصومال عضوًا فى جامعة الدول العربية.

وتنص الاتفاقية الموقعة عام 1950 على أن «تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداءً عليها جميعًا، ولذلك فإنها عمل فى حق الدفاع الشرعى (الفردى والجماعي) عن كيانها تلتزم أن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما فى ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما»، كما تتضمن الاتفاقية «تتشاور الدول المتعاقدة فى ما بينها، بناءً على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضى أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها».

 الدعم المصرى

شجبت مصر بشدة أية إجراءات أحادية يتخذها أى طرف إقليمى لتهديد وحدة وسلامة الصومال، كما أؤكد معارضتها الحاسمة لأية إجراءات من شأنها التعدى على سيادة وحق الصومال - دون غيره - فى الانتفاع بموارده، محذرة من التحركات التى تقوض الاستقرار فى منطقة القرن الإفريقى، وتزيد من حدة التوتر بين دوله، وندعو لتكاتف الجهود لاحتواء أزمات المنطقة، بدلًا من الاستمرار فى سياسة تأجيج النزاعات على نحو غير مسئول، وفق وزير الخارجية.

ورفضت الخارجية المصرية الاتفاق كما نددت بالتدخل فى شئون الصومال أو المساس بوحدة أراضيها، وأكدت أيضًا ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها، ومعارضتها لأية إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية، مشددةً على حق الصومال وشعبه دون غيره فى الانتفاع بموارده.

كما قدرت مصر خطورة تزايد التحركات والإجراءات والتصريحات الرسمية الصادرة عن دول فى المنطقة وخارجها، التى تقوض من عوامل الاستقرار فى منطقة القرن الإفريقى، وتزيد من حدة التوترات بين دولها، فى الوقت الذى تشهد فيه القارة الإفريقية زيادةً فى الصراعات والنزاعات التى تقتضى تكاتف الجهود من أجل احتوائها والتعامل مع تداعياتها، بدلًا من تأجيجها على نحو غير مسئول.

وقوبل الموقف المصرى بترحاب واسع فى الصومال، حيث شدد الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، على أن بلاده تعتبر مصر حليفًا تاريخيًا وشريكًا استراتيجيًا، معربًا عن تطلع الصومال للمزيد من التعاون مع القاهرة خلال الفترة القادمة، مؤكدًا أن هذا التعاون قائم على الاحترام المتبادل لكلا الدولتين. 

كما أكد سفير الصومال فى القاهرة إلياس شيخ عمر، حرص بلاده على تنسيق المواقف مع مصر، نظرًا للدور المحورى الذى تلعبه مصر فى المنطقة، مثمنًا فى الوقت ذاته الدعم المصرى الكبير للصومال فى أزمته الراهنة وهو أمر ليس مستغربًا على مصر التى كانت دائمًا سبَّاقة فى اتخاذ المواقف المقدرة بدعم الأشقاء، موضحًا فى الوقت ذاته أن مصر كانت من أوائل الدول التى أعلنت موقفها صراحة فور اندلاع الأزمة بالتأكيد على ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها، ومعارضتها لأية إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية، وكذلك حق الصومال وشعبه دون غيره فى الانتفاع بموارده.

وأثارت تصريحات السيسى تكهنات حول شكل الدعم المصرى الذى سيقدم للصومال، إذ يرى باحثون أن حديث الرئيس المصرى يفهم منه أن القاهرة قد تتواجد بقوات عسكرية فى الصومال لدعمه فى مواجهة أطماع إثيوبيا وذلك تنفيذًا لمعاهدة الدفاع العربى المشترك.

وأشاروا إلى أن القاهرة تمد مقديشو منذ وقت طويل بالدعم فى مكافحة الإرهاب عبر المعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكرى ونقل الخبرات، وقد يتطور ذلك التعاون بعد الأزمة الأخيرة إلى تدريب الجيش الصومالى.

ولا يتفق الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية، السفير أحمد حجاج، مع تلك الرؤية، إذ اعتبر أن مصر «بالتأكيد» لن ترسل قوات عسكرية إلى الصومال لمقاتلة الجيش الإثيوبى، موضحًا أن حديث السيسى عن «الوجود» بجوار الصومال، يأتى فى إطار أنه بلد عربى موقع على اتفاقية الدفاع المشترك. وأضاف أن مصر تسهم فى تدريب العسكريين الصوماليين منذ سنوات كما تقدم أسلحة للشرطة.

من جانبه، قال مدير مركز هرغيسا للدراسات والبحوث فى الصومال محمود محمد حسن إن مصر لها تاريخ كبير فى النجاح الدبلوماسى، ولديها كوادر خبيرة ومؤهلة فى هذا المجال، لذا فإن تقديم القاهرة دعمًا غير محدود للدبلوماسية الصومالية، سواء من خلال تقديم المشورة، أو من خلال الثقل التقليدى لها على مستوى النظام العربى، والمنظمات والأجهزة القارية والدولية والأممية، «سيوفر لمقديشو دفعة تحتاج إليها فى سبيل ردع مطامع رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، وتحد من تهوره الناتج من حاجته للهرب إلى الأمام من الأزمات التى تحاصره».

وأضاف حسن أن «تدهور الخلاف الإثيوبى الصومالى سيكون المتضرر الأكبر فيه أديس أبابا، وسيؤدى إلى توحيد الأقاليم الصومالية ضدها، وكذلك إقليم «أوغادين» الذى تتهم الصومال إثيوبيا باحتلاله ودارت حوله حرب بين البلدين عامى 1977 و1978».

 معارضة دولية

وأكدت هيئة التنمية الحكومية لشرق أفريقيا «إيجاد» على ضرورة احترام سيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدتها وسلامة أراضيها. وأشار بيان «إيغاد» إلى أنه ينبغى أن يكون أى اتفاق أو ترتيب بموافقة حكومة الصومال الاتحادية، ودعا إثيوبيا والصومال الاتحادية إلى تهدئة التوترات والدخول فى حوار بناء.

من جهتها، نددت الجامعة العربية خلال اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب عبر الإنترنت، باتفاق بين أثيوبيا وأرض الصومال، ووصفته بأنه «انقلاب صارخ» على الثوابت العربية والإفريقية.

كما قال المبعوث الأمريكى الخاص للقرن الإفريقى مايك هامر، إن مذكرة التفاهم (بين إثيوبيا وأرض الصومال) تهدد بمزيد من التقويض للأمن الإقليمى، وإن حركة الشباب الصومالية تستخدمها كسلاح. وقال هامر «رأينا بالفعل مؤشرات مثيرة للقلق على أن حركة الشباب تستخدم مذكرة التفاهم لتجنيد مقاتلين جدد».

 أهداف إثيوبيا

أظهرت دراسة سابقة أعدها مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، العام الماضى، الأهداف الاستراتيجية التى تسعى إثيوبيا، أكبر دولة حبيسة فى العالم، لتحقيقها فى إطار استراتيجية رئيسية يرتكز عليها آبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، فى مشروعه الإقليمى الذى يقوم على ضمان التقدم الاقتصادى لإثيوبيا والتغلب على كونها دولة حبيسة.

يخطط آبى أحمد منذ صعوده للسلطة لاستعادة ما يسمى بـ«المجد الإمبراطورى القديم» لإثيوبيا، وهو ما يعززه تصريحه بأن بلاده تسعى إلى أن تصبح القوة الإقليمية الأقوى فى أفريقيا، وهو الجوهر الأساسى للمشروع الإثيوبى الذى يقوم على تعزيز الهيمنة والسيطرة الإثيوبية على دول القرن الأفريقى. كما تسعى إثيوبيا بشكل حثيث إلى إيجاد موطئ قدم فى كل الموانئ البحرية بدول المنطقة، بما يعزز البدائل المتاحة أمامها، وتأمين ممرات استراتيجية فى المنطقة تهدف إلى تدفق تجارتها الخارجية والتحول إلى مركز اقتصادى ومالى إقليمى، وفق الدراسة الموسعة.

وتهدف إثيوبيا أيضًا إلى تقليل الاعتماد على ميناء جيبوتى الذى يستحوذ على %95 من تجارة إثيوبيا مع العالم الخارجى، تحسبًا لأى تحولات محتملة فى العلاقات بين البلدين فى المستقبل فى ضوء تعقيد التفاعلات الإقليمية فى القرن الإفريقى.

وتدرك إثيوبيا منذ تحولها لدولة حبيسة فى تسعينيات القرن الماضى بأنها افتقدت جزءًا من مقومات قوتها الإقليمية خاصة بعدما أعلنت تفكيك القوة البحرية الإثيوبية، وهو ما دفع أديس أبابا نحو تكثيف البحث عن منافذ بحرية دائمة تقلل من حدة المعضلة الجغرافية التى تعانيها البلاد، خاصة أن الحكومة الإثيوبية ترفض أن تُمارس عليها ضغوط إقليمية أو دولية لكونها دولة حبيسة.

وهناك أيضًا مساعٍ إثيوبية للانخراط فى أمن إقليم البحر الأحمر، رغبة منها فى الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية فى المنطقة من خلال الحصول على موطئ قدم استراتيجى هناك.