السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. أخطبوط الكراهية يكرس الإعلام الأسود..  النقطة العمياء.. الذاتية أقصى درجات الموضوعية!

مصر أولا.. أخطبوط الكراهية يكرس الإعلام الأسود.. النقطة العمياء.. الذاتية أقصى درجات الموضوعية!

يرتبط الحديث عن حق حرية التعبير باعتباره ضمن منظومة حقوق الإنسان الكاملة وغير القابلة للتجزئة، كما أن احترام حق حرية التعبير يعزز من قيمة التسامح ونشر مفهوم التعددية المرتكزة على قبول الاختلاف واحترامه. وهو ما يعنى أن حق حرية التعبير.. يرتبط بشكل مباشر وأساسى بحق حرية المعتقد. يأتى حق حرية التعبير.. على النقيض من التحريض وحملات الكراهية الدينية والطائفية، ولذا فإننا نحتاج إلى إظهار وتحديد وتدقيق الفرق بوضوح بين حق حرية التعبير وبين التجاوز من حق حرية التعبير إلى التحريض وحملات الكراهية.



 

وقد شهد المجتمع المصرى قبل أحداث 25 يناير 2011 وبعدها، وحتى ثورة 30 يونيو العديد من حملات التحريض المنظمة وحملات الكراهية الموجهة التى طالت المجتمع كله بمواطنيه وبالعديد من المؤسسات الوطنية المصرية سواء لهدمها أو للتشكيك فيها. وقد جاوز التطاول المدى مع هذه المؤسسات لحد الإساءة إلى رموزها وقادتها. ولكن يبقى أن النموذج الرئيسى على التحريض والكراهية.. يظهر بوضوح فى ملف العلاقات المسيحية الإسلامية فى مصر.

 الإعلام الأسود..

يمكن تعريف السجال بشكل بسيط على أنه إشارة إلى الاختلاف.. وهو ما يأتى على النقيض من الحوار الذى يمهد للوصول إلى مساحات لا بأس بها من الاتفاق. أما السجال الدينى فهو يشير إلى تلك الحالة من الجدل المترتب على أرضية أو توتر أو أزمة طائفية، وهو نقاش يستند فى أساسه على الأرضية الدينية، وليست الوطنية. وهو يستهدف بالدرجة الأولى القضاء تمامًا على أحد الأطراف.. ليصبح أحدهما رابحًا ومنتصرًا، والطرف الثانى مغلوبًا ومهزومًا. وهو ما يأتى على النقيض من مفهوم الحوار وأدبياته التى تمهد للوصول إلى مساحات لا بأس بها من الاتفاق. وهو ما يظهر للمجتمع من خلال الميديا السوداء أو الإعلام الأسود حسبما أطلقت عليه منذ أكثر من 20 سنة. الإعلام بتنويعاته.. الصحافة الورقية والإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعى، والميديا الجديدة (تطبيقات التواصل)، والفضائيات. والميديا السوداء هنا هى وصف لبعضها الذى يسهم فى زيادة الاحتقان ودعم مناخ التوتر الطائفى وتأجيجه دون أى التزام مهنى أو وطنى تجاه أشكال التناول غير المنضبطة أو المسئولة. وقد ترتب على ذلك خروج المعالجات الصحفية والإعلامية من نطاق الأكواد المهنية فى العرض والتناول والتحليل إلى الانحياز والحكم بمنطق التخوين والتشكيك.

 

 طائفية السجال الإعلامى..

يمكن تحديد تلك الأساليب من خلال بعض الاتجاهات السلبية فى تناول القضايا الطائفية، ومنها: تضخيم بعض الأحداث، والتهوين من أحداث أخرى. وعدم الدقة فى نشر المعلومات المرتبطة بالتوتر الطائفى. وتجاهل نشر بعض الحقائق. والتعميم لعمل التوازن. وتبنى الترويج لشائعات محددة متكررة. والتشويه المتعمد لبعض الرموز الدينية. والانحياز لطرف على حساب طرف ثان. وطرح معالجات خاطئة بتقديم حلول طائفية. واستبعاد القانون، والتأكيد على الحلول العرفية.

وما يترتب على ذلك من خروج المعالجات الصحفية والإعلامية من نطاق الموضوعية والحيادية فى العرض والتناول والتحليل إلى الانحياز والحكم بمنطق التخوين والتشكيك. 

قطعًا، لا تتحمل وسائل الإعلام وحدها المسئولية عن ما حدث فى الكثير من التوترات الطائفية.. بقدر ما تتحمل التقصير فى دور مسئوليتها المجتمعية والوطنية، بعيدًا عن الافتعال والتصعيد أو التضخيم والتهوين فى معالجة المشكلات. وأؤكد على أن ما سبق، لا يعنى تجاهل أو نفى واقع التوترات الطائفية فى المجتمع المصرى أو اعتماد منطق حرية الفكر والتعبير لأبعد مدى ممكن. غير أننى فى الوقت نفسه أرفض تضخيم الأحداث وترويج الشائعات.. خاصة الفردية منها.. لتصويرها بشكل جمعى، كما أرفض أيضًا التهوين المخل لبعض المشكلات.

أخطبوط إعلام الكراهية..

قرأت مؤخرًا كتاب «إعلام الكراهية.. آليات تغطية نزاعات الهوية» لمايكل فارس. وهو من الكتب القيمة والمهمة التى تتناول الخطوط الفاصلة الدقيقة للعلاقة بين وسائل الإعلام وما يمكن أن يندرج من محتوى تحت ثقافة العنف والكراهية.

يتناول الكتاب مفاهيم الهوية والنزاع والصراع والطائفية من خلال رصد الحالة العامة للإعلام العربى بوجه عام، والمصرى بوجه خاص. وما نتج عنه من ارتباك جلل فى تغطية الفتن الطائفية، والذى يعود إلى 4 أسباب أساسية هى: السياسة التحريرية الموجهة، أو الجهل بالقواعد المهنية، أو التعصب الدينى من القائم على التحرير أو النشر أو الإذاعة للحدث، أو بسبب التعليمات التى تمثل أبرز الضغوط التى تجد الوسيلة الإعلامية نفسها أنها ملتزمة بتنفيذها حيث يجد الصحفى والإعلامى نفسه أمام توجيهات وتعليمات معلنة أو مستترة، وبعضها يتصف بالغموض والعمومية، والآخر محدد أو موضوعى، وبعضها الآخر قد يكون مبررًا تبريرًا مقنعًا أو غير مقنع. وهى أسباب أعتقد فى انتهائها تدريجيًا بشكل قانونى وعملى بعد ثورة 30 يونيو خاصة فيما يخص ملف العلاقات المسيحية الإسلامية فى مصر الذى تم توظيفه واستغلاله لسنوات طويلة.. حتى تحول الآن إلى ملف وطني بالدرجة الأولى. 

 الذاتية والموضوعية..

ضمن الأسئلة الجدلية التى طرحها الكتاب: هل يقتصر دور الصحفى على نقل الوقائع كما هى خلال تغطية أى نزاعات مبنية على الهوية؟ وأن الموضوعية تقتضى: عدم الانحياز لأى طرف، ونقل المعلومات بتجرد دون حذف أو إضافة، وبموقف متجرد ومحايد تجاه الموضوع نفسه، وتجنب التحزب والانحياز والالتزام الصارم بالدقة ومعايير الحقيقة. وأن التغطية المسئولة توجه اهتمام الصحفى إلى «ماذا يكتب؟» وأن الموضوعية تجعله يهتم بـ «كيف يكتب؟» وأنه من معانى الموضوعية هو البعد عن الذاتية.

أختلف مع الطرح السابق لأنه ضمن قناعاتى.. أن الاعتراف بـ «الذاتية هى من أقصى درجات الموضوعية، خصوصًا عند أصحاب الرأى ممن لديهم القدرة على إنتاج وصناعة أفكار حقيقية وجديدة. وهو ما يتعارض مع قاعدة تنتشر بين بعض النخب السياسية والفكرية والإعلامية. الحياد ليس له وجود فى عالم الأفكار، ولا يمكن أن يبقى على قيد الحياة ما دامت هناك اختيارات وأولويات. وتظل الموضوعية هى الإطار الحاكم للذاتية ولقبول الاختلاف والتنوع بشرط عدم التحيز وتحريف المعلومات أو إخفائها أو تجاهلها من جانب، وتحقيق العدالة والتوازن والمساواة فى الرصد والتناول والتحليل من جانب آخر.

 النقطة العمياء..

أعجبنى كثيرًا نموذج التحليل لتناول ما يحدث من عنف طائفى بسبب بناء كنيسة.. من إعلام يستعرض ما حدث باعتباره تصرفات فردية واشتباكات وليست اعتداءات، فى مقابل إعلام دينى يستعرض ما حدث باعتباره اضطهاد واعتداء طائفى. وفى المعالجتين.. يظن كل طرف أنه موضوعى، وأن ما يعرضه فقط هى الحقيقة التى يجب نشرها فى تجاهل تام للسياق الذى أدى إلى الأزمة أو التوتر الطائفى من تأجيج وتصعيد بمعلومات وصور وعناوين ومقاطع فيديو موجهة لدعم وجهة نظر كل طرف، والذى يندرج تحت «المناصرة السلبية».   

 معالجات النزاعات الطائفية..

تتسم جميع المعالجات التى تتم للنزاعات الدينية فى المجتمع المصرى بأنها لا تخرج عن ثلاث معالجات، هى:

- المعالجة الدينية: وسمتها التصلب والتشدد فى التناول والتحليل لما يحدث.. بسبب انحياز كل طرف لوجهة نظره فقط دون غيرها.

- المعالجة السياسية: وهى ملتبسة ومتداخلة بين ما هو سياسى وما هو دينى، ويحكمها منطق التوازنات والتعميم المفرط فى التحليل.

- المعالجة المجتمعية: وهى مفروضة من السياق المجتمعى وفيها نوع من التوسع فى التناول الذى ينتهى بالتعميم. 

فى تقديرى، أن المعالجة الأهم فى هذا السياق.. هى المعالجة الوطنية المصرية للنزاعات الطائفية التى تم اعتمادها بعد ثورة 30 يونيو، والتى تراعى اتخاذ القرارات السياسية اللازمة للحد من الأزمات والتوترات الطائفية التى يعانى منها المواطنون المسيحيون المصريون فى سياق الرؤية التنموية لمشكلات المجتمع المصرى، وهو تدقيق للمعالجة بدون تهوين للمشكلات والهموم أو التعميم الذى لا يحسم الوصول لحلول قانونية قاطعة.

أعلم جيدًا أن الأزمات والتوترات الطائفية لها طبيعة خاصة، وأن القول بأن مشاكل البعض بسبب الانتماء الدينى.. هو تعبير عن مشاكل المجتمع كله وتبسيط مخل فى العموم. إذ أن البعض يعانى من أزمة السكن والبطالة والغلاء مثل الكثير من المواطنين. غير أن لهم مشاكل ذات طبيعة خاصة لا يمكن إهمالها مثل ما يتعلق بالتمييز فى ممارسة شعائرهم الدينية والوصول إلى المناصب العليا.  

نقطة ومن أول السطر..

يرى كل طرف فى أى صراع أو نزاع أو أزمة أو توتر.. نفسه موضوعيًا، وغير متحيز، ويملك الحقيقة المطلقة لعدم قدرته على رؤية الأخطاء وإدراكها. كما أن عدم إدراك أثر الجملة ووقعها على الطرف المقابل.. هو جهل.

ناقل الطائفية فى الإعلام بمجالاته المتعددة.. هو فى حد ذاته طائفى بغيض.