السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. أحداث 2011 سبب تراجع مفهوم الدولة الوطنية  وفتك الأزمات بالدول العربية  حرب الميليشيات

حقك.. أحداث 2011 سبب تراجع مفهوم الدولة الوطنية وفتك الأزمات بالدول العربية حرب الميليشيات

لم تعد الأزمة الفلسطينية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والإنسانية تستحوذ على ذات الاهتمام مثلما كان عليه الحال عقب 7 أكتوبر، تتنازعها حاليًا فى أروقة السياسة الخارجية مسألة أخرى أعقد وأخطر وهى سيطرة الميليشيات المسلحة على دول عديدة فى الشرق الأوسط واضطرار القوى العظمى إلى توجيه ضربات وخطط لتلك الميليشيات التى أصبحت خطرًا ليس فقط على حالة الأمن والسلم الدوليين، ولكن خطر داهم على دولهم ومجتمعاتهم، فالضحايا غالبًا من المدنيين الذين يدفعون فاتورة باهظة من حياتهم ومستقبلهم بسبب غياب دولة القانون وتراجع مفهوم الدولة الوطنية.



 

إذا نظرنا بعمق فى خريطة الشرق الأوسط اليوم سنجد أنها أصبحت محاطة بالتنظيمات شبه العسكرية أو الميليشيات الناشئة عن الصراعات الداخلية الطاحنة فى غالبية الدول العربية نتيجة التدخلات الغربية، وازدادت قوة وشراسة بدخول أطراف إقليمية واستخدامها فى الحروب بالوكالة، واستفادت من إضعاف فكرة الدولة الوطنية مع تنامى الإحساس بالظلم والقهر المصاحبة للتدخلات الغربية العنيفة خاصة فى الصراع العربي- الإسرائيلى وانحياز القوى الغربية لمصلحة دولة الاحتلال، بالإضافة لاستفادتها من لجوء الغرب للتعامل مع تلك الميليشيات بعيدًا عن الحكومات الشرعية الموجودة فى تلك الدول.

كان ظهور داعش وميليشيات الحشد الشعبى نتيجة انهيار الدولة العراقية وتفكيك الجيش العراقى فى أعقاب الاحتلال الأمريكى، ثم الانسحاب من العراق، وسيطرة طالبان على أفغانستان بعد أكثر من عشرين عامًا من الاحتلال الأمريكى، وسيطرة حماس على قطاع غزة نتيجة إضعاف السلطة الفلسطينية، وفى ليبيا ظهرت الميليشيات فور سقوط نظام القذافى، واشتد الصراع بين الجيش السودانى وقوات التدخل السريع حينما ضعف كيان الدولة نتيجة التظاهرات المستمرة وغياب الدولة ثم أصبحت ميليشيا الحوثى فى اليمن أكثر قوة فى ظل غياب الدولة اليمنية.

قطعًا الميليشيات كانت موجودة قبل انهيار الدول العربية عقب اشتعال أحداث 2011 أو ما سمى فى مراكز الأبحاث الغربية بالربيع العربى، فى لبنان والعراق تحديدًا، لكنها ازدادت شراسة وقوة نتيجة انهيار الدولة الوطنية وتفكيك الجيوش بدعم غربى لا تخطئه العين.

تمكنت مصر من النجاة بفضل شعبها وقواتها المسلحة ونجاح ثورة 30 يونيو فى صنع مسار مختلف، وعقب ذلك وضعت مصر مسألة مساعدة أشقائها فى الحفاظ على كيان ومؤسسات الدولة وحمايتها من الانهيار، وكذلك المحافظة على الجيوش الوطنية ضمن أولويات سياستها الخارجية دون تدخل مباشر فى الشئون الداخلية لتلك الدول.

كانت مصر ترى وفق تجربتها أن انهيار مؤسسات الدولة وتفكك الجيوش الوطنية خطر كبير على حالة الأمن والسلم فى المنطقة العربية وأنها مسئولة عن حالة الانفلات وغياب دولة القانون، ومن ثم تراجع الحريات وحقوق الإنسان وتأخر التنمية وزيادة موجات الهجرة غير الشرعية.

وحذر الرئيس عبدالفتاح السيسى كثيرًا من خطر انهيار وتفكك مؤسسات الدولة وأنها سبب فى موجات الإرهاب المصدرة إلى دول المنطقة وسيكون لها تبعات خطيرة على الغرب تحديدًا، وهو ما نراه اليوم فى حالة تهديد الملاحة الدولية بقناة السويس بسبب هجمات ميليشيات الحوثى اليمنية على السفن العابرة لباب المندب وتأثيره الخطير والعميق على التجارة الدولية واقتصادات دول المنطقة وتأثيره شديد الخطورة على الاقتصاد العربى المنهك بالأساس نتيجة تحديات غير متوقعة وغير مسبوقة وضعت الحكومات العربية فى مأزق شديد اختفت فيه الحلول.

الشعوب تحركها عواطفها بالتأكيد، وفى القضية الفلسطينية كان الترحيب الشعبى حاضرًا بما قامت به حماس وميليشيا الحوثى ضد إسرائيل، ولم يفكر أحد فى التوابع، حتى جاءت لحظة الحقيقة، فقد استغلت إسرائيل هجمات المقاومة الفلسطينية لتنفيذ مخطط التهجير إلى سيناء، والضغط على الدولة المصرية بكل الطرق لتحقيق ذلك، ومع الأسف ظهرت أصوات تزايد على الموقف المصرى الرافض للتهجير لأنه ببساطة تصفية لما تبقى من القضية الفلسطينية، ثم تعرضت مناطق عدة فى اليمن لغارات أمريكية - بريطانية نتج عنها ضحايا ومصابون ردًا على هجمات الحوثيين على السفن الأمريكية، ثم بدأت الحكومة الأمريكية تتخذ خطوات من أجل إعادة ميليشيات الحوثى لقوائم الإرهاب مرة أخرى، وهو القرار الذى كان الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب قد اتخذه ثم تراجع عنه الرئيس جو بايدن فى أول رئاسته وهو يعود اليوم للقرار نفسه.

وفى السودان وليبيا يدفع المدنيون فاتورة حرب الميليشيات، فالميليشيات تتحرك للسيطرة على السلطة وتحقيق أهداف من يدعمها إقليميًا وليس لديها أى وازع يمنعها من التوقف من أجل حماية أرواح الناس أو المحافظة على مقدرات الدولة، الميليشيات تصدر الأزمات للمنطقة ولا أحد لديه سلطة عليها لا الدولة ولا القانون فهى بالتأكيد لا تخضع سوى لأفكارها الأيديولوجية وهى بالأساس دينية متشددة، فضلاً عن دورها كأداة من أدوات اللعب فى المنطقة لحساب صراع القوى الإقليمية، وهنا لا يغيب عنا حسابات دولة مثل إيران فى صراعها مع إسرائيل.

بحسب التعريفات العلمية فالميليشيات هى جماعات مسلحة لا تلتزم بالقانون، وهى مصدر توتر وقلق لأى مجتمع كما لا يستقيم وجودها مع وجود مؤسسات الدولة ولا يمكن أن تحل محلها، وجودها يحمل فى طياته بذور التدخل الأجنبى وتدهور مفهوم السيادة الوطنية وتكلفة وجودها فادحة على أى مكان تتواجد فيه، وقد أثبتت التجربة أنها لا تكترث لحياة الناس أو لوجود الوطن ذاته والتجربة الأخيرة أثبتت أنه رغم شعبية ما تقوم به من أعمال مقاومة أو صد للعدوان، فإن تكلفتها الإنسانية والاقتصادية فادحة وتأثيرها الفادح ممتد لسنوات وسنوات، على مواطنيها وجيرانها على حد سواء.

إن الأوضاع فى المنطقة العربية تنذر بالخطر بسبب تمدد تلك الميليشيات حتى باتت خطرًا يهدد غالبية دول المنطقة، ولم يعد من المحتمل أن يستمر تراجع مفهوم الدولة الوطنية فى ظل تسلل مفاهيم الفوضى وقبول منطق الميليشيات، بل أصبح العمل على استعادة فكرة الدولة ودعمها فريضة على كل من يبحث عن التنمية والاستقرار فى دولنا العربية.